الإعجاز والإسم الأعظم

تحرير المحاضرات

بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ

صدق الله العلي العظيم

انطلاقاً من الآية المباركه نتحدث في محورين.

المحور الأول: في تحليل معنى الأسماء الحُسنى.

الأسماء على ثلاثة أقسام، إسم: يدل على النقص. وإسم: يدل على كمال مشوبٍ بالنقص. وإسم يدل على الكمال المحض.

فالإسم الذي يدل على النقص مثل كلمة جاهل، عاجز، ناقص، ميت. هذه أسماء تدل على النقص محضاً.

والإسم الذي يدل على كمال مشوب بالنقص مثل: كلمة عفيف كلمة ورع عندما نقول فلان عفيف بمعنى عنده شهوه تغلب عليها فأصبح عفيفاً، إذاً كلمة عفيف: تشير إلى كمال لكنه كمال مشوب بالنقص، لأن العفه هي عبارة عن السيطرة على الشهوه والتمكن من إسترسالها والتمكن من تأثيرها. إذا كلمة عفيف تستبطن جهة نقص وهي الشهوة وجهة كمال وهي السيطرة على تأثير الشهوة.

مثل كلمة ورع، الورع: هو الذي يتنزه عن محارم الله. يعني يتنزه عن الدخول في الشبهات كما ورد عن النبي محمد : ”حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك، فمن تورع عن الشبهات نجا من المُحرمات ومن رسع حول الحمى أوشك أن يقع فيه“، فالورع هو الذي يتورع عن الشبهات ويتنزه عنها إذاً الورع فيه جهة نقص وهي جهة الشهوة والرغبه للوقوع في الشُبه، وفيه جهة كمال وهي جهة المنع عن استرسال النفس وراء شهواتها وغرائزها.

والقسم الثالث: وهو مايدل على الكمال المحض من دون شائبةِ نقص، مثل كلمة القادر، العالم. القادر: تدل على صرف القدرة والقدرة كمال المحض. العالم: تدل على محض العلم والعلم كمال المحض. الحي: تدل على الحياة المحضه والحياة كمال المحض. إذا هذه الأسماء تُسمى بالأسماء الحسنى الأسماء الحسنى جمع أحسن والإسم الأحسن هو الإسم الذي لا يدل على شائبة نقص، بل يدل على الكمال المحض.

لذلك قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ معناها الأسماء التي لا تدل على شائبة نقصٍ أو فتور ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ

المحور الثاني: تحديد معنى الإسم الأعظم.

الروايات الشريفه دلت على أن من بين أسماءه تعالى الإسم الأعظم، اللهم إني أسألك باسمك العظيم الأعظم. الإسم الأعظم ماهو؟ ماذا نستفيد من الروايات في بيان حدود الاسم الأعظم؟ المستفاد من الروايات أن الاسم الأعظم هو مبدأ المبادئ علة العلل، هو مبدأ الرحمة منه تنبثق وتنطلق الرحمة الإلهيه إذا الإسم الأعظم ليس ألفاظ ليس أ ب ت، الإسم الأعظم ليس صورة ترتسم في ذهن الإنسان، لماذا؟ لأن الإسم الأعظم هو علة العلل ولا يُعقل أن يكون علة العلل لفظاً يطرأ على اللسان، ولا ُيعقل أن يكون علة العلل صورة ترتسم في ذهن الإنسان، إذاً بما أن الإسم الأعظم هو علة العلل وهو مبدأ الرحمة، إذا هو ليس لفظ ولا صورة الإسم الأعظم هو وجودٌ شاخصٌ متحققٌ في صفحة هذا الكون، فما هو ذلك الوجود الشاخص المتحقق في صفحة هذا الكون المعبر عنه بالإسم الأعظم؟

لكي يتضح لنا ذلك نأخذ سلسة العوالم التي تمر بها المخلوقات.

العالم الأول: هوعالم المادة هذا العالم الذي نحن نعيش فيه وهو عالم الوجود والفناء يوجد الإنسان فيه كجسم ثم يفنى جسمه في التراب، فوق عالم المادة يوجد عالم آخر.

العالم الثاني: وهو عالم المثال أو مايعبر عنه بعالم الملكوت «عالم الأرواح» أو مايعبر عنه بعالم الذر فوق هذا العالم خُلقت الأرواح مُتلبسه بأجسام مثاليه ولم يكن للأرواح دور إلا أنها تشاهد ملكوت الله وجلاله وجماله.

الأرواح قبل هذا العالم المادي كانت في عالم الملكوت عالم الذر عالم الأرواح عالم المثال كانت روحاً تهلل الله وتسبحه وتشاهد ملكوت الله وجلاله وجماله قبل عالم الأرواح ماذا؟

العالم الثالث: عالم الصُنع له بابان: باب يُعبر عنه بالكرسي، وباب يُعبر عنه بالعرش، ورد في الروايه عن الإمام الباقر : "العرش والكرسي بابان مخرونان وهما أكبر أبواب الغيب فالباب الظاهر هو الكرسي منه البدأ ومنه الأشياء كلها، والباب الباطن هو العرش وفيه الكيل والأين والحج والمشيئه والقدر....» لانريد الخوض في هذه المعاني كلها، نريد تقريب المعنى عالم الصنع، الإنسان قبل أن يأتي حتى إلى عالم الأرواح أين صُنع، قبل أن ينزل لعالم الذر قبل أن ينزل لعالم الأرواح أين صُنع؟ هناك عالم هو عالم الصُنع عالم الصُنع له مرحلتان: مرحلة التقدير يُقدر فيها هذا الإنسان نسبه، طاقته، صفاته، حدوده ذلك العالم عالم التقدير تلك المرحلة مرحلة التقدير تُسمى بالعرش.

العرش: هو وعاء التقادير جميع ما للإنسان من تقادير من صورة، وطاقة ونسب وحدود جميع ما للإنسان من تقادير في وعاءٍ يُسمى بالعرش وهو الباب الباطن من الغيب.

الباب الآخر الذي يمر به الإنسان: هو ابتداع الصورة صورة الإنسان ابتدعها الله كما ذكرت السيدة الزهراء بنت محمد : ”ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها وخلقها بلا احتباء امثلة امتثلها“ إبتدع الصور من دون مُخطط سابق من دون برنامج سابق إبتدعها إبتداعا وإبتكرها ابتكارا، فالوعاء الذي تم فيه ابتداع الصور وابتكارها صورتك صورة النبات صورة الحجر صورة الحيوان، عالم ابتداع الصور هو يسمى بعالم الكرسي.

إذاً العرش والكرسي بابان لعالم واحد وهو عالم الصُنع باب العرش هو وعاء التقدير ومن سيطر على العرش سيطر على تقادير الكون ومن سيطر على تقادير الكون كانت له القيمومه على الكون كله لذلك قال: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى معناه سيطر وقال: ﴿اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.

والباب الظاهر هو الوعاء الذي تم فيه ابتداع الصور وابتكارها وهذا هو الكرسي ومن سيطر على الكرسي سيطر على صور الموجودات كلها، ومن سيطر على صور الموجودات أحاط بها كلها ولذلك قال: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فالعرش لازمه القيمومه والكرسي لازمه الإحاطه.

بعد وفوق عالم الصنع بعرشه وكرسيه. عالم الأسماء والصفات: وهو أول عالم تجلى فيه الله تبارك وتعالى تجلى بأسماءه وصفاته، أول تجلي لله بأسماءه وصفاته سُمي عالم الأسماء والصفات، سمي عالم الرحمة لأن جميع الأفعال ترجع إلى صفة الرحمة الخلق الرزق الإماته الإحياء كل الأفعال الإلهيه ترجع إلى نقطة واحدة تُسمى بالرحمة، ولذلك القرآن الكريم يبتدئ كل سورة بكلمة الرحمة ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لأن الرحمة ترجع إليها كل أفعاله تبارك وتعالى، عالم التجلي الأول المسمى بعالم الأسماء والصفات هو عالم الرحمة وفي بعض الروايات هوعالم الحقيقه المُحمديه فإن أول تجلٍ لله بأسمائه وصفاته كان تجلياً في نور محمد

كل نور في ساحة الكون بادي
المصطفى    من   الله   iiقدما
  هو  من فضل نور خير iiالعباد
قبل   خلق   الآزال   iiوالآبادي

فأول نور تجلى به تعالى بأسماءه بصفاته ذلك النور هو عين الرحمة وهو أول مظهرٍ له وهو نور النبي محمد هذا أول تجلي لله تجلى من خلال نور النبي ، بين الذات المقدسة وبين أول تجلٍ توجد صله خفيه تُسمى بالإسم الأعظم وهو تلك الصله الخفيه بين الذات المقدسه وبين أول تجلٍ تجلى به الله بأسماءه وصفاته تلك الصله الخفيه لا نستطيع أن نعبر عنها بتعبير دقيق، لا نستطيع أن نعبر عنها بتعبير وافي إلا ماورد في الحديث القدسي: ”كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف“ كلمة أحببت هي الصله الخفيه بين الكنز الخفي وهو الذات المقدسه وبين أول خلق وهو نور النبي ، فتلك الصله الخفيه هي الإسم الأعظم. إذاً الإسم الأعظم ربط بين التجلي وبين الذات المقدسة والإسم الأعظم وردت فيه روايات.

مثلا عن الباقر : ”إن بسم الله الرحمن الرحيم التي نقرأها أقرب إلى الإسم الأعظم من بياض العين إلى سوادها“ لماذا؟ لأن الإسم الأعظم هو مبدأ الرحمة أول تجلٍ هو الرحمة وبما أن الإسم الأعظم هو الصله بين الذات المقدسه وبين الرحمه لذلك اعتُبرت البسملة التي هي وعاء الرحمه أقرب إلى الإسم الأعظم من بياض العين إلى سوادها، وورد عنه قال: ”الإسم الأعظم ثلاث وسبعون حرفاً «ليست حروف لفظيه وإنما شؤون وجوديه معينه» أُعطينا منها اثنين وسبعين وإستأثر الله بحرف لم يُطلع عليه نبي مرسل ولا ملك مقرب وإن آصفه ابن بُرخيه أحاط ببعضها فنقل عرش بلقيس من اليمن إلى سليمان “، إذا آصف ابن بُرخيه حصل على بعض الحروف من الإسم الأعظم والذي عبر عنه القرآن: ﴿قال الذي عنده علم من الكتاب وأما الذي أحاط باثنين وسبعين حرفاً فهو الذي عنده علم الكتاب كله ولذلك قالت الآيه المباركه: ﴿قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ومن عنده علم الكتاب أمير المؤمنين علي إنما المصطفى مدينة علم وهو الباب من أتاه أتاها.

من هنا نعرف أن الولاية التكوينية التي ثبتت لأهل البيت والمعاجز والكرامات التي تمت على أيديهم هي بإحاطتهم بالإسم الأعظم وبإتصالهم بالإسم الأعظم تمت لهم كل هذه المكانه وهذا المقام العظيم، ومن ذلك ردُ الشمس لأمير المؤمنين، طي الأرض لأبي الحسن وغيره من الأئمة الطاهرين، دخل رجل على الإمام الرضا علي بن أبي حمزة البطائني كان رأس الفرقه الواقفيه دخل على الإمام الرضا قال له: هل مضى أبوك «يعني هل مات أبوك»؟ لأن الفرقه الواقفيه تؤمن بأن الإمام الكاظم لم يمت وأنه هو القائم الذي يظهر في آخر الزمان فقال له: هل مضى أبوك؟ قال: نعم. قال: كيف مضى؟ قال: مضى موتاً. قال: من الإمام بعد أبيك؟ قال له: أنا الإمام. فضحك علي بن أبي حمزة قال: ما رأينا أحد من آبائك يقول عن نفسه أنا إمام إلا أنت. قال: إن خير آبائي رسول الله وهو الذي قال لقومه: ”إني رسول الله إليكم بين يدي عذاب شديد“ قال له علي بن أبي حمزة: لقد سمعنا من آبائك أن الإمام لا يلي أمره إلا إمامٌ مثله فأبوك إذا كان قد مات في بغداد وفي سجن السندي بن شاهك فمن ولي أمره وأنت في المدينة وأبوك في بغداد؟ قال لهم: من ولي أمر الحسين بن علي وقد كان في كربلاء وكان ابنه سجيناً بالكوفه مقيدا مغللا؟ قالوا: إن الله مكنه ففك قيده وأغلاله وطوى له الأرض فذهب إلى كربلاء وجهز أباهُ الحسين ثم عاد إلى الكوفه مرة أخرى. قال: إن الذي مكن علي بن الحسين وقد كان سجيناً بين أعدائه فأتى كربلاء وجهز أباه هو الذي مكنني ولم أكن سجيناً بين أعدائي فخرجتُ من المدينة إلى بغداد ووليت أمر أبي موسى ثم عدت إلى المدينة.

إذاً الإمام يذكر أن من معاجزه وولايته طي الأرض وأن هذا الأمر قد حصل كما حصل للإمام زين العابدين علي فالإمام زين العابدين كان لابد من قدومه لأن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله، الإمام في وقت وضعه على الأرض له قبر معد من قبل الله عز وجل يعرفه الإمام المعصوم وطريقة وضعه لا يطلع عليها إلا الإمام المعصوم الذي يليه في الولاية، لذلك الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله فعلي بن الحسين هو الذي وارى أباه وارى الجسد الشريف، ولذلك لما عادت السبايا إلى أرض كربلاء كان الدليل على القبور هو علي بن الحسين لأنه هو الذي أقام هذه القبور وهو الذي قام بدفن الجثث والأجساد الشريفه فهو العارف وهو الدليل عليها، نزل بأبي وأمي من على الناقه أقبل إليه جابر بن عبدالله سلم عليه قال: أأنت جابر قال: بلى، قال: يا جابر ها هنا قتلت رجالنا ها هنا ذُبحت أطفالنا ها هنا حُرقت خيامنا ها هنا سبيت نساؤنا ها هنا صعد الشمر على صدر أبي ها هنا قتل أبي عطشانا مظلوما.