بيان من علماء المنطقة بمناسبة المولد النبوي الشريف

شبكة المنير

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق والمرسلين محمد بن عبدالله وعلى آله الطيبين الطاهرين، وبعد:

نتقدم إلى مولانا صاحب العصر والزمان أرواحنا فداه، ومراجعنا الأعلام، وأمتنا الإسلامية، وإلى جموع المؤمنين في العالم بأحر التهاني والتبريكات بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، والتي يحتفل جمهور السنة بها في الثاني عشر من شهر ربيع الأول وجمهورُ الشيعة في السابع عشر منه، وقد جرت العادة الحسنة بالاحتفال فيها بأيام تعبر عن الوحدة الإسلامية؛ وبهذه المناسبة المجيدة والمباركة نود التنويه بالتالي:

أولاً: ندعو الجميع إلى الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف بكلِّ وجهٍ مشروعٍ ولائقٍ لأن يكون مصداقاً من مصاديق التكريم لشخصية النبي الأعظم التي تحتل في عقول المسلمين ونفوسهم مكانةً لا توازيها مكانة مخلوق آخر، لأنه قناةُ الخيرِ النازلِ من عند الله تعالى على عباده، ومن ثَمَّ فإن الاحتفالَ بذكرى مولده الشريف ليست بحاجةٍ إلى التذكيرِ بأهميتِه فضلاً عن مشروعيته، ولا ينبغي التقصيرُ فيه، فهو مصداق لقول الله عزوجل: «ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ» «الحج: 32».

ثانياً: إن من أهم أشكال الاحتفاءِ بشخصية النبي الأعظم وتكريمِها، بخاصة في ذكرى مولده الشريف، هو التحلي بحسن أخلاقه التي أشاد بها ربه وربنا تعالى في قوله عز اسمه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ «القلم: 4»، من قبيل احترام المسلم ورعاية كرامته والتعامل معه بالأخوَّة الصادقة، فما أحوجنا إلى نعمة الخلق الحسن التي لا يستغني عنها مجتمعٌ راشدٌ، فهي سبب تماسكه وطريق تعاونه على البر والتقوى.

ثالثاً: يجب الحذر من كل ما من شأنه تفتيت عرى المحبة والمودة بين المسلمين قولاً أو فعلاً، لأن ذلك مما يبغضه الله تعالى ورسوله الكريم ، ولأن من شأنه أن يتيح الفرصة للمتربصين بديننا وأمتنا سوءً أن يكيدونا ويمكروا بنا، قال عزَ وجلَ: «وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ» «الأنفال: 46».

رابعاً: إن الاختلاف في الاجتهادات بين المسلمين أمرٌ واقعٌ لا مناص من التسليم به؛ ومن حسن التعامل به أن نجعله اختلاف تنوُّع وتكامل ورقيٍّ، لا اختلاف تمزق وتشتت وتخلُّف.

خامساً: في الوقت الذي نؤكد فيه على مبدأ الوحدة الإسلامية ووجوب السعي في تحقيقها على أرض الواقع، ونشيد بأي جهدٍ مخلصٍ وصادقٍ يُبذل في هذا الاتجاه، نلفت الأنظار إلى أن الوحدة التي نؤمن بها لا تعني أبداً أن يتخلى المسلم عن بعض ما يتبنَّاه في المعارف أو العقائد أو الشعائر والشعارات أو ما ينطلق منه من مرتكزات، إرضاءً لأطراف أخرى، بل إن الوحدة تعني، في الدرجة الأولى، أن يسعى الجميعُ إلى توفير أجواء المحبة والمودة؛ عبر التركيزِ على ما يجمع ويوحد، والاحتفاظِ بخصوصيات كلِّ طرف لنفسه، وتكريس مبدأ التعايش بين المذاهب الإسلامية.

وأن ما ورثناه - نحن الشيعة - من العلم أو العمل بطريقٍ معتبرٍ عن النبيِّ وآلِهِ «عليه و» ليس مما يقبل التنازلَ عن قيد أنملة منه، ولا يصح جعلُ التخلي عنه أو إغماض النظر عن الحقائق التاريخية بأي شكل من الأشكال شرطاً للوحدة أو التعايش، كما أننا في الوقت نفسه لن نتخلى عن مبدأ احترام الآخر الذي أكَّد أهلُ البيتِ على جعله إطاراً للتعامل مع الناس أجمعين فضلاً عن شركائنا في الدين.

سادساً: إن تكريسَ واقعِ التعدديةِ فكرياًّ وعلمياًّ وإقرارَ مبدأِ التعايش عملياًّ، على مستوى العلماء والمؤسسات الرسمية على حدٍّ سواء، هما الكفيلان بخلقِ مناخٍ صالحٍ للبحث العلمي الموضوعي والحر، بخلاف أجواء التشنج التي تشكِّل بطبيعتها عائقاً عن الوصولِ إلى حواراتٍ علميةٍ جادةٍ وحقيقيةٍ كما أن إعطاء حقوق المواطنة الكاملة لكل مسلم في بلده، ورفع كل أشكال التمييز عنه، وأن يكون بحيث يكون له الحق في بناء مساجده، وإقامة شعائره، وتدريس مذهبه، وسن القانون الذي يدين ويجرم الاساءة لمعتقده وأعلام مذهبه؛ هو الطريق للسلم والأمن الاجتماعيين، ولبناء الثقة والتواصل والحوار الأخوي بين أبناء الدين والوطن الواحد، فإن وحدة الأوطان بوحدة الحقوق ووحدة بوحدة المشاعر، وتبادل الاحترام والتكريم، وأداء الحقوق.

سابعاً: ندعو أنفسَنا وعمومَ المؤمنين وكافةَ المسلمين إلى تقوى الله تعالى من خلال الاحتفاظِ بالأولوياتِ الحقيقيةِ في الصدارة، لأن ذلك من شأنه لَمُّ شتاتِ الأمةِ الواحدةِ وتجميعُ طاقاتِها لإعادة حقوقها المسلوبة وحفظ ما يراد سلبه.

وفي الختام نسأل اللهَ تعالى أن يصلح ما فسد من أمور المسلمين، وأن يرزقنا جميعاً شفاعةَ النبي وآله «صلى الله عليه وعليهم» يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. والحمد لله أولاً وآخراً.

ذكرى مولد النبي الأعظم

شعار الوحدة الإسلامية

12 - 17/3/1431 هـ