سوف ننتصر للرسول (ص) بالتخطيط ونشر الوعي
بسم الله والصلاة على أشرف الخلق المصطفى وآله الطاهرين
﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ - الأحزاب، آية 40 -
﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ - المنافقون، آية 8 -
نرفع لمقام مولانا صاحب الزمان عجل الله له الفرج أحر التعازي بمناسبة فاجعة شهادة جده الإمام الصادق ، ونبث له شكوانا، وآهاتنا، وآلامنا، في هذا الحدث الخطير حدث الإساءة والاعتداء على أشرف مخلوق؛ وهو الرسول الأعظم .
وإن مما يوجب اعتصار القلب ألماً وحزناً؛ أن يمر هذه الحدث على العالم وهو في صمت مطبق، وكأن الحدث أمرٌ تافهٌ، بينما لو تحدث شخص عن شخصية يهودية، أو جماعة منهم بخدش، لقامت الدنيا وما قعدت، واعتبر ذلك في أروقة الأمم المتحدة، ومراكز القرار إساءة للسامية. إن هذا الحدث يقتضي منا التأمل في عدة أمور:
الأول: إن هذا المسلسل الخطير قد بدأ منذ سنوات برسم صور كاريكاتيرية مشوهة عن النبي ، ثم بحرق المصاحف في عدة مواطن، ثم بإنتاج هذا الفيلم الخطير، الذي يحمل بصمة اليهود الحاقدين على الإسلام، وسيبقى هذا الخط مادام المسلمون في حالة سبات، وعجز، وغفلة.
الثاني: إن من الأهداف الواضحة لهذا الاعتداء الأثيم، وإنتاج هذه القنبلة الإعلامية، وترويجها في هذه الفترة الحرجة؛ إشغال المسلمين عما يجري في عدة أقطار من جرائم في حق الشعوب المضطهدة المظلومة، وإذلال المسلمين لأقصى درجة، في أهم مقدساتهم، من أجل أن يتناسوا، أو يتنازلوا مضطرين عن كثير من حقوقهم المسلوبة. فإن الأمم التي تعتاد على الإذلال والمهانة لحقوقها، بل ومقدساتها، تكتفي من أجل رفع بعض الضيم عنها بالفتات من الحقوق، ولأجل أن تنشغل عن قضاياها المضيعة؛ تبقى مشغولة دائما بالدفاع عن رموزها إذ لا يوجد شيء أغلى لدى المتدين من دينه ومقدساته.
الثالث: إننا تعودنا في هذه الأحداث الخطيرة أن يكون دورنا دور العويل والصراخ، فما أن يحدث حدثٌ حتى نبادر للخطب النارية، وبيانات الشجب والاحتجاج، ومسيرات الغضب وإعلان الرفض، وهذا كله ردة فعل طبيعي للإنسان الجريح، ولكن المطلوب منا لغة التخطيط، والفعل لا مجرد لغة الاحتجاج، وردة الفعل، فإن في الغرب مثلاً؛ مؤسسات تقوم بقراءة المستقبل، واستشراف الأحداث، وإعداد الشعوب للتعامل معها بالفعل لا بردة الفعل، ونحن نحتاج لهذا العمل المؤسساتي الذي يعنى بالتخطيط، ونشر الوعي، وقراءة آفاق المستقبل، من أجل معالجة هذه الأحداث معالجة جذرية من خلال العلاقات الدولية، والمنظمات الحقوقية، إذ لا يوجد انتهاك وانتقاص لحقٍّ أعظم من انتهاك حق أكثر من مليار مسلم على الارض، في التحفظ على حرمة النبي ، وإلا فلو اقتصرنا على لغة الاحتجاج، دون التخطيط لطرق وقائية، وتفعيل الأسلوب المؤسساتي، سيبقى هذا المسلسل المرعب في الإساءة لأشرف الخلق ، وانتهاك حرمة الإسلام الحنيف.
وهذا الإمام الصادق العظيم ، الذي نحتفل بذكرى شهادته هذه الأيام، يعلمنا على أن المثمر - مع الجهود الأخرى - هو التخطيط، فلم يقم الإمام بثورة عسكرية، أو بشرية، لعدم توفر العناصر الدخيلة في نجاحها، بل قام للتخطيط لثورة علمية، فأقام جامعة في المدينة والكوفة، تضم أكثر من أربعة آلاف طالب، كما ذكر ذلك أبو العباس ابن عقدة، فإن هذا التخطيط هو الذي يحفظ للأمم شرفها وكرامتها قرونا من الزمن، وهو البناء العلمي والمعرفي، ولولا تلك الجهود العلمية ما بقي فكر صامد شامخ للإسلام والتشيع، ولولا ذلك التخطيط الصادقي، وذلك البناء الفكري الذي نهض به الإمام لما كان لنا حضور في عالم المعرفة.
الرابع: إن من خطوات التخطيط؛ لمنع تكرر هذه الإساءات هو تنقيح كتب الحديث، فهي الرافد والمعين لمثل هذه الأفلام، والتاريخ المشوه لشخصية النبي الأعظم ، ففي البخاري: إن النبي كان يحضر عند الجواري وهن يغنين، وكان أصحابه ينصحونه بعدم الحضور [1] ، وفي صحيح مسلم: كان يصلي وتضع زوجته رجليها أمامه، فإذا سجد غمزها لترفع رجليها [2] ، وفيه: إن الرسول كان يتكئ على حجرها وهي حائض ويقرأ القرآن [3] ، وفي مسند أحمد: إنه كان صائماً، ومع ذلك كان يقبل زوجته الصائمة، ويمص لسانها، ويباشرها، ويضع ثوباً بينه وبين فرجها [4] .
فإن هذا التاريخ المشوه عن النبي ، هو الذي شكل المادة الخام لهذه الأفلام المسيئة، فلولا غبار هذه الأقلام لما تجرأت العصابات اليهودية على هتك حرمة المصطفى ، ولولا اعتداء النواصب مثل الدمشقية على عرض أمير المؤمنين، والبتول الصديقة فاطمة ، لما تجرأ مثل هؤلاء الكفار على احتقار المسلمين، والاستخفاف بحرماتهم، والاستهتار بمقدساتهم، لكن الأمل في شباب الأمة الواعي الذي سيأخذ على عاتقه مهمة التخطيط للمستقبل، وإعداد الأمة لما يحفظ كرامتها، ويصون عزتها.
نسأل الله تعالى أن يوحد كلمة المسلمين أمام عدوهم المشترك، وأن يجمعهم على الاستظلال بظل آل محمد ، وأن يرد كيد الأعداء إلى نحورهم، إنه خير ناصر ومعين، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.