الدرس 77

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

لازال الكلام في شمول الظهورات للعناوين الاجمالية. وقلنا: بأنّه قد يمنع الشمول لأحد وجهين: وصل الكلام إلى الوجه الثاني:

وهو أن يقال: بأنّ الحجية فرع العلم بالموضوع؛ فنحن لا نمنع ظهور العام أو المطلق في الشمول للعنوان الاجمالي وإنّما نمنع الحجية، فنقول:

بأنّ حجية الظهور فرع إحراز الموضوع، فلأجل ذلك: ما لم يعلم تفصيلاً بأنّ زيداً عالم لا يكون قوله «اكرم كل عالم» حجة في إكرامه؛ لأنّ الحجية منوطة بالوصول والعلم، فالحكم الواقعي وهو وجوب الإكرام وإن لم يؤخذ العلم بالموضوع في جعله لأنّ الوجوب - أي وجوب الاكرام - لواقع العالم لا للعالم المعلوم، فموضوع الحكم الواقعي وهو وجوب الإكرام هو واقع العالم، وإنّما الكلام في موضوع الحكم الظاهري - أي موضوع حجية هذا الخطاب - فيقال: بأنّ حجية هذا الخطاب في إكرام شخص أو عنوان فرع العلم بموضوعه؛ فالممنوع: هو الحجية وليس أصل الظهور.

وهذا الكلام لا يمنع مما أردنا بحثه، فنحن نقول أيضاً: بأنّ الحجية متقومة بالعلم والوصول، إلّا أنّ حجية كل شيء بمقدار وصوله، فالوصول التفصيلي قيد في الحجية التفصيلية والاجمالي قيد في الحجية الإجمالية؛ وعليه: فقوله «اكرم كل عالم» بعد التسليم بظهوره في الإنحلال والشمول للكثرات الواقعية وهي أفراد العلماء سواء لوحظت بوجهها التفصيلي كعنوان زيد وبكر، أو لوحظت بوجهها الاجمالي كعنوان الجالس والقصير، فبعد التسليم بظهورها في الشمول لنفس الكثرات بأي عنوان لوحظت ويبقى الكلام في حجية هذا الظهور، فإذا انكشف الفرد تفصيلاً بأن انكشف إنّ زيداً عالم كان الخطاب حجة تفصيلية فيه، وإذا انكشف إجمالاً كانت الحجية بمقدار ما انكشف. فهذا الوجه لا يصلح؛ الغاءً لشمول الخطاب للعناوين الاجمالية.

الأمر الرابع: شمول الخطابات للعناوين الانتزاعية، وفرق بين العناوين الاجمالية والانتزاعية. فإننا تارة نبحث عن جريان دليل الحكم الواقعي في العنوان الاجمالي، كما إذا بحثنا في أن «اكرم كل عالم» يشمل العالم الواقعي الذي انكشف لنا بعنوان آخر لا بعنوانه التفصيلي بل بعنوان يصدق عليه وعلى غيره، وهذا ما يُعبّر عنه بشمول الخطاب للعناوين الاجمالية، فإذا قلنا بحجيته فلا بأس في جريان قاعدة الفراغ عند العلم ببطلان إحدى الصلاتين، والشك ببطلان الأخرى، فنقول: تجري قاعدة الفراغ في الصلاة الواقعية التي انكشفت لنا بعنوان إجمالي أي بعنوان الصلاة التي لم يُعلم بطلانها، فإذا علم المكلف بخلل إمّا بالظهر أو العشاء، فهل يمكن أن تجري قاعدة الفراغ في الصلاة الواقعية المشكوكة، ولكنها انكشفت لنا بالأخرى أو ما لم يعلم بطلانه.

نقول: نعم، بناءً على ما بحثناه من شمول الخطابات للعناوين الإجمالية تجري قاعدة الفراغ في المقام، واللازم إتيان الأربعة عمّا في الذّمة.

الأمر الخامس: هو شمول الخطابات للعناوين الانتزاعية، هل تشمل الخطابات عنوان الأحد أم لا؟ سواء كانت الخاطبات واقعية أو ظاهرية، ولأجل ذلك: لابُّد من التفصيل هنا بين الأحد الملحوظ على نحو الموضوعية والملحوظ على نحو المشيرية، فبالنسبة الملحوظ على نحو الموضوعية أي الأحد كجامع صالح للانطباق على كل فرد على سبيل البدل كأنّه متقوم بمفاد أول، كما إذا قال المولى: «اكرم أحد الرجلين»، حيث إنّه لا يريد الخصوصيات الشخصية، وإنّما منصب حكمه الجامع بين الرجلين الصالح للانطباق في نفسه على كل منهما على سبيل البدل.

ولا إشكال في صحّة تعلق الخطاب بالاحد الملحوظ على نحو الموضوعية ثبوتا واثباتا.

أمّا ثبوتا: فلأنّ الغرض من صبّ الحكم على عنوان معين أن يكون هذا الجعل طريقاً لتحقيق الملاك المنظور إليه من خلال هذا العنوان، فإذا افترضنا أن في الجامع بين الرجلين على سبيل البدل ملاكاً وجعل الحكم على هذا العنوان طريق عقلائي لتحقيق ذلك الملاك، فلا مانع ثبوتاً أن يقول المولى «اكرم احد الرجلين» لأنّه بهذا الخطاب قد انجز وسيلة عقلائية للوصول إلى تحقيق ملاكه.

وأمّا بالنسبة لعالم الإثبات: فإذا قال «اكرم احد الرجلين»، فلا خلاف في ذلك، ما دام بحسب مقام الثبوت أمراً عقلائياً. وإنّما الكلام فيما لو قال «اكرم كل عالم الا أحد الزيدين»، فقد وقع الكلام عندهم هنا: في أنّ ظاهر هذا الخطاب خروج أحدهما عنه، فهل يكون الباقي تحته هو الأحد الملحوظ على نحو الجامعية والموضوعية؟، أم أنّ الباقي تحته كل فرد واقعي لا الأحد الملحوظ على نحو الموضوعية، والسر في الإشكال: أنّ لازم شمول هذا الخطاب للأحد الجامع هو لحاظ الشمول بلحاظين والجمع بين اللحاظين في عرض واحد إن لم يكن محالاً فلا أقل من أنه ذو مؤنة زائدة تحتاج إلى القرينة والبيان.

توضيح ذلك: لا إشكال في أنّ قوله «أكرم كل عالم» يشمل الكثرات الخارجية من أفراد العلماء، فلوحظ الموضوع فيه وهو عنوان «كل عالم» مشيراً إلى الأفراد الكثيرة، فإذا شمل الأحد أيضاً، أي: كما يشمل نفس الكثرات فإنّه يشمل عنوان الأحد الملحوظ على نحو الجامعية بين هذه الأفراد، ومقتضاه: أنّ الموضوع الواحد لوحظ بلحاظين: لحاظ: كونه عنواناً وفانياً في الأفراد الواقعية. ولحاظ: كونه عنواناً فانياً في الأحد الجامعي؛ ورؤية عنوان كل عالم فانياً ومعبراً عن هذين النحوين جمع بين اللحاظين في النظر لموضوع واحد.

فلأجل ذلك: ذهب بعضهم إلى أنّه: نحن نسلّم بإمكان جعل الحكم على عنوان الأحد الموضوعي ثبوتاً، ونسلم بظهور الدليل في شموله إثباتاً إذا كان هو مصب الحكم، كما إذا قال «أكرم أحد الرجلين». أما لو كان الأحد استثناءً، فلا يعني أنّ الباقي تحته هو عنوان الأحد، لأنّ بقاء عنوان الأحد تحته يستلزم الجمع بين اللحاظين، وبالتالي: حيث الجمع بينهما محال فلا ظهور في الخطاب في ذلك، بل لابُّد أن يقال: يشمل الأحد حكماً لا ظهوراً، أي: أنّه بعد استثناء الأحد منه لا محالة بمقتضى التنزيل الاعتباري نقول أيضاً الأحد الباقي مشمول لحكم لا أنّ الخطاب ظاهر فيه.

وأجاب عن ذلك السيد الأستاذ: أنّه كما ذكر في استعمال اللفظ في أكثر من معنى جائز، لأنّ بساطة النفس لتجردها تعطيها القابلية للجمع بين اللحاظات المختلفة في آن واحد، فليست المشكلة ثبوتية، وإنّما إثباتية وهو: هل هناك قرينة على شمول اللفظ الواحد لأكثر من معنى بحسب المراد الاستعمالي أم لا؟!.

والمقام أهون من ذلك: حيث إنّ عنوان الجامعي ليس مضاداً لنفس الأفراد الواقعية كي يكون الجمع بين لحاظه ولحاظ نفس الأفراد من الجمع بين لحاظين متقابلين فإنّ الافراد من قبيل المعنون والجامع من قبيل العنوان ولا تضاد بين هذين اللحاظين.

والقرينة على بقائه نفس القرينة على استثنائه، فإنّه إن قال «اكرم كل عالم إلّا أحد الرجلين»، فإنّ ظاهر الاستثناء عرفاً أن الداخل على نسق الخارج وإن الباقي على نسق المستثنى بحيث لو أردنا تصوير الباقي بغير ذلك لاحتجنا إلى قرينة، فما ينفهم لدى الذهن العرفي هو أنّه كما أنّ الخارج عنوان الأحد فالباقي عنوان الأحد.

إنّما الكلام في الأحد المشيري الذي لا يرى له حيثية إلّا حيثية الإراءة والحكاية عما هو موجود خارجاً أو ثابت واقعاً، فهل أنّ هذا الأحد المشيري يتصور شمول الخطاب له أم لا؟ كما إذا قال «أكرم كل عالم» فيشمل عنوان أحد هؤلاء العلماء بما هو مشير لها، لا ريب في لغوية الشمول العرضي، وإنّما الكلام في الشمول الطولي، هل أنّ خطاب «أكرم كل عالم» يشمل عنوان الأحد في عرض شموله للأفراد؟ أو أنّه يشمل عنوان الأحد في طول شموله لها؟!. فهذا هو محل البحث.

والحمدُ لله ربِّ العالمين