نص الشريط
دور المنبر الحسيني في وصايا المرجع الأعلى
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 24/1/1445 هـ
مرات العرض: 100
المدة: 01:12:09
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (49) حجم الملف: 24.7 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125]

صدق الله العلي العظيم

في مقام الدعوة إلى الله تبارك وتعالى طرح القرآن الكريم ثلاثة أساليب: الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن. وتنوع هذه الأساليب راجع لتنوع القوة المستهدفة في شخصية الإنسان، فإن الإنسان في شخصيته يحمل ثلاث قوى، ولكل قوة خطاب يتناسب معها، فهناك قوة العقل، وهناك قوة القلب، وهناك قوة النفس بما لها من نزعات.

فقوة العقل وهي أقوى القوى في شخصية الإنسان لأنها القوة القادرة على التحليل والاستنتاج، وهذه القوة يناسبها الحكمة ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ فالحكمة خطاب متوجه إلى قوة العقل، وهذا يعني أن الحكمة هي عبارة عن طرح الفكرة مع دليلها وبرهانها الوافي حتى يقتنع بها العقل ويتفاعل معها، فالأسلوب الأول هو أسلوب الحكمة، وهو يستهدف قوة العقل لدى الإنسان.

الأسلوب الثاني يخاطب القلب، ربما يستمع الإنسان إلى البرهان والدليل، ويرى عقله أن الدليل واضح ولكن قلبه لا يستجيب لعقله، عقله يتقبل الدليل والبرهان لكن قلبه لا يطاوع عقله، قلبه لا يستجيب ولا يتفاعل مع عقله كما قال تبارك وتعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ [النمل: 14] عندما يرجعون إلى عقولهم يجدون أن هذا الكلام صحيح، ولكن عندما يعودون إلى قلوبهم فإن قلوبهم نتيجة للغشاوة التي تعتريها لا يستجيبون ولا يتفاعلون مع الكلام كما قال تبارك وتعالى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46] وقال تبارك وتعالى: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا [الأعراف: 179]

إذن القلب يحتاج إلى خطاب آخر غير خطاب العقل، والخطاب الذي يستهدف القلب هو الموعظة الحسنة؛ لأن الموعظة الحسنة خطاب عاطفي، خطاب يناشد نزعات القلب وميوله لذلك كلما كانت الموعظة حسنة يتأثر بها واعظها وكان موقعها في القلب كبيراً.

القوة الثالثة: الإنسان له نفس كما قال القرآن الكريم: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا [الشمس: 7] والنفس لها نزعات مختلفة، ومن نزعات النفس نزعة المغالبة. الإنسان يمتلك غريزة ألا وهي غريزة حب الذات، لأنه يحب ذاته دائماً يدافع عن أفكاره، يدافع عن متبنياته، يدافع عن سلوكه، يدافع عن خططه، انطلاقاً من غريزة حب الذات ترى الإنسان يغالب الآخرين من أجل إثبات صحة كلامه وصحة طريقه، وهذا ما يسمى بنزعة المغالبة، والقرآن الكريم يعبر عن هذه النزعة بقوله: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف: 54]

ويقول القرآن الكريم: ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا [النحل: 111] الإنسان يجادل عن نفسه ويدافع عن أفكاره انطلاقاً من نزعة المغالبة، هذه القوة المسماة نزعة المغالبة تحتاج إلى خطاب يناسبها، وهذا الخطاب هو ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125] الجدال بالتي هي أحسن لا بالتي هي أخشن، الجدال المبني على الحوار، المبني على الأدب، المبني على الأسلوب الهادئ، المبني على ملاحظة سائر الشواهد والإثارات، هو الخطاب الصالح لانتزاع المغالبة في الإنسان وترويضه، ولقبوله بالحق.

إذن هناك ثلاثة أساليب تواجه ثلاث قوى في شخصية الإنسان.

من أهم المنصات الإعلامية التي يمتلكها الشيعة الإمامية والتي تتضمن الأساليب الثلاثة: الحكمة والموعظة الحسنة والجدال الأحسن هي منصة المنبر الحسيني، وحديثنا هذه الليلة عن المنبر الحسيني في إطار وصايا المرجعية العليا المتمثلة في آية الله العظمى السيد السيستاني مد ظله الشريف.

وهنا نتحدث في إطار هذه الوصايا في عدة محاور:

  • في أهمية دور المنبر الحسيني.
  • مضامين المنبر الحسيني.
  • ما هو المنهج القويم الصحيح للخطابة؟
  • مواصفات الخطيب.
  • مزالق الأقدام.
 المحور الأول: في أهمية دور المنبر الحسيني.

الأمر الأول: المنبر الحسيني اليوم يمثل المنصة الإعلامية الأكثر تأثيراً وأهمية في عالم الشيعة الإمامية؛ لأن للمنبر الحسيني امتداداً في أغلب أيام السنة وخصوصاً مناسبات أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين، فهو المنصة الإعلامية المؤثرة في عقول الناس وفي قلوبهم، وفي ربطهم بمبادئ أهل البيت .

المنبر الحسيني يتجلى دوره وأهميته بملاحظة الأمر الثاني.

الأمر الثاني: المنبر الحسيني هو امتداد ليوم الحسين ، ومعنى أن المنبر الحسيني امتداد لصوت الحسين وليوم الحسين أن دور المنبر الحسيني يتمحور حول الدين، ترسيخاً، دفاعاً، تربيةً، سلوكاً. هذه هي المهمة الأساسية والخطيرة للمنبر الحسيني.

والأمر الثالث: أن المجتمع الإسلامي والشيعي يحتاج إلى عدة منابر، يحتاج إلى المنبر الوعظي الذي يركز على المواعظ وترقيق القلوب وشد الناس نحو العبادة والطاعة والزلفى، العالم الشيعي يحتاج إلى المنبر التاريخي الذي يعرض تاريخ أهل البيت بتفاصيله الموثقة الثابتة من أجل ربط الناس بأئمتهم وقادتهم طريقاً وتمهيداً للاقتداء بسيرتهم.

العالم الشيعي يحتاج إلى المنبر القرآني الذي يركز على القرآن تفسيراً وتأويلاً واستظهاراً واستبطاناً، يركز على معالم القرآن وعلومه وهذا أمر مهم بالنسبة للمسلمين عامة وللإمامية خاصة.

عالم الشيعة الإمامية يحتاج أيضاً إلى المنبر الناعي، المنبر الذي يركز على النعي وعرض مصائب أهل البيت بتفاصيلها بأسلوب شجي محزن يثير المشاعر والعواطف ويعرض مظلومية أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين.

العالم الشيعي يحتاج إلى المنبر الفكري، والمنبر الفكري هو عبارة عن المنبر الذي يعرض الفكر الديني بأدلة وبراهين ساطعة ووافية، ويقوم بالمقارنة بين الفكر الديني والاتجاهات والأفكار الأخرى، كما أنه يعرض الفكر ومبادئ أهل البيت بلغة علمية معاصرة تكون جذابة للعقول ومؤثرة في النفوس.

كل هذه المنابر بأنواعها وألوانها مما يحتاجه العالم الشيعي حاجة ماسة.

الأمر الرابع: وصايا المرجع الأعلى السيد السيستاني مد ظله حول المنبر الحسيني لا تختص بالخطباء بل تشمل العلماء وأئمة المساجد والمبلغين، هذه الوصايا لا تختص بالخطباء الذكور تشمل الإناث المبلغات العالمات المؤهلات للخطابة والتبليغ، هذه الوصايا كما هي تصلح للخطيب والمبلغ تصلح للمستمع حتى يكون المستمع مقوماً للمنبر وعارفاً من هو المنبر الأفضل، ومن هو المنبر الذي يقوم بالمسؤولية خير قيام، ويطرح هذا السؤال: هل جسد المنبر الحسيني المسؤولية الدينية التبليغية والحسينية بأحسن تمثيل وتجسيد أم لا؟

ورد عن الإمام الصادق : أتجلسون وتتحدثون؟ قلت: بلى سيدي. قال: إني أحب تلك المجالس فأحيوا فيها أمرنا.

أن يكون المنبر الحسيني إحياءً لأمرهم، أن يكون المنبر الحسيني مثالاً لقوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125]

 المحور الثاني: مضامين المنبر الحسيني.

طرح السيد مد ظله الشريف في هذا المحور وصايا خمس ضرورية للعلماء والمبلغين والخطباء، نذكر هذه الوصايا:

الوصية الأولى: الوصية القرآنية.

الاهتمام بالقرآن الكريم في الخطاب اهتماماً أكيداً، فإن رسالة الله سبحانه إلى الخلق كافة وثقله الأكبر في هذه الأمة وميزان الحق والباطل هو القرآن الكريم، ويقول سماحة السيد مد ظله: ينبغي أن يكون هو  القرآن  واجهة الخطاب، ووجه الخطاب، ويكون ذكر ما سواه في ظله وتحت لوائه. ينبغي للخطيب أن يفتتح بالقرآن وما يذكره من أحاديث ومن روايات كلها امتداد للقرآن في ظله وتحت لوائه باعتبار أن القرآن الكريم هو وحي الله وهو الثقل الأكبر، فينبغي أن تكون الواجهة للخطابة آية من القرآن الكريم كي ترسخ تعاليم القرآن في النفوس وكي تتعبأ العقول بالمفاهيم القرآنية.

الوصية الثانية: الوصية العقدية.

ذكر ما يثبت أصول العقيدة بأدلة محكمة، أصول الدين الخمسة لابد من عرضها على المنابر بالأدلة والبراهين المحكمة، نحن اليوم لسنا كما كنا قبل خمسين سنة ومئة سنة، نحن اليوم نواجه تيارات فكرية كبيرة، نحن اليوم نواجه فكراً غربياً وشرقياً كبيراً نحتاج إلى أن نعرض فكرنا الديني بأدلة وبراهين قوية ناصعة يفهمها الذهن العام حتى إذا حضر الشاب والشابة هذا المجلس وهذا المأتم يخرج بثقة بالفكر الديني لأنه يرى أن في الفكر الديني قوة، ويرى في الفكر الديني عظمة تواجه سائر التيارات وسائر الأفكار الأخرى، لذلك يركز السيد السيستاني على هذه النقطة.

الوصية الثالثة: الوصية الوعظية.

وليذكّر المبلغ تذكيراً مؤكداً بالدار الآخرة وأهميتها حيث يؤتى كل امرئ بصحيفة أعماله في هذه الحياة وتوضع موازين القسط ليوم القيامة فيكون لكل امرئ ما سعى إليه من خصال وأعمال وأن ليس للإنسان إلا ما سعى.

وروافد الموعظة هي القرآن وروايات أهل البيت، وخطب نهج البلاغة والصحيفة السجادية. هذه الروافد الأربعة للموعظة الأخروية كما تعرض لها سماحته مد ظله.

الوصية الرابعة: الوصية القيمية، الوصية التربوية.

على المنبر أن يعنى بقضايا الأخلاق، أن يعنى بالاهتمام بالقضايا الخلقية وتربية الأُسر والأجيال على هذه القيم الفطرية السامية التي أكد عليها القرآن، ولابد للمنبر أن يقرن عرضه للأخلاق بسيرة النبي محمد وسيرة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين فإنهم القدوات العليا في مجال الأخلاق، يقول سماحته: فإن النبي والمصطفين من عترته هم أعلام الهدى والمثل الأعلى لهذه الأمة في تجسيد تعاليم القرآن الكريم وقيمه الفطرية وكمال التعقل والرشد وإيتاء الحكمة والتحلي بالقيم الأخلاقية كالعدل والصدق والإحسان والوفاء بالعهد والعفاف وحسن الخلق، فهم الذين ضحوا من أجلها مع ما فيه من القيام بوظيفة الدعوة الإلهية إلى الله تبارك وتعالى، وكما أن الله جعل عيسى بن مريم مثلاً كما يقول القرآن الكريم: ﴿وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ [الزخرف: 59] كذلك جعل محمداً وقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: 21]

ثم يقول: وليسعَ الشعراء إلى تضمين قصائدهم حول أهل البيت المعاني الراشدة والفاضلة التي تساعد في تنمية العقل وتحفيز الرشد وتحريك الضمير وتفعيل الفطرة.

الوصية الخامسة: سمات التشيع.

يركز هنا سماحته مد ظله على الروايات، يقول الشيعي الحقيقي من يتصف بثلاث صفات: التقوى؛ أي الورع عن المحارم والذنوب، وحسن الخلق، والتعامل مع كل الناس بالأدب والاحترام. ففي هذا الحديث كقول الإمام أبي عبد الله تؤكد تلك الوصايا على الالتزام العملي بتعاليم دينهم والتحلي بخصالهم ومكارم أخلاقهم حتى مع المختلفين في الدين والمذهب فضلاً عن المشتركين معكم فيهما، قال الإمام أبو عبد الله الصادق : عليكم بتقوى الله والورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الخلق، وحسن الجوار، وكونوا دعاة إلى الخير بغير ألسنتكم، كونوا زيناً ولا تكونوا شيناً.

وفي الحديث عن جابر الجعفي عن أبي جعفر قال: يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه وما كانوا يُعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشع والأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر للوالدين والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة... يا جابر لا تذهبن بك المذاهب.

وعن معاوية بن وهب قلت للإمام الصادق: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وخلطائنا من الناس ممن ليسوا على أمرنا؟ قال: تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون فوالله إنهم ليعودون مرضاهم ويشهدون جنائزهم ويقيمون الشهادة لهم وعليهم ويؤدون الأمانة إليهم.

وفي حديث آخر: ما أيسر ما رضي به الناس عنكم، كفوا ألسنتكم عنهم. ليكن لسانك مؤدب مهذب، ليكن لسانك في التعامل مع الآخرين شبيهاً بلسان أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم في الأدب الراقي وفي حسن التعامل وعظمة الخلق.

 المحور الثالث: ما هو المنهج القويم الصحيح للخطابة؟

المنهج السليم يطرح له عدة عناصر:

  1. العنصر الأول: ترك الاستعانة بالأحلام والقصص الخيالية، المنبر لا يحتاج إلى أحلام ورؤى، تراث أهل البيت غني، عندك روايات أهل البيت وتراثهم غني وافر ولا تحتاج إلى أن تستعين بالأحلام والقصص الخيالية، احتفظ بتراث أهل البيت الذي ثبت عنهم في الكتب المعتبرة وهو يغنيك لأنه عطاء وافر، يقول السيد مد ظله: أن يترفع المنبر عن الاستعانة بالأحلام والقصص الخيالية التي تسيء إلى سمعة المنبر الحسيني وتظهره أنه وسيلة إعلامية هزيلة. أنت في عصر الفكر والعلوم وتتكلم عن رؤى وأحلام وقصص هو أمر يسيء إلى سمعة المنبر الحسيني ولا يتناسب مع المستوى الذهني والثقافي للمستمعين.
     
  2. العنصر الثاني: المهارة في اختيار النصوص والأحاديث، أمامك آلاف الأحاديث لكن لابد أن تكون لديك مهارة في اختيار النصوص والأحاديث، كل أحاديثهم عظيمة جميلة، ولكن المهارة أن تختار من أحاديثهم ما يجذب الناس إلى الدين وإلى مذهب أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين، في الرواية: إن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا.
     
  3. العنصر الثالث: الاهتمام بالمشاكل الاجتماعية الشائعة، لدينا الكثير من المشاكل الاجتماعية كمشكلة التفكك الأسري، مشكلة الطلاق، مشكلة الفجوة بين الآباء والأولاد... هذه المشاكل الاجتماعية يحسن من الخطيب أن يتعرض لها، وبالنسبة لي أقول عرض المشاكل الاجتماعية يحتاج إلى دراسة، دراسة الأسباب، دراسة الأعراض، دراسة النتائج، دراسة طرق العلاج لا أنني أعرض الفكرة أو المشكلة من دون طرق علاج ومن دون بيان نتائج، ومن دون بيان دراسات أعتمد عليها في عرض المشكلة لأن ذلك يفسد أكثر مما يصلح.
     
  4. العنصر الرابع: التسلط في رد الشبهات، الخطيب إذا أراد أن يتعرض لشبهات عقائدية أو فكرية لابد أن يكون من أهل العلم، متسلط على رد الشبهات، أن يكون الخطيب المتصدي لدفع الشبهات متضلعاً في هذا الباب ومتسلحاً بالخبرة ووفرة المعلومات وإلا فإن ما يفسده بتصديه ربما يكون أكثر مما يصلحه. والشبهات نوعان: شبهة شائعة معروفة سواء في وسائل التواصل أو بين الناس في مجالسهم، وهذا النوع من الشبهات يعرض الخطيب أو المبلّغ الشبهة ثم يقوم بالرد عليها، والنوع الثاني شبهة غير معروفة، ليس من الحسن أن تُعرض شبهة غير معروفة فتعلق بأذهان الناس ثم يكون انتزاع الشبهة أمراً صعباً وعسراً على المنبر، لذلك يقتصر في رد الشبهات غير المعروفة بعرض الفكر الصحيح الذي من خلاله يتبين الزيف والخطأ في هذه الشبهات.
     
  5. العنصر الخامس: التوسع في الاستفادة من علوم أهل البيت حيث يقول دام ظله: إن كلامهم منظومة فكرية متكاملة متنوعة المضمون كالقرآن الكريم، ففيه من روائع الحكم ومعالم الأخلاق وإثارة دفائن العقول، ودفع الشبهات ما ينير الإنسان المسلم ويجعله واثقاً بعقيدته ودينه وهذا هو مقتضى كونهم الثقل الثاني للقرآن الكريم بصريح حديث الثقلين الوارد عن النبي محمد .
     
  6. العنصر السادس: الاهتمام بالمسائل الابتلائية خصوصاً أئمة المساجد، الاهتمام بعرض المسائل الفقهية المبتلى بها الناس عرضاً دقيقاً سلسلاً حتى يفهمه الناس ويستوعبونه.
 المحور الرابع: مواصفات الخطيب.

كل من يتصدى لتبليغ الفكر الديني تشمله النصائح التي طرحها السيد مد ظله:

الصفة الأولى: الدقة في النقل.

عندما تنقل آية اقرأ الآية قراءة صحيحة، إذا أردت أن تذكر حديثاً عن أهل البيت انقل الحديث من الكتب الأربعة المعتبرة وما شابهها كالكافي والاستبصار والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه، يمكن أن تخطئ ولا يوجد إنسان معصوم، ولكن أصلح ما أخطأت فيه أيضاً.

الصفة الثانية: جودة الإعداد.

كيف يصعد الإنسان على المنبر من غير إعداد وترتيب! هذا أمر مرفوض لأنه تلاعب بعقول الناس وأوقاتهم، تلاعب بما يجهد الناس، فاحترامنا للناس وعقولهم، واحترامنا لأوقاتهم وأفهامهم أن لا نصعد المنبر إلا مع الإعداد الجيد للمحاضرة، محاضرة تتضمن إعداداً جيداً ترتيباً تبويباً، أسلوباً سلساً ونافعاً حتى يكون ذلك مفيداً للمستمع.

الصفة الثالثة: الإخلاص لله تبارك وتعالى.

كما أن الصلاة تحتاج إلى إخلاص، وكما أن الصدقة تحتاج إلى إخلاص، وكما أن العمل مثل بر الوالدين يحتاج إلى إخلاص، الخطابة تحتاج إلى إخلاص، تبليغ الدين يحتاج إلى إخلاص، يحتاج أن يكون خالصاً لله تبارك وتعالى، ولأجل أن الإخلاص عنصر ضروري في العمل يقول السيد مد ظله: على الخطيب إذا أراد أن يطرح موعظة أن يكون متعظاً بما يعظ به الناس، أن يكون ملتزماً بما يرشد الناس إلى الالتزام به.

يقول مد ظله: أن يهتم المبلغ بمطابقة خصاله وسريرته مع أوصافه وأقواله، فيكون أسبق من الناس في العمل بها، فإن ذلك أقرب إلى الصدق وأبعد من الرياء، وأوجب للإخلاص والتأثير في المخاطبين فكيف يصف المرء بصدق خصال النبي وعترته النبيلة ويوصي الآخرين بها وهو بعيد عنها!

يقول الله تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ [البقرة: 44] ويقول تبارك وتعالى: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ «2» كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ «3» [الصف: 2 - 3]

 المحور الخامس: مزالق الأقدام.

في الوصايا التي أفادها سيدنا ومرجعنا الأعلى آية الله العظمى السيد السيستاني مد ظله الشريف من خلال متابعته للمنبر ولما يثار فوق المنابر داخل العراق وخارجها، لذلك على مدى ثلاث سنين أصدر هذه الوصايا المهمة، ومنها:

 أن يحذر ما يوهن أهمية الطاعات ويهون المعاصي في أعين الناس.

أن يأتي ويعرض مقامات أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين التي لا إشكال فيها، حيث أن لهم مقام الإمامة، ولهم مقام الولاية العامة، لهم مقام العصمة المطلقة، لهم مقام العلم بالغيب، لهم مقام الشفاعة، هم أرباب الصراط والميزان والحساب كل هذه هي من مقاماتهم الثابتة ولكن عندما يقول الخطيب للناس: المهم أن تلطم وتعزي أذنبت أم لم تذنب لابأس، صليت أو لم تصلي لا إشكال، المهم أن تلطم وتعزي، مهما عصيت الله ومهما تركت الطاعات وتركت الواجبات الأساس هو العزاء واللطم. هذا توهين للطاعة وتشجيع على المعصية، لا إشكال أن لأهل البيت مقام الشفاعة العظمى وأنهم يشفعون حتى للمذنب والعاصي ولكن عندما نقول أن المهم هو العزاء واللطم هنا يأتي الكلام أنك توهن أهمية الطاعة وتهون المعاصي في أعين الناس، لابد أن تقول للناس هذه ليلة عزاء احرصوا على العزاء واللطم، احرصوا على إحياء أمر أهل البيت ومظلوميتهم ولكن احرصوا أيضاً على النافلة والدعاء، الجمع بين الطاعات ومنها إحياء مآتم أهل البيت هو السبيل المتوازن لا أننا نقول يكفيك أن تلطم وتعزي والأمور الأخرى لا إشكال فيها.

يقول سماحته: أن يحذر المبلغ في بيان أهمية العقائد الحقة ومسلمات مذهب أهل البيت في شأن مقاماتهم الشريفة من أن يوهن أهمية الطاعات ويهون المعاصي في أعين الناس فإن أمر المؤمن لا يصلح إلا بالخوف والرجاء.

 تجنب ما يثير الاختلاف والفرقة.

تجنب التركيز على جهات التمايز بينهم مثل اختلافهم في التقليد، اجمع الناس ولا تدخل فيما يفرق الناس ويثير اختلافهم، وفيما يختلف المجتهدون فيه من تفاصيل بعض المعتقدات، مثلاً نحن الشيعة الإمامية نعتقد برجعة أهل البيت ولكن هناك اختلاف في التفاصيل بين العلماء والمجتهدين حسب الروايات فلا تأتي وتطرح على المنبر ما تعتقد به أنت أو ما يعتقد به أحد الفقهاء، وتعتبره هو الرأي الصحيح المسلم وتحدث خلاف وفرقة ومناقشات وجدل لا ينتهي، اذكر الأمور التي يتسالم عليها الشيعة الإمامية ويتحدون فيها، حتى يكون ذلك لواء لوحدة القلوب وتناغم المشاعر.

 لا ينبغي إشهار الزلة والتشهير.

تجنب ما يشهر بالناس، تارة هناك من هو مبتدع في الدين تجده دائماً يبتدع كلاماً، فلو أنك عرضت بدعاته والرُد عليها هو أمر لا بأس فيه، ولكن لو خطيباً قد زل زلة، أو أن عالماً قال أمراً وبنظرك هو خطأ وزلة لا يجوز التشهير به ولا يجوز التعرض له، يمكن إذا رأيت أن الفكرة خطيرة يمكن أن تناقش الفكرة من دون ذكر أسماء ومن دون التعريض بأحد.

يقول سماحته: ولا ينبغي إشهار الزلة والتشهير بصاحبها فإن ذلك يؤدي إلى مزيد اشتهارها، ويوجب وهن الحقيقة فضلاً عن عدم جواز التشهير بالمؤمن وتسقيطه بزلة صدرت منه لا سيما فيما يوحي ذلك بعدم تقدير خصائصه الأخرى ومزاياه، ورُبَّ زلة خمدت بالسكوت عنها وترك ذكرها، ورُبَّ زلة اتقدت ببيانها والحديث عنها، ورُبَّ صمت عن شيء خير من الكلام فيه.

الحذر، الحذر من إخراج بعض أهل الإيمان بتأول أو شبهة أو قول عن الدين أو عن مذهب أهل البيت.

إخراج المؤمنين أو المسلمين عن انتمائهم للإسلام أو مذهب أهل البيت بعد الإذعان الواضح منهم باصطفاء أهل البيت من هذه الأمة كاصطفاء سلالة الأنبياء خطر عظيم ينبغي الحذر منه.

تجنب ما يثير الفرقة بين المسلمين وليس بين الشيعة الإمامية فقط.

ينبغي أن يكون منبرك وسيلتك الإعلامية الجذابة للمسلمين، بل جذابة إلى كل من يقرأ فكرك ويستمع إليك حتى ينجذب لمذهب أهل البيت، فتجنب اللسان البذيء وتجنب العبارات غير الموزونة، وتجنب التعرض إلى رموز الآخرين بما يثير ضغائنهم ويجعلهم أعداء محترفين ومتربصين بالشيعة في كل مكان، خصوصاً الشيعة المستضعفين في المناطق التي لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم فيها.

تجنب القول بغير علم فإن ذلك محرم في الدين.

أياً كان مضمون القول كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء: 36] ولن يتأتى ذلك إلا بتنمية المرء لعلمه فيما يتعلق، وعلى الإجمال فإنه ينبغي للمبلّغ أن يكون ذا فضيلة في العلوم ذات العلاقة، متجهزاً بالأدوات اللازمة، ممارساً في موضوع بحثه وحديثه، مطّلعاً على المعلومات المتعلقة بذلك، محتاطاً فيما لا يعلمه، ورد عن الإمام أمير المؤمنين : >لا تقل ما لا تعلم وإن قل ما تعلم<.

تجنب ما لا يليق من الأطوار والأساليب.

يتجنب المبلّغ ما لا يليق بقداسة مجالس الله سبحانه ورسوله وأوصيائه من أساليب وأطوار، هذه مجالس مقدسة لها أدب واحترام ولها حرمة وكرامة ينبغي أن تصان عن الألحان والأطوار التي تناسب الرقص أو الطرب أو مجالس أهل اللهو، وتنحصر الأطوار في الأطوار الشجية الحزينة التي تشد الناس لمصائب أهل البيت والفواجع التي طرأت عليهم صلوات الله عليهم، يقول: فإذا نقضها المتكلم انتقض غرضه واختلفت هوية القول عما يفترض به، بل ربما كان ذلك إساءة وهتكاً لحرمة أهل البيت.

عدم الدخول في الخلافات الشيعية.

أن يتسامى المنبر الحسيني عن الخوض في الخلافات سواء كانت في مجال الفكر، أو في الشعائر، فإن الخوض في الخلافات يوجب انحياز المنبر لفئة دون أخرى، أو إثارة فوضى اجتماعية، أو تأجيج الانقسام بين المؤمنين، بينما المنبر راية لوحدة الكلمة، ورمز للنور الحسيني الذي يجمع قلوب محبي سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وليحذر المبلغون والشعراء والرواديد أشد الحذر عن بيان الحق بما يوهم الغلو في شأن النبي وعترته صلوات الله عليهم أجمعين.

يقول: والغلو على نوعين:

النوع الأول: إسباغ الصفات الألوهية على غير الله سبحانه، أن تقول الإمام هو الخالق، هو الرازق، هو المحيي، هو المميت، هو القابض، هو الباسط... هذا إسباغ للصفات الألوهية على غير الله تبارك وتعالى، وهذا يوهم الغلو.

النوع الثاني: إثبات أمور ومعانٍ لم تقم حجة موثوقة عليها في مذهب أهل البيت، مثلاً القول بأن الإمام الحسين لم يقبض روحه ملك الموت بل الله تبارك وتعالى هو بنفسه قبض روحه، ولكن ملك الموت قبض روح النبي، قبض روح الإمام علي، قبض روح الزهراء وهم أفضل من الحسين فكيف لم يستطع قبض روح الحسين ؟! ما هو الدليل على ذلك؟ ما هي الرواية التي اعتمدت عليها؟ ليس كل ما نجده في كتاب أو ما نسمعه من خطيب نقرأه ونتلوه كأنه شيء مسلم، ليس المهم أن أبكي الناس وأن أثير عواطفهم المهم أن أكون أميناً على ما أقول، ومسؤولاً عن ما أقول، المهم أن أخضع في كلماتي للمحاسبة >وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا<

ومذهب أهل البيت خالٍ عن الغلو بنوعيه، بل هو أبعد ما يكون منه، وإنما يشتمل على الإذعان للنبي وعترته صلوات الله عليهم بمواضعهم التي وضعهم الله فيها من دون زيادة ولا إفراط، بل مع الحذر في مواضع الاشتباه، وورع عن إثبات ما لم تقم به الحجة الموثوقة.

ومن أهم الأمور التي تعرض لها مد ظله بعبارات متكررة أن لا يغفل المنبر الحسيني ذكر فضائلهم ومناقبهم صلوات الله عليهم أجمعين، وأن يتكفل المنبر الحسيني بذكر مصائبهم ومظلومياتهم التي جرت عليهم فإن ذلك إحياء لأمرهم صلوات الله عليهم، كما يكون المنبر مصدراً للفكر يكون المنبر أيضاً مصدراً لعرض ظلامة أهل البيت وما جرى عليهم من المصائب والمحن، وما جرى عليهم من الفواجع من أجل بيان مدى شناعة الجريمة التي ارتكبها طغاة بني أمية وبني العباس في حق أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

لماذا لا يحتاج غير المتدينين للدعاء في تحقيق طموحاتهم؟
الدور العاطفي للإمام السجاد عليه السلام