أسئلة حول غزوة بني قريظة
شبكة المنير - 19/09/2018م
1: أوردتم في محاضرة الليلة الثانية رواية لابن زنجويه، أفاد فيها بأن عدد المقتولين من بني قريظة كان أربعين رجلا فقط.. متوسلين بها إلى تقليل عدد القتلى منهم، ولكنها:

1 - رواية في إسنادها إرسال.

2 - في إسنادها راوٍ ضعيف وهو «عبد الله بن صالح».

3 - ليس معها ما يعضدها من روايات أخرى، فهي متفردة بذكر هذا العدد، وأقل الروايات ذكرت أن عدد المقتولين كان 400 رجلٍ.


2: أوردتم في محاضرة الليلة الثانية أن الرسول أنزل أسرى بني قريظة في دار نسيبة بنت الحارث، وهذا أمر لا يتصور، إذ كيف يمكن أن تتسع دار واحدة لكل أولئك، في حين:

1 - ذكر ابن إسحاق أنهم أنزلوا في دار «بنت الحارث» ولم يحدد اسمها، وقد احتمل ابن كثير في تاريخه أنها «نسيبة»، إلا أن المقريزي في «إمتاع الأسماع»، - ج 14 - الصفحة 305، عقد فصلا سماه «فصل في ذكر أنه كان لرسول الله صلى الله عليه «وآله» وسلم دار ينزل بها للوفود»، وذكر فيه:

”ذكر ابن إسحاق، والواقدي في خبر بني قريظة أن رسول الله صلى الله عليه «وآله» وسلم حبسهم في دار رملة بنت الحارث النجارية“.

2 - ذكر الواقدي، أن سبي بني قريظة أنزلوا في أكثر من دار: ”أمر صلى الله عليه «وآله» وسلم بالسبي فسيقوا إلى دار أسامة بن زيد والنساء والذرية إلى دار رملة ابنة الحارث“ «2 / 512».


3: أوردتم في محاضرة الليلة الثانية أن الرسول أمر بقتل المقاتلة فقط من بني قريظة، وليس كل الرجال وكل البالغين، وقد عدّهم ابن زنجويه ب 40 رجلا، والسؤال:

1 - أنه لم يحدث قتالٌ فعلي بين بني قريظة والمسلمين، وإنما نقضوا عهدهم، فكان كلّ من بلغ معدودًا في «المقاتلين» بالقوّة لا بالفعل.

2 - هذا التدقيق في معنى «المقاتلين» يقود إلى رفض رواية ابن زنجويه المعلولة بالإرسال والضعف السندي، لأنه من غير المعقول أن يكون عدد من بلغ مبلغ القتال «40» شخصاً فقط، وهم قبيلة يهودية لها تواجد قديم في المنطقة.


4: أوردتم في محاضرة الليلة الثانية استبعاد أن تقاد قبيلة بني قريظة برجالها ونسائها وصغارها بعدد محدود إلى المدينة المنورة، في حين أن عدد المقاتلين الذين توجهوا لبني قريظة هو نفس العدد الذين كانوا في غزوة الخندق، وكان عددهم نحواً من 3 آلاف كما في سيرة ابن هشام، ومغازي الذهبي، وتاريخ الخميس، وقيل 700 رجل، كما في تاريخ اليعقوبي، والسيرة الحلبية، وقيل 900 رجل، وقيل 1000 رجل، والذين لم يستشهد منهم إلا عدد محدود جدا، لعدم حصول قتال بين الطرفين سوى مبارزات محدودة، وحين حاصر المسلمون حصن بني قريظة، واستسلموا بعد عدة ليال، تمّ تكتيف الرجال، وبالتالي فإن أمر اقتيادهم للمدينة المنورة، التي لا تبعد عن حصنهم سوى ميلين اثنين، مهما كان عدد المسلمين من القلة؛ أمرٌ من السهولة بمكان، فلو فرضنا أن عدد الرجال البالغين منهم 1000، على أقصى التقديرات، و2000 من النساء والأطفال، وفرضنا أن عدد المسلمين كان 500 مقاتل، مع كونهم أكثر، ووكل بكلّ مقاتل 10 أنفس، فإن بمقدور هذا العدد البسيط، المسلّح، أن يضبط 5000 نسمة.. فالأمر متعقّلٌ جدا، ولا غرابة فيه.


5: تعرضتم في محاضرة المنهج النقدي التاريخي لحادثة بني قريظة، ونفيتم قيام النبي بقتل جميع رجال اليهود، مع أن مقتضى ولاية الرسول على الأنفس والأموال أن عمله لا يحتاج لمبرر، فله قتل رجالهم جميعاً.


6: سؤال ذكرتم في الليلة الثانية استهجان أمر النبي بكشف العورات، ولكن إذا توقف ردع العدو وقهره على عمل جاز بل وجب ولو كان محرمًا من باب تقديم الأهم على المهم.
الجواب

1- نعم، الرواية من حيث السند ضعيفة، لكنها من حيث المضمون أقرب للحقيقة؛ للجهات التي ذكرناها في المحاضرة، وليس العبرة في تنقيح التاريخ بالسند فقط.

2- كما أنه لا تتسع دار واحدة لمجموع الرجال والنساء، كذلك لا تتسع داران أو ثلاث دور لمجموع العدد الوارد في بعض الروايات، مضافًا إلى أن التعبير ب «دار الوفود» عرفًا لا إطلاق له يشمل ما لو كان الوفد مئات الأشخاص، بلحاظ طبيعة الدور وحجم الغرف والمرافق في تلك الأزمنة.

3- إذا كان الهدف من التصفية التي حصلت قطعًا في رجال بني قريظة هي الاستئصال بحيث لا يبقى لهم من يدافع عنهم، فمقتضى ذلك قتل حتى الصبية، فإن في الصبية المتاخمين للبلوغ أحيانًا من يمتلك فن القتال والقدرة على المباغتة، وإذا كان الهدف هو دفع الخطر عن الدولة الوليدة فمقتضى مناسبة الحكم للموضوع قتل من لهم القدرة الفعلية على القتال، بما يملكون من المراس والخبرة والفنون الميدانية، وكون هذا العدد أربعين أو مئة في قبيلة تضم المئات من الرجال ليس أمرًا بعيدًا، وحيث أن الهدف الثاني أقرب لروح الكتاب الكريم في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وأقرب للشخصية المعنوية للرسول الأعظم ، فهذه قرينة مرجحة لحمل الرواية على النظر للهدف الثاني لا الأول.

4- نعم هذا الإشكال صحيح ووارد على المحاضرة.

5- لا شك في أن الحادثة قد حصلت، وإنما الكلام في تفاصيلها، ولو صحت التفاصيل واقعًا لكان لها تفسيرات إلهية لا نعلم بها، وهو الأعرف بها، ولسلمنا بها كما سلم موسى لما فعله الخضر من قتل الغلام وخرق السفينة مع أنهما خلاف ما نفهمه من الموازين لولا التفسير، ولكننا الآن لسنا أمام تفاصيل حادثة صحت ووقعت ويراد منا تفسيرها، وإنما نحن أمام تفاصيل رواية نبحث في ترجيح وقوع بعض تفاصيلها وعدم الوقوع.

فنقول: مقتضى ولايته على الأنفس أن له الصلاحية في قتل من علم بفساده بلا حاجة لنقض العهد أو الخيانة من قبل المقتول، ولكنه جرى في تمام شؤون إدارته على الموازين الظاهرية لا على الواقعية منها، حتى قال: «إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان، فمن اقتطعت له قطعة من أخيه فقد اقتطعت له قطعة من النار»، فلذلك نقول: إن مقتضى الموازين الظاهرية أنه لو دار إعمال ولايته بين طرفين: إما قتل الكل أو العفو عن غير المقاتلين، وكلاهما إعمال لولايته، فإن الثاني أرجح بأنظارنا القاصرة، لأنه الذي تنحفظ به الصورة القدسية للرسول في أذهان غير المسلمين من كونه مظهر الحكمة، بحيث لا يستغل الفعل منه لتبرير القتل من قبل بعض الجهلة، كما حصل من قبل داعش في زماننا، مضافًا إلى كونه منبع الرحمة والرأفة على البشرية، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ، وهذا نراه مرجحًا لاستبعاد صدور بعض التفاصيل، ومنها قتل الكل.

6- نعم لو توقف دفع خطر أكبر ومحذور أشد على محرم لجاز بل وجب، ولكن القراءة لسياق الرواية وظرفها لا تشهد بتوقف حفظ المجتمع الإسلامي من خطر القبيلة الناكثة على كشف المآزر، إذ يمكن الاستعانة بالخبراء - ووجودهم غير عزيز - في معرفة البالغين من غيرهم من خلال آباطهم أو وجوههم أو سيقانهم وما أشبه ذلك.

السيد منير الخباز
أرسل استفسارك