أسباب قسوة القلب وطرق علاجه

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.

آمنا بالله صدق الله العلي العظيم

كما أن الجسد يصيبه المرض ويحتاج إلى العلاج فإن القلب أيضًا يصيبه المرض ويحتاج إلى العلاج، مرض القلب أشد من مرض الجسد وهو مرض القسوة، فإذا أصيب القلب بهذا المرض يبدأ بعدم يتذوق الدعاء ولا يلتذ بقراءة القرآن ولا يهتم بالنافلة وإذا سمع الموعظة ينفر منها كأنها لا تعنيه ولا ترتبط به، فهذا القلب أصبح قاسيًا، فلو كان منشرحًا لأقبل على النافلة، الدعاء، الموعظة، لكنه مبتلى بالمرض وإذا ابتلي به لا يحنه على الفقراء والمحتاجين.

المحور الأول: أسباب مرض القلب.

السبب الأول: احتقار المعصية.

كثير منا إذا فعل الذنب يعتبر نفسه لم يفعل شيء ويعتبر هذا الفعل أمر عابر وغير ظاهر مثلًا إذا استمع أغنية أو أكل لحم حرام أو نظر إلى امرأة أجنبية بشهوة، استصغار الذنب يؤدي إلى قسوة القلب ورد عن النبي : ”أشد الذنوب ما استهان به صاحبه“ وورد عنه : ”من ساءته سيئته وسرته حسنته فهو مؤمن“ الذي يستاء ويتأذى من الذنب هو المؤمن والذي لايتأذى من الذنب ويعتبره لم يحدث هذا إيمانه ناقص وورد عنه : ”إن المنافق إذا أذنب كان ذنبه كذبابة مرت على أنفه فأطال وإن المؤمن إذا أذنب كان ذنبه كجبل أبي قبيس على صدره“ وعن الإمام زين العابدين : ”يا بنية إجتنبوا الكذب الصغير منه والكبير فإن الرجل إذا كذب في الصغير إجترأ على الكبير“.

السبب الثاني: ترادف الذنوب.

ربما في اليوم عدة ذنوب، فإلى متى الترادف والتتابع بين الذنوب فالعمر قصير وسينتهي والفرصة ليست متاحة دائمًا والدقائق تمر، فترادف الذنب على الذنب من دون توبة وإنابة واستغفار فإلى متى هذا؟

مثلًا كل يوم يتم إجراء المعاملات الربوية والاستماع للأغنية والإصرار على العلاقة غير المشروعة مع الفتاة أو المرأة من خلال الانترنت والهاتف، ورد عن النبي : ”إن العبد إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب انمحت وإن عاد عادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبدًا“ القلب يصبح فحمة سوداء وقطعة من النار. ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، القلب قد صبغ بالذنب.

شخص يقول: أنا شيعي موالي لا بأس لو أصريت على الذنوب وتتابعت الذنوب عليّ أهل البيت لن يهملوني يوم القيامة سيأخذون بيدي ويشفعون لي لأني شيعي موالي وإن أصررت على الذنب والمعصية، السيد محسن الحكيم يقول: ”من أصر على المعاصي يخشى عليه أن يموت على غير الولاية“. ترادف المعاصي والذنوب وعدم المبالاة تتراكم إلى أن تصبح حاجز في وقت نزاع الروح - وقت الإحتضار -، هذه الذنوب تشكل حاجز مانع، أهل البيت يشفعون للموالين ولكن وقت الموت قد يخرج من قلب الانسان ولاية علي وأهل بيته نتيجة كثرة الذنوب وترادفها.

السبب الثالث: مجالسة الموتى.

قد ورد عن النبي : قيل له: ”من هم الموتى؟“ قال: ”كل مترف ميت“ المترف هو الذي يتحدث عن الدنيا وقضاياها فقط فلا تسمع منه كلمة واحدة عن الآخرة والتوبة وذكر الله، النصوص تعبر عنه بالبطال وهو الذي عنده أعمال وتجارة كما ورد في دعاء أبي حمزة الثمالي: ”أو لعلك رأيتني آلف مجالس البطالين فبيني وبينهم خليتني“ أي الإصرار على مجالس الدنيا.

السبب الرابع: الاعتداء على الحرمات.

المؤمن له حرمة كما ورد في القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ، الظن السيء بالمؤمن لا يجوز فكيف بالغيبة؟ أيرضى الانسان أن يأكل لحم نتن؟ المؤمن هو من والى عليًا فما دام هو متستر على عيوبه لا يجوز غيبته وهتك حرمته.

إذا كان المؤمن فقيه يمثل آل النبي وتستبيح حرمته ومقامه ويكون فاكهة في المجالس ”المرجع الفلاني فيه كذا“ يتم طعنه وشهره، ورد عن الإمام الصادق : ”العلماء ورثة الأنبياء“ وعن الإمام العسكري : ”فأما من كان من الفقهاء صائنًا لنفسه حافظًا لدينه مخالفًا على هواه مطيعًا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه“ هتك واستحلال حرمات المؤمنين وخصوصًا المراجع والفقهاء تعتبر جريمة فأعداء المذهب يريدوا أن يعتبروا المراجع صفر على الشمال، أقوى قوة لدى المذهب الإمامي هم المراجع لأن كلمتهم نافذة ومؤثرة فإذا جاء اليوم الذي يصبح فيه المراجع لا حرمة لهم ولا ذكر حسن ولا قيمة ولا رعاية سيكون الناس في فك وفوضى.

السبب الخامس: أكل اللحم الحرام.

هذا المقدار الذي يُأكل من غير إحتياط كأننا لا يوجد عندنا إلا البطون لإشباعها، الفقهاء يقولون: ”لابد من الإلتفات إذا البلاد يوجد بها ثروة حيوانية تعتمد البلاد عليها مثل إيران، سوريا فهي لا تحتاج أن تستورد وإن إحتاجت إلى الاستيراد فسيكون قليل“ سوق المسلمين كله إمارة على التذكية أما إذا بلاد تعتمد على الاستيراد ولا يوجد تدقيق ورقابة على اللحم المستورد الفقهاء يقولون: ”إذا غلب اللحم الموجود في السوق أنه لحم مشكوك التذكية الأحوط وجوبًا السؤال“، يجب أن تسأل وتأخذ بخبر المسلم الثقة بأن اللحم مذكى أو لا. الإمام الحسين يخاطب القوم المواجهين له: ”ملئت بطونكم من الحرام فقست قلوبكم فهي كالحجارة أو أشد قسوة“، إذن قسوة القلب لها أسباب.

المحور الثاني: طرق العلاج.

الطريق الأول: محاسبة النفس.

مثل ما تحاسب نفسك في الشركة أو المؤسسة حاسب نفسك على الذنوب فورد عن النبي : ”حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا“، وورد عن الإمام الكاظم : ”ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم فإن عمل حسنة استزاد الله وإن عمل سيئة استغفر الله“، قبل النوم ب 5 دقائق استعرض عملك من الصباح إلى الليل «ماذا عملت؟» كذبت، اغتبت، ارتكبت معصية... إلخ.

الطريق الثاني: الأجواء الروحية.

نحن بعيدين عن الأجواء الروحية فقبل 20 سنة المساجد عامرة بصلاة الجماعة والدعاء أما الآن شبابنا ابتعدوا عن المساجد ولا يوجد فيها إلا الكبار فهذا البعد يوجب الإنغماس في الأجواء الشيطانية، يوجد قسمين من الأجواء:

الأجواء الشيطانية: كلها إثارة وإغراء.

الأجواء الروحية: كالمسجد، والدعاء.

لا يقاوم الأجواء إلا الأجواء فيحتاج الإنسان كل يوم أن يأخذ جو روحي بصلاة جماعة ودعاء فلا يكلف هذا ساعة واحدة فمثل ما يتم الحرص على الجلوس إلى الصديق والزميل للاستماع إلى المحاضرة أو الأخبار مثلما يتم الحرص على هذه الأمور وكلها دنيوية احرص على الآخرة بساعة واحدة تدخل المسجد تسمع الدعاء وتقرأ القرآن وتصلي النافلة ”إن صلاة الجماعة تعدل صلاة الفرد بسبعة وعشرين درجة وإذا زاد عدد الجماعة على عشرة فلا يحصي ثوابها إلا الله“.

الطريق الثالث: الخلوة.

لماذا لا تخلو بنفسك؟ فدائمًا تكون مع الغير «الأصدقاء، الزوجة، الأهل» 15 دقيقة مع النفس هي طريق لتغيير وتصحيح النفس، سيأتي يوم ستكون فيه وحدك كما تذكر الآية المباركة: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ أتيت إلى الدنيا مفرد وسأرحل عنها مفرد فأمر نفسي على الوحدة.

في الأسبوع لو مرة واحدة أخلو بنفسي أجلس في الظلام وعلى المصلى وأجلس مع ربي «15 - 30 دقيقة» هذه الخلوة تذكرني بالذنوب والخطايا والمعاصي فتجعلني أبادر للتوبة والإنابة، التوبة ضرورية لإصلاح النفس الإمام علي القائد العظيم يترك الجيش والقتال ويذهب للخلوة مع نفسه وقد رأيته ذات ليلة من لياليه وهو قابض على شيبته ويبكي بكاء الثكلى ويقول: ”إليك عني يا دنيا فإنّي قد طلقتك ثلاثًا لا رجعة لي فيك فعمرك قصير وخطرك كبير وعيشك حقير“.

الطريق موحش إذا لم يكن هنالك عمل صالح فتمشي فيه لوحدك من الموت إلى القبر إلى منكر ونكير إلى البرزخ إلى القيامة، الإمام أمير المؤمنين يقف في السوق فلما رأى أهل السوق بكى قال: يا عمال الدنيا وعبيد أهلها إذا كنتم بالنهار تحلفون وبالليل تنامون وما بين ذلك أنتم غافلون فمتى تهيئون الزاد وتعدون المعاد" قال عز وجل: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى.

الطريق الرابع: الإقرار بالذنب.

تقر الذنب بالبكاء والتحسر فالبكاء ليس عيب فهو يغسل النفس اجلس على المصلى وأقر بذنوبك تفصيلًا ببكاء وحسرة وندم فالإمام زين العابدين يعلمنا من خلال أدعيته ومناجاته، الأهوال عظيمة والأخطار كبيرة فكل نفس تأتي وتجادل بنفسها وترى الناس بسكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد فكل عين تأتي وتبكي ولكن عندنا حديث عن الصادق : ”كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاث: عين بكت من خشية الله وعين غضت عن المحارم وعن بكت على أبي عبدالله“.