أبعاد شخصية الإمام الحسين (ع).

تحرير المحاضرات

ورد عن النبي محمد أنه قال: ”حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا وأبغض الله من أبغض حسينا الحسين سبط من الأسباط“

صدق الرسول الكريم

حينما نريد أن نتعرف على عظمة شخصية الإمام الحسين فإن من الطرق التي تقودنا لتعرف على عظمة هذه الشخصية العملاقة هي الزيارة الواردة عن الأئمة الطاهرين ، فعندما نقوم بمقارنة بين هذه الزيارات الواردة للحسين كزيارة وارث، زيارة عاشوراء، زيارة الأربعين فإننا نجد فقرات مشتركة بين هذه الزيارات تستحق التأمل والتدبر في مضامينها.

الفقرة الأولى: التركيز على الإرث:

”السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوحٍ نبي الله، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله، السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله“ ما هو المقصود بالإرث هنا؟ بعض العلماء قالوا: ”إن المراد بالإرث إرث العلم حيث أن العلم تناقل بين هؤلاء الطاهرين إلى أن وصل للإمام الحسين “، وبعضهم قال: ”إن المراد بالإرث إرث الحجية“.

لكن عندما نتأمل في لفظ الإرث فهو عبارة عن انتقال شيء من شخص إلى آخر كما ذكر تبارك وتعالى:ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴿الكتاب انتقل من جمع إلى جمع ومن جيل إلى جيل. العلم لا يقبل الانتقال والإمامة والوصاية والحجية لا تقبل الانتقال، محمد عالم بتعليم الله حجته بجعله من الله لا باكتساب وانتقال من عيسى بن مريم، ما هو الشيء الذي انتقل من آدم إلى نوح إلى إبراهيم إلى موسى إلى عيسى إلى النبي الوصي إلى الحسين ؟

الذي انتقل عبر هؤلاء الأوصياء والحجج هي مواثيق النبوة وعهود الوصايا فجميع الصحف التي نزلت من السماء والمواثيق التي أخذت على الأنبياء تناقلت من يد إلى يد ومن جيل إلى جيل من آدم ونوح إلى النبي إلى الحسين ، ورد عن الإمام الصادق : ”لا يكون الإمام منا إمامًا حتى يرث مواثيق الأنبياء وعهود الأوصياء“. لذلك الزهراء احتجت على القوم بظاهر لفظ الميراث ومظاهر لفظ الإرث في القرآن الكريم هي:يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴿،وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴿.

الفقرة الثانية: النسل.

كل هذه الزيارات تشترك في هذه الفقرة: ”السلام عليك يا ابن علي المرتضى، السلام عليك يا ابن فاطمة الزهراء، السلام عليك يا ابن خديجة الكبرى“، ربما يسأل إنسان ما هو الداعي لتعريف الإمام الحسين بنسله؟ ليس المقصود بهذه الفقرة بيان النسل وهو أمر معروف فليس قيمة الإنسان بنسله وإنما الإشارة إلى شجرة الإصطفاء.

ما المقصود بشجرة الاصطفاء؟ الله تبارك وتعالى اختار من بين الأنساب والأشجار والعوائل والقبائل، اختار هذه الشجرة التي بدأت من إبراهيم الخليل وانتهت إلى الني محمد فهذه الشجرة تميزت على سائر الأشجار والقبائل، القرآن الكريم يعبر عن هذه الشجرة:إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ على الْعَالَمِينَ﴿،وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ۖ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴿.

في زيارة الحسين أراد الإمام الصادق التي وردت عنه الزيارة أن يشير إلى شجرة الاصطفاء، أن الحسين قد ولد وانحدر من هذه الشجرة المباركة وهي شجرة إبراهيم وآل إبراهيم فهو ابن محمد وعلي وفاطمة وعبد المطلب إلى أن يصل إلى إبراهيم الخليل ، ولذلك الحسين يوم عاشوراء طبق هذه الآية على ولده علي الأكبر، فهو يريد أن يقول أن علي الأكبر يتميز على سائر الأنصار والأصحاب لأنه من المصطفين الأخيار، عندما ودّعه الحسين، طبّق عليه الآية المباركة:إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ على الْعَالَمِينَ﴿، فلم يكن الهدف بيان النسل وإنما كان بيان مكرمة وفضيلة وميزة وهي انحدار الحسين من شجرة الاصطفاء.

الفقرة الثالثة: اللعن.

”فلعن الله أمة قتلتك، ولعن الله أمة ظلمتك، ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به“ اللعن موجود في أغلب زيارات الحسين ربما يتساءل إنسان لماذا الإصرار والتركيز على اللعن في زيارات الحسين ؟ الإنسان الموضوعي الحضاري يترفع عن اللعن والسباب والشتيمة ونيل الآخرين، فقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين أنه قال: ”إني أكره لكم أن تكونوا سبابين“.

أولًا: اللعن مبدأ استقي من القرآن الكريم في قوله تعالى:إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴿من آذى النبي فهو ملعون في كتاب الله بلعن من الله تبارك وتعالى في الدنيا والآخرة.

ثانيًا: هناك فرق كما يقول علماؤنا بين اللعن والسُباب، السباب هو نوع من الاعتداء لذلك لا يجوز خطاب المسلم به لأنه اعتداء عليه أما اللعن فهو دعاء للطرد من رحمة الله.

ثالثًا: اللعن له دوافع فإذا كان الدافع للعن الظالم وإظهار البراءة للظلمة ورفضه لظلمه وطغيانه وتجاوزه فهذا أسلوب حضاري مثلًا عندي صديق يقترف الرذائل والقبائح أخاطبه بأنني بريء من ذنوبه ومعاصيه ورذائله، أما إذا كان للتشفي فهذا أسلوب غير حضاري.

إذن اللعن في هذه النصوص مظهر للبراءة والرفض ونبذ الظلم والطغيان، فاللعن مبدأ وثقافة قرآنية أُسست من أجل تربية الإنسان المسلم.

الفقرة الرابعة: النورية في الأصلاب الشامخة.

وهي ما ورد في خطاب الإمام الحسين :أشهد أنك كنت نورًا في الأصلاب الشامخة

والأرحام المطهرة، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها﴿ما معنى أنه كان نورًا في الأصلاب الشامخة؟ هل هو كان نور في ظهر أبيه أم في رحم أمه؟ هل هو تعبير مجازي؟

فمن باب التقريب البذرة التي تشكل شجرة نضعها في التراب نسقها نسمدها تتحول إلى شجرة مثمرة فهذه البذرة تمر بثلاث مراحل:

1 - أن هذه البذرة فيها طاقة للحياة وهذه الطاقة تتحول إلى مادة واختزنت هذه المادة.

2 - عندما تتفرع ويصبح عندها ساق فهو وجود إجمالي للشجرة فعندما يتم تحليل الجذر كيميائيًا وطبيعيًا نجد فيه نفس العناصر لشجرة المثمرة.

3 - تتحول إلى إجمال تفصيلي وإلى أغصان وثمر.

فالمنزلة الأولى لنور محمد وآل محمد التي مر بها وجودهم النوراني أنهم كانوا أنوارًا محيطة بساق العرش كما في الزيارة الجامعة: ”خلقكم الله أنوارًا فجعلكم بعرشه محدقين فمن الله عليكم“ ثم تلك الأنوار المضيئة المشعة اقترنت بطاقة الحياة التي تحولت إلى جسم آدم وإبراهيم وغيرهم من آبائهم الطيبين الطاهرين مثلًا: إبراهيم شخص نوراني في قلبه وجسده وسلوكه فهو مثل الشجرة المثمرة فلو تم تحليله لوجدنا أنه يحمل الشمائل والخصائص التي اجتمعت في شخصية الحسين ، فوجود إبراهيم وجود إجمالي للحسين ، ”أشهد أنك كنت نورًا“ هنا إشارة إلى الوجود الشأني والاستعدادي إلى أن جاءت الدرجة الثالثة وأصبح الحسين وجودًا تفصيليًا تحرك على الأرض.

”لم تنجسك الجاهلية“ يعني أن آبائك موحدون وهذا ما تميز به النبي محمد وأبناؤه الطاهرون وهذا ما دلت عليه الآية المباركة:الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ* وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴿إشارة إلى هذا الذي دلت عليه الزيارة حيث كان نورًا في أصلاب الساجدين وأرحام الساجدات وإشارة أيضًا إلى وجوده النوراني الاستعدادي ضمن الأنوار الساجدة من إبراهيم أو ما قبله إلى النبي محمد .

وهذا النور الطاهر تجسد في الحسين يسري إلى تربته وروضته ومقامه، تربة الحسين هذه التربة العظيمة المشرفة تحمل ذرات من ذلك النور الحسيني الطاهر فقد ورد في الرواية الشريفة: ”السجود على التربة يخرق الحجب السمع“.

إمام الهدى سبط النبوة والد الأئمة
وفيه  رسول  الله  قال قولًا iiوقوله
  رب   النهي   مولًى   له   iiالأمر
صحيح  صريح ليس في ذلكم نُكر

الشاعر الحلي يقول:

حُبي   بثلاث   ما  أحاط  iiبمثله
له   تربة   فيها  الشفاء  iiوقبّة
وذريّة     دريّة    منه    تسعة

 
وليّ فمن زيد هناك ومن iiعمرو
يجاب بها الداعي إذا مسّه الضرّ
أئمّة  حقّ  لا  ثمان  ولا  iiعشر

وأصبحت هذه التربة الطاهرة وهذا البلد الطاهر قبلة للأحرار ومقصدًا لزوار وملاذًا للوافدين الأخيار من كل جهة ومكان، كربلاء هذه البقعة الطاهرة التي حظيت بالإهتمام من الشعراء والأدباء، هذه التربة التي ضمت دماء الشهداء الزاكيات وتلك الدماء تشربتها تلك التربة العظيمة الطاهرة.