نص الشريط
كربلاء مدرسة العزة
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 1/1/1430 هـ
مرات العرض: 2875
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (57769)
تشغيل:

﴿يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ

القيم الجمالية في مدرسة كربلاء، وأول هذه القيم الجمالية هي قيمة العزة التي تحدث عنها القرآن الكريم بقوله: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وتحدث عنها الحسين في قوله: ”واللهِ لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا افر فرار العبيد“، حديثنا عن العزة في محاور ثلاثة:

  • مفهوم العزة وأقسامها.
  • عزة الفرد وعزة الأمة.
  • مظاهر العزة في مدرسة كربلاء.

المحور الأول: مفهوم العزة وأقسامها.

ما هي العزة؟ العزة لغة: بمعنى الصلابة «أرض إعزاز» أي أرض صلبه، استعملت العزة في معاني، منها العزة بمعنى القاهرية والغلبة قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ يعني يا أيها الشخص القاهر الذي لا يغلب قال تعالى: ﴿مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ، واستعملت العزة بمعنى الندرة قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ أي نادر، واستعملت العزة بمعنى المشقة قال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ «يعني يشق عليه» مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ نحن حديثنا عن العزة بمعنى الصلابة والقاهرية، الإنسان العزيز هو الإنسان الصلب الذي لا يقهر ولا يغلب.

ما هي أقسام العزة؟

العزة متفرعة على ملك القوة، من ملك قوة ومن ملك عزة ومن كان ضعيفاً فهو ذليل، العزة متفرعة على ملك القوة ولذلك ترى القرآن الكريم يفرع العزة على الملك، يقول القرآن: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فرعت الآية العز على الملك لأن بيده الملك وبيده القوة إذن بيده العزة، بما أن العزة متفرعة على الملك ومتفرعة على القوة فهناك:

  1. عزة ذاتية.
  2. عزة اكتسابية.

الخالق تبارك وتعالى لأنه يملك القوة بذاته فقوته نابعة من ذاته ومن خالقيته وليست مكتسبه من غيره لأنه يمتلك القوة بذاته وهو عزيز بذاته فعزته «عزة ذاتيه»، بينما المخلوق يستوهب القوة ويكتسبها من الخالق فقوة المخلوق قوة اكتسابية إذن عزته «عزة اكتسابية» قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً العزة الذاتية المفاضة من قبل الله تبارك وتعالى: ﴿الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً.

علماء العرفان يقسمون العزة إلى:

  1. عزة ظليه.
  2. عزة حقيقة.
  3. عزة حقه.

العزة الظليه:

هي عزة المؤمن، عندما يكون المؤمن عزيز فالعزة ليست لشخص مؤمن، العزة لإيمانه، المؤمن ظل لإيمانه والعزة لإيمانه وليست له وليست لشخصه لذلك عزة المؤمن عزة ظلية.

العزة الحقيقية:

وهي عزة الرسول محمد «صل الله عليه وآله» فعزة الرسول عزة حقيقية لأن الرسول مظهراً لله العزيز في قدرته وحياته وعلمه وحكمته فعزة الرسول عزة حقيقية، وهناك عزة حقيقية حقا وهي عزة الله تبارك وتعالى لأنه مصدر القوة والقدرة قال تبارك وتعالى: ﴿يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ من القائل؟! عبد الله ابن أبي سلول رأس المنافقين ﴿يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ نحن الأعز والنبي الأذل نحن نخرجه، القرآن يرد عليه ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ هنا نكته عقائديه القائل عبد الله ابن أبي سلول القرآن عبر عنه بصيغة الجمع وقال: ﴿يَقُولُونَ بينما القائل واحد وليس جماعة ﴿َقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ مع أن القائل واحد وعبر عنه بصيغة الجمع وقال: ﴿يَقُولُونَ، لماذا؟!

كل عمل تؤمن به جماعة يصح نسبته إلى الجماعة وإن كان الفاعل فرداً، عندما يقوم فرداً بعمل ما لكن هناك أمه تؤمن بهذا العمل وترضى بهذا العمل وتثق بهذا العمل يصح نسبة الفعل إلى الجماعة، مثلاً: عندما يشيد شخصاً مأتماً وعندما يشيد شخصاً مسجداً يصح لنا بأن نقول بأن أهل المنطقة الفلانيه شيدوا مأتماً وشيدوا مسجداً مع أن القائم به شخصاً واحد لماذا؟!

لأن الجميع كان مؤمنناً به وراضياً به الفعل الواحد المرضي به لدى الجماعة يصح نسبته إلى الجماعة لذلك في زيارة الحسين وفي زيارة العباس تقول: «لعن الله أمة قتلتك ولعن الله أمة ظلمتك ولعن الله أمة سمعت بذلك ورضيت به» صحيح القاتلون أشخاص معدودون ولكن بما أن هذا القتل جريمة رضيت به أمه ورضي به مجتمع فالجميع يصح نسبة القتل إليه «ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به».

فعل الواحد يصح نسبته إلى الجماعة إذا كان فعلاً مرضياً، آية الولاية الواردة في الإمام علي قال: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ هذا الفعل صدر من واحد وهو علي ابن أبي طالب لكن القرآن نسبه إلى الجماعة وقال: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ لماذا نسب فعل الواحد إلى الجماعة؟ لأن المؤمنين مؤمنون بهذا العمل وراضون بهذا العمل وهو إيتاء الزكاة حال الصلاة وحال الركوع بما أنه فعل مؤمن به الجمع ومرضي لدى الجمع لذلك نسبه إلى الجماعة.

نحن عندما نقول العزة صفة عظيمة، القرآن الكريم يقول: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ قد يتصور إنسان أن الاعتزاز بالنفس تكبر والتكبر مذموم فيخلط بين العزة وبين التكبر، هناك فرق بين العزة وبين التكبر ما هو الفرق بينهما؟!

التكبر: هو التعالي على الآخرين لعامل شخصياً كنسب أو عرق أو لغة أو ثقافة، أنا أتعالى عليه لأن نسبي أشرف منك نسباً، أو أتعالى عليك لأن عرقي بنظري أشرف من عرقك، أو أتعالى عليك لأن لي ثقافة لا تمتلكها أنت، التعالي على الغير لنسب أو ثقافة أو عرق هذا تكبر والتكبر مذموم فالقرآن الكريم يقول: ﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاًوقال تعالى: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ هذا التكبر مذموم.

العزة: العزة هي احترام صفة الإيمان، أنت أيها المؤمن أعطيك صفة الإيمان عليك أن تحترم صفة الإيمان التي أعطيت لك من قبل الله، احترام المؤمن لصفة الإيمان التي أعطيت لها من قبل الله هو العزة وهذا يختلف عن التكبر مثلاً: أنا إنسان مؤمن أدخل مجلس فسوق مجلس كله مجون تارة أدخل المجلس من أجل تغيره وهدايته هذه حركة مباركة أمراً بمعروف ونهي عن المنكر، وتارة ادخل للمجلس مجارة له، عندما أدخل المجلس مجارة له وأطر إلى أن أداريه وأجاريه كي لا أكون شخصاً شاذاً وكي لا أكون شخصاً منبوذاً هذه ذلة، لماذا؟!

لأنني لم أحترم صفة الإيمان التي وهبت لي من قبل الله، من احترم صفة إيمانه التي وهبت له وضعها في موضوعها اللائق بها، مثلاً: ربما امرأة مؤمنة تقول أنا أذهب إلى حفلة كلها غناء ورقص وكلها لهو وطرب فإذا كان دخولها مستوجب للمجارة والخضوع فهذه ذلة، المؤمن لا يذل صفة الإيمان التي وهبت له من قبل الله تبارك وتعالى.

إذن العزة تختلف عن التكبر العزة أن تحترم صفة الإيمان التي أعطيت لك فتضعها في موضعها اللائق بها هذا هو المحور الأول من حديثنا حول العزة وأقسامها.

المحور الثاني: عزة الفرد وعز الأمة.

أحياناً يتصف بالعزة الفرد وأحياناً يتصف بالعزة الأمة.

عزة الفرد: عزة الفرد المؤمن لها مظاهر ثلاثة:

  1. العزة الإيمانية.
  2. العزة الفخرية.
  3. العزة السلوكية.
المظهر الأول: العزة الإيمانية.

ما معناها؟ معناها أن لا تذل إيمانك أمام السلطان، كيف لا أذل إيماني أمام السلطان؟ كيف يتعامل الناس مع السلطان؟ هناك من يتعامل مع السلطان بلغة الانبطاح وبلغة الاستجداء، التعامل مع السلطان بلغة الاستجداء والانبطاح إذلالاً لصفة الإيمان وهناك من يتعامل مع السلطان بلغة الحوار، الحوار المؤدب المقتضي لجلب الحقوق هذا التعامل عزة، الأحاديث الشريفة تشير إلى كلا النوعين من التعامل، الإمام الكاظم يمدح علي ابن يقطين لأن لغته لغة الحوار العزيز يقول له: «يا علي إن لله مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أولياءه».

ويقول الإمام الكاظم عمن يتعامل مع السلطان بلغة الاستجداء يقول: «لئن أسقط من حالق فأتقطع قطعة قطعة أحب إليَّ من أن أطأ إليهم بساطه أو أتولى لهم عملا».

العزة الإيمانية في موقف الإمام الصادق الإمام الصادق لم يطلق ثورة شجع ثورة زيد ابن علي ابن الحسين ولكنه لم يتصدى لقيادة ثورة الإمام لم يطلق ثورة لكنه حافظ على مبدأ العزة، الإمام الصادق حافظ على مقام العزة.

المنصور العباسي كسائر الخلفاء، الخلفاء الأمويون والعباسيون في كل سنة يأتون إلى الحج لكسب سمعه إعلاميه ويعبرون عن طريق المدينة المنورة إذا دخل الخليفة المدينة يخرج إليها أعيانها ووجهائها يستقبلونه ويرحبون به المنصور العباسي كذلك المنصور العباسي يفتقد الإمام الصادق الإمام الصادق لا يخرج ولا يستقبل ولا يرحب، كتب المنصور العباسي إلى الإمام الصادق كتب إليه «يا جعفر لم لا تغشانا كما يغشانا الناس» أجابه الإمام الصادق: «ليس لنا من الدنيا ما نخافك عليه» ليس لنا من عمارات وعقارات ونخاف أن تأخذها ونأتي لنسلم عليك «ليس لنا من الدنيا ما نخافك عليه وليس لك من الآخرة ما نرجوه منك» أنت لا تملك آخره حتى نأتي ونقول لك نسألك الدعاء، يعني لماذا نأتيك؟ فكتب إليه المنصور: «تصحبنا لتنصحنا» فأجابه الإمام الصادق: «من أراد الآخرة لا يصحبك ومن أراد الدنيا لا ينصحك» هذا مظهر العزة، مظهر العزة في الاستقلال وفي الصلابة هذا هو مظهر العزة الذي حافظ عليه الإمام الصادق .

المظهر الثاني: العزة الفخرية.

مثلاً: بعض أبنائنا عندما يذهبون إلى الغرب مثلاً يقول أنا لا أستطيع أن أعيش في أمريكا أو أوربا أن لا أصافح المرأة الأجنبية، لا أستطيع ويلزم أن أصافح المرأة الأجنبية، إذا دعيت إلى مائدة عليها خمراً لا أستطيع أنا أن لا اجلس، اعد منبوذاً وأعد شاذاً يأخذون عني فكرة بأني معقد فأن مطر إلى المجارة، هذه ذلة فالعزة الفخرية أن تعتز بمبادئك أن تعتز بقيمك، المجتمع الغربي يعظم الإنسان المبدئي الذي يقف عند مبادئه ويقف عند قيمه عندما أقول مبادئي لا تسمح لي بأن أصافح المرأة الأجنبية ومبادئي لا تسمح لي أن أجلس على مائدة فيها خمراً أو نبيذ مبادئي لا تسمح لي، المجتمع الغربي يرى الإنسان المبدئي شخصية مستقلة وشخصية ذات قرار وذات إرادة، الإنسان المبدئي محترم.

ورد عن الإمام الحسن الزكي «سلام الله عليه»: ”من أراد عزاً بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته“.

المظهر الثالث: العزة السلوكية.

كيف يكون المؤمن منا عزيزاً في سلوكه، العزة السلوكية أن لا تدخل في شيء تعتذر منه لاحظوا سماعة أبن مهران يروي عن الإمام الصادق : ”إن الله فوض إلى المؤمن أموره كلها ولم يفوض إليه أن يذل نفسه“ لماذا؟!

لأن الإيمان ليس حقاً من حقوقك الشخصية حتى تتنازل عنه، تقول والله الإيمان حق شخصي ممكن أن أتنازل عنه؟ لا ليس من حقك هذا الإيمان حتى تتنازل عنه هذا حق الله «ولم يفوض إليه أن يذل نفسه إن المؤمن أشد من زبر الحديد» إن الحديد إذا دخل النار لان والمؤمن لو قتل ثم نشرا ثم قتل لم بتغير قلبه.

وقال في رواية أخرى المفضل ابن عمر عن الإمام الصادق : ”لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، قلت: بماذا يذل نفسه؟، قال: أن يدخل فيما يعتذر منه“ يدخل في أشياء ثم يطر إلى أن يعتذر منها ويختلق مبررات، المؤمن لا يدخل مجالس الفسوق إلا بغرض هدايتها والتأثير فيها، المؤمن لا يجلس مجالس البطالين إلا بغرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في دعاء أبي حمزة: «أم رأيتني ألف مجالس البطالين فيني وبينهم خليتني» المؤمن لا يدخل مواطن التهم ويدخل في علاقات مريبة تجعل منه موضع غيبة وغمزاً ولمز ثم يعتذر عن ذلك، لا المؤمن يحتفظ بإيمانه بموضع العزة والمنعة والصلابة.

عزة الأمة:

كما أن المؤمن عزيز ينبغي أن تكون الأمة امة عزيزة، كيف يعني أن الأمة امة عزيزة؟ كيف تصير الأمة الإسلامية امة عزيزة؟ وهل الأمة الإسلامية الآن امة عزيزة أم لا؟ العزة تتجلى في موردين:

المورد الأول:

الفقهاء يتناولون مسألة فقهيه هل يجوز تشريح بدن الإنسان المسلم؟ بدن الإنسان الكافر بالعنوان الأولي يجوز تشريحه لا حرمة لبدنه، بدن الإنسان المسلم لا يجوز تشريحه بالعنوان الأول، لماذا؟!

لأن الروايات المعتبرة تقول: «إن حرمته ميتاً كحرمته حياً» جسمه محترم مثلما كان في الحياة وتشريحه انتهاكاً لحرمته «إن حرمته ميتاً كحرمته حياً»، لو توقف تعلم الطب على تشريح بدن المسلم ولو توقف اكتشاف الجريمة على تشريح بدن المسلم ولو توقف اكتشاف وباء خطير على تشريح بدن المسلم ولو توقف تعلم الطب على تشريح بدن المسلم هل يجوز أم لا؟ هنا بعض الفقهاء يقول نعم يجوز، لماذا؟!

يقول نحن عندنا أمران:

الأمر الأول: حرمة بدن المسلم هذا له حرمة.

الأمر الثاني: عزة المجتمع الإسلامي.

إذا دار الأمر بين حرمة بدن المسلم وعزة المجتمع الإسلامي فعزة المجتمع الإسلامي أهم من حرمة البدن الميت المسلم، تقدم عزة المجتمع الإسلامي على حرمة البدن الميت المسلم لماذا؟!

لأن المسلمين لو منعناهم من تشريح أبدان المسلمين ولا يملكون أبدان كفار ليشرحوها قلنا لهم لا تتعلموا الطب من هذا المجال تعلموا غير هذا المجال، لو أن المسلمين منعوا من التشريح في فرض التوقف للزم أن يكون الطب لدى المسلمين علماً ناقصاً، وإذا كان الطب لدى المسلمين علماً ناقصاً مع انه علم خطير يتوقف عليه إنقاذ النفوس المحترمة، لو كان علم الطب لدى المسلمين علماً ناقصاً لظل المجتمع الإسلامي محتاجاً إلى المجتمع الغربي في أمس الأشياء وأخطرها ألا وهو إنقاذ النفوس المحترمة، واحتياج المجتمع الإسلامي إلى المجتمع الغربي في هذه الأمور الخطيرة جداً إذلالاً للمجتمع الإسلامي.

إذن محافظة على عزة المجتمع الإسلامي لقوله تبارك وتعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ولقول النبي المصطفى محمد : ”الإسلام يعلو ولا يعلى عليه“، محافظة على عزة المجتمع الإسلامي لو توقف تعلم الطب على تشريح بدن المسلم لقلنا عزة المجتمع الإسلامي أهم من حرمة بدن الإنسان المسلم فتتقدم عزة المجتمع الإسلامي، هذا هو المورد الأول.

المورد الثاني:

هناك فرق بين حوار الحضارات وخنوع الحضارات، ربما إنسان يقول أنت جالس وتقول المجتمع الإسلامي لازم أن يكون عزيز يعني لا نستفيد من الغرب؟ لا استفيد من الغرب، وهذا يسمى حوار الحضارات القرآن الكريم يدعو إلى حوار الحضارات والقرآن الكريم يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا التعارف هو حوار الحضارات، حوار الحضارات مطلوب، حوار الحضارات استفادة الحضارة الإسلامية من الحضارة الغربية في مجال العلم والتكنولوجيا مطلوب، لكن حوار الحضارات شيء وخنوع الحضارات شيء آخر، نحن نتكلم عن العزة، العزة ما هي؟!

عزة المجتمع الإسلامي أن يكون مستقلاً في قراره ومستقلاً في إرادته ومعتمداً على كفاءات أبناءه وطاقاتهم، المجتمع الذي يعتمد على كفاءات أبنائه وقدراتهم ويكون ذا إرادة مستقلة وذا قرار مستقل هو المجتمع العزيز وأما المجتمع الذي ليس قراره بيده وإرادته ليست بيده حتى أبناءه لا يستطيع أن يعتمد عليهم لأن قراره ليس بيده هذا مجتمع ذليل إذن عزة الأمة عزة المجتمع في أن تكون إرادة المجتمع وقرار المجتمع بيده كي يعتمد على طاقات أبناءه وقدراتهم ومواهبهم الخلاقة الفعالة، هذا هو المراد بعزة الأمة.

ولذلك اليابان خاضت حرب العالمية وخسر كل شي ولكنه لم يخسر عزته خسر البنية التحتية كلها وتحطمت البنية كلها ولكنه لم يخسر عزته لأنه شعب عزيز يمتلك إرادة ويتملك قرار ويمتلك الاعتماد على طاقات أبناءه انتفض وبني مجدة وحضارته من جديد.

محمد إقبال المفكر الهندي المعروف ينقل عن موسوليني أحد علماء الاجتماع، موسوليني يقول: «إذا امتلكت الحديد امتلكت الرغيف» يعني لا يمكن أن تمتلك ثروة إلا إذا عندك قوة، الثروة فرع القوة، محمد إقبال يرد عليه يقول له لا: «إذا كنت كالحديد امتلكت الرغيف» امتلاك الثروة يحتاج إلى عزة واستقلال، أنت إذن كالحديد يعني إنسان مستقل يعني مجتمع مستقل، إذا كنت مستقلاً ملكت كل شيء، المهم هو الاستقلال في الإرادة والاستقلال في القرار.

إذن عزة المجتمع الإسلامي عزة يريدها الله، عزة من أهم المبادئ المقدسة ولذلك لا يجوز لمسلم أن يسيء إلى سمعة المجتمع الإسلامي، نفترض مثلاً: مسلم يقوم بعمل إرهابي في الغرب ومن خلاله يسيء إلى سمعه المجتمع الإسلامي وينتهك عزة المجتمع الإسلامي هذا عمل محرم لأن عزة المجتمع الإسلامي مبدأ مقدس، لا يجوز إلى شيعياً أن ينتهك حرمة التشيع، مع الأسف كثيراً منا يخرج على القنوات ويلقي أموراً تسيء إلى سمعة المذهب وتسيء إلى حرمة المذهب وتسيء إلى عزة المذهب، عزة المجتمع الإسلامي وعزة المذهب مبدأ مقدس ليس من حق أي شخصاً أن يسيء إليه وليس من حق أي شخص أن ينتهكه ولست من حقك أن تطلق شعارات كيفما تشاء وتنسب أموراً كيفما تشاء، هناك مذهب له حرمة لا يخضع لهذه الآراء الشخصية ولا يخضع إلى هذه التوجهات الفردية، إذن عزة المجتمع الإسلامي مبدأ مقدس.

المحور الثالث: مظاهر العزة في مدرسة كربلاء.

من أين نستجلب مظاهر العزة؟ من خطابات الحسين أول خطاب وأول تصريح صرح به الحسين وهو يفتتح حركته المباركة عندما عرضت عليه بيعة يزيد ابن أبي معاوية فنجه إلى أمير المدينة وقال: «يا أمير إن أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ويزيد رجل فاسق شارب للخمر قاتل للنفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله» ما معنى مثلي ومثله؟

لكل شخص مقام اجتماعي معين، رجل الدين له مقام اجتماعي وشيخ القبيلة له مقام اجتماعي وكل شخص له مقام اجتماعي، الشخص الذي يدوس على مقامة الاجتماعي يذل مقامة الاجتماعي هو لا يذل نفسه هو يذل المقام، هذا إذلال للمقام.

نقرب هذا المعنى برواية، زراره أحد أصحاب الأئمة يروي عن الإمام الصادق يقول سمعت أبا عبد الله جعفر ابن محمد يقول: «ثلاثة لا أتقي فيهمن أحدا، شرب المسكر والمسح على الخفين ومتعة الحج» هذه الثلاثة أمور أنا لا اتقي فيها، زراره يعلق ويقول: «قال لا اتقي ولم يقل لا تتقوا» يعني موقع الإمام يختلف عن موقعكم، هناك أشياء يختلف فيها الإمام عن الإنسان العادي كيف؟!

الإنسان العادي مثلاً لو صار في مقام تقيه رأى أن هناك ضرر ولا يمكن أن يدفع الضرر عن نفسه إلا إذا مسح على الخفين مسح على الحذاء من حق الإنسان العادي أن يمسح على الخفين إذا كان في مقام التقية ورفع الضرر عن نفسه، لكن هل يمكن للإمام المعصوم أن يرتكب التقية بالمسح على الخفين؟

لا يختلف المقام، الإنسان العادي يمكن يستخدم التقية فيمسح على الخفين لأنه إنسان مغمور أما القيادة لو اتقت بالمسح على الخفين لكن ذلك إذلالاً لمقام الإمامة وإذلال لموقع القيادة يعني، ترى مثلاً: مرجعاً من المراجع الشيعة العظام يأتي مثلاً ويتكتف في الصلاة، تسأله لماذا يقول تقيه، لا لا يجوز، تقية هذا الإنسان العادي يمكن أن يرفع الخطر عن نفسه بأن يتكتف أما المرجع المعروف بين الناس استخدامه للتقية في مثل هذا المورد يعد إذلالاً لموقع القيادة وإذلالاً لموقع الزعامة، لأن مقامة مقام قيادة للأمة فالتقية تتناسب مع شخص ولا تتناسب مع شخص آخر، التقية تختلف بإخلاف الموارد وتختلف باختلاف المقامات وتختلف باختلاف المواقع.

لذلك الإمام الصادق يقول أنا كإمام لا يناسبني أن أتقي بشرب المسكر أأتي وأشرب مسكر وأقول تقية؟! لا يمكن هذا فمقامي لا يتناسب يصبح إذلال لموقف الإمامة: «ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا، شرب المسكر والمسح على الخفين ومتعة الحج».

إذن بالنتيجة: لكل شخص موقع فلو وطء موقعه وداس موقعة كان ذالك إذلالاً للموقع الذي فيه.

الحسين يمثل موقع ويزيد يمثل موقع، موقع الحسين أنه إمام منصوص عليه وقيادة للإمام المسلم، أما موقعيه يزيد أنه قيادة للأسرار والظلمة وللمتمردين، إذن هناك موقعان الحسين قيادة ويزيد قيادة، الحسين يمثل خط ويزيد يمثل خط، خضوع الخط الأول للخط الثاني إذلال وليس عزة.

معاوية بن أبي سفيان كتب للإمام الحسن الزكي : «يا أبا محمد أنا خيراً منك» لماذا؟ «لأن الناس أجمعت عليَّ ولم تجمع عليك» أنا عندما أصبح الحكم بيدي الناس كلها أذعنت وأنت عندما كان الحكم بيدك كان خلافات وحروب فأنا خيراً منك، الإمام الحسن أجابه قال: «إن الذين أجمعوا عليك بين مكره ومطيع، فأما المكره فهو معذوراً في كتاب الله ﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وأما المطيع فهو عصى لله، وأنا لا أقول أنا خيراً منك لأنه لا خير فيك، فلقد برأني الله من الرذائل كم برئك من الفضائل».

إذن هناك خطان: خط فضائل،وخط رذائل، الحسن والحسين يقودان «خط الفضائل» ومعاوية ويزيد يقودون «خط الرذائل» كلاهما في موضع قيادة وكلاهما في موقع ريادة، الحسين يقول: «بيعتي ليزيد وأنا في موقع الإمامة والقيادة لخط الفضائل إذلالاً لهذا الخط وإذلالاً لهذا المقام، إذن مثلي من هو في خطي ومن هو في موقعي موقع القيادة، مثلي لا يبايعني أهل».

الحسين يوم عاشوراء فرق بين الذلة المادية والذلة المبدأيه كيف ذلة مادية وذلة مبدأيه؟!

الأئمة يمكن أن يذلوا ذلة مادية، الإمام زين العابدين أذل ذلة مادية، ربط الحبل في عنقه وجر بين الأعداء وهو الذي قال عن نفسه أقاد ذليلاً في دمشق كأنني، السيدة زينب أذلت ذلة مادية ضربت وسبيت لكن الذلة المادية شيء والذلة المبدأيه شيءً آخر، الذلة المادية ليست عيباً لأنة ذلة قهرية ليست باختيار الإنسان عندما يذل الإنسان فإنما يذل جسمه وتذل قوته المادية وهذه ذلة قهرية وليست اختاريه فهي ليست عيباً وليست مذمةً، العيب والعار والمذمة في الذلة المبدأيه عندما يتنازل الإنسان عن بعض مبادئه وبعض قيمة.

أما عندما يتحدى زين العابدين وهو في الأسر وهو في القيود وهو يتحدى يزيد بن معاوية ويصر على مبادئه فهذه عزة وليست ذلة، فكد كيدك وأسعى سعيك ونصار جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا وإن رأيك إلا فند وجمعك إلا بدد وأيامك إلا عدد، عزة معنوية وعزة مبدأية وإن كانت هناك ذلة مادية، الحسين يقول: «ألا وأن الدعية يا ابن الدعي عبيد الله ابن زياد، قد ركز بين اثنتين بين الثلة والذلة وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وجذور طابت وجحور طهرت ونفوس وأنوف حمية ونفوس أبيه أن تأثر طاعة اللائم على مصارع الكرم».

جمال المحبة وقدسيتها