لقاء العلامة المنير بمجموعة من أساقفة مؤتمر الولايات المتحدة للأساقفة الكاثوليك

شبكة المنير

في إطار تعزيز القيم المشتركة بين الأديان؛ التقى سماحة الحجة السيد منير الخباز - دامت بركاته - بمجموعة من أساقفة مؤتمر الولايات المتحدة للأساقفة الكاثوليك[1] ، وذلك ظهر الأربعاء 29 من شهر صفر 1438 هـ ، الموافق 30 نوفمبر 2016 م، وكان بمعيته:

1- سماحة السيد محمد باقر الكشميريّ - حفظه الله -، الوكيل الشرعيّ للمرجعيّة الدينيّة العليا، والمشرف العام على مؤسسة إمام [2] .

2- الأستاذ مصطفى حسن، المدير العام لمؤسسة إمام.

3- الدكتور عباس كاظم، مؤسس ورئيس مركز الدراسات الشيعية في واشنطن.

وكان في استقبالهم:

1- الدكتور جونثان ريس - المدير التنفيذي لإدارة العدل والسلام والتنمية البشرية.[3] 

2- ستيڤن هيلبرت - المستشار في مكتب العدل والسلام.[4] 

3- الدكتور ستيڤن كلاكي - مدير مكتب العدل والسلام.[5] 

4- الأب رونالد روبرسون - المدير المساعد لأمانة الشؤون المسكونية والأديان.[6] 

5- الدكتور أنثوني سيريلي - المدير المساعد للأب روبرسون لأمانة الشؤون المسكونية والأديان والمسؤول عن الحوارت الدينية. [7] 

والذين أبدوا سعادتهم الغامرة بقدومهم الميمون، وإبداء رغبتهم في مدّ جسور التواصل والتعاون.

وتحدّث سماحة الحجة السيد منير الخبّاز - حفظه الله - في مستهلّ حواره، عن الغاية من هذه الزيارة الأخوية، والتي يُهدَف من ورائها أن تكون حجرَ أساس لانطلاقة مشروع حوارٍ ولقاءٍ بين هاتين الديانتين المباركتين «المسيحية والإسلام»، ومن أجل أن يكون هذا المشروع مفتاحاً لتعريف المسلمين والمسيحيين بالتراث الإنسانيّ للمسيح ، ولمحمد ، وعلي .

وأرفد بالقول: نحن انطلاقاً من القرآن الكريم الذي يحترم الأديان كلّها ويقول ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، وانطلاقاً من تعاليم الإمام علي : «إما أخٌ لك في الدين، وإما نظيرٌ لك في الخَلْق».

إنَّنا نجد تراثاً روحياً مشتركاً بين المسيحية والإسلام، فحينما نقرأ تراث الإمام عليّ في نهج البلاغة، والإمام الحسين في دعائه يوم عرفة، أو أدعية الصحيفة السجّاديّة للإمام زين العابدين ؛ نجد نَفّس اللَّمسات والمُنطلقات الروحية، وبعبارة أخرى نجد عِلْم اللاهوت علماً مشتركاً بين المسيحيّة والإسلام، وهذا ما يُحفِّزنا على الحوار والتنسيق وتتميم الأمور.

فأكّد الدكتور ستيڤن كلاكي ما أشار له سماحة السيد - حفظه الله - من تناغمٍ بين المسيحيّة والإسلام، وقال: ما تفضلتم به قريب جداً من تجربتي الخاصة، حينما زرتُ العراق وإيران، والآن سأذهب ثانيةً لزيارة العراق للقاء بالمسيحيين والمسلمين، وقد لمستُ في زيارتي تلك هذه الروح المتناغمة، وكذلك عند زيارة إلى مدينة «قم» في إيران، إذ زرتُ ضريح فاطمة المعصومة، فوجدتُ الأطفال يرحبون برجال الدين المسيحيين الذين كانوا معنا، ويلبسون ملابس رجال الدين التقليدية، فضلاً عن لقاءاتنا الرسمية في قم، وفي إيران عموماً.

وقد خَلَصتُ إلى نتيجةٍ: أنَّ أمور العقيدة بين «الكاثوليكية» و«الإسلام» فيها مشتركاتٌ كثيرةٌ، وتشابهٌ عظيمٌ، ومن الأشياء التي وجدتها حينما نتكلم مع بعضنا ككاثوليك ومسيحيين، وحينما نتكلم مع المسلمين، وجدنا أن هناك مشتركات كثيرة، فكلٌّ من الكاثوليك والمسلمين يؤمنان: بالعقل، والإيمان كمُكمِّلين لبعضهما البعض، ويؤمنان - أيضاً - بالنصّ الدينيّ، وبالتأويل والتفكير والتدبّر في النصّ الدينيّ، وكذلك التعامل الدينيّ لكليهما متشابهٌ، حتى في مسألة الصلاة، وأمور العبادة، وكلٌّ منّا له نفس النمطية في الجانب الدينيّ، بما يُعطي تشابهاً كبيراً بين الكاثوليكية والإسلام.

هذه الأرضية المشتركة والتشابه بين الكاثوليكية والإسلام مكنتنا - مثلاً - أن نلتقي مرتين اثنتين في قم في سنة 2014م، وفي روما في هذه السنة، بسبب هذه الأرضية المشتركة، واستطعنا مناقشة أمورٍ معقَّدةٍ جداً، وقد لا تكون لها علاقةٌ مباشرةٌ بالدِّين، وسيتكلم زميلي حول موضوع العلاقات بين الأديان.

وأعقبه بالحديث الأب رونالد روبرسون، وكرّر سعادته البالغة بهذه الزيارة، والتي ستفتح الباب لتسهيل كثيرٍ من الأمور، والتي كنّا نخطط لها منذ زمنٍ، وفي هذا المكتب لدينا علاقات طيبة مع المسلمين، وهناك حوارات بيننا تعود إلى 25 سنة ماضية، ومنذ العام الماضي تحوّل الحوار من «محليٍّ» إلى حوارٍ عامٍّ يشمل جميع الولايات المتحدة الأمريكية.

ثمّ أكّد سماحة السيد - حفظه الله - على أهميّة هذا اللقاء وأمثاله، وقال: نحن كذلك نرحب بهذا اللقاء المبارك، انطلاقاً ممّا ذكره القرآن الكريم عن لسان المسيح : ﴿قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا، فهذه الكلمات التي حكاها القرآن الكريم عن لسان المسيح ، تتضمن عناصر العمل المشترك بين المسيحيين والمسلمين، لأنها هي الوصايا الإنسانيّة التي يقوم عليها البناء الصالح للإنسان، يقول : ﴿جَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ، فأينما حلَّ تحلّ البركة والخير، وهذا ما نعتقده - نحن - في الأنبياء والأولياء، فهم مصدر البركة والخير، ولذلك نحن نلتفّ حول ظلالهم، وحول كلماتهم، ثمّ يقول: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فهناك عنصر علاقةٍ مع «الله» - الصلاة -، وهناك عنصر علاقةٍ مع «المجتمع» - الزكاة -، والتي تعني حالة الإنفاق والعطاء في سبيل إنعاش المجتمع، والقضاء على حالة الفقر، وهناك عنصرٌ ثالثٌ يتمثّل في «القيَم والأخلاق»: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي، وهذه هي الرعاية الأسرية، ﴿وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا، وفي هذا نظرٌ إلى التطرّف والإرهاب، لأنَّ الإرهابيّ شخصٌ جبارٌ شقيٌّ، فهنا المسيح منذ أكثر من ألفي سنة، يحارب التطرّف والإرهاب ويقول: الإرهابيّ المتطرّف جبارٌ شقيٌّ علينا أن ننبذه ونرفضه، ﴿ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ.

فأردف الدكتور ستيڤن كلاكي بالقول مؤيّداً ما تفضّل به سماحة السيد: هذا الشيء لمسناه أيضاً حينما كنّا نقوم بحوارٍ في قم، وفي العالم الإسلامي، فكلا الديانتين لا تؤمنان بالحرب الغاشمة «الغزو»، وإنما تكون الحرب عادلةً في حالة الدّفاع.

ثمّ تحدّث سماحة السيد - حفظه الله - عن سماحة الدين المسيحيّ، وعن صفات من يمثله تمثيلاً حقيقياً، وأشار بالقول: إنَّ القرآن الكريم يؤكد على أنَّ من صفات الرُّهبان والقسيسين «الرِّقة القلبيّة»، فقلب القسيس والرَّاهب نهرٌ من الحنان والرِّقّة، ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ، فالرهبان والقسيسون من صفاتهم التواضع، والإنسانيّة فهم لا يستكبرون، وهذا شاهدٌ على التواضع، وهناك شاهدٌ على الرِّقة، ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ، فلو أنَّ المسلمين والمسيحيين امتلكوا هذين العنصرين؛ وهما: التواضع والرِّقة، لانمحتْ روحُ التطرُّف والإرهاب بين الجميع.

وعلّق الدكتور ستيڤن كلاكي حول أهميّة هذه الروح، وقال: إنهم في لقاءاتهم الأخيرة مع البابا فرانسيس، كانت مسألة «الرحمة» هذه محلاً للنقاش المُستفيض، وكما هي تنبع من الله، هي كذلك رحمة الإنسان للإنسان، وهي من الأمور المهمة التي تركز عليها الكنيسة الكاثوليكية في هذا الوقت، وتاريخيّاً نجد - ما تفضلتم به - من وجود تناغمٍ بين هذا وما نحن مشتغلون به في الأوساط الكاثوليكية.

وتعرّض سماحة السيد - حفظه الله - إلى موقعيّة «كربلاء» في الوجدان الشيعيّ، وقال: إنَّ من أروع ملاحم التاريخ الإسلاميّ «كربلاء»، فالحسين الذي ضحّى بدمه وأهله وكلِّ ما يملك، في سبيل الحفاظ على الإنسانيّة، وعلى القيَم الإنسانية من: الكرامة، والحريّة؛ قام بنفس دور المسيح الذي بذل ما عنده، في سبيل الحفاظ على المجتمع البشريّ وقيَمِه، فالحسين بذل ما عنده في سبيل الحفاظ على قيم المجتمع البشري، وكان من جملة مَن استُشهِد معه مجموعةٌ من الذين كانوا مسيحيين، منهم: أسلم التركيّ، وقد استشهِد يوم كربلاء، وجاء الحسين له، ومسح التراب عن خدّه، ووضع خدَّه على خدِّه، وقال أسلم: مَنْ مثلي؟! والحسين يضع خدَّه على خدِّي، ومن هؤلاء الذين كانوا مسيحيين جون، وقد استُشهِد يوم كربلاء، فلمّا قُتِلَ وصل الحسين إلى جسده واحتضنه. إنَّ قصة كربلاء تُبرِز لنا العلاقة الروحية الوطيدة بين الديانات السماوية وأنّها امتدادٌ لها.

وفي ختام اللقاء أشاد سماحة السيد محمد باقر الكشميريّ - حفظه الله - بهذا اللقاء الإيمانيّ المبارك، وأعرب عن سعادته بهذا التواصل الحواريّ، وأهمية ذلك التلاقي الإنسانيّ، وضرورة استمرار هكذا تواصل مع الحواضر العلمية الشيعيّة في النجف الأشرف، وقمّ المقدسة، وأنّ مؤسسته «إمام» ترحبُ كثيراً بأمثال هذا التواصل، وهي على أتمّ الاستعداد لرفد هذا المشروع بما يؤدّي إلى نجاحه واستمراريته.

وثنّى هذه السعادة الدكتور ستيڤن كلاكي وقال: إنّنا سعداء جداً برؤية هذا التعاون، ومن خلال التجربة، وبالرّغم من وجود تصاعد معيّن بين الأديان، إلاّ أنَّ هناك كثيراً من التعاون الباعث على الأمل، وهذا أمرٌ جميلٌ جداً، في أمريكا، والشرق الأوسط، بما يحمي الناس، ويخلق جوّاً من التفاهم الدينيّ، خصوصاً بين المسيحيين والمسلمين، ونتمنّى أن تستمرّ هذه الجهود بشكلٍ مُمنهجٍ لننطلق للأمام بصورةٍ صحيحة.

وختم سماحة الحجّة السيد منير الخباز - حفظه الله - هذا اللقاء بالتعبير عن سعادته البالغة به، داعياً الله - تعالى - بأن تستمر هذه اللقاءات والحوارات المفيدة والمثمرة للمجتمع الإنسانيّ كلّه، وأنّنا كمسيحيين ومسلمين، نعتقد أنَّ خلاص البشريّة من جميع الهموم سيكون على يد المسيح ، والمهدي المنتظر «عج».

يشار إلى أنّ هذا اللقاء المبارك، كان بتنسيقٍ ومتابعةٍ مشكورةٍ من مؤسسة إمام، وبمتابعةٍ شخصيّةٍ من سماحة السيد محمد باقر الكشميريّ - حفظه الله -.

مؤتمر الولايات المتحدة للأساقفة الكاثوليك

[1]  The United States Conference of Catholic Bishops «USCCB»
[2]  Imam Mahdi Association of Marjaeya «I. M. A. M.»
[3]  Dr. Jonathan Reyes - Executive director of the Department of Justice، Peace and Human Development.
[4]  Stephen Hilbert - A policy advisor for the Office of Justice and Peace.
[5]  ‎Dr. Stephen Colecchi - The director of the Office of Justice and Peace.
[6]  Fr. Ronald Roberson - Serves as associate director of the Secretariat for Ecumenical and Interreligious Affairs.
[7]  Dr. Anthony Cirelli - Associate director with Fr. Robebson، Secretariat of Ecumenical and Interreligious Affairs and responsible of the religious dialogues.
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
السيد أبو حسن
[ أمريكا ]: 6 / 12 / 2016م - 1:35 ص
ماشاء الله تبارك الله
حفظ الله العلامة المنير، وجعله جسرأ من جسور الإنسانية والمحبة والسلام في أقطار الأرض..