حرية الاعتقاد
حمد العتيق - سيهات - 02/11/2014م
منذ سنوات وأنا أحمل فكرة نقد ”حد الردة“ وأرتكز على محور حرية الإعتقاد. أستفزني اليوم السيد منير الخباز حفظه الله بطرحه الموضوع بطريقة تبرر للفقهاء قولهم بهذا الحكم وأن القول بالقتل كحكم للمرتد لا يعارض تشجيع الإسلام على التفكر بل ينسجم معه!

وجاء هذا التبرير على وجه التفريق بين حرية الأعتقاد وحرية التفكير.

فالإعتقاد كما أشار السيد يأتي بعد التفكير أولاً وهو ما يضمن لك الإسلام حريته، ثم الإستدلال المنطقي والذي تنعدم مساحة الحرية فيه ثم الحرية هي نتيجة للإستدلال المنطقي التي هي أيضاً تعتبر مساحة غير حرة تلزمك بما أنتهيت إليه.

ورغم أن السيد منير أشار اليوم إلى أن القرآن لا دليل فيه على حد الردة وأن منشأ القول بهذا الحكم هو وجود أكثر من 40 رواية في هذا الباب أعتمد عليها الفقهاء وعدت من المتواتر في النقل.

وأن هذه الروايات لا تعارض قول الله في قوله لا إكراه في الدين أو لكم دينكم ولي دين أو من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، لأن الآيات كانت في صدد إما البراءة أو على نحو عدم الحاجة للإكراه بعد تبين الرشد من الغي!

وحقيقة لا يمكن لي قبول هذا التبرير لكونه قاصر في أستعراض مفهوم حرية الإعتقاد على النحو التالي:

الوجه الاول من أوجه قصور هذا التبرير: أن مسألة الإعتقاد \ ”الحُر\“ وخاصة الإعتقاد الديني لا يمكن مصادرة مساحة الحرية فيها فقط لأن قبلها مرحلة أستدلال منطقي أوجب هذه النتيجة، فالفرض الصحيح للصورة أن المسائل الدينية هي داخلة في جملة من الإستدلالات التي تعارضها وهي أيضاً منطقية، ولهذا لايمكن لنا القول بأن النتيجة دائماً حتماً صحيحة طالما أن الإستدلال والتعارض مستمر! فمن منشأ عقلائي وجود إحتمال للخطأ ولو 1% يعطي صاحبها الحق في ترك هذا الإستدلال وإن كان قوياً. وإن كان غالباً. بل وإن كان مفحماً... سواء بوسواس الشك أو بالجحود والعناد، فبما أن له حرية \ ”تكوينية\“ فهو يتحمل النتائج.

ولا يمكن إسقاط تشبيه الإستدلال الديني على أنه من الواضحات كرؤية الشمس أو النار لنجعل أن كل منكر هو بالضرورة جاحد أو صاحب عاهة فكرية وغشاوة! فلماذا هذه المصادرة المبكرة للحقيقة ونحن كلنا في مرحلة بحث عنها؟ فالغالب هو تشكيك في مبهم يحتاج لدليل. والغالب أن أصحاب الفكر الديني مقصرون حتى النخاع في بيان هذا الدين على الوجه الصحيح. فإن حصل وجحد جاحد بعد بيان الوجه الصحيح أيضاً هو حر لا إكراه له في الدين، فإن كنت أنت الطبيب وبينت للمريض المرض والدواء ورفض الاعتراف بالمرض والدواء فلا إجبار في عرف الاطباء حيث أن مهمته تنتهي بالفحص وأقتراح العلاج.

وأستغرب أن السيد جاء بدليل لست عليهم بمسيطر إلا أنه تجاوزها بشكل سريع ولم أفهم أين محلها من الإعراب بالضبط!

الوجه الثاني من أوجه قصور التبرير: ما قيمة بقاء المعاند على معتقده إن هدد بالقتل وعلى فرض أن هناك فتنة مشتبه بها من إعلان المرتد أرتداده قد تؤثر على المجتمع «الوصاية على العقول»، أوليس خوف المرتد من إعلان ارتداده أشد فتنة في تنمية ظاهرة النفاق داخل المجتمع الإسلامي؟؟؟

أحد أبرز مبررات رفض حكم الردة هو كونها العامل الرئيسي المسبب لإنتشار المنافقين، فلما كان النبي بدون دولة وضعيفاً كان الكفار مجاهرين وأعداء الدين معروفين، وحين صارت له الدولة وأشتد سيفه كثر المنافقون من حوله.

ورغم أن السيد أوجد مخرجاً مؤقتاً في قوله أن جزء من الفقهاء قال بأن هذا الحكم تبريري او تدبيري وليس فعلي قانوني بمعنى أن للحاكم الشرعي فقط تنفيذة وفق تشخيصة للمصلحة العامة، إلا أن هذا المخرج هو مختص بالمعصوم وحدة ولهذا هو يصلح كتبرير لما ثبت تاريخياً من وجود حوادث قد أمر فيها النبي بقتل المرتدين على أنها ردة سياسية. إلا أن السيد أغلق الباب المؤقت بقوله أن جمهور الفقهاء على القول بأن الحكم فعلي ويجب القتل في حال توافر شروط الردة.

الكلام كثير... لكن أحببت أضع ملخص ما جاء في صدري من كلام.

شاكرين لسماحة السيد هذه الفسحة لتحريك العقول
الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

الجواب بذكر أمور:

الأمر الأول: ما ذكرناه ليس تبريرا لفتاوى الفقهاء بل بيان للروايات الواردة عن أهل البيت وهي تبلغ أكثر من أربعين رواية في مجال حد الردة.

الأمر الثاني: لا إشكال إن الفكر الديني في أطار أفكار منطقية وعلمية متداخلة وربما تكون متعارضة أحيانا فان لم يصل للحق نتيجة تدافع الافكار وتعارضها فهو معذور إذا لم يقصّر في البحث والتحقيق مع أهله.

الأمر الثالث: إذا سلك الإنسان الأدلة المنطقية ووجدها دالة على وجود الخالق جل وعلا أو نبوة الرسول ولكن ما زال يحتمل خطأها فهو حرٌّ تكويناً أن يعتقد بها أو لا يعتقد، لكن هل هو حرٌّ عقلاً؟ فهنا خلطٌ بين الحرية التكوينية والحرية العقلية؛ فمن وصل إلى الدليل الكافي الذي لا إشكال فيه لكنه لا يعتمد عليه لأجل احتمال الخطأ فهو حرٌّ في أن يعتقد أو لا يعتقد بالحرية التكوينية التي عبَّر عنها القرآن ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ، كما أنه حر من ناحية السلطة أي ليس من صلاحية السلطة الحاكمة أو أي أحد أن يفرض عليه العقيدة، وهذا هو مدلول قوله تعالى ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ، ولكن هل العقل يعذره في عدم الاعتقاد مع قيام الدليل الوافي على ذلك؟ الجواب كلا؛ فإن العقل يقول للإنسان يجب عليك حفظ نفسك من الخطر والضرر وإلا كنت ظالماً لنفسك، فليس لك صلاحية أن تضع نفسك قي موضع الخطر والضرر، نظير من يذهب للطبيب ويقنعه الطبيب بمرضه وعلاجه فإنه وإن كان حراً تكويناً في أخذ العلاج وتركه، لكن العقل يقول له إن جعل نفسك في معرض الخطر ظلم والظلم قبيح، وكذلك في الفكر الديني إذا قام الدليل عليه  الدليل الكافي  فإن عدم الاعتقاد على طبق الدليل ينافي حكم العقل بأن عدم قبول النتائج إما للعبث وهو قبيح، أو ابتغاء للتحرر حتى من قبول الحقائق، وهذا منافٍ للحكمة، وإما لوجود الشك وعدم القدرة على إزالته وفي ذلك ظلم للنفس؛ إذ لعل في قبول هذه الحقائق حفظاً للنفس من المنزلقات المسقبلية.

الأمر الرابع: لا توجد ملازمة عقلية بين ثبوت حد الارتداد ونموّ ظاهرة النفاق في المجتمع الإسلامي؛ إذ بإمكان من ارتدّ أن يطرح ما يدور في ذهنه من أفكار على المختصين بالفكر الديني عبر حوار مستمر من دون أن يضطر للنفاق، كما أن بإمكانه ألا يشارك المسلمين في المراسيم الدينية فلا يضطر للنفاق، وبإمكانه السفر وممارسة فكره في أي مجتمع غير موحد، فليس ثبوت حد الارتداد من عوامل ظهور حالة النفاق، وأما كثرة المنافقين في زمن الرسول فلم يكن ذلك بسبب إقامة حد الارتداد؛ حيث إن النبي لم يقم هذا الحد في عهده، وإنما كان للطمع في الاستيلاء على الموارد الادارية والاقتصادية في دولة الرسول ، ولكي يكونوا وزراء للدولة بعد وفاته لعلمهم ببقاء الدولة واستمرارها؛ إذ لو أظهروا الكفر لم يحصلوا على الامتيازات.

الأمر الخامس: لا إشكال إن الفتنة الفكرية تقود لفتنة اجتماعية واختلال النظام والفوضى في مجتمع أخوي كالمجتمع الاسلامي المتآخي، كما حصل لمجتمع المسلمين في المدينة في عصر النبي ، والفتنة الموجبة لاختلال النظام اشدُّ فتكا من النفاق.

الأمر السادس: إن رأي بعض الفقهاء أن حد الردة حدٌّ تدبيري ليس خاصاً بالمعصوم ، وإنما يشمل كل حاكم شرعي يُشخّص أن المصلحة العامة في الحفاظ على ثبات دولة الإسلام تقتضي أن يقيم حد الردة.

الأمر السابع: كلُّ من أمر النبي بقتله لم يكن بسبب ارتداده بل كان لتحولهم أعداءً للمجتمع الإسلامي بنشر الأراجيف وهجاء النبي وتثبيط المسلمين عن القتال دفاعاً عن الحرمات والكرامات.

السيد منير الخباز
أرسل استفسارك