المرشد التعليمي: المنهج في دراسة الفقه

شبكة المنير

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ

أول آية تواجه طالب العلم هي هذه الأية وتسمى «آية التفقه»، وحينئذ لا بد من التمعن فيها فهي التي تحدد مسار طالب العلم في مسيرته العلمية، والبحث في الآية يقع في النقاط التالية:

1/ تحديد هدف التفقه.
2/ تحديد موضوع التفقه.
3/ تحديد حقيقة التفقه.

أولاً: تحديد هدف التفقه:

القرآن يحدد ذلك الهدف في آياتٍ عديدة وذلك الهدف هو تحقيق الخلافة الإلهية على الأرض. بلحاظ أن الإنسان ليس أصيلاً في هذا العالم - بمعنى أن الوجود عارضٌ له وليس من ذاتياته - بل هو خليفةٌ، ولهذا المعنى تشير آياتٍ عديدة منها قوله تعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا، ولازم ذلك أن يسير الإنسان على ما يريده المستخلِف - بكسر اللام - فيكون دوره المحوري هو تحقيق الخلافة الإلهية، وهذا الدور من لوازمه تطبيق الإرادة التشريعية في الأرض التي يحددها الفقه. وإذا اتضح كل هذا ينقدح سؤالٌ وهو: ما هو المقصود من الحذر في آية التفقه؟

الحذر في الآية بمعنى الحذر العملي أي تجسيد الخلافة على وجه الأرض، وليس المقصود منه هو: الحذر من المستقبل، وحينئذٍ يمكننا أن نقول أن الفقه هو الطريق لتجسيد قوانين الله على الأرض وهذا بعينه هو معنى الحذر في الآية. ومن هذا البيان يتضح أن أشرف العلوم هو الفقه لأن شرف كل علم يغايته والغاية المذكورة هي أشرف الغايات.

ثانياً: - تحديد موضوع التفقه:

موضوع التفقه هو تحديد الوظيفة العملية اتجاه القانون الإلهي.

ولتوضيح هذا الكلام لا بد من بيان المقصود من الوظيفة العملية، فنقول: الوظيفة العملية إما شرعية وإما عقلبة، والشرعية تنقسم إلى الحكم الواقعي والحكم الظاهري. ولكن ما هو المقصود من الحكم الواقعي والحكم الظاهري؟

الحكم الواقعي: هو الحكم المنصب على الموضوع بعنوانه الأولي.

ومثال ذلك: عندما يواجه الفقيه هذه المسألة وهو أنه هل صلاة الجمعة واجبة في عصر الغيبة أولا؟

فيراجع المعتبرة التي معناها أنه إذا اجتمع خمسة وفيهم من يخطب أمهم، فيستفيد الفقيه من ذلك وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة.

الحكم الظاهري: هو الحكم لا بعنوانه الأولي بل بما هو مجهول الحكم الواقعي. فمثلاً عندما يشك في أن وطئ الحائض بعد النقاء وقبل الاغتسال جائزٌ أو لا؟.

وعندما يراجع الفقيه الأدلة لا يرى آية أو رواية توضح هذا الحكم، وبالتالي قد يتمسك الفقيه باستصحاب الحرمة على القول بجريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية.

هذا كله في الوظيفة العملية الشرعية، أما الوظيفة العقلية فهي التي تصل النوبة إليها بعد فقدان الوظيفة الأولى بقسميها.

وإذا تبين ذلك، يتضح معنى الإنذار في الآية فهو بمعنى بيان الوظيفة العملية أعم من كونها شرعية أو عقلية. وعلى هذا ينقدح سؤال مهم وهو أن الفقيه هل يجب عليه الفتوى أو الإنذار؟

الآية السابقة بالبيان السابق تدل على أن وظيفة الفقيه هو الإنذار أي بيان الوظيفة الشرعية أعم من الشرعية أو العقلية وبهذا البيان نوجه ما يثار من أن الفقيه لماذا يفتي بما قد يخالف بحثه الفقيه؟ والجواب عن ذلك واضح باللحاظ السابق إذ نقول أن هذه الإثارة تقوم على أساس افتراض أن الفقيه يجب عليه الافتاء وهذا الافتراض لا دليل عليه بل غاية ما يثبته الدليل هو وجوب الانذار وهو يحصل ببيان الوظيفة العملية للمكلف سواءً أكانت على نحو الحكم الواقعي أو الظاهري أو الإحتياط.

ثالثاً: حقيقة التفقه:

حقيقته هو تحديد الوظيفة العملية من خلال الأدلة التفصيلية الأربعة، وبالتالي ليس هدف طالب العلم هو أن يكون خطيباً أو مبلغاً أو ما شاكل ذلك بل الهدف الأسمى هو أن يكون فقيهاً وبالتالي لا بد أن يستفرغ الطالب وسعه ليكون مصداقاً للآية أي التفقه ومن المعروف أن الموضوع في الدليل يحمل على معناه الأكمل وهو التفقه بمعنى كونه فقيهاً وليس بلحاظ كونه مقلداً، إذ أن هذه مرتبة دانية من التفقه. ونستنتج من كل ذلك أن ما سوى الفقاهة هو طريق وتوطئة لذلك. ونذكر هنا مثالاً لكل دليل من الأدلة الأربعة وهي كالتالي:

1/ القران الكريم:

ومثال ذلك لو شككنا أن عقد التأمين هل هوصحيح ولازم أو لا؟

يتمسك الفقيه بعموم «أوفوا بالعقو د» لإثبات الصحة واللزوم بناءً على دلالة الآية على ذلك.

2/ السنة الشريفة:

ومثال ذلك تمسك الفقيه بمعتبرة هشام بن الحكم وهي سألته عن قول الله عز وجل ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ما يعني بذلك؟ قال: ”أن يكون صحيح في بدنه مخلى سربه له زاد ورحلة“ فيثبت من خلالها أن الاستطاعة شرط في فعلية وجوب الحج.

3/ الإجماع:

ومثال ذلك تمسك الفقيه بالإجماع لإثبات شرطية العدالة في إمام الجماعة بعد فقدان الدليلين الأوليين.

4/ العقل:

ومثال ذلك تمسك الفقيه بدليل العقل على إثبات وجوب التمام لمن سافر معصية وعندما وصل إلى المكان المطلوب لم يمارس المعصية لعدم تمكنه منها، ببيان: أن قصد المعصية جرأة على المولى والتجري قبيح وبالتالي السفر بقصد المعصية مبرز للتجري النفسي والعقل يحكم بقبح الفعل المتجرى به، وكل ما حكم العقل به حكم الشرع به - وبناءً على تمامية كلا المقدمتين - يستنتج الفقيه أن السفر معصية لأنه قبيح عقلاً والقبيح حرامٌ شرعاً وبالتالي يجب الإتمام.