اسألة عن الدين والاسلام
Sara - qatif - 13/03/2015م
السلام عليكم ورحمة الله

ولدت في عائلة غير متمسكة في الدين.. وليس لدي خلفية عن بعض الأمور الدينية، ولكن بعد اختلاطي بمحيط وبيئة موالين لأهل البيت وسماعي لبعض نقاشاتهم عن الدين كثرت تساؤلاتي، فهم يتحدثون عن قصص وأشياء أجهل بها، ولا أعلم ان كان يتوجب علي معرفتها أم لا؟

سأطرح عليك بعض الأسئلة التي لدي وآمل أن ألقى الجواب.

تقول الآية أننا خلقنا لنعبد الله، ومع ذلك الله في غنى عن عبادتنا، ولا يزيده ايماننا شيء ولا ينقصه كفرنا شيء.. اذا لماذا يأمرنا الله بهذا الأمر؟ ولماذا يعاقب الله من يعصي أوامره رغم أن هذا الشيء لا يضره؟ ومنذ بداية الأمر ”قبل أن نخلق“ لم يحتاج الله عبادتنا. فلماذا يكون هذا هو سبب خلقنا؟ ”العبادة التي لاتزيد الله شيئًا“

الله عالم بكل شيء منذ بداية كل شيء، وقبل أن تبعث الرسل وقبل أن تنزل الديانات.. فلماذا لم يجعل الاسلام الديانة الصحيحة منذ البداية؟ ولماذا نزلت الكثير من الديانات لتحرف وتستبدل بديانات أخرى؟ - مع العلم بقدرة الله على تنزيل ديانة واحدة صحيحة وحمايتها من التحريف -.

يقال أن العبادة هي الطريق للسعادة والراحة في الدنيا الآخرة.. وفي الكفّة الأخرى يقال ”إن الله اذا أحب عبدًا ابتلاه“ وكلا العبارتان تناقضان بعضهما؟

أقدارنا كلها مكتوبة قبل أن نولد حتى.. ويعلم الله بكل شيء سيحدث لنا وكل شيء مخير من عنده. فلماذا نحن مطالبون بالدعاء؟ وهل يغيّر الدعاء من أقدارنا المكتوبة علينا شيء؟ أم هو مجرد عبادة و- أخذ بالأسباب - المؤدية لتحقق مانريد؟

الاسلام يدخل فيه الكثير من المذاهب، أبرزها مذهب الشيعة ومذهب السنّة. كلاهما مقتنع بأن مذهبه صحيح وموافق للشريعة الاسلامية. أيهما أصّح؟ وهل يدخل احداهما الجنة والآخر النار؟

الايمان فطرة في الانسان منذ ولادته.. ولكن كل شخص ينتمي الى ديانة حسب المكانة التي يولد فيها، كمن يولد في الهند يصبح هندوسي، ومن يولد في أمريكا يصبح مسيحي، ومن يولد في جزيرة العرب يصبح مسلم.. كل هذا يتحدد بمكان الولادة، وكل منهم مؤمن بأن ديانته صحيحة. فلو كنت مولودًا في مدينة سكانها يهوديين مثلًا، سأكبر لأصبح يهودية. وسأؤمن كوالدي، وسكان مديتني، أنها الديانة الصحيحة. كما يؤمن المسلم أن ديانته هي أصح الديانات. فأي الديانات أصح حقًا؟ جواب الكثير على هذا السؤال أن الانسان يجب أن يبحث ويتثقف حتى يصل إلى طريق الحق «ألا وهو الإسلام» ولكن عندما يبحث المسلم في ذلك ويتحقق من بعض المعلومات الدينية غالبًا مايكون الرد أن هذه الأسئلة تعجيزية وأن لا جواب لها الا بعلم الله؟ ألا أملك حق البحث والتحقق كما يملكه الغير مسلم؟

أم لأنني مسلم والعلماء المسلمون يرون أنه الدين الحق يجب علي أن أسقط وظيفه عقلي في التحليل وأتجاهل ما أملكه من شكوك؟

بيد الله أن يهدي الجميع ان شاء. وان كان حقًا يريد منا أن نعبده لقال كن فيكون.. فلماذا اختار أن يسمح لابليس أن يضلنا؟ وينشر الفساد في الأرض وهو قادر على منعه؟ ولماذا يختار الله أن يهدي من يشاء؟ هل منا من يستحق الهداية ومن لا يستحقها؟

لماذا يفرق الاسلام بين الرجل والمرأة كثيرًا؟ أليس العدل بين الجميع من حقوق الانسان؟

والتفريق خصوصًا في علاقاتها الزوجية فالرجل عندما يظلم المرأة ويقصر في حقوقها أو حتى عندما يخونها فإن الشرع يقول لها: عليكِ بحسن التبعل والصبر وعدم حرمانه من الفراش والدعاء له بالهداية.

ولكن عندما تخطأ الزوجة أو تقصر في حقوقها فإن الشرع يقول للرجل أن يهجرها في الفراش أو بضربها وحتى ان لم تكن مخطئة أو مقصرة، فالشرع يعطي الحق للرجل بتطليق زوجته اذا كان قلبه لا يميل لها أو لا يحبها، فلماذا على الزوجة أن تعيش تحت الذل والهوان مع زوجها، ولكن الرجل يمكنه أن يطلق زوجته بحجة أنه لم يعد يحبها وبدون أعذار مقنعة؟

ولماذا أحل تزويج الصغيرات؟ ويحل لزوجها أن يجامعها حين يصبح جسدها قادرًا على احتمال الجماع حتى لو لم تبلغ؟ ألم يجعل الله للانسان شهوة و«عقل» يتحكم بشهوته به!!!

ولماذا توصف المرأة بنقصان الدين لمجرد أنها تحيض ولا يجوز لها الصلاة ولا الصيام؟ وهذا أمر اجباري عليها لا مخير؟

وفي الإسلام، فإن المرأةَ أقل عقلاً من الرجل، ولذلك فشهادةُ المرأةِ في المعاملاتِ المالية هى بنصفِ شهادته، يقولُ القرآن: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}، وليسَ للنساءِ شهادة في الحدودِ والقصاص، ولا شهادةَ لهن لوحدِهِنَّ بدونِ رجلٍ إلا في المسائل التي لا يطلعُ عليها الرجال، قال علي بن أبي طالب: «لا تجوزُ شهادةُ النساء في الطلاقِ والنكاحِ والحدودِ والدماء». «مصنف عبد الرزاق ج8 ص329 - 330»، «وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ» البقرة/228، قال ابن كثير: «أي: في الفضيلةِ في الخُلُق، والمنزلة، وطاعةِ الأمر، والإنفاق، والقيامِ بالمصالح، والفضلِ في الدنيا والآخرة». «تفسير ابن كثير ج2 ص339».

ولماذا يحرم على المرأة أن تصد زوجها اذا طلب منها أن تجامعه؟ «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فلم تأته فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح»، مالذي يفرق في ذلك بين الرجل والمرأة؟ أليس كلامها انسان؟ ولماذا كل هذا الظلم وانتهاك الحقوق القائم على المرأة فقط!!
الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

تقول الآية أننا خلقنا لنعبد الله، ومع ذلك الله في غنى عن عبادتنا، ولا يزيده ايماننا شيء ولا ينقصه كفرنا شيء.. اذا لماذا يأمرنا الله بهذا الأمر؟ ولماذا يعاقب الله من يعصي أوامره رغم أن هذا الشيء لا يضره؟

ومنذ بداية الأمر ”قبل أن نخلق“ لم يحتاج الله عبادتنا. فلماذا يكون هذا هو سبب خلقنا؟ ”العبادة التي لاتزيد الله شيئًا“

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الله عندما شاءت حكمته خلق عالم الوجود بأسره وقد خلقه متنوعاً فلكل حقل من حقول هذا الوجود نوع من الحياة، وجهّز كل نوع من أنواع الموجودات بطاقات تختلف عن طاقات النوع الآخر، وجعل لكل موجود حاجات تختلف عن حاجات الموجود الآخر، ومقتضى الحكمة أن تكون مسيرة الوجود فاعلة ومحققة لأهدافها بالتكامل بين الموجودات، والتكامل بين الموجودات يقتضي أن يكون الإنسان الذي هو أفضل الموجودات لامتلاكه العقل والإرادة هو المؤهل لاستخراج طاقات جميع الأنواع المبثوثة في هذا الوجود، وجعلها ضمن نظام عادل يلبي احتياجات الموجودات ويتكفل التوفيق بينها، وهذا النظام لا يمكن أن يحقق أهداف الوجود بمجرد التشريع بل يحتاج إلى التطبيق، ومن العناصر الضرورية لتطبيق هذا النظام الاطمئنان النفسي للإنسان والعلاقة الروحية بينه وبين خالقه، فإن العلاقة الروحة بين الإنسان وبين خالقه كما لها أثر داخلي على الإنسان حيث إنها تسبق على روحه الاستقرار والطمأنينة كما قال تبارك وتعالى ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ، والاستقرار الداخلي دخيل في قدرة الإنسان على قيادة الوجود، وعلى استخراج طاقات الوجود، وعلى التوفيق بين حاجات الموجودات؛ فإن الإنسان المشوش وغير المستقر روحياً لا يمكنه القيام بهذه القيادة بكفاءة وجدارة، كذلك للعلاقة الروحية أثر خارجي على سلوك الإنسان؛ حيث إن إيمان الإنسان برقابة عالمية عليه وهي رقابة الله عز وجل يجعله عادلاً في إنصاف الحقوق وفي التوفيق بين المصالح العامة والمصالح الخاصة، وفي تغذية الموجودات بلحاظ حاجاتها المختلفة، فالإنسان في حد ذاته هو المحتاج للعبادة من أجل أن ينهض بهذا الهدف العظيم ألا وهو قيادة الموجودات إلى كمالها وإلى سموها، لذلك لم يكن الهدف من وجود الإنسان منفصلاً عن الهدف من الوجود كله؛ حيث إن الهدف من الوجود كله أن يسير إلى الكمال، ووصول الوجود نحو الكمال إنما يتم بقيادة الإنسان؛ لأنه أفضل المخلوقات، وقيادة الإنسان إنما تكون وافية ومؤهلة للوصول إلى الكمال منوطة بكون الإنسان عادلاً مع نفسه وعادلاً مع غيره، والعدالة تتوقف على الإيمان بالرقابة العامة للكون، وذلك يتوقف على العبادة.

والنتيجة أن الله تبارك وتعالى لم يخلق الوجود لحاجة منه إلى ذلك وإنما خلق الوجود تفضلاً منه؛ لأنه تبارك وتعالى عين الكمال، ومقتضى كماله أن يفيض الكمال، ومن فيض كماله إبداع هذا الوجود من أجل أن يسير نحو الكمال.

الله عالم بكل شيء منذ بداية كل شيء، وقبل أن تبعث الرسل وقبل أن تنزل الديانات.. فلماذا لم يجعل الاسلام الديانة الصحيحة منذ البداية؟ ولماذا نزلت الكثير من الديانات لتحرف وتستبدل بديانات أخرى؟ - مع العلم بقدرة الله على تنزيل ديانة واحدة صحيحة وحمايتها من التحريف -

لا يوجد ديانات متعددة، بل ليس هناك إلا دين واحد ألا وهو دين الإسلام، ولذلك قال تبارك وتعالى ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ، وقال تبارك وتعالى ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ، وقال تبارك وتعالى ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ، فالدين السماوي دين واحد ألا وهو دين الإسلام، وهو يجمع سائر الديانات من الإبراهيمية واليهودية والمسيحية وغيرها، ولذلك قال تبارك وتعالى في شأن إبراهيم ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

نعم تختلف الأديان في طريقة العبادة، وهذا ما يعبر عنه بالشريعة؛ فإن الدين غير الشريعة؛ حيث إن الدين هو عبارة عن المعتقدات وهذه المعتقدات مشتركة بين سائر الأديان، وأما الشريعة وهي طريقة العبادة فهي تختلف من دين لآخر.

وإنما لم يُنزل الله تبارك وتعالى طريقة واحدة للعبادة منذ أول يوم بلحاظ اختلاف مراحل وجود الإنسان؛ لأن التشريع السماوي لابد وأن يكون متطابقاً مع المصالح الإنسانية العامة وإلا لكان هذا التشريع لغواً وعبثاً، والعبث لا يصدر من الحكيم تبارك وتعالى، وبما أن المصالح الإنسانية العامة متغيرة، وليست ثابتة لأجل ذلك روعي في طريقة العبادة اختلاف مراحل وجود الإنسان؛ فإن الإنسان مر بمراحل مختلفة، وكل مرحلة من مراحل التاريخ الإنساني كانت تقتضي نوعاً من العبادة ينسجم مع مصلحة الإنسان في تلك المرحلة، فلمّا تم النضج العقلي والبنيوي للإنسان شُرّعت له الطريقة الكاملة للعبادة وهي الطريقة التي جاءت في الشريعة المحمدية.

يقال أن العبادة هي الطريق للسعادة والراحة في الدنيا الآخرة.. وفي الكفّة الأخرى يقال ”إن الله اذا أحب عبدًا ابتلاه“ وكلا العبارتان تناقضان بعضهما؟

ليس المراد بالعبادة هي ما يوصل للسعادة المادية، وإنما المراد بالعبادة ما يوصل للسعادة الروحية بمعنى الاستقرار النفسي؛ فإن الإنسان العابد هو الإنسان المسيطر على انفعالاته وشهواته وغرائزه؛ بحيث تكون شهواته وغرائزه وانفعالاته تحت سيطرة عقله، فهو الذي يقود شخصيته، لا أن الذي يقود شخصيته هو نفسه وغرائزه وشهواته، ومتى ما وصل الإنسان إلى هذا المستوى بمعنى أن القائد له عقله وليس شهوته كان سعيداً، فالمراد بالسعادة والكمال السعادة الروحية، بمعنى أن القيادة بيد العقل وليست بيد النفس الأمارة بالسوء. ولأجل ذلك يُبتلى الإنسان مؤمناً أو فاسقاً، مسلماً أو كافراً بسائر أنواع البلاء كما قال تبارك وتعالى ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا، إلا أن الذي ينجح في الابتلاء والامتحان من كان القائد له عقله، وأما الذي يكون القائد له نفسه وشهواته فإنه يسقط في هذا لامتحان، لأجل ذلك يكون امتحان المؤمن زيادة في قوة إرادته وصلابة إيمانه، فيكون مظهرا من مظاهر حب الله له.

أقدارنا كلها مكتوبة قبل أن نولد حتى.. ويعلم الله بكل شيء سيحدث لنا وكل شيء مخير من عنده. فلماذا نحن مطالبون بالدعاء؟ وهل يغيّر الدعاء من أقدارنا المكتوبة علينا شيء؟ أم هو مجرد عبادة و- أخذ بالأسباب - المؤدية لتحقق مانريد؟

لا ريب أن القضاء على قسمين: قضاء حتمي، وقضاء غير حتمي.

فالقضاء الحتمي هو القضاء الذي لا يتغير كما إذا قضى الله تبارك وتعالى بزلزال أو ببركان أو بخسوف أو كسوف في منطقة معينة.

والقضاء غير الحتمي كزواج الإنسان ووظيفته ونوع حياته بل حتى طريقة موته؛ فإن الإنسان قد يختار طريقة موته بنفسه بأن يموت بعلة.

وهناك مجموعة من الأسباب المؤثرة في القضاء غير الحتمي، وبعضها أسباب مادية، وبعضها أسباب غيبية.

فالأسباب المادية مثلا: إن شرب الدواء سبب من أسباب الشفاء، وهذا يقتضي أن الشفاء قدر غير حتمي؛ لأن الإنسان قد يشرب الدواء فيشفى، وقد لا يشرب الدواء فلا يشفى، ومنها سعي الإنسان للدراسة أو العمل أو تحصيل زوجة أو ما أشبه ذلك، فإن هذا السعي من الأسباب المادية للقضاء غير الحتمي.

كذلك هناك أسباب غيبية، ومنها الصدقة، وصلة الرحم، والدعاء، ولذلك ورد في الأحاديث الشريفة «إن الدعاء يرد القضاء» والمقصود به القضاء غير الحتمي، وورد في الأحاديث الشريفة «إن الصدقة تدفع البلاء وقد أُبرم إبراما»، وورد في الأحاديث الشريفة «صلة الرحم تُزكي الأعمال وتُنسئ الآجال» بمعنى أنها تطيل عمر الإنسان.

فورود البلاء على الإنسان أو قصر عمره أو زواجه من شريكة معينة كل ذلك أقدار غير حتمية تتأثر بالأسباب المادية وبالأسباب الغيبية.

نعم الله تبارك وتعالى يعلم من الأول أن هذا الإنسان باختياره وإرادته قد يختار الإتيان بالسبب فيتحقق المسبب منه، وقد يختار عدم الإتيان بالسبب فلا يتحقق المسبب منه، إلا أن علمه تبارك وتعالى بأن الإنسان سوف يختار السبب الفلاني دون السبب الفلاني لا يجبر الإنسان على العمل؛ حيث إن العلم ليس واقعا في علل حصول العمل.

الاسلام يدخل فيه الكثير من المذاهب، أبرزها مذهب الشيعة ومذهب السنّة. كلاهما مقتنع بأن مذهبه صحيح وموافق للشريعة الاسلامية. أيهما أصّح؟ وهل يدخل احداهما الجنة والآخر النار؟

إن الله تبارك وتعالى خلق الإنسان عاقلاًن قال تبارك وتعالى ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ، فمقتضى العقلانية أن يبحث الإنسان عن البراهين والأدلة المقنعة له، والمذهب المتضمن للبراهين والأدلة العقلية المقنعة للإنسان هو المذهب الذي يوصل الإنسان إلى ربه تبارك وتعالى بحيث يكون الإنسان آمناً مطمئناً في دنياه وآخرته.

الايمان فطرة في الانسان منذ ولادته.. ولكن كل شخص ينتمي الى ديانة حسب المكانة التي يولد فيها، كمن يولد في الهند يصبح هندوسي، ومن يولد في أمريكا يصبح مسيحي، ومن يولد في جزيرة العرب يصبح مسلم.. كل هذا يتحدد بمكان الولادة، وكل منهم مؤمن بأن ديانته صحيحة. فلو كنت مولودًا في مدينة سكانها يهوديين مثلًا، سأكبر لأصبح يهودية. وسأؤمن كوالدي، وسكان مديتني، أنها الديانة الصحيحة. كما يؤمن المسلم أن ديانته هي أصح الديانات. فأي الديانات أصح حقًا؟ جواب الكثير على هذا السؤال أن الانسان يجب أن يبحث ويتثقف حتى يصل إلى طريق الحق «ألا وهو الإسلام» ولكن عندما يبحث المسلم في ذلك ويتحقق من بعض المعلومات الدينية غالبًا مايكون الرد أن هذه الأسئلة تعجيزية وأن لا جواب لها الا بعلم الله؟

ألا أملك حق البحث والتحقق كما يملكه الغير مسلم؟

أم لأنني مسلم والعلماء المسلمون يرون أنه الدين الحق يجب علي أن أسقط وظيفه عقلي في التحليل وأتجاهل ما أملكه من شكوك؟

إن وظيفة الإنسان العاقل  كما ذكرنا في الجواب السابق  أن يبحث عن الدين الذي يتضمن البراهين العقلية المقنعة، فإذا آمن بالدين فإن كل دين بعد الإيمان بأنه الدين القويم يتضمن حقائق عقلية وحقائق غيبية؛ باعتبار أن كل دين قائم على ربط الإنسان بعلاقات ثلاث:

  • علاقة الإنسان بالمجتمع البشري.
  • علاقة الإنسان بالطبيعة.
  • علاقة الإنسان بالله.

وحيث إن علاقة الإنسان بالمجتمع البشري وعلاقته بالطبيعة من العلاقات الحسية المادية التي يمكن أن نضع لها تفسيرات حسية ومادية إلا أن علاقة الإنسان بالله هي علاقة غيبية ملكوتية باعتبار أن الطرف الثاني للعلاقة وهو الله وجود لا محدود، فلا يمكن أن يصل إليه الوجود المحدود وهو الوجود الإنساني بوصول حسي مادي، فلذلك ينبغي على الإنسان أن يبحث عن البراهين العقلية التي تدل على أن الدين دين صحيح، ولكن بعد إيمانه بالدين الصحيح فإن جزءاً من المنظومة الفكرية للدين وهو ما يتعلق بالحقائق الغيبية لا يمكن أن يطال الإنسان بدليل حسي على كل حقيقة غيبية، وإلا للزم أن تتحول هذه العلاقة إلى علاقة حسية مادية كسائر العلاقات، وهذا ينفي جوهر العلاقة وهي أنها علاقة غيبية.

من حقوقي كشخص بعقل أن أفكر وأحلل الأمور، وهناك أمور دينية عجزت أن أفهمها؟ وكلما بحثت فيها يكون الرد أنني لست ”مجتهدة في الدين“ وأن علي الأخذ بكلام المراجع والاستقامة عليها دون سؤال أو تشكيك؟

لا إشكال أن الإنسان من حقوقه أن يعتمد على عقله ومن نماذج الاعتماد على العقل أن يكتشف الإنسان كل حقيقة من الحقائق إما بنفسه أو بالرجوع إل أهل الخبرة في مجال تلك الحقيقة، فمن حقوق الإنسان أنه إذا ابتلي بمرض أن يصل إلى تشخيص مرضه وتحديد علاجه بعقله، ولكن عن لم يتمكن من ذلك فيتعين عليه أن يرجع إلى أهل الخبرة في مجال الطب؛ حيث إنهم أعرف منه بشخيص المرض وتحديد العلاج، فكذلك الإنسان في مجال الحقل الفقهي من الدين؛ فإنه إما أن يكتشف الحقائق الفقهية بنفسه؛ وذلك بأن يصبح إنساناً مجتهداً، فإن لم يتمكن من ذلك فيتعين عليه أن يرجع إلى أهل الخبرة في هذا المجال، وهم الفقهاء والمراجع.

بيد الله أن يهدي الجميع ان شاء. وان كان حقًا يريد منا أن نعبده لقال كن فيكون.. فلماذا اختار أن يسمح لابليس أن يضلنا؟ وينشر الفساد في الأرض وهو قادر على منعه؟ ولماذا يختار الله أن يهدي من يشاء؟ هل منا من يستحق الهداية ومن لا يستحقها؟

أولاً إن كل إنسان قد وهبه الله هداية فطرية، فقد قال تبارك وتعالى ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى، وقال تبارك وتعالى ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا، وقال تبارك وتعالى ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، وهناك هداية تفضلية لمن يسعى إليها، فكل إنسان إذا سلك سبل الهداية داعياً ربه، منتظراً للطفه، فإن ربّه يفتح عليه باب الهداية، قال تبارك وتعالى ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا، فقوله تبارك وتعالى ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، مقصوده أن الإنسان إذا سعى نحو الهداية أعطاه الله الهداية، وإذا أصرّ على الغواية لم يحصل على الهداية، والنتيجة أن المشيئة بيد الإنسان نفسه، ولذلك قال تبارك وتعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ، وقال تبارك وتعالى ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ.

وثانياً: إن غواية إبليس غواية إقتضائية وليست على نحو العلية التامة، فكما أن الإنسان لو دخل باراً من البارات فإن البار الذي يتضمن أجواء من الإغراء والإثارة الشهوية للإنسان سبب من أسباب الغواية، إلا أن الإنسان باختياره أن يدخل وباختياره أن لا يدخل، كذلك إغواء إبليس إغواء اختياري، وليس إغواء قهرياً فإن من شأن الإنسان أن يستمع لوساوس إبليس ومن شأنه أن يغض النظر عنه، فليس إغواء إبليس إغواءً قهرياً كي يقال بأن هذا يتنافى مع عدالة الباري تبارك وتعالى.

لماذا يفرق الاسلام بين الرجل والمرأة كثيرًا؟ أليس العدل بين الجميع من حقوق الانسان؟

والتفريق خصوصًا في علاقاتها الزوجية فالرجل عندما يظلم المرأة ويقصر في حقوقها أو حتى عندما يخونها فإن الشرع يقول لها: عليكِ بحسن التبعل والصبر وعدم حرمانه من الفراش والدعاء له بالهداية.

ولكن عندما تخطأ الزوجة أو تقصر في حقوقها فإن الشرع يقول للرجل أن يهجرها في الفراش أو بضربها وحتى ان لم تكن مخطئة أو مقصرة، فالشرع يعطي الحق للرجل بتطليق زوجته اذا كان قلبه لا يميل لها أو لا يحبها، فلماذا على الزوجة أن تعيش تحت الذل والهوان مع زوجها، ولكن الرجل يمكنه أن يطلق زوجته بحجة أنه لم يعد يحبها وبدون أعذار مقنعة؟

ولماذا أحل تزويج الصغيرات؟ ويحل لزوجها أن يجامعها حين يصبح جسدها قادرًا على احتمال الجماع حتى لو لم تبلغ؟ ألم يجعل الله للانسان شهوة و«عقل» يتحكم بشهوته به!!!

ولماذا توصف المرأة بنقصان الدين لمجرد أنها تحيض ولا يجوز لها الصلاة ولا الصيام؟ وهذا أمر اجباري عليها لا مخير؟

وفي الإسلام، فإن المرأةَ أقل عقلاً من الرجل، ولذلك فشهادةُ المرأةِ في المعاملاتِ المالية هى بنصفِ شهادته، يقولُ القرآن: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، وليسَ للنساءِ شهادة في الحدودِ والقصاص، ولا شهادةَ لهن لوحدِهِنَّ بدونِ رجلٍ إلا في المسائل التي لا يطلعُ عليها الرجال، قال علي بن أبي طالب: «لا تجوزُ شهادةُ النساء في الطلاقِ والنكاحِ والحدودِ والدماء». «مصنف عبد الرزاق ج8 ص329 - 330»، «وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ» البقرة/228، قال ابن كثير: «أي: في الفضيلةِ في الخُلُق، والمنزلة، وطاعةِ الأمر، والإنفاق، والقيامِ بالمصالح، والفضلِ في الدنيا والآخرة». «تفسير ابن كثير ج2 ص339».

ولماذا يحرم على المرأة أن تصد زوجها اذا طلب منها أن تجامعه؟ «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فلم تأته فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح»، مالذي يفرق في ذلك بين الرجل والمرأة؟ أليس كلامها انسان؟ ولماذا كل هذا الظلم وانتهاك الحقوق القائم على المرأة فقط!!

هنا عدة أمور يجب بيانها:

الأمر الأول: إن العدالة ليست عبارة عن المساواة، وإنما هي عبارة عن وضع الشيء في موضعه المناسب له، فمثلاً لو كان هناك تلميذان في فصل واحد وأحدهما لا يمكن أن يستوعب الدرس إلا من خلال الوسائل والأدوات الحديثة، والآخر يمكنه أن يستوعب الدرس من دون تلك الوسائل، أو كان أحدهما لا يستطيع أن يستوعب الدرس إلا إذا كان باللغة العربية والآخر لا يمكنه أن يستوعب الدرس إلا إذا كان باللغة الانجليزية، فهنا لا يصح أن يقال بأن العدالة تقتضي المساواة بين الطالبين؛ فإن المدرس لو ساوى بين الطالبين بان عرض الدرس بأسلوب واحد أو بلغة واحدة لم يكن ذلك عدلاً، بل كان ذلك ظلماً، فالعدالة ليست هي المساواة، وإنما العدالة هي وضع الشيء في موضعه المناسب له، فحيث إن أحد الطالبين يحتاج إلى تفهيم بلغة خاصة، أو بوسائل خاصة، فمقتضى العدل أن يقدم له الدرس بما ينسجم مع طبيعته وهويته.

فلأجل ذلك جاء التشريع الإسلامي لوضع القوانين في مواضعها المناسبة لا على نحو المساواة، فمثلاً للأب تشريعات تناسبه، وللأم تشريعات تناسبها، وللولد تشريعات تناسبه، وللبنت تشريعات تناسبها، وللجار تشريعات تناسبه، وللصديق تشريعات تناسبه، ولو وضع الإسلام تشريعاً واحدا لكل هذه الأصناف لكان ظلماً؛ فإن موقع الأبوة يحتاج إلى تشريع يناسبه، وموقع الأمومة يحتاج إلى تشريع يناسبه، وموقع الجوار يحتاج إلى تشريع يناسبه، فالعدالة هي أن يوضع التشريع في الموقع المناسب.

فمن أجل ذلك نقول بأن الفوارق التي جاء بها الدين بين الرجل والمرأة ليست من باب تفضيل الرجل على المرأة، وليست من باب تفضيل المرأة على الرجل، وإنما وَضَعَ لكل صنف التشريع المنسجم مع شخصيته وكيانه الطبيعي، فمثلاً عندما يقوم الشرع المقدس بإسقاط الصلاة عن المرأة في فترة الحيض فليس هذا من باب تفضيل الرجل على المرأة، وإنما هو تشريع يتناسب مع كيان المرأة في هذه الفترة؛ فإن كيان المرأة في هذه الفترة يكون متضمناً لنوع من التوتر النفسي الذي لا ينسجم مع إيجاب الصلاة أو الصوم عليها، كما أن الرجل له أحكام تختلف باختلاف أصنافه أيضاً، فالمريض له حكم، والسليم له حكم، والشاب له حكم، والشيخ له حكم، فإذا كان شيخاً يتحرج من الصوم فإن الصوم يسقط عنه وعليه أن يدفع الفدية، بخلاف ما إذا كان شاباً قادرا على الصوم من دون حرج.

والخلاصة: إن المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة في التشريعات والقوانين مطالبة بالظلم وليست مطالبة بالعدل؛ لأنه يجب في التشريعات أن تكون منسجمة مع طبيعة المكلف ومناسبة لكيانه البدني والنفسي والروحي.

الأمر الثاني: إن العقل على نوعين: عقل نظري، وعقل عملي.

فالعقل النظري هو الذي يدرك الأشياء النظرية، كالمعادلات الرياضية، والحقائق الكونية، والأفكار العلمية.

والعقل العملي هو العقل الذي له دور البعث أو الزجر في القضايا السلوكية والعملية، وهو ما يعبر عنه القران الكريم بالنفس اللوامة ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ، والنفس اللوامة هي الضمير الذي يكون دوره أن يبعث الإنسان نحو الأفعال الفاضلة، وأن يزجر الإنسان عن الأفعال الرذيلة.

ولا فرق بين الرجل والمرأة في العقل النظري، بل ربما تكون المرأة أكثر ذكاء من الرجل في القضايا النظرية، وإنما الفرق بينهما في العقل العملي، بمعنى أن المرأة لما كانت تمتلك رصيداً عاطفياً وزخماً من المشاعر أكثر من الرجل فإن هذا الزخم من المشاعر يتأثر به العقل العملي للمرأة، فمثلاً لو أخطأ الطفل فربما تكون مشاعر المرأة مانعاً من أن تقوم بدور توجيه الطفل ووضعه فيا لمواضع اللائقة بحزم وصلابة، بينما يمكن للرجل أن يقوم بذلك، فالفرق هنا بين الرجل والمرأة في أن العقل العملي للرجل أقوى إرادة وجزما من العقل العملي للمرأة، وهذا أمر ملحوظ بالوجدان؛ فإن علاقات المرأة بصديقاتها وبزوجها وبأبنائها تتأثر بعواطفها، فربما تغض المرأة عن بعض الأخطاء استجابة لمشاعرها، وربما لا تكون جادة مع نفسها أو مع صديقتها لوجود مشاعر وعواطف تمنع من الإرادة الجدية، فعندما يقال بأن الرجل أكثر عقلانية من المرأة فليس المقصود به أنه أكثر ذكاء، وإنما المقصود به أن دور العقل العملي  أي الضمير المحرك للإرادة الحازمة  في الرجل أكثر منه في المرأة.

ولا نعني بذلك أن كل رجل يمتلك إرادة، ولا كل امرأة لا تمتلك إرادة، فهناك بعض النساء أقوى إرادة من كثير من الرجال، وهناك بعض الرجال أقل إرادة من كثير من النساء، وإنما المقصود به النوع، أي أن نوع المرأة بمعنى الأكثر من أفرادها من لا يمتلك إرادة حازمة بقوة الإرادة التي يمتلكها نوع الرجل، ونوع الرجل بمعنى أن أغلب أفراده يمتلك إرادة حازمة أكثر من نوع المرأة، وهذا هو السر والسبب في أن الرجل صارت له شهادة واحدة مقابل شهادتين من المرأة؛ باعتبار أن الشهادة على الآخرين، مع أن الآخرين قد يكونوا أصدقاء، وقد يكونوا أبناء، وقد يكونوا أقارب، فالشهادة عليهم بجرم أو خطأ تحتاج إلى إرادة حازمة تفصل بين العلاقة الشخصية وبين الحكم على المواقف، من هنا كان لنوع الرجل شهادة واحدة، وكان لنوع المرأة شهادتان مقابل شهادة رجل واحد، وهذا ما أشار له القران الكريم عندما قال ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى إذ ليس المقصود بالضلال الانحراف، وإنما المقصود به هو ضغط المشاعر والعواطف على المرأة حين شهادتها، فإذا انضمت إليها امرأة أخرى ذكرتها بأن المطلوب هو تجاوز العواطف والمشاعر، والشهادة الحازمة في المورد المعين.

وأما أن المرأة لا تقبل شهادتها في موارد وتقبل شهادة الرجل، كما أن الرجل لا تقبل شهادته في موارد وتقبل شهادة المرأة فيها فهو لما ذكرنا في الأمر الأول من أن التشريعات الإسلامية جاءت بما ينسجم مع شخصية المرأة وظروفها، فعدم قبول شهادة المرأة في الموارد التي يلزم من شهادة المرأة أن تختلط بالرجل وأن تحتك به احتكاكاً قد يثير الفتنة أو الريبة أو العلاقات غير المشروعة من هذه الجهة منعت شهادة المرأة لا لقصور في عقلها ولا لتفضيل للرجل عليها، وإنما لأن هذه الموارد من الشهادة تحتاج إلى احتكاك بالرجل لأجل ذلك لم تقبل شهادة المرأة احتياطاً وتحفظاً على كرامتها وسلامتها من إثارة الشهوة والريبة.

الأمر الثالث: إن نقص الدين لا يختص بالمرأة، فالرجل الذي لا يستطيع أن يصلي الصلاة الاختيارية لأنه مشلول هو ناقص دين، والرجل الذي لا يستطيع أن يصوم لأجل أنه مصاب بداء السكري مثلاً ناقص دين، فنقص الدين ليس عيباً وإنما المراد بنقص الدين هو أن هذا المخلوق قد تمر عليه ظروف تسقط عنه بعض التكاليف الشرعية في تلك الظروف استجابة من الإسلام لمراعاة الإنسان في مختلف ظروفه وأحواله.

ولم يرد في القران الكريم آية تصف المرأة بأنها ناقصة دين حتى يشكل ذلك عيباً في الدين الإسلامي.

الأمر الرابع: كما أن للرجل الولاية على طلاق المرأة فإن بإمكان المرأة أن تجعل الولاية لنفسها على الطلاق في ضمن عقد النكاح كما هو متعارف في إيران بأن تشترط المرأة في ضمن عقد الزواج على الزوج أن تكون وطيلة عنه في تطليق نفسها منه إذا حصل منه خطأ أو شيء من ذلك، كما أن المرأة إذا ارتكبت خطأ شرعياً وذنباً يحق للرجل أن يأمرها بالمعروف وينهاها عن المنكر فللمرأة أيضاً الحق في ذلك فيما إذا صدر من الرجل خطأ شرعي، قال تبارك وتعالى ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وكما انه لا يجوز للمرأة أن تهجر زوجها من دون سبب معقول فكذلك يحرم على الرجل أن يهجر زوجته من دون عذر، وكما ورد الأمر بمعاشرة المرأة للرجل بحسن التبعل كما ورد عن النبي «جهاد المرأة حسن التبعل» ورد أيضاً أمر للرجل بحسن المعاشرة حيث قال تعالى ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وقال تعالى ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ، أي أن الحقوق الزوجية متساوية بين الرجل والمرأة، وإنما قال القران الكريم ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، أي أن الرجال كُلفوا بتكاليف لم تكلف بها المرأة، فالرجل كُلّف بالنفقة على الأسرة، ولم تُكلف بذلك المرأة، والرجل كُلف بالجهاد العسكري دفاعاً عن الدين، ولم تُكلف بذلك المرأة، وتكليف الرجل هنا ليس من باب تفضيل الرجل على المرأة، بل لما ذكرنا من أن الدفاع العسكري يحتاج إلى قوام بدني يتحمله وهذا يأتي في جسم الرجل دون المرأة، كما أن الإنفاق على الأسرة إنما خُص به الرجل باعتبار أن الكيان البدني والنفسي للرجل معدٌّ للعمل أكثر من الكيان البدني والنفسي للمرأة؛ حيث إنه معد لدور الأمومة، وبالتالي قد لا تقدر المرأة على بعض المهن الشاقة والحرف المتعبة التي يقدر عليها الرجل، فليس المراد بقوله ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ التفضيل كما ذكر ابن كثير؛ فإنه لا حجية لكلام ابن كثير، وإنما المقصود بالآية أن على الرجل تكاليف خُصّ بها لأنها تنسجم مع كيانه المادي والنفسي ولم تشمل المرأة.

الأمر الخامس: وأما الزواج من الصغيرة فإنه لا يحق لولي البنت أن يزوجها في فرض لا تمتلك البنت البلوغ والرشد؛ بحيث يكون لرضاها دخل في الزواج، فإنه يشترط في نفوذ عقد الزواج رضا المرأة.

وأما إذا توقف حفظ الصغيرة على زواجها، كما لو فرضنا أنها بنت يتيمة، ولو بقيت من دون زوج يحفظها فإنها تكون معرضا للضياع أو الانحراف أو اعتداء الآخرين، فهنا تكون وظيفة الولي حفظاً لها أن يزوجها، فتزويج الصغيرة التي لم تصل إلى سن الرشد يختص بحالات معينة وهي حالات توقف حفظ هذه الصغيرة عن الضياع والانحراف على الزواج.

السيد منير الخباز
أرسل استفسارك