الدرس 80

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

وتعليقاً على كلامه «قده»:

أولاً: أفاد أنّ هناك فرقاً بين ما أخذ فيه عنوان التوجه، وبين ما إذا أخذ فيه عنوان التوجيه، فالخطابات التي أخذ فيها عنوان التوجه ك «يجزي المتحير أبداً أينما توجه». فإنّه قد أخذ عنوان التوجه في الخطاب، فلا يشمل الموارد التي يكون المكلّف به التوجيه كالدفن والاحتضار، فإنّ المكلف مطلوب بتوجيه الميت إلى القبلة، لا بالتوجه، فما دلَّ على حكم المتحير من إنّه يصلّي إلى أي جهة لا يشمل من لم يعلم بالقبلة حال دفن الميت لأنّه ليس مخاطباً بالتوجه.

ويلاحظ على ذلك:

أنّه لو كان المنفهم العرفي من عنوان التوجه أنّه ملحوظ على نحو الموضوعية تم كلامه. أمّا إذا كان المنفهم عرفاً من عنوان التوجه هو الطريقية والكناية، فكأنّه قال: من أُمر بالاستقبال فليستقبل أي جهة، وهذا لا فرق فيه بين أن يؤمر بالاستقبال نفسه أو لشخص، فلا فرق بين أن يقال استقبل بوجهك أو بوجه الميت، فما دام المنفهم العرفي أن لا موضوعية للتوجه وأنّ المدار على من خوطب بالاستقبال، فيشمل محل الكلام من اشتباه القبلة حال الدفن أو الذبح.

ثانياً: أفاد أنّه بالنسبة إلى الذبح قد يقال: أنّ من يتمكن من تحصيل العلم بالقبلة أو الظن بالقبلة لو أخّر الذبح إلى ساعة مثلاً فإنّه مع إمكان تحصيله القبلة علماً أو ظناً، مع ذلك يجزيه أن يذبح إلى أي جهة؛ والوجه في الاجزاء: شمول مثل صحيحة ابن مسلم له وهو لا بأس بذلك ما لم يتعمده.

ويلاحظ إلى ما أفاد:

أننا إذا رجعنا إلى الروايات الدالة على اعتبار الاستقبال في الذبيحة فهي على طوائف ثلاث:

الطائفة الأولى: ما دلَّ على لزوم الاستقبال. كصحيحة ابن مسلم: «مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الذَّبِيحَةِ فَقَالَ ع اسْتَقْبِلْ بِذَبِيحَتِكَ الْقِبْلَةَ ولَا تَنْخَعْهَا حَتَّى تَمُوتَ ولَا تَأْكُلْ مِنْ ذَبِيحَةٍ مَا لَمْ تُذْبَحْ مِنْ مَذْبَحِهَا».

الطائفة الثانية: ما دلَّ على أنّ من ذبح لغير القبلة من دون تعمد فإنّ ذبيحته تحل. «وَسَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَذْبَحُ عَلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ قَالَ لَا بَأْسَ إذا لَمْ يَتَعَمَّدْ وإِنْ ذَبَحَ ولَمْ يُسَمِّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَمِّىَ إذا ذَكَرَ بِسْمِ اللَّهِ عَلَى أَوَّلِهِ وآخِرِهِ ثُمَّ يَأْكُلُ».

الطائفة الثالثة: حليّة الذبيحة على المذبوحة لغير القبلة جهلاً. «عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنْ رَجُلٍ ذَبَحَ ذَبِيحَةً فَجَهِلَ أَنْ يُوَجِّهَهَا إلى الْقِبْلَةِ قَالَ كُلْ مِنْهَا فَقُلْتُ لَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُوَجِّهْهَا - قَالَ فَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا ولَا تَأْكُلْ مِنْ ذَبِيحَةٍ مَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ عَلَيْهَا وقَالَ ع إذا أَرَدْتَ أَنْ تَذْبَحَ فَاسْتَقْبِلْ بِذَبِيحَتِكَ الْقِبْلَةَ».

والكلام فعلاً: في الجمع بين الطائفة الأولى الدالة على اعتبار الاستقبال. والطائفة الثانية الدالة على حليّة الذبيحة ما لم يتعمد؛ وقد ذكر في كلمات فقهائنا ثلاثة وجوه في الجمع بين الطائفتين:

الوجه الأول: ما ذهب إليه النراقي: من اعتبار الاستقبال في الذبيحة مجرد حكم تكليفي لا شرط، وهذا الاستظهار مناف لظاهر الطائفة الثانية، حيث ظاهرها السؤال عن أكل الذبيحة لا عن حكم الذبح.

الوجه الثاني: أن يقال: أنّ الشرط في حليّة الذبيحة أن لا يجانب القبلة عمداً. فإنّ الظاهر من صحيحة محمد بن مسلم حيث قال: لا بأس ما لم يتعمد ظاهره أنّ الموجب لحرمة الذبيحة أن يذبح الانسان الذبيحة متعمداً لمجانبة القبلة.

ولكن، حصر التعمد في هذا المعنى وهو الذبح لغير القبلة مجانبة لها مناف لظاهر الطائفة الثالثة، حيث قال: فَجَهِلَ أَنْ يُوَجِّهَهَا إلى الْقِبْلَةِ قَالَ كُلْ مِنْهَا حيث الظاهر من هذه الفقرة هو الجهل بالحكم لا بالموضوع فإن الجهل بالموضوع يعبر عنه الجهل بالقبلة وهنا عبر ب «يجهل» ان يوجهها إلى القبلة، وهذا يتصور فيمن لا يعلم الحكم أو نسيه، ثم قال: فقلت فانه لم يوجهها فقال لا تأكل، اي انه لم يوجهها عمدا، بمقتضى المقابلة، وحيث ان المراد بالصدر الجهل بالحكم، إذا المراد بالعمد بالذيل ما يشمل حال التقصير، فكأنه قال من جهل بالحكم أو غفل عنه اثناء الذبح فذبيحته حلال ومن تعمد بمعنى علم بالحكم وعلم بالموضوع ولكنه قصر في مراعاته واحرازه فانه تحرم ذبيحته.

الوجه الثالث: ما ذهب إليه المشهور من فقهائنا ومنهم سيّدنا: أنّ ظاهر هذه الروايات: أنّ القبلة شرط حين احرازها، فمن لم يحرز القبلة فليست شرطا في حقه، فأخذ في الحكم الوضعي وهو شرطية القبلة العلم بالموضوع وادعوا أن هذا الظاهر من روايات الطائفة الثانية، حيث قال: «لا باس به ما لم يتعمده». ظاهر هذا التعبير أنّ شرطية القبلة خاص بمن لم يتعمد، فقال السيد الخوئي: من ترددت القبلة لديه إلى أربع جهات وهو مطلوب بذبح الذبيحة، في مثل هذا الفرض وإن أمكنه أن يؤخّر إلى أن يحرز القبلة يجوز أن يذبح لأي جهة، لأنّ القبلة شرط في حال العلم، وفي هذا المورد ليست شرطاً.

كما يتم هذا على المبنيين الأوليين إذا قلنا أنّ القبلة مجرد تكليف نفسي فيجوز حال التردد أن يذبح إلى أي جهة.

الوجه الرابع: أن يقال: أنّ المستفاد من الروايات النظر إلى المانع لا إلى الشرط. فكأنّه يقول: المانع من حلية الذبيحة ذبحها لغير القبلة عمداً لا أنّه يشترط القبلة حال العلم بالموضوع.

بناء على هذا التفسير للرواية يقال: أنّ هذا ذبحها إلى غير القبلة عمداً، فالمانع متنجز في حقه ما دام يمكنه الفرار منه بعلم أو ظن بلا مؤنة، فما أفاده سيدنا من أنّ المتردد في القبلة يجوز له الذبح وإن أمكنه تحصيله بعلم أو ظن إنّما يتم على بعض المباني.

ثالثاً: أفاد سيدنا: «وأمّا احتمال الرجوع إلى القرعة فغير سديد، لعدم الدليل على حجيتها بقول مطلق بحيث يتناول المقام، وإنما الثابت اعتبارها في الجملة وبنحو الموجبة الجزئية كما في الأموال المشتبهة ونحوها مما قام عليه الدليل حسبما هو محرّر في محله».

وموضوع البحث: ما إذا ترددت القبلة إلى جهات ولم يكن المكلف على علم بها، فهل يمكن الرجوع إلى القرعة أم لا؟.

ولكن، إذا رجعنا إلى كلامه في «مصباح الأصول، ج‏2، ص: 412» قال: «وبالجملة: مورد القرعة نظرا إلى مورد الروايات الواردة فيها هو اشتباه الحكم الواقعي والظاهري، فالمراد من المجهول في قوله في رواية: «كل مجهول ففيه القرعة» هو المجهول المطلق، أي المجهول من حيث الحكم الواقعي والظاهري». مثلاً: ما إذا تنازع شخصان في مال بيد ثالث، ولم يكن صاحب اليد مدعياً أنّ المال له بل منكر أنّ المال بيده.

ففي مثل هذا المورد قال السيّد: لا يعرف الحكم الواقعي والظاهري، فيصح رفع المنازعة وتحديد مالك المال بأدلة القرعة. ثم يقول: «نعم، قد يعمل بالقرعة في بعض الموارد مع جريان القاعدة الظاهرية، للنص الخاص الوارد فيه، كما إذا اشتبه غنم موطوء في قطيع، فإنّه ورد نص دال على أنه ينصف القطيع ويقرع ثم يجعل نصفين ويقرع وهكذا إلى أن يعين الموطوء، فيجتنب عنه دون الباقي، ولولا النص الخاص لكان مقتضى القاعدة هو الاحتياط والاجتناب عن الجميع». فإنّ منجزية العلم الاجمالي اجتناب الغنم كلّه، ولكن ورد الدليل الخاص على التعيين.

هذا ما اختاره في أصوله: من أن دليل القرعة خاص بالشبهات الموضوعية التي لم يعلم فيها الحكم الواقعي والظاهري، وموردنا كذلك لعلمنا بالقبلة بالحكم الظاهري وهو الصلاة إلى أربع جهات فلا تجري أدلة القرعة.

وقد أخترنا تبعاً للشيخ الأستاذ: أنّ الطائفة الأولى من أدلة القرعة وهو ما دلَّ على أنّ القرعة لكل أمر مشتبه عمومها لكل مشتبه وما فهمه السيد من أنّها تختص بالمجهول المطلق لا دليل عليه.

الطائفة الثانية: هي موارد تطبيق الأئمةُ دليل القرعة. فإذا نظرنا إلى الطائفة الأولى قلنا: أنّ القرعة دليل حتّى في الشبهات الحكمية فضلاً عن الشبهات الموضوعية وهو ما لا يمكن الالتزام به لمخالفته للارتكاز المتشرعي فإنَّ اطلاق دليل القرعة يلزم منه لغوية كثير من ادلة الاحكام الواقعية والظاهرية.

فنرجع إلى الطائفة الثانية، ونلاحظ أنّ الطائفة الثانية طبّقت القرعة على موارد التنازع في الأموال أو اشتباهها، ولم تطبقه على غير هذا المورد، فمقتضى ضائرية القدر المتيقن في مقام التخاطب عدم إحراز شمول أدلة القرعة لغير موارد التنازع في الحقوق أو أشباهها، فلا يمكن تطبيق دليل القرعة في المقام مما ترددت القبلة بين الجهات الأربعة.

والحمدُ لله ربِّ العالمين