الإدارة الحربية لمعركة كربلاء

شبكة المنير

سؤال:

لماذا لم يُهاجِم الإمام الحسين وأصحابه هجوماً مُوحَّداً، دفعةً واحدةً، بل كانوا رضوان الله عليهم يتقدمون للمعركة واحداً تلو آخر؟ على خلاف ما كانت عليه معارك رسول الله ، والإمام علي ، أريد جوابا مقنعاً - إذا تكرمتم -.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين ، وعلى أصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين ، وبعد...

فإن الثابت تاريخياً أن هناك فرقا بين الهجوم والمنازلة، ففي حال الهجوم يقوم الجيش الغازي بالهجوم دفعة واحدة، ويقوم القوم بالنفر دفعة واحدة للدفاع عن أنفسهم، وأما في المنازلة؛ فيتقابل الطرفان وتبدأ المنازلة ببروز الأبطال واحداً واحداً، أو اثنين اثنين، أو ثلاثة ثلاثة، لا دفعةً واحدةً، إلا إذا حصل هياج في طرفٍ، فإنه ينقضُّ على الآخر بكل جيشه، وقد اختار معسكر الحسين المواجهة بفن المنازلة، فلم يبرزوا دفعة واحدة، بل برز الأنصار أولاً، اثنين اثنين، وثلاثةً ثلاثةً، ثم جاء دور بني هاشم ثانياً بنفس الطريقة، ثم جاء دور العباس والحسين في نزال واحد، ثم صار الحسين وحده في القتال، والأسباب في ذلك: -

أولًا: لأنَّ الطريقة المتعارفة لفن المنازلة في المعارك عند العرب بهذه الطريقة، فحتى لو أراد طرفٌ أن يُغيِّر الطريقة فإن الطرف الآخر يرغمه على العود لما هو المنهج المتعارف في النزال.

وثانياً: لكي يستفيد المقاتل اللاحق من تجربة السابق، فيتابع قتاله وهذا لا يحصل بالقتال دفعةً واحدةً.

وثالثاً: لأنَّ المقاتلين لو برزوا دفعةً واحدةً سهل القضاء عليهم بأسرع وقتٍ، إذ ينقضُّ عليهم الجيش كلُّه، وهو أكثر عدداً وسلاحا، فيحاصرهم ويُودي بهم جميعاً في مدةٍ قصيرةٍ.

ورابعاً: إذا برز المقاتل وحده، أو معه شخصٌ، أمكن لغيره ممن يراقب القتال أن يُعِينَه عند الضرورة بسلاحٍ، أو بقتالٍ معه، أو دفع خطرٍ عنه، وهذا لا يحصل لو برز الجميع دفعةً واحدةً.

وخامساً: اختار العرب هذه الطريقة في النزال؛ لِيَتبيَّن شجاعة كلِّ شخصٍ، وتميُّزه على غيره في فن القتال، إذ لا يمكن معرفة تميُّز المقاتل ضمن القتال العام وفوضى المعركة، وإنما يتبين ذلك بقتاله وحده، وأيضا لأجل أنَّ المعركة إذا بدأت بمُقاتلٍ عنيفٍ، وبشكلٍ تدريجيٍّ، وترتَّب على قتاله كثرة عدد القتلى في صفوف العدو؛ فإن ذلك يوجب إرهاباً نفسياً للعدو، فيتراجع عن القتال، فلا حاجة بعد ذلك لقتال الباقين، بخلاف ما لو بذل المعسكر كل قوته مرة واحدة، فإن خسارته تكون أكثر ولا يمكنه التاثير على نفسية العدو.

وسادساً: أراد معسكر الحسين أن يعلِّم المعسكر الآخر درساً إيمانياً في الفداء والإيثار، فبدأ بأصغر الأنصار فداءً للكبار منهم، ثم بكبار الأنصار فداءً للعترة النبوية، ثم بشباب بني هاشمٍ فداءً للكبار منهم، ثم بالكبار منهم فداءً للحسين ، فلو برزوا مرةً واحدةً لم يتحقق التسلسل الذي يعطي درساً في الفداء والإيثار.

وسابعاً: أراد الحسين أن يكون له موقف مع أغلب الأنصار، بأن يقف عند توديع كل مقاتل، أو على جنازته مؤبناً أو مادحاً له، ليكون ذلك إكراماً لأنصاره، وتثميناً لمواقفهم البطولية، وتخليداً لهم في الأجيال الآتية، وهذا لا يتحقق لو برزوا صفاً واحداً، كما أراد الأنصار أيضا؛ أن يكون لكلِّ واحدٍ منهم تاريخٌ في الفداء العلوي للمبادئ، فيكون للمقاتل رجزٌ شعريٌّ خاصٌّ ينشده عند قتاله، أو خطبةٌ في المعركة يُظهِر من خلالها فداءه للدين، وصموده في هذا الطريق، وكل ذلك لتعليم الأمة الإسلامية أهمية فداء المبادئ والقيم.

حشرنا الله مع الحسين، وأصحاب الحسين ، ورزقنا شفاعتهم،،،