هل سبى الرسول (ص) النساء
سيد علي - 18/06/2017م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سيدنا، نتوجه لكم بهذا السؤال:

ذكر أغلب المؤرخين في غزوة أوطاس أن النبي سبى نساء قبيلة هوازن، وقسّم السبايا بين المقاتلين، فكل واحد أخذ قسمًا من النساء له، وقد أباح الرسول للمقاتل أن ينكح المرأة المسبية، لكن إذا كان لها زوج ينتظر أن تستبرئ بحيضة، فإذا استبرأت فلمن أعطيت له حق نكاحها وإن كانت ذات زوج، وذكروا أن هذا هو المقصود بقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، فهل هذا يليق برسول عبّر عنه القرآن بأنه الرحمة للعالمين؟! وأي فرق بين هذا التاريخ وما يقوم به الدواعش حتى نعتبر فعلهم إرهابًا؟!
الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

إنّ هذه الرواية غير تامة سندًا ولا مضمونًا لعدّة وجوه:

أولًا: إنّ مصادر القصة أغلبها من مصادر أهل السنة بطرق غير معتمدة، وذكرها من مصادر الشيعة الشيخ الطوسي «ره» في التهذيب «ج8، ص176» عن الحسن بن صالح عن الصادق ، إلا أنّ الحسن بن صالح بتري مجهول.

كما ذكرها ابن شهرآشوب مرسلة في المناقب، وقد يقال: إنّ ذلك غير ضائر؛ لأنه ذكر في مقدمته «ص14» أنه حذف أسانيده لشهرتها، وأشار إلى الرواة لتخرج من حدّ الإرسال للإسناد، لكن هذا غير كاف في البناء على تمامية سند الرواية كما ذكره جمعٌ من الأعلام في مثل كتاب «تحف العقول» و«عوالي اللآلي».

نعم، قال في موضع آخر من المناقب: أنبأني الطبرسي بمجمع البيان لعلوم القرآن وبأعلام الورى، فلعل مصدره هو ما ذكره الطبرسي في «أعلام الورى» عن أبان عن محمد بن الحسن بن زياد الميثيمي الثقة، إلا أنه لم يحرَز طريق الطبرسي لكتاب أبان، كما أنه لم تشتهر الرواية بين الفريقين شهرة موجبة للوثوق بحصولها.

ثانيًا: إنّ هذه المصادر متناقضة في المضمون، فبعضها ذكر تقسيم السبايا على المقاتلين، وبعضها ذكر أنّ النبي انتظر بالسبايا وفد هوازن، وحين أقبل الوفد خيّرهم بين الأموال والأهل، فاختاروا الأهل، فأرجع الأهل إليهم.

ثالثًا: إنّ الرواية الواردة عن الإمام الصادق تذكر أنّ ما حازه النبي منهم أربعة آلاف رأس و12 ألفًا من الأنعام، وما سوى ذلك من الغنائم، ولم يذكر سبايا النساء أصلًا، مع أنه حدث مصيري خطير هو أولى بالذكر والإشارة.

وقد يقال: إنّ الروايات عبّرت بأنه سبى أربعة آلاف رأس، والسبي ظاهرٌ في أسر النساء، ولكن ذلك محلّ تأمّل؛ لاستعمال السبي في مطلق الأسر والجلب، كما يظهر من عبارة الصحاح للجوهري.

رابعًا: إنّ قبيلة هوازن - كما يذكر المؤرّخون - وثنية، والنساء الوثنيات لا يجوز للمسلم نكاحهن في الإسلام حتى لو كنّ من الأسرى.

خامسًا: إنّ أغلب المصادر التي تعرّضت للواقعة ذكرت أنّ النبي قبل شفاعة الشيماء - وهي أخته من الرضاعة - في قبيلة هوازن، كما أنه عندما قدم وفدهم - وهم بضعة عشر رجلًا - وأسلموا قبل النبي إسلامهم، وقال: ما لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وقال المهاجرون والأنصار: ما لنا فهو لله ولرسوله، وردَّ عليهم جميع النساء، وهذا مانع موضوعي من قبول قصة التقسيم وإباحة النكاح؛ إذ مع علمه بأنه سيقبل شفاعة أخته الشيماء فيهم أو أنه سيقرّ إسلام الرجال منهم - كما يظهر من انتظاره مجيء وفدهم - فلا وجه لتقسيم النساء على المقاتلين ثم إعادتهم لرجالهم؛ فإنّ ذلك لا ينسجم مع الحكمة وحسن الإدارة.

سادسًا: إنّ النبي عفا عن مالك بن عوف قائدهم، مع أنه قتل بعض المسلمين وقطّع جسمه، فكيف يتسلّط على النساء وهن لا ذنب لهن بتقسيمهن على الرجال وإباحة نكاحهن؟!

سابعًا: لو أغمضنا النظر عن سائر المحاذير، فإنّ نكاح المرأة ذات الزوج عارٌ كبيرٌ عند العرب، وخصوصًا قريش، فكيف يرتكبه الرسول الذي كان معروفًا بالحكمة وحسن التدبير؟! إذ من غير المناسب أن يقوم من يريد جذب العرب إلى رسالته بارتكاب ما هو عار فظيع عندهم.

ثامنًا: إنّ الآية المباركة - وهي قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ - ليس مفادها استثناءً من الجملة التي قبلها، وهي ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ، كي يقال: إنّ مفادها جواز نكاح المتزوجات عن طريق ملك اليمين، وإنما هي استثناء من أصل تحريم نكاح المرأة، حيث إنّ آية 22 من سورة النساء بضمّ آية 23 قد تعرّضت للنساء المحرّمات بأقسامهن، وكان المستفاد من سياقها حرمة أربعة أقسام من النساء: المحارم النسبية، والرضاعية، والجمع بين الأختين، والمحصنات من النساء، أي المتزوجات، وجاء الاستثناء بعد ذلك ليبيّن أنّ ملك اليمين في نفسه مباح نكاحه، فهو استثناء من أصل تحريم المرأة، وليس استثناءً من الجملة السابقة عليه كي يكون مفاد الآية حلية النساء ذوات الأزواج.

وإنما أباح القرآن نكاح ملك اليمين لكونه نكاحًا مشروعًا لدى المجتمعات البشرية آنذاك، فأمضاه الإسلام بحدوده المشروعة عندهم، أي في إطار ما يقبله البناء العقلائي آنذاك، ممّا لا يراه المجتمع الإنساني مورد عيب أو ضرر اجتماعي بنظرهم، وقام الإسلام بتضييق حدود ملك اليمين بحدود صعبة التحقق بعد خلافة أمير المؤمنين ، لعدم ثبوت إمضاء الأئمة للفتوحات الإسلامية في عهد الدولتين الأموية والعباسية، وبالتالي لم يكن استرقاق إماء هذه الفتوحات شرعيًا.

هذا بالنظر لنفس الآية، ولكن قد يقال: إنّ هناك رواية صحيحة في تفسير الآية تفيد أنّ فقرة ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ استثناء من التي قبلها، حيث روى الشيخ الطوسي «ره» في التهذيب «ج7، ص346» عن الحسن بن محبوب عن محمد بن مسلم عن الباقر ما مضمونه جواز نكاح السيد لأمته المتزوّجة بعد استبرائها بحيضة، ولعل مستنده الكافي «ج5، ص481»، كما ذكر في التهذيب ما هو قريب من هذا المضمون، كما في رواية مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى الساباطي، وما أكثر غرائب عمار!

فمن يرى انسجام الروايات المذكورة مع روح القرآن الكريم - المستفادة من مجموعة من النصوص الدالة على كرامة الإنسان، واحترام نكاحه وعلاقته الزوجية - فيمكنه التعويل على مضمون الرواية، كما يظهر ذلك من كثير من الأعلام والباحثين، كالمرحوم الوائلي في كتابه «من فقه الجنس في قنواته المذهبية، ص205»، ومن لا يرى ذلك فالروايات من حيث مضمونها محلّ تأمّل، فيُرَدّ علمُها إلى أهلها.

السيد منير الخباز
أرسل استفسارك