نص الشريط
الغرور بالقوة
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف
التاريخ: 16/6/1429 هـ
مرات العرض: 3371
المدة: 00:41:47
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (5443) حجم الملف: 7.18 MB
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ

صدق الله العلي العظيم

الآية المباركة تتعرضوا إلى مسألة التفويض، والتفويض له اتجاهان:

1 - التفويض العقائدي.

2 - التفويض العملي والسلوكي.

التفويض العقائدي: عقيدة أول من قال بها اليهود من عهد النبي موسى «عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام» وعقيدة التفويض: هي عبارة عن كون الإنسان مفوضاً بمعني أن علاقة الإنسان بربه علاقة حدوثيه لا بقائيه، أي أن الله تبارك وتعالى عندما خلق الإنسان خلق فيه عناصر البقاء، وعناصر الاستمرار وانتهت علاقته به، فبقاء الإنسان بعد ذلك لا يعتمد على الله، إنما يعتمد على عناصر البقاء، ومواد البقاء والاستمرار التي أودعها الله تبارك وتعالى فيه فهو في قدراته، وفي طاقاته يعتمد على هذه العناصر التي أودعت في كيانه، وأودعت في شخصيته علاقته مع الله علاقة حدوثيه أوجده الله وانتهت العلاقة فهو مفوض إليه أن يصنع ما يريد، وأن يفعل ما يشاء مثل: نظير علاقة الباني بالبيت البناء عندما يبني البيت تنتهي علاقته بالبيت، البيت يبقى مستمراً وأن مات هذه البناء، مثال: نظير علاقة من صنع السيارة بهذه السيارة فإن هذه السيارة تبقى بمدة معينة وأن توفيه وانتهى ذلك الصانع، علاقة الإنسان بربه علاقة حدوثيه كعلاقة البناء بالبيت وهذا ما يسمى بالتفويض، أي أن الإنسان فوضى إليه أن يصنع بقدراته وبطاقاته ما يشاء من دون تدخلاً للقدرة الإلهية في مسيرة حياته بعد خلقه قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ يعني خلقنا ورفع يده عنا، خلقنا وفوضى إلينا حياتنا ومسيرة وجودنا قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يداً في عالم الخلق، ويداً في عالم الأمر قال تعالى: ﴿أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ يداه مبسوطتان في عالم المادة قدرته نافدة وهذه يداً وفي عالم ما وراء المادة قدرته نافدة وهذه يداً أخرى﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ، عقيدة التفويض أن الإنسان علاقته بربهِ علاقة حدوثيه هذه العقيدة هناك تنبيهان يجب الالتفات إليهما:

التنبيه الأول: إن علاقتنا بالله علاقة ذاتيه وليست علاقة عارضه كي تكون علاقة حدوثيه لا علاقة بقائيه، الفلاسفة يقولون حاجة المعلول للعلة حاجة ذاتية فالمعلول لا ينفصل عن علته أبداً لا حدوثاً ولا بقاءً لا يمكن أن يمر آن أو لحظة على المعلول ينفصل فيها عن علته هذه أمراً مستحيل لماذا؟ المعلول وجوداً من وجود ذات العلة، وترشحاً من ترشحات العلة مثال: هذه الشمس جرم ناري حراري تختزن في هذا الجسم طاقة نارية هائلة هذه الشمس، الشمس تفيض الحرارة، الحرارة التي تصل إلى الأرض معلول والشمس عله هذه الحرارة لا يمكن أن تستغني عن الشمس لحظة واحده وآن واحداً ولا يمكن أن تنفصل هذه الحرارة عن الشمس لحظة واحده هذا أمراً مستحيل لماذا؟ لأن الشمس وجوديين: وجود يعيني: وهو وجود جرم الشمس في موقع معين من الفضاء بمساحة معينه هذه وجود عيني، وهناك وجود ترشحي: وجود الشمس من خلال طاقاتها، وجود الشمس من خلال ما يترشح منها من الحرارة من الدفء من الضوء هذا أيضا وجود أخر للشمس الحرارة والدفء والضوء هو وجوداً للشمس، وجوداً ترشحياً، وجوداً امتدادياً للشمس بما أن الحرارة لا يمكن أن تكون معلولة للشمس إلا أذا كانت وجوداً أخر للشمس فإذا كانت الحرارة وجوداً للشمس فكيف يمكن أن تنفصل عن الشمس؟ كيف يمكن أن تستقيل عن الشمس لحظة واحده أو آن واحده؟ وهي وجوداً للنفس الشمس وجوداً مترشحاً عنها ما دام المعلول وجوداً من وجودات العلة فمن المحال أن يستقل الشيء عن وجوده، من المحال أن يستقل وجود الشيء عن نفسه، ما دام المعلول وجوداً للعلة فلا يعقل أن ينفصل عنه أبداً، مثال: الإنسان وحركات الإنسان أنا عندي نفس وعندي قوة، قوة الباصره النفس تبصر من خلال العين، وتسمع من خلال الأذن، وتتذوق من خلال حاسة الذوق، وهكذا وتتحرك من خلال البدن، وتتصور الصور من خلال قوة العقل النفس تستخدم هذه القوه كلها في أبراز أثارها وطاقاتها أذاً هذه الحركة التي أنا أتحركها هي معلولة والنفس علة لها، هل يمكن أن تنفصل هذه الحركة عن النفس؟ أبداً متى ما ماتت النفس ماتت الحركة ولا يمكن أن توجد الحركة آناً واحداً بدون النفس التي تحركها لا يمكن أن يبصر الإنسان يوماً بدون نفسه التي تبصر من خلال العين أذاً البصر السمع الحركة الصور الذهنية كلها معلول والنفس علة لها، وهذا المعلول وجوداً أخر للنفس والوجود لا يستقل عن الشيء الموجود أذاً هذا المعلول لا يمكن أن يستقل آناً ما عن علته أو لحظة ما عن علته بل هو باقاً يستمد منه البقاء ويستمد منها الاستمرار ويستمد منها المسيرة لا يمكن أن ينفصل عنها، مثال: هذا الضوء في المصباح لا ينفصل عن الطاقة الكهربائية لحظة واحدة ولا يمكن أن يجود ضوءاً بدون طاقة كهربائية أذاً حاجة المعلول للعلة حاجة ذاتية ذات المعلول هو وجوداً للعلة فيستحيل أن ينفصل عنه لا حاجة عرضيه حتى يكتفي بالعلة في مرحلة الحدوث ثم يستغني عنها بمرحلة البقاء فهذا خلفوا كون المعلول وجوداً من وجودات العلة.

التنبيه الثاني: هناك خلط عندما نأتي إلى علاقة البناء بالبيت البناء ليس علة للبيت هذا خلط منه اشتباه منه البناء ليس علة لوجود البيت البناء مجرد مقدمة إعدادية علة وجود البيت هي المواد التي وضعت في هذا البناء هي علة وجوده، علة وجود البيت علة بقاء البيت ليس هي الحركات التي كان يصنعها البناء هذه مجرد مقدمة إعدادية لا إشكال فيها المقدمة الإعدادية تنفصل عن المقدمة علة وجود البيت المواد من رمل وأسمنت وحديد وحجر وجاذبيه معينة تلزق هذا الأجزاء بعضها ببعض هذه هي العلة في وجود البيت ما دامت هذه العلة موجودة فالبيت باقي ومتى انتهت فاعليتها أنهار هذا البيت وانتهى ليس العلة في وجود البيت هو البناء كي يقال المعلول يستغني عن العلة بقاء النظير.

مثال: أنت أمامك كره تعطي هذه الكره دفعه برجلك أو بيدك ما هي العلة في حركة الكره هل هي حركة اليد؟ لا حركة اليد أوجدت في داخل الكرة طاقة هذه الطاقة هي علة حركة الكره وليست علة حركة الكره الضربة، الضربة أوجدت طاقة في داخل هذه الكره وتلك الطاقة بمقدارها تتحرك الكره ما دامت هذه الطاقة موجودة فبمقدارها هذه الطاقة التي أودعت في هذا الجسم تتحرك الكرة فإذا قصرت الطاقة وانتفت وانقرضت توقفت الحركة، أذاً هذه الأمثلة التي ذكرت هذه للمقدمة الإعدادية، المقدمة الإعدادية قد تنفصل عن المقدمة ليست أمثله لعلاقة العلة والمعلول كي يقال بأن المعلول يحتاج إلى العلة حدوثاً ويستغنى عنه بقاءً نحن علاقتنا مع الله علاقة المعلول بالعلة فنحن في كل آن مثل الضوء بالنسبة للشمس في كل آناً لا نستغني عن الله كما لا يستغني الضوء عن الشمس في كل آناً وجودنا، وجود غيري وجودنا عين التعلق بوجود الله تبارك وتعالى كتعلق الضوء بالشمس لا يستغني عنه لحظة واحده وآنا واحداً فهو في أيطار الاستمداد والاسترفاد من علته ومن خالقه تبارك وتعالى ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِهذا هو الاتجاه الأول الاتجاه العقائدي للتفويض وتبين لنا أن هذا الاتجاه باطل.

الاتجاه الثاني للتفويض: الاتجاه العملي نحن مع الأسف مفوضه علماً وأن لم نكن مفوضه عقيدة نحن وأن لم نعتقد بعقيدة التفويض كما يعتقد بها اليهود لكنا في سلوكنا وعملنا نمارس عقيدة التفويض نحن نتصرف وكأن الله ليس موجود، نحن نتصرف وكأنا لنا وجوداً مستقلاً عن الله تبارك وتعالى، نحنُ نتصرف وكأننا مستغنون عن لله تبارك وتعالى تصرفاتنا هي تفويضاً عملياً وإن لم يكن تفويضاً أعقادياً لاحظوا تصرفاتنا، لاحظوا أعمالنا نحنُ كما يقولوا علماء العرفان مبتلون بالغرور بالقوة الإنسان أذا أصبح مغرور بقوة هو يمارس التفويض لكن يمارسه عملاً وأن لم يحملوه عقيدة هو مفوض سلوكاً هذا إنسان يعتقد أنه مرتبطً بالله لكن سلوكه سلوك المستقل عن الله تبارك وتعالى المغرور بقوته يمارس عقيدة التفويض نحن مغرورون بالقوة، الغرور بالقوة اضرب لكم أمثال على ذلك:

الغرور بالقوة له أثار روحية وخيمة جداً:

الأثر الأول: الجفاف الروحي في العلاقة مع الله تبارك وتعالى ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى «6» أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى «7» أذا أصابه الغرور بقوته سواء كانت بقوة مادية أو قوة عسكرية أو قوه بدنية أو قوة فكريه طغى ومارس التفويض في عمله ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى «6» أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى «7» من أثار هذا الغرور الجفاف الروحي في العلاقة مع الله ومن أبرز مظاهر الجفاف الروحي أن الإنسان يرى استقلاليه في الموازين العلمية عن الموازين الغيبية مثلاً: أذا إنسان يصاب بمرض يعتبر شفائه بأن يذهب إلى الطبيب ويشرب الدواء هذا هو الشفاء هذا لا يصير هذا مرض معلوم هذا مرض علاجه كذا وتشخيصه كذا ما لم تعمل بهذا الدواء لن تشفى وإذا عملت به تشفى هذا التقديس للموازين المادية وتغيب الموازين الغيبية هذا الاعتقاد باستقلالية الموازين المادية عن الموازين الغيبية تفويضاً، تفويضاً عملي نحن نمارسه لا يمكن لنا أن نغفل الأسباب المادية نحن نحتاج إلى شرب الدواء من أجل شفاء المرض ولكن ليس هو السبب المؤثر في الشفاء قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين هذا مجرد مقدمة إعدادية مصدر الشفاء بيدي، مصدر العطاء كله إلا وهو الله تبارك وتعالى الدواء لا يصنع لك شفاءً.

مثلاً: أنت إذا أن تريد تزرع شجره أنت وظيفتك أن تهيئا سمادً وتهيئا تراب سليماً وان تهيئا سائر المعدات والمقدمات لهذا الشجرة لكن هل يمكنك أن تخلق حياة في هذه الشجرة، هل يمكنك أن تعطي الشجرة الحياة؟ لا يمكنك، لا يمكنك إلا الإتيان بالمقدمات فقط إما الحياة فهي من مصدر الحياة من الحي القيوم تبارك وتعالى كما لا يمكنك ان تعطي الشجرة حياة لا يمكنك أن تعطي جسمك الحياة وأن استخدمته مليون دواء الشفاء حياة والحياة بيد واهب الحياة تبارك وتعالى الشفاء حياة وهي بيدي واهب الحياة تبارك وتعالى لا يمكنك لك أن تصنع هذه الحياة وأنت تهب هذه الحياة نحن نقدس الموازين العلمية أكثر من حجمها ومقدارها نحتاج إليها هذا بلا إشكال ونحتاج أن نصنعها بدقه ولكنها ليست هي السبب، السبب الغيبي ورآها.

مثلاً: ما تشاهدون من الآيات الكونية هناك بعض المقالات تقول لا داعي لئن نصلي صلاة الآيات عند حدوث الكسوف والخسوف، الكسوف والخسوف ظاهرة طبيعية أصلاً ما فيه خوف ليش يصلون صلاة الآيات؟! الكسوف والخسوف ظاهرة طبيعيه ما فيها خوف هؤلاء فقهائنا مشتبهين بعدين يقولوا صلوا صلاة الآيات عند الخسوف والكسوف، الكسوف والخسوف ظاهرة طبيعية أذا وقعت الأرض في الخط الفاصل بين الشمس وبين القمر حدثت الظاهرة هذه ظاهره طبيعية لماذا نتخوف منها؟ جميع علماء الفلك يقولون ظاهرة الخسوف والكسوف ظاهرة طبيعية محضة لا يوجد اختلالاً للكون ولا تبعثرنا في النظام الكوني عند حدوث ظاهرة الكسوف والخسوف فلماذا صلاة الآيات؟ أذاً هذا تفويض عملي وإن لم يكن تفويضاً عقائديين هذا تقدساً للموازين العلمية أكثر من حجمها، وأكثر من مقدارها لنفترض أن حدوث ظاهرة الكسوف والخسوف ظاهره طبيعية أما استمرارها هل هو طبيعي؟ لا إشكال أن استمرارها يوجب خلالاً في الكون لا إشكال أن استمرارها له أثاراً سلبية كونية وخيمة أذا استمرارها بيد من؟ بيدي خالق هذا الكون بيدي من له الخلق والأمر نحنُ نصلي لكي لا تستمر هذه الظاهرة الطبيعية فتحدث اختلالاً كونياً.

مثال: أذا مرت علينا هذه الرياح الصفراء، وهذه الرياح الحمراء، وهذه الرياح السوداء قلنا هذه أمور طبيعية إنسان يعبث في الصحراء فيرمي فيها مختلف الأسلحة المدمرة فتثير هذا الغبار فيأتي علينا المسألة مسألة طبيعية وهذه الرياح وهذه العوامل وأن كان مصدرها مصدراً طبيعياً إلا أن بقاها بيد الله بإمكانه أن يبقيها سنة وبإمكانه أن يرفعها في لحظة بقائها واستمرارها بيده وأن كان مصدر حدوثها أمر طبيعياً وأثارها السلبية الوخيمة من أمراض وأضرار وأوبه تترتب على الإنسان لا تخفى على أحداً أذا فبالنتيجة الاعتقاد بالموازين العلمية كأنها مستقلة عن الموازين الغيبية غرور بالقوة، غرور بما عند الإنسان وتفويضاً عملي أثاروه وخيمة ثم أن هذه الآيات التي تحدث فيها خوف ولكن الله يحدثها تذكيراً للإنسان بربه، وتذكيراً للإنسان بقدرة ربه وأن بيده الأمور كلها من أولها إلى أخرها فالإنسان يصلي صلاة الآيات من أجل أن يظهر ارتباطه بربه واعتقاده بالآية المباركة ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِهذا الأثر الأول.

الأثر الثاني: اختلاف الحالات هذا الأمر يركز عليه علماء العرفان اختلاف الحالات نحن إذا أصابتنا شدة لجئنا إلى الله وأمرت مساجدنا بالدعاء، والتوسل، والتضرع، والبكاء وإذا ارتفعت الشدة رجعنا إلى العلاقة الروتينية الجافة مع الله تبارك وتعالى كأن الدعاء لا طعم له، والصلاة لا طعم لها، والقرآن لا طعم له، النافلة لا طعم لها كأنه لا يربطنا بالله إلا أن يوقع بنا شده حتى نرتبط به اختلاف حالتنا ناشئا عن الغرور بالقوة، الغرور بالقوة مبدأ اختلاف الحالات قال تعالى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ هم ما أشركوا وقالوا مع الله إله أخر أشركوا شركاً عملياً لا شركاً عقائديين عندما ركبوا في الفلك وشعروا بالضعف عرفوا أن لا مخلص من هذا الضعف إلا القوة الوحيدة وهي الله تبارك وتعالى ولذلك الرواية الواردة عن الإمام الصادق : قال له أحد أصحابه دلني على الله أنا أريد شي يدلني على الله بشكل ملموس، بشكل وجداني، بشكل واضح دلني على الله قال: هل ركبت الفلك ركبت السفينة قال: نعم قال: هل صادفت أن غرفت السفينة قال: نعم قال: عندما غرقت السفينة وعرفت أن لا منقذ من الغرق أبداً لا يوجد أحد ينقذك من الغرق في لجة الموج في غمرة الموج لا منقذ لك من الغرق هل حدثك قلبك بشيء؟ قال: نعم قال: ماذا قال لك قلبك؟ قال: قلبي حدثني بأن هناك قوة وراء هذا الموج تستطيع أن ترفعني وترميني إلى الساحل إلى الشاطئ قال: تلك القوة هي الله تبارك وتعالى، إذا شعر الإنسان بضعفه عرف حجم نفسه وإذا عرف حجم نفسه عرف ربه من عرف نفسه فقد عرف ربه وإذا: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَقالوا ماله داعي الدعاء الزاد ماله داعي الصلاة الزائدة نحن بخير والحمد لله دعنا نمشي على أوضاعنا الطبيعية دعنا نمشى على طرقنا الروتينية المعتادة ماله داعي التهويل كله، وبدأ الإنسان يسترسل وراء هواه، وإذا أسترسل الإنسان وراء هواه أشرك بربه شركاً عملياً قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ هذا شرك عملي ﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ إذا اختلاف الحالة من شغفه الغرور بالقوة، أذا كان غنياً ثرياً لا يشعر بالضعف، لا يشعر بالفقر، لا يشعر بالحاجة، ترى دعاه دعاء بارداً، ترى صلاته صلاة باردة لا طعم فيها لا روح فيها أذا انكسرت التجارة وخسر الأسهم وذهبت الملايين ورجع منكسراً رجع يتصدق، ورجع يتوسل ورجع يدعوا ويتضرع لم يكن لدعاء طعم وأصبح للدعاء طعم لم يكن لصلاة طعم فأصبح لصلاة طعم أذا كان صحيح البدن بعافية يذهب ويرجع ويشتعل ويعمل بصحة وبعافية يصلي بأي صلاة وإذا أصابه المرض وحفت به الأزمة المرضية تراه منكسراً متوسلاً متضرعاً هذا من موانع استجابة الدعاء اختلاف الحالة مانع من موانع استجابة الدعاء ورد في الحديث القدسي: «عبدي تعرف عليّ في الرخاء أعرفك في الشدة» إذا ما تتعرف عليّ في الرخاء كيف أعرفك في الشدة! هذا اختلاف الحالة يمنع استجابة الدعاء تعرف عليّ في الرخاء أعرفك في الشدة فإذا كان حاله حال الرخاء حال المعرض الغافل وإذا جاء حال الشدة رفع يده قالت الملائكة: أنه نسمع صوتاً غريباً لم نكن نسمعه وقت الرخاء إذا بالنتيجة الغرور بالقوة منشئ لاختلاف الحالة بين الرخاء وبين الشدة هذا الأثر الثاني.

الأثر الثالث: الاسترسال والمعبر عنه بطول الأمل ورد عن النبي محمد أخوف ما أخاف على أمتي خصلتان أتباع الهوا وطول الأمل منشئ طول الأمل الغرور بالقوة الإنسان المغرور بصحته يطول أمله، المغرور بقوته يطول أمله، المغرور بثروته يطول أمله، المغرور بالقوه يقوده القوة إلى طول الأمل الآن ترى الإنسان شاب منا عندما يسمع أن فلان مات ماذا يقول هذا الشاب؟ مات لأنه كبير أما أنا احتمال موتي 1%، 2% لآن أنا بعافية وصحة وقوه، وعندما يسمع أن هناك شاب مات فجئه؟ ما معقول شلون يموت لم يكن به شيء كيف حدث هذا ينشئ عن الغرور بالقوة طرح هذه الأسئلة ينشأ عند الإنسان نتيجة الغرور بالقوة كيف مات؟! ما يصير مات هو ما عنده مرض ما عنده سبب يؤدي إلى الموت، مع أن الإنسان يعلم أدنى سبب للموت أن يصاب الإنسان بكآبة قويه تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وتؤدي إلى موته مباشرة، أسباب الموت ليست مرض أو حادث فأسبابه مختلفة وبعضها أسباب مفاجأة لا تستثني أحداً ولا صغيراً ولا كبيراً، إذن فبالنتيجة الإنسان عندما لا يحتمل أن يموت يقول أنا احتمال 1%، 2% بعدها الدنيا باقية، هذا مبتلا بالغرور بالقوة والعافية «يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴿6 الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴿7 فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ» ما غرك بهذه العافية والطاقة التي وهبت لك من قِبل الله وتالي يمكن أن تزول في أي وقت وفي أي لحظة، إذن طول الأمل من الآثار السلبية المترتبة على الغرور بالقوة التي عبرنا عنها بأنها تفويض عملي، الإنسان في مجال العمل مفوض وإن لم يكن في مجال العقيدة مفوضاً.

الأثر الرابع: تسويف التوبة، نصنع المعاصي ننغمس في الذنوب ننصهر في الرذائل ولكننا نسوف التوبة، «تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً» القرآن ينادينا لكننا غافلون عن هذا النداء لكننا بعيدون هذا النداء، لماذا؟

إن عندنا تسويفاً للتوبة ومنشأ تسويف التوبة الغرور بالقوة، ليش أنا أتسرع بعدها وقت مادمت الآن صحيح البدن بعدين أتوب، مادمت الآن قوياً على الحركة، أشتغل، وأدرس، وأفعل، وأخطط، وأصنع، بعدين أتوب تسويف التوبة منشأه الغرور بالقوة «فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ» نحن نعيش أغتراراً بالحياة وقوتنا وعافيتنا ونشاطتنا وهذا الغرور يقودنا إلى تسويف التوبة وتأجيل الارتباط بالله تبارك وتعالى، نحن عندما نقرأ هذا المقطع في الصحيفة السجادية وأنتم تقرؤون ونسمعه في هذا المسجد مرارا وكرارا «إلهي ظلل على ذنوبي غمام رحمتك، وأرسل على عيوبي سحاب رأفتك» هل نتأمل في هذه الفقرات ونحن نقرأها أم نقرأها غافلين عن مدلولها وعن مفادها، ما معنى ضلل على ذنوبي غمام رحمتك؟

الإنسان وهو في الذنوب هو في نار حامية وهو لا يشعر، نحن في النار ونحن لا نشعر ليست النار في الآخرة فقط بل النار في الدنيا، الإنسان المنغمس في الذنوب هو يعيش في نار لاهبة حارقة وهو لا يشعر بها تأكل منه وتأكل من أعماله الصالحة ومن خطواته الصالحة، نار تأكل الأخضر واليابس من أعماله الصالحة وهو لا يشعر بها نحن في النار نتيجة ذنوبنا نمشي فيها ونحن لا نشعر بها، تصور إنسان في وقت الظهر في الصحراء واقف أماما لشمس، والشمس تصهره بحرارتها ولا يوجد في الصحراء ظل هذا الإنسان في وسط الصحراء أمام حرارة الشمس الحارقة والعرق يتصبب من قرنه إلى قدمه ماذا يطلب؟ يطلب ظلاً، اللهم ظللني، أنا أعيش في حرارة حارقة اللهم ظللني هبني ظلاً أتفيئه، الإمام زين العابدين يحسسنا أن لسع الذنوب كهذه الحرارة الحارقة التي تحتاج إلى الظل «إلهي ظلل على ذنوبي غمام رحمتك، وأرسل على عيوبي سحاب رأفتك» هل يستطيع إنسانٌ أن ينام على الجمر؟ لو وضعوا لك بساط من الجمر وقالوا نم على هذا البساط هل تستطيع أن تنام لحظة على الجمر؟ هل تستطيع أن تنام ثانية على بساط من الجمر، هذه هي الذنوب، نحن ننام ونحن منغمسون في الذنوب ونحن في الواقع ننام على بساط من الجمر، ننام على مهاد من الجمر الملتهب إذا نام الإنسان على الجمر الملتهب وبدأ الجمر يلسع بدنه وجدله ماذا يحتاج؟ يحتاج إلى سحابة تطفئ هذا الجمر وتخلصه «وأرسل على عيوبي سحاب رأفتك».

إذن، الإنسان يحتاج إلى التوبة في كل لحظة لأنه يحتاج إلى سحابة تطفئُ جمر الذنوب، والسحابة هي التوبة، الإنسان يحتاج إلى أن يخفف على نفسه من هذا الحريق الاهب حريق المعاصي والتخفيف بتلك بالغمامة التي تمر على الإنسان فتظلله، وتلك الغمامة هي التوبة، إذن فنحن نحتاج إلى التوبة، وتسويف التوبة بقاء على الجمر وتسويف التوبة غرور بالقوة، وتسويف التوبة تفويض عمليٌ سلوكيٌ وإن كنا لا نرى التفويض عقيدةً، فنحن نمارسهُ عملاً.

اللهم نبهنا من نومة الغافلين، اللهم نبهنا من نومة الغافلين، اللهم نبهنا من نومة الغافلين، اللهم جنبنا معاصيك ووفقنا لمراضيك يا رب العالمين...

الاسرة الصالحة قرة العين
العلم بين اللغة والتفكير