حديث الثقلين جزء 6

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الرسول محمد : ”إني مخلِّفٌ فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، وقد أنبأني اللطيف الخبير بأنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلّفونني فيهما“

حديثنا هذه الليلة في ثلاثة محاور:

المحور الأول: بعض مداليل حديث الثقلين.

حديث الثقلين له مضامين عالية، وله مدلولات جليلة نستفيدها وندرك من خلالها عظمة أهل البيت ، نركز على مدلولين عظيمين من هذه المداليل.

المدلول الأول: ضرورة التمسك بالقرآن والعترة معًا.

حديث الثقلين دلَّ على أن القرآن وأهل البيت وحدةٌ متكاملةٌ لا يمكن تجزئتها، أي: لا يمكن اتباع القرآن بدون الرجوع إلى أهل البيت ، ولا يمكن اتباع أهل البيت بدون اعتبار القرآن والاستفادة من القرآن، فالقرآن وأهل البيت وحدة متكاملة، كلٌ منهما عدلٌ للآخر، وكلٌ منهما يُكْمِل الآخر، وكلٌ منهما لا يمكن الاستفادة منه إلا بالرجوع إلى الآخر والاستناد إلى الآخر، من أين نستفيد هذا المعنى؟

نستفيد هذا المعنى من قوله : ”ما إن تمسكتم بهما“ لا بأحدهما، لا نتمسك بالقرآن ونعرض عن أهل البيت، أو نعرض عن أحاديث أهل البيت ، أو نعرض عن روايات أهل البيت، لا، ”ما إن تمسكتم بهما“ كلٌ منهما في صف الآخر، في عرض الآخر، ”ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي“، وقال أيضًا: ”فإنهما لن يفترقا“ أي: لن يفترقا حتى في مقام الاتباع، نحن في مقام اتباعنا للقرآن لا يفترق اتباعنا للقرآن عن اتباعنا لأهل البيت ولا يفترق اتباعنا لأهل البيت عن اتباعنا للقرآن.

ويوضّح هذا المعنى الذي نحن نريده - أن القرآن وأهل البيت شيء واحد - الطبراني، الطبراني تمّم الرواية، أورد حديث الثقلين وأتمّ الرواية بما رُوِيَ عن الرسول من قِبَل بعض الصحابة، من تتمة حديث الثقلين على رواية الطبراني: ”ولا تقدموهما فتهلكوا“، لا تتقدموا القرآن وأهل البيت، دائمًا كونوا ورائهما، دائمًا كونوا في خطهما، دائمًا كونوا باتباعهما، ”لا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا“، دائمًا أنتم معهما لا تتقدموا عليهما ولا تتأخروا عنهما، ”ولا تعلموهما فإنهم أعلم منكم“، أنت أتستطيع أن تعلّم أهل البيت؟! تقول: والله أنا أريد أن أعلم الإمام الصادق بعض الأمور الخافية عليه مثلًا، أو الإمام الرضا بعض الأمور مستترة لا يدري عنها، أنا أريد أن أعلّمه! ”لا وتعلموهما فإنهم أعلم منكم“. إذن، هذا المدلول يدلنا على أن أهل البيت والقرآن شيء واحد.

المدلول الثاني: أهل البيت هم الأعلم بالشريعة الإسلامية.

يدلنا حديث الثقلين على أنَّ أهل البيت أعلم الناس بالشريعة الإسلامية، وأعرف الناس بتفاصيلها وأحكامها وجميع متعلَّقاتها، ولذلك لأنهم أعلم الناس وأعرف الناس بالأحكام وأعرف الناس بمضامين الإسلام السامية، فهم أولى بالقيادة، وهم أولى بالخلافة، وهم أولى بإمامة الناس، كيف يدلنا حديث الثقلين على هذا المعنى؟

يدلنا على هذا المعنى عندما قرنهم بالقرآن، عندما قرن أهل البيت بالقرآن ”مخلف فيكم ثقلين: كتاب الله وعترتي“، طبعًا نحن نعرف أن القرآن فيه تبيان كل شيء، فالقرآن مشتملٌ على سائر التشريعات الإسلامية، ومشتملٌ على سائر الأحكام الإسلامية التي أرادت الشريعة الإسلامية تطبيقها وتنفيذها على وجه الأرض، بما أن القرآن مستوعبٌ لجميع مضامين الرسالة الإسلامية، فكذلك الثقل الآخر والعدل الآخر - ألا وهم أهل بيت النبوة - مستوعبون لجميع أحكام الشريعة، ولجميع مضامين الشريعة، فهم أعلم الناس، كما أن القرآن أعرف الكل بما يريده الله، فكذلك أهل البيت أعرف الكل بما يريده الله عز وجل، فأهل البيت أعلم الناس وأعرفهم، ”أقضاكم علي، أعلمكم علي“، ”أنا مدينة العلم وعلي بابها“، ”أنا مدينة الحكمة وعلي بابها“، وهكذا نستفيد من هذه الأحاديث أنهم أولى بالقيادة والإمامة.

ابن حجر يعلّق على حديث الثقلين، يقول: وسمّوا ثِقْلِين لماذا؟ الثِقْل أو الثَقَل على اختلاف الروايات، يجوز أن تقرأها ثِقْل أو ثَقَل، الثقل هو الأمر النفيس المصون، شيء غالٍ ثمين يسمى ثقلًا، يقول: وإنما سمّيا ثقلين، القرآن وأهل البيت، لأنهما مصدرا العلوم، هذه عبارة ابن حجر في صواعقه، لأنهما مصدرا العلوم اللدنية والأحكام والأسرار العليّة. المصدر الوحيد لسائر العلوم والمعارف القرآن والسنة.

المحور الثاني: مناقشة بعض شبهات أبي زهرة.

بعد أن فهمنا هذين المدلولين من حديث الثقلين نرجع إلى ما ذكرناه في الليلة السابقة من مناقشات أبي زهرة في كتابه الإمام الصادق لحديث الثقلين، من جملة مناقشات أبي زهرة لحديث الثقلين، يقول: حديث الثقلين غاية ما يدل على أن أهل البيت فقهاء عارفون بالأحكام، نرجع إليهم في الفقه، وفي أحكام الحيض والنفاس والشك والسهو، لا أن أهل البيت قادة سياسيون يقودون الأمة ويديرون أمورها ويدبرون شؤونها، أكثر ما يفيده حديث الثقلين أن أهل البيت فقهاء يجب الرجوع إليهم في أحكام الفقه.

تريد تفسير القرآن ترجع إلى أهل البيت، شككت بين الثلاث والأربع مثلًا في الصلاة، ما هو الحكم؟ ترجع لأهل البيت، فأهل البيت مرجع في الفقه والتفسير وانتهت القضية، أما أنهم قادة ولهم الإمرة والإمامة والسياسة والخلافة، هذا لا يدل عليه حديث الثقلين، حديث الثقلين لا يدل على هذا الأمر. نقول في الرد على هذه النقطة: الرد على كلام أبي زهرة، نرد عليه بوجهين: الوجه الأول عقلي يحكم به العقل، والوجه الثاني لفظي نستفيده من لفظ حديث الثقلين.

الوجه الأول: الوجه العقلي.

نحن نقول: هذا واقعًا تجاهلٌ من أبي زهرة لوظائف الإمامة، أبو زهرة يريد أن يفصل الدين عن السياسة، يريد أن يفصل السلطتين السلطة الدينية عن السلطة الزمنية، هناك سلطة دينية مجردة عن الإدارة، ومجردة عن القيادة، ومجردة عن الإمامة، وهناك سلطة زمنية بيدها الأمر والنهي، وبيدها الحكم والإدارة، أيضًا لا شغل لها في الدين، فكما أن السلطة الدينية لا شغل لها بالإدارة والقيادة، كذلك السلطة القيادية لا شغل لها بالدين والتفسير والفقه، فهناك فصلٌ.

أبو زهرة يتجاهل وظائف الإمامة، الإمام ما هي وظيفته؟ إذا أنت جنابك تقول: الإمام مجرد فقيه يرجع إليه في التفسير والفقه.. ما هي وظيفة الإمام؟! أليس من وظائف الإمام إقامة الحدود؟! أليس من وظائف الإمام إقامة القصاص؟! أليس من وظائف الإمام أخذ الزكوات؟! أليس من وظائف الإمام توزيع الخراج؟! أليس من وظائف الإمام أخذ الجزية؟! هذه كلها وظائف الشيعة والسنة تقول بأنها من وظائف الإمام، كل هذه الأمور شيعة وسنة يقولون بأنها من وظائف الإمام، هذه الوظائف - إقامة الحدود والقصاص والتعازير والقضاء بين الناس والحكم بين الناس وتوزيع الخراج وأخذ الزكوات - هذه الأمور إدارية أو فقهية؟ هذه أمور إدارية وقيادية، ليست أمورًا فقهيًا وحيضًا ونفاسًا! وهذه الكل يعترف بأنها من وظائف الإمام.

ثم أنت يا أبا زهرة إذا ترجع إلى عقلك وتفكيرك فمن الواضح أن العقل والعقلاء يقولون بأن أي فكرة وأي نظرية لها مرحلتان: مرحلة تشريع، تشريع النظرية، كتابة النظرية، ومرحلة التمثيل، تطبيق النظرية. النظرية لا يُكْتَب لها نجاحٌ ولا يمكن أن تتحقق ولا يمكن أن تتجسّد إلا بعد تنفيذها وتطبيقها، وإلا مجرد نظرية مكتوبة لا فائدة فيها، إذا لم تصل إلى مرحلة التنفيذ والتطبيق لا يُكْتَب لهذه النظرية النجاح ولا الواقع ولا البروز إلى عالم الخارج وعالم الواقع، الآن نحن عندما نريد أن نطبّق النظرية، نريد أن ننقل النظرية من عالم التشريع إلى عالم التطبيق والتنفيذ، في مقام نقل النظرية إلى عالم التطبيق والتنفيذ نحتاج إلى ضمان تطبيق النظرية، نحن إذا أردنا أن نطبّق النظرية من يضمن لنا بأن النظرية ستطبّق تطبيقًا صحيحًا؟ من يكفل لنا بأن النظرية ستطبّق تطبيقًا تامًا بجميع حذافيرها؟

لا بد من أن نجعل لنا ضمانًا، لا بد أن يكون هناك ضامنٌ يضمن لنا تطبيق النظرية بجميع حذافيرها، من الضامن؟ من الذي يضمن لنا تطبيق الفكرة وتطبيق النظرية؟ لا بد وأن يكون الضامن والمتكفل لتنفيذ النظرية وتطبيقها رجلًا أمينًا مؤهلًا لتطبيق النظرية، يجب أن يكون هذا الرجل أمينًا ومؤهلًا وحافظًا لتطبيق النظرية تطبيقًا تامًا، ما هي الصفات التي يجب توفرها في هذا الضامن؟

يجب أيضًا أن يكون هذا الضامن خاليًا من الأفكار المعاكسة للنظرية، أنا أحمل نظرية معينة، وأنا الضامن لتطبيقها، وأنا القائم بتنفيذها، يجب أن أكون أنا القائم بتنفيذ النظرية خاليًا من الأفكار المعاكسة، إذا هناك أفكار معاكسة مضادة للنظرية يجب أن أكون أنا خاليًا منها. ثانيًا: يجب أن أكون مؤمنًا بالنظرية إيمانًا تامًا متغلغلًا في أعماقي، بحيث أستطيع أن أضحّي في سبيلها، وأستطيع أن أبذل في سبيلها، وأستطيع أن أفدي في سبيلها. إذا كانت النظرية تعيش متغلغلةً في أعماقي، إذا كانت النظرية تشكّل خطًا إيمانيًا بالنسبة لي، فحين ذلك يجب أن أكون مؤمنًا بها إيمانًا تامًا، ومضحيًا في سبيلها وباذلًا في سبيلها.

فإذا كان القائم بتنفيذ النظرية خاليًا من الأفكار المعاكسة لها، ومؤمنًا بها إيمانًا تامًا، فهو الذي يكون ضامنًا لتطبيقها، وهو الذي يؤمن أن يطبّق النظرية مئة بالمئة، أما إذا كان القائم بتنفيذ النظرية وبتنفيذ الفكرة رجلًا يحمل أفكارًا معاكسةً، أو رجلًا لا يؤمن بها ذلك الإيمان، بحيث لا يؤمَن على تطبيق النظرية، أو عنده رواسب من أفكار سابقة، لعل هذه الرواسب تؤثر عليه يومًا من الأيام، وتأخذ به إلى أن يخالف النظرية، فهذا الرجل لا يؤمَن على تطبيق النظرية.

من هنا نقول بأنَّه يجب أن يكون الخليفة والإمام بعد رسول الله معصومًا عن الخطأ والزلل، لماذا؟ نفس الفكرة التي بينّاها. الإسلام نظرية من جملة النظريات، الإسلام جاء يعالج الفرد من جميع جوانبه، جوانبه الفردية، جوانبه النفسية، جوانبه الأسرية، جوانبه الاجتماعية، الإسلام نظريةٌ جاءت لمعالجة الإنسان من جميع الجوانب، إذا كان الإسلام هكذا فيجب أن يكون القائم بتنفيذ الإسلام وبتطبيقه رجلًا مستوعبًا لنظريات الإسلام، ورجلًا خاليًا من الأفكار المعاكسة للإسلام، ويجب أن يكون مؤمنًا بالإسلام إيمانًا يعيش في أعماقه، ومتغلغلًا في جوانحه، بحيث يستطيع أن يضحّي ويبذل ويفدي في سبيل الإسلام.

وهذا ما نعنيه بالعصمة، العصمة أن يكون مستوعبًا لنظريات الإسلام، ومؤمنًا بها إيمانًا متغلغلًا في أعماقه، بحيث نقطع أن هذا الرجل لا يخالف الإسلام طرفة عين أبدًا، بحيث نقطع بأن هذا الرجل سيطبّق الإسلام تطبيقًا تامًا بجميع حذافيره، أما إذا كان القائم بأمور المسلمين عنده رواسب جاهلية، أو عنده رواسب من العهد السابق، أو كان مصرًا على المعاصي في العهد السابق، والآن نحن ننقله من رواسب الجاهلية ومن ممارسة المعاصي في العهد السابق، نريد منه أن يطبّق الإسلام بحذافيره، من الذي يمضن له؟ ما دام هذا عنده رواسب، وما دام هذا رجلًا عاش على المعاصي مدةً من الزمن، من الذي يضمن لنا بأنَّ هذا الرجل سيطبّق الإسلام تطبيقًا واقعيًا صحيحًا؟! ليس عندنا ضمان، ونحن لا بد لتطبيق الإسلام أن نهيئ ضمانًا ثم نطبّق الإسلام، فلا نستطيع أن نوفّر الضمان إذا كان القائم بأمور المسلمين لا يخلو من الرواسب المعاكسة لنظريات الإسلام. من هنا ننطلق إلى فكرة العصمة، ونقول بأنَّ الإمام بعد الرسول يجب أن يكون معصومًا، كما أن الرسول يجب أن يكون معصومًا.

الآن فهمنا من هذا الوجه ومن بيانه أن الإمام بعد رسول الله يجب أن يكون بيده الإسلام، وبيده الحكم، وبيده الأمر والنهي، لا أن الأئمة مجرد فقهاء، ويُرْجَع إليهم في الفقه والتفسير، أما تطبيق الإسلام وتطبيق أحكام الإسلام على وجه الأرض فيكون لغيرهم! ما دام تطبيق أحكام الإسلام على وجه الأرض يحتاج إلى العصمة، والعصمة مفقودة في غيرهم، فيجب أن يكونوا هم أولى بالقيادة من ذلك، لأنهم هم الذين حملوا العصمة، وحملوا النزاهة، وحملوا معارف الإسلام ومضامين الإسلام.

الوجه الثاني: الوجه اللفظي.

الآن نحن عندما نراجع ألفاظ حديث الثقلين ماذا نفهم منها؟ نفهم منها إمامة الفقه فقط، أم نفهم منها الخلافة العامة؟ ”إني مخلف“ ما معنى مخلف؟ ”فانظروا كيف تخلفونني فيهما“، ما معنى تخلفونني؟ يعني الأمور التي كان يقوم بها الرسول تكون لمن بعد الرسول، ”إني مخلف فيكم الثقلين“ كما كنت أنا أقوم بالأمور، كما كنت أنا أدير الأمور والشؤون الفقهية والسياسية، كذلك خليفتي، كذلك من بعدي، أنا رسول من قِبَل الله، أقوم بالأمور، وأكون قائدًا، ورائدًا رساليًا، أما الخليفة الذي من بعدي يكون فقط في الفقه! لا يمكن. كلمة مخلّف تعني أن الخليفة بعد الرسول كالرسول، كما أن الرسول كان إمامًا وقائدًا، كذلك الخليفة من بعده.

كذلك عندما نرجع إلى.. طبعًا حديث الثقلين ذكرنا في الليالي السابقة أن الرسول قرأه في حجة الوداع في غدير خم، فنفهم من مقارنة حديث الثقلين ببيعة الغدير أن حديث الثقلين يدلُّ على إمامة الفقه وعلى الخلافة العامة، لذلك الرسول بعد أن انتهى من حديث الثقلين يوم قم رفع يد علي حتى بان بياض إبطيه وقال: ”ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه“، ألست أولى، ما هو معنى أولى؟ واضح أن الأولوية معناها الولاية العامة على جميع الناس، والتصرف في شؤون المسلمين، ليس معنى أولى أنه إمام في الفقه فقط! ”من كنت مولاه فعلي مولاه“ يعني علي مولاه في الفقه فقط؟! أم مولاه في جميع الأمور؟ ”اللهم وال من والاه“ يعني فقط من يرجع إليه في الفقه وال من والاه، أما في الأمور الأخرى فلا؟!

ومن أروع الأدلة التي اُسْتُدِلَّ بها على إمامة أهل البيت ما ذكره الإمام الخليل بن أحمد الفراهيدي، هذا نحوي مشهور، وعروضي، أسّس علم العروض، ابتكر علم العروض، هذه الخليل بن أحمد الفراهيدي عندما سئل: ما هو الدليل على إمامة علي ؟ قال كلمة مختصرة هي فعلًا الدليل العقلي الواقعي الذي نأخذه على إمامة الإمام أمير المؤمنين، وعلى إمامة الأئمة من أهل بيته. قال: «استغناؤه عن الكل، واحتياج الكل إليه، دليل إمامته».

راجع تاريخ الإمام علي وتاريخ أبنائه، هل نقل التاريخ أن عليًا احتاج إلى أحدٍ في معرفة أمر؟! هل نقل التاريخ الإسلامي أن عليًا احتاج لمسألة في الرجوع إلى غيره؟! كل التاريخ يذكر أن الخليفة الثاني كان يقول: لولا علي لهلك عمر، لا أبقاني الله لمعضلةٍ لم يكن فيها أبو الحسن، لا يقضين أحدكم وعليٌ في المسجد. ابن عباس يقول: إن علمي بمقابلة علم ابن عمي علي كقطرة من بحر لجّي. وكان ابن عباس حبر الأمة يرجع إلى الإمام علي ، وكلهم يعترفون، أقضاهم علي، أعلمهم علي، أعرفهم علي، فإذا كان الإمام علي مستغنيًا عن الكل والكل يحتاج إليه، الكل يرجع إليه، الكل يستفهم منه، الكل يستلهم منه، هذا دليل ماذا؟ دليل إمامته.

نفس القضية في أهل البيت، راجع التاريخ، وأحضر لنا إثباتًا تاريخيًا أن الحسن كان يرجع إلى غيره، أو الحسين كان يرجع إلى غيره، هل رجع الحسن يومًا من الأيام إلى معاوية في معرفة مسألةٍ من المسائل؟! أم أن الحسين مثلًا رجع إلى عبد بن عمر، أو ابن مسعود، أو ما أشبه ذلك من الصحابة والتابعين؟! أبدًا. وكذلك أئمة أهل البيت من زين العابدين إلى الإمام العسكري، إذا راجعت تاريخهم لا تجد واحدًا منهم محتاجًا إلى غيره، بل الكل محتاجٌ إليهم، وهم في تمام الغنى عن غيرهم، وهذا دليل إمامتهم.

إذن، بهذا البيان نستفيد أنَّ أهل البيت لا كما يقوله أبو زهرة بأنهم أئمة في الفقه فقط، وإنما أئمةٌ في الفقه وفي الخلافة العامة، كما تقرأ في زيارة الجامعة: ”ساسة العباد، وأركان البلاد“، لا أنهم فقط مرجع في مقام الأمور الفقهية والمسائل الفقهية، بل هم ساسة العباد وأركان البلاد، هم الذين يقومون بشتى الأمور، هم الذين يقومون بما قام به الرسول ، بإقامة الحدود والتعازير والقصاص وأخذ الزكوات وتوزيع الخراج، سائر الأمور منوطةٌ بهم .

المحور الثالث: أهمية مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

من أهم الواجبات ومن أهم الخصائص التي تميّز بها أهل البيت : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه كانت سيرتهم، هذه كانت طريقتهم، كانت طريقتهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والواقع نحن نحاول أن نسلّط ضوء النظر على هذا الأمر - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - الذي كان من خصائص أهل البيت ومن صفاتهم، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضروريٌ للمجتمع الإسلامي، مجتمع إسلامي بدون أمر بالمعروف مجتمع متحلل، مجتمع إسلامي بدون النهي عن المنكر مجتمع فاسد، قد انتشرت فيه الأوبئة والأمراض الخلقية والاجتماعية، ركيزة المجتمع الإسلامي وركن المجتمع الإسلامي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهنا ثلاث زوايا مهمة:

الزاوية الأولى: شروط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

يقول لك: أنا لماذا آمره بالمعروف وأضيّق خلقه؟! هذا صديقي وصاحبي، أنا إذا قلت له: لا تسمع أغاني، يتأثر مني، ويزعل عليَّ، ولا يصبح صاحبي، فلماذا أضيّق خلقه وهو صاحبي وصديقي، فلأبقَ على صداقتي، أحتفظ بصداقتي معه، ودعه كما يشاء، موسى بدينه، وعيسى بدينه، يوم القيامة هو يتحمل أمره وأنا أتحمل أمره، فلماذا آمره بالمعروف؟!.. عجيب! يعني أنت ألست مسؤولًا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! لست مسؤولًا عن أن تنصح صديقك وترشده إلى طريق الخير والصلاح؟! صحيح أن الأمر بالمعروف له شروط، الفقهاء يذكرون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شرائط.

الشرط الأول: أن يكون الآمر بالمعروف عارفًا بالمعروف.

يعرف المعروف ما هو، يعرف المنكر ما هو، حتى يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أما لو رأيت شخصًا يأمرك بالمعروف ويقول لك: يا فلان، أتريد أن يتخرّج أولادك رجعيين غجريين ليس عندهم حضارة ولا فكر حضاري؟! يا أخي أحضر لهم فيديو، أحضر لهم أفلامًا متفتحة، حتى يتفتحوا على العالم، ويعرفوا كيف هي الدنيا، دعهم يرون ويطالعون، أنت لماذا تحرمهم؟! هل هم يعيشون في القرون الحجرية؟! دعهم يتفتحون، دعهم يفهمون كيف هي الحضارة وكيف هو ذوقها وطعمها!.. هذا جنابه يظن أنه يأمر بالمعروف! يظن أن المعروف هكذا.

مثال آخر: أنت تصرف أموالًا، فإلى أين ذاهب؟ إن شاء الله أحج بيت الله الحرام، يقول لك: تحج بيت الله الحرام؟! أولًا أنت شيّد بيتك، واجعل بيتك ممتازًا، وخذ لك فرشة ممتازة، وأثاثًا جميلًا، وبعد ذلك حج بيت الله الحرام، الآخرة متآخرة! لا يوجد داعٍ لهذه العجلة، أولًا أثّث نفسك وهيّئ نفسك، بيت وفرشة ممتازة وأثاث جيد، وبعد ذلك حج بيت الله الحرام، لا يوجد داعٍ لهذه العجلة!.. هذا أيضًا يأمر بالمعروف!!

الشرط الثاني: ألا يكون هناك ضرر على عرضك أو على نفسك.

افترض أن هناك شخصًا إذا أمرته بالمعروف فهذا يقدّم عند الدولة بوشاية ويقضي عليَّ، بعضهم هكذا، أو هذا إذا آمره بالمعروف يمكن أن يتعرض لعائلتي بالقذف أو بالإهانة، هذا هنا اتركه، هذا إذا كان الرجل أمره بالمعروف أو نهيه عن المنكر معرِّضًا للخطر والضرر على نفسك أو على عرضك فدعه.

الشرط الثالث: أن تعرف أن هذا يستمع للكلام.

أما شخص منغمر في المعاصي، منغمر في الذنوب، أي كلام لا يسمع، أي نصيحة لا يسمع، أي إرشاد لا يعي، هذا لا يوجد جدوى في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، إنما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كنت تحتمل أن الطرف المقابل يمكن أن يستجيب لأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر. على كل حال، مع ذلك فقهاؤنا قالوا بأنه إذا استفحل المنكر وانتشر، يجب على الناس مقاومته والنهي عنه ولو تحمّلوا الأضرار في سبيل ذلك.

افترض الآن مثلًا انتشر شرب الحشيش، المخدِّرات، شباب، صغار، كبار، 14 سنة، 15 سنة، 20 سنة، يهدر طاقة جسمه وقوته في شرب الحشيش والمخدِّرات، وهذا انتشر في المجتمع، هذا يجب مقاومته والنهي عنه ولو تحمّل المجتمع الأضرار في سبيل ذلك، أو انتشرت جريمة الزنا في المجتمع، يجب النهي عنه والردع ولو تحملت الأضرار في سبيل ذلك؛ حفاظًا على الدين وحفاظًا على الشريعة.

الزاوية الثانية: خطورة ترك وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

تعال إلى الآيات القرآنية التي تنادينا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، آية أخرى تقول: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، آية ثالثة تقول: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، أنسينا كل هذه الآيات؟! الرسول ورد عنه: ”لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، ثم تدعو خياركم فلا يستجاب لهم“، وهذا الموجود عندنا، الآن أي دعاء يُقْبَل؟! هذه الأدعية من أفواه المؤمنين، وأدعية الليل، وأدعية صلوات الفجر... إلخ، أبدًا لا يوجد قبول، لا يوجد قبول لدعاء، لا يوجد تحقق لدعاء، هذا نتيجة لماذا؟! عدم تحقق إجابة الدعاء نتيجة لماذا؟! نتيجة لإهمال الأمر بالمعروف، نتيجة لإهمال النهي عن المنكر.

حديث آخر عن الرسول: ”إياكم والجلوس في الطرقات!“، لا تجلس في الطريق، إذا مرت فتاة تقوم بالنظر إليها وفي لباسها، مر جماعة تفحص فيما عندهم، ”إياكم والجلوس في الطرقات! قالوا: ما لنا بد يا رسول الله؛ فإنها مجالسنا نجلس فيها ونتحدث فيها. قال: إذا لم يكن لكم بدٌّ فعوا آداب الطريق، قالوا: وما آداب الطريق؟ قال: كفّ الأذى، وغضّ البصر، وردّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر“. وفي حديث عن الرسول : ”لا يأخذ الله الخاصة بذنوب العامة حتى يرى المنكر بين أظهرهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه“، يرون المنكر بين أظهرهم، يرون السفور بين أظهرهم موجودًا ولا أحد يتكلم، يرون العلاقات غير المشروعة موجودةً بين أظهرهم ولا أحد يتكلم، حين ذلك يأخذ الخاصة بذنوب العامة، يأخذ الجميع بذنب الجميع، ويسلّط العذاب عليهم.

ليس من اللازم أن يخسف العذاب بك الأرض، ولا أن يرمي قنبلة هيدروجينية عليك وانتهت القضية، بل قلة المال من العذاب، انتشار المجاعة عذاب، ضعف الاقتصاد عذاب، انهيار الأعصاب عذاب، انتشار الخوف والاضطراب وعدم الأمن عذاب، هذا كله عذاب، العذاب لا ينحصر في قضايا معينة، العذاب شامل لجميع هذه المصاديق، هذا كله عذاب. الإمام أمير المؤمنين روي عنه أنه قال: ”أول ما تغلبون عليه الجهاد بأيديكم، ثم الجهاد بألسنتكم، ثم الجهاد بقلوبكم؛ فإن القلب إذا لم يعرف المعروف ولم ينكر المنكر نُكِس فجُعِل أعلاه أسفله“.

القضية أن تشعر بقلبك أن هذا منكر وأن هذا معروف، تأتي إليه، تقول: أما سمعت؟ اليوم اُطُّلِع على أن فلانًا زنى بفلانة، يقول: وما في ذلك؟! خيرًا إن شاء الله! هذا ليس أول من زنى، صار ما صار! لا يوجد إنكار بالقلب أصلًا، الروحيات لا تعيش الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أبدًا، حتى القلوب لا تعيش هذه الروحية، كأن شيئًا لم يكن، نفوسنا وقلوبنا لا تعيش روحية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى هذا المقدار.

الزاوية الثالثة: مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

عندنا مراتب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ”من رأى منكم منكرًا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان“، ما هو معنى بيده؟ طبعًا باليد تارة فعلًا اليد.. عنده ولد مثلًا طفل أو ليس طفلًا، يرى أن هذا الولد كلما أمره بالصلاة لم يصل، فيعطيه «راشدي» يسكته مثلًا! هذا إذا كان يعرف أن ضربه بالعصا يفيد فعليه أن يغيّره بيده، وتارة اليد ليس معناها استعمال اليد هذه، وإنما اليد معناها استعمال القدرة، مثلًا: هذا أنهاه عن الأفلام الخليعة في الفيديو، لا يفيد ذلك، فأقوم وأكسّر الأفلام، هذا أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، هذا معنى التغيير باليد، أو أقوم بتكسير أشرطة أغاني وموسيقى مثلًا.

بعضهم يحتاج إلى أسلوب آخر، افترض أنه شاب متقبّل، صحيح أنه مصر على سماع الأغاني، أو مصر على فعل المعاصي، ولكنه متقبّل، هذا يمكن أن تقدّم له أشرطة لخطباء معينين، لجماعة معينين، يستمع الأشرطة، ينتصح من خلالها، يهتدي من سماعها، أو تقدّم له كتبًا معينة يقرؤها، من خلال قراءة الكتب يعي ويأتي إلى الجانب الحق، فأنت حاول، ابذل جهدك، سواء باليد، أو بالتكسير، أو بتقديم الأشرطة، أو بتقديم الكتب، معنى التغيير باليد التغيير بالقدرة، فالقدرة شاملة لكل هذه المصاديق.

”فإن لم يستطع فبلسانه“، يصعد على المنبر ويخطب في الناس، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، إذا رأى فردًا في الطريق ينصحه، يرشده، ”فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان“، لكن المهم أنت جنابك الذي تريد أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر أنت نفسك تكون مؤتمرًا بالمعروف ومنتهيًا عن المنكر، العرش ثم النقش، أنت أولًا سر على الطريق، وبعد ذلك مر بالمعروف وانهَ عن المنكر.

لما انتهى المسلمون من معركة حنين، جاؤوا إلى الرسول ، قال: يا رسول الله، انتهينا، انتصرنا، خلصنا من الجهاد، قال: ”فرغتم من الجهاد الأصغر“، هذا الجهاد باليد وبالحركة جهاد أصغر، ”وبقي عليكم الجهاد الأكبر، قالوا: وما هو يا رسول الله؟ قال: جهاد أنفسكم الأمّارة بالسوء“. أنت أولًا كوّن الأرضية، أنت أوّلًا عبّد الطريق لنفسك، ائتمر بالمعروف انتهِ عن المنكر وبعد ذلك أرشد غيرك.

ونأتي إلى الرسول محمد ، نراه ينادينا ويقول، كما روى أبو أمامة الباهلي، يقول الرسول: ”كيف بكم إذا طغت نساؤكم، وفسق شبابكم، وتركتم جهادكم“، طغت نساؤكم واضح، المرأة هي الرجل، والرجل هو المرأة. تعال، اليوم فلنذهب إلى السوق حتى نشتري.. لا بأس بذلك، شغّل السيارة وذهب بها! هي تقف في الدكان، هذا تريده، ذاك لا تريده، هذا بكم؟ لماذا لا يكون كذا؟ هو الرجل واقف مثل الخادم، وإذا انتهت من الشراء: ادفع كذا دينار، فيدفع.. اليوم دعنا نذهب إلى شارع الكورنيش حتى نستريح هناك ونتونّس! اشترِ لأولادك أفلام فيديو، بدلًا من أن تجعلهم يذهبون إلى بيت فلان وفلان، خلهم هم بأنفسهم يستغنون عن غيرهم.. ما يخالف! أنت لماذا لا تجعلنا نسافر، دائمًا نجلس في الكويت، دعنا نذهب للخارج، سنة نذهب إلى أوروبا، سنة نذهب إلى الفلبين، هذه الأماكن، دعنا نتفرج، دعنا نتمتع بالحياة! ما يخالف.. هذا معنى طغت نساؤكم، المرأة هي الحاكمة في البيت، وهذا الرجل يسير حسب شهوة المرأة، وحسب عواطف المرأة ورغبتها.

”وفسق شبابكم“ الشباب كل أوقاته في المغازلات، شرب المخدرات، ملاحقة الفتيات، سماع الأغاني، ”وتركتم جهادكم“ الآن الرسول يوضّح، قالوا: أو ذلك كائن يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما هو؟ قال: ”وتركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر“. أنت لا شغل لك إلا الكلام علينا، أنت مكلّف بنا، الله وكّل علينا، بعثك ملكًا إلينا، بعثك رسولًا إلينا، كل يوم تتكلم على رأسنا؟! كل يوم وتقول: تعالوا وصلوا، تعالوا ولا تسمعوا أغاني.. فضّيت رأسنا، هذا كافٍ، لا نريد..! أو إذا سمع خطيبًا يأمر بالمعروف يقول: لماذا هذا يؤذي نفسه ويجعل الناس تتكلم عليه؟! لا يوجد داعٍ لذلك!

”وتركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قالوا: أو ذلك كائن يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما هو؟ قال: وترون المنكر معروفًا والمعروف منكرًا. أصلًا المفاهيم تتغير، المفاهيم تتبدّل، الناس تنقلب رأسًا على قلب،“ أو ذلك كائن يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، وتأمرون بالمنكر وتنهون عن المعروف"، بالعكس، وهذا هو الواقع، وهذا الذي نشاهده نحن.

الآن نحن نرى المناظر ومحلات الريبة ومواطن الفتنة والشبهة، ومع ذلك لا نأمر بالمعروف ولا ننهى عن المنكر، هذه الفتاة تأتي بارزةً بجميع مفاتنها، وبمكياجها، وبأصباغها، وهذا الشاب أيضًا طوال عمره وطوال وقته ملاحقة، ونحن نرى هذا، ولا ناصح، ولا من آمر، ولا من ناهٍ، ولا متكلم. بالله ما هو الحل؟! إذا هذا مسكين شاب، ويعيش وقت مراهقة، ويرى البنت أمامه متبرجة، ماذا يفعل؟! ما هو الحل؟! هذا إنسان يتأثر!.. إذا هذا إنسان يتأثر إذا رأى مواطن الريبة ومواطن الفتنة فالحل الإسلامي موجود، يتزوج، ما الذي يمنعه عن الزواج؟! لا، يريد أن يكمل الدراسة الجامعية ويؤهّل نفسه وبعد ذلك يتزوج! دينه أهم أم دراسته أهم؟! أيهما أهم: دينه أم دراسته؟! إذا كانت دراسته أهم فهذا شيء آخر، أما إذا كان دينه أهم فليحفظ دينه أولًا، فليحفظ دينه، يركّز دينه أولًا، وزواجه لا يمنعه من مواصلة الدراسة الجامعية، ولا يمنع من شقّ طريقه، يحافظ على نفسه وعلى عرضه وعلى سمعته وشرفه.

”تنكاحوا، تناسلوا؛ فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة، حتى أن السقط ليقف [...] على باب الجنة، ويقال له: ادخل، فيقول: لا أدخل حتى يدخل أبواي“، ”الزواج سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني“، وأحاديث كثيرة واردة في هذا المعنى، الزواج هو الحل الإسلامي، هو الحل الشرعي الذي وضعه الإسلام لعلاج هذه المشاكل، لعلاج المشاكل الجنسية، لعلاج العلاقات غير المشروعة، علاجها الزواج، فليبادر إلى الزواج، الشابة تقبل الزواج إذا عُرِض عليها في سبيل التخلّص من هذه المشاكل.

وثابروا على تطبيق هذا المبدأ - وهو مبدأ الزواج - حتى في أحرج الظروف، حتى في أحلك الحالات، حتى في أشد المواقف، في يوم كربلاء، في وقت القتال، في وقت المعركة، في وقت الجهاد، يحاول الحسين أن يزفّ ابن أخيه القاسم على ابنته سكينة.