الشيخ السباع منارُ الاقتداء لا آهةٌ للبكاء

شبكة المنير

بسم الله والصلاة على المصطفى وآله المعصومين

قال تعالى: ﴿الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ «1»

رَبِّ  رُحْمَاكَ  ثَغْرَةً  بَعْدَ  iiأُخْرَى

إنَّ   مِنْ  عَدْلِكَ  السَّمَاوِيِّ  iiفِي

وَأَرَى  الخَطَّ  كُلَّمَا  غَابَ  iiمِنْهَا



 
تَتَوَالَى     فِينَا     بِلا     iiتَرْمِيْمِ

الكَوْنِ ضِياءً يَتْلُو مَغِيْبَ النُّجُومِ

كَوْكَبٌ   غَابَ   فِي  ظَلامٍ  iiبَهِيمِ

هكذا وصف خالد الفرج القطيف، قبل سبعين سنةً عند وفاة العلامة الشيخ منصور الزائر رحمه الله، والصور تتكرر... فكلما غاب عنّا عالِمٌ خيَّم بعده الظلام، لندرة العلماء في بلادنا.

ومن الأمثلة الرائعة لهذه الصورة: رحيل العالم الرباني الشيخ عباس آل سباع، الذي ترك بعده فراغاً هائلاً، غير أن الجدير بنا - خصوصا نحن الطلبة - أن نتعامل مع مثل هذا الحدث بمنطق الاعتبار، لا بمنطق الانكسار، فالمصاب وإن كان جللاً، والخَطْب وإن كان مفجعاً، إلا أن الفقيد العلامة مصداقٌ لقول أمير البيان الإمام علي : [والْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ - أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ وأَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ] «2»، ومقتضى ذلك هو الاتعاظ والاعتبار بأمثالهم، وقيمهم العظيمة.

ومن القيم النبيلة المعروفة عن الفقيد السعيد - وكل قِيَمِه نبيلةٌ -:

طهارة النفس، ونقاء الروح، وإشراق القلب. فمنذ أن عرفناه قبل ثلاثين سنة، عرفنا منه سلامة الفؤاد مما ابتلي به الكثير من مرض الحسد، والحقد، والكراهية، ونقاء اللسان من الغيبة، والنميمة، وتوافق الظاهر والباطن في معاملة المؤمنين، والنزاهة عن الولوغ والخوض في حرمات المؤمنين وكراماتهم، والترفع عن التلوث بالحزازات والصراعات البينية والفئوية، والانشغال بالعلم والعمل المعطاء المثمر، عن الولوج في الكيد والتربص بالمؤمنين، وتتبع عيوبهم وعثراتهم، ولا عجب فهذه الشمائل هي سمات العالم الرباني، الذي هو من أمثلته الحية، وخليقٌ بنا - بل اللازم علينا عقلاً ونقلاً، خصوصاً نحن أبناء الحوزة العلمية، ونحن نحتفل بهذه المناسبة الحزينة، تعظيماً للفقيد الحُجَّة - أن نعظم قِيَمَهُ في نفوسنا، ونجسدها في سلوكنا، ونتمثلها في ما بيننا، تالين وذاكرين - قولاً وفعلاً - قول الباري جل وعلا: ﴿ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا، فهل نحن مقتدون بهذه الأخلاق الرفيعة؟ وهل نحن مهتدون بهذه الاستقامة الزكية؟

كما أنَّ مقتضى الاعتبار، والاقتداء بشخصية الفقيد، وأمثاله من الذين تحملوا مصاعب الغربة، وشظف العيش سنين طويلة، في سبيل طلب علوم آل محمد صلوات الله أجمعين؛ تربية أبنائنا على حب تعلم علوم آل البيت ، والصبر عليها، فقد ورد عن الإمام الصادق : [بادِروا أولادَكم بالحديث، قبلَ أنْ يَسْبِقكم إليهم المُرْجِئة] «4».

ومما يستقى من مثل الفقيد رحمه الله؛ حثّ طلبة الحوزة على التحمل، وقوة الإرادة، بالبقاء في الحوزة سنين طويلة، مشفوعة بالنشاط العلمي، وروح التحقيق والتدقيق في المطالب العلمية، لأن هدفنا النهوض بمجتمعنا على أكتاف الفقهاء المخلصين، وهو هدف القرآن، والعترة المعصومية ، قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ «3»، وورد عن الإمام الباقر : [تفقهوا في الدين، وإلا فأنتم أعراب] «5»، وورد عن الإمام الصادق : [لوَدِدْتُ أَنَّ أَصْحَابِي ضُرِبَتْ رُؤُوسُهُمْ بِالسِّيَاطِ حَتَّى يَتَفَقَّهُوا] «6».

نسأل الله - تعالى - أن يجعل الفقيد مع المعصومين ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِر، وأن يبصرنا بعيوبنا، وأن يشغلنا بالعلم والعمل النافعين، وأن يوفقنا للسير على خطى السلف الصالح من علمائنا الأبرار، إنه ولي التوفيق،،،

السيد منير السيد عدنان الخباز
15 / ذي الحجة / 1433هـ