ملخص: القرآن إبداع بشري أم إعجاز إلهي؟

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى «3» إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى «4» [النجم: 3 - 4]

ذكرنا في ما سبق بأن من عوامل التصديق على نبوة محمد ص صدور المعجز على يديه، ومن أظهر المعجزات التي تجلت على يديه هو القرآن الكريم.

عندما نريد أن نتحدث عن القرآن الكريم نتناول مرحلتين:

  • نفي بشرية القرآن.
  • معالم إعجاز القرآن.

والحديث كان في المرحلة الأولى وهي نفي بشرية القرآن الكريم.

هناك عدة من المستشرقين يقولون بأن القرآن الكريم صناعة وصياغة بشرية وذكروا عدة وجوه ومحتملات لذلك:

المحتمل الأول:

أن النبي تلقى بعض المضامين الإلهية وهو بدوره صاغ هذا الكتاب وكتبه بحسب لغته وثقافته.

وجوه نفي هذا الإحتمال:

  • اختلاف السبك والنفس الأدبي للنبي الذي يظهر في خطبه ورسائله عن النفس الأدبي للقرآن.
  • العتاب القرآني، والذي هو عتاب ظاهري مجازي فلو كان النبي ص من صاغ القرآن لأخفى الآيات التي تثير الشك في صدق موقفه، ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ [التوبة: 43]، ﴿وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا [الإسراء: 74]، ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر: 65]
  • لم ترد في القرآن القداسة للنبي ص كما وردت وسبقت موسى وعيسى. ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ [الأحقاف: 9]، ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 188]
المحتمل الثاني:

أنه ناشىء عن إصابة النبي بمرض الفص الصدغي، ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ [الذاريات: 52]

وأوجه مناقشة هذا المحتمل:

  • لاملازمة بين الموجبة الكلية والموجبة الجزئية فنتيجة الدراسة التي تظهر بأن نسبة من مرضى الفص الصدغي يتحدثون في أمور روحية لا تعني بأن كل من يتحدث بأمور روحية مصاب بذات المرض.
  • النبي عاش 23 سنة بين الناس ولم يرى عليه أعراض المرض.
  • الشخص الذي يؤسس دولة ويدير الجيش والاقتصاد لابد أن يكون شخصية ملتفته حذرة، فكيف يبقى واهما؟
  • المرض غاية ما ينتج أنه يدلي ببعض القضايا الروحية لا أن يأتي بكتاب بتشريع متكامل ويتحدث عن الحقائق الكونية.
المحتمل الثالث:

ان النبي اكتسب القرآن من ثقافة عصره أي من كتب العهدين القديم والجديد. والدليل التشابه الكبير بين القرآن وكتب العهدين في القصص والتشريعات، ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفرقان: 5]

وأوجه مناقشة هذا المحتمل:

  • أمية النبي ، فكيف لإنسان أمي أن يستنسخ هذا القرآن العظيم من كتابين، ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت: 48]، ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى: 52].
  • الشخص الذي يستنسخ كل القصص والتشريعات من العهدين يجب أن يكون متعلما على السيريانية والعبرية واليونانية.
  • تمت ترجمة كتب العهد القديم والعهد الجديد في القرن الثامن أي بعد وفاة النبي وهذا نفى إحتمالية أن النبي استعان بالنسخ المترجمة من العهدين في استنساخه.
  • مخالفة القرآن الكريم لكتب العهدين في موارد كثيرة.
  • المحتمل الرابع:

ان النبي صاغه وكتبه نتيجة التعلم، ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل: 103]، وهذا المحتمل يرتكز على أمرين:

انه تعلمه من بحيرا الراهب

  • كيف للنبي من خلال لقاء ساعة واحدة يتعلم مافي القرآن كاملا.
  • «الذهبي» في تعليقه على مستدرك الحاكم يقول بأن هذه القصة مختلقه وهي ليست إلا خرافة كتبت في القرن الثاني عشر.

انه تعلمه من ورقة ابن نوفل

  • هذه القصة تفرد بها فريق من المسلمين وبحسب مايروون بأن زوجة النبي التي روت هذه القصة لم تعاصر زمن البعثة.
  • لم يرويها بعد النبي الا البيت الزبيري ولا وثاقة لهم
  • رواة القصة أنفسهم قالوا بأن ورقة ابن نوفل توفي بعد البعثة بسنتين. فكيف للنبي أن يصيغ القرآن ويكتب القصص والأحداث بعد مدة من الزمن؟

﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ «193» عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ «194» بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ «195» وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ «196» أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ «197» [الشعراء: 193 - 197]، ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ «16» إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ «17» فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ «18» ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ «19» [القيامة: 16 - 19].

فالقرآن الكريم الذي جاء بقصة الإنسانية من يوم آدم إلى يوم نبوة محمد ، هو نفسه آية على أنه من الله تبارك وتعالى.

وكما هو القرآن الكريم معجز في آياته فهو معجز في لحنه الموسيقي الذي يلهب المشاعر والأحاسيس.

ولذلك نرى أنصار الحسين ليلة العاشر من محرم لهم دوي كدوي النحل مابين قائم وقاعد وراكع وساجد وهم يتلون ويرتلون القرآن.