في رحاب الإنتظار

كلمة بمناسبة مولد الإمام المهدي

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا

صدق الله العلي العظيم

نحن نتطلع في هذه المناسبة العظيمة إلى ظهور هذا العظيم الإمام المنتظر «عجل الله تعالى فرجه الشريف»، ونحن نتطلع إلى قدومه، ونتشوق إلى لقياه، نستمع إلى حديث النبي : ”أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج“، وهنا نتساءل: ما هو الانتظار الذي يعدُّ أفضل الأعمال جميعًا، أفضل من الصلاة والصوم والحج والخمس والزكاة؟ إنَّ الانتظار له درجات، وله أنواع وأقسام.

الخطوة الأولى: الانتظار العقائدي.

ويعني ذلك: الثبات على إمامة الأئمة الطاهرين، ومنهم الإمام المنتظر «عجل الله تعالى فرجه الشريف». في هذا الزمن، زمن التيارات الفكرية المختلطة والمتشابكة، نحتاج إلى أن نثبت على مبدأ الإمامة، في هذا الزمن كثير من شبابنا - وبعضهم قد يعد من المثقفين والباحثين - ربما يصغون لبعض التشكيكات في إمامة الأئمة الطاهرين، أو إمامة الإمام المنتظر نفسه، أو وجوده، أو غيبته، ولا يرجعون إلى الأبحاث العلمية الاستدلالية التي دونت وحررت في هذا المجال، ويكتفون بأن يسمعوا لبعض الأصوات أو الكلمات، فينالهم شيء من الشك والريبة في إمامة الأئمة أو عصمتهم، أو إمامة الإمام المنتظر نفسه أو وجوده أو غيبته، وتراهم لا يكادون يصدّقون بهذا الوجود المبارك؛ نتيجة لاستيلاء بعض الشبهات، من دون مراجعة الأبحاث العلمية المطروحة في هذا المجال.

وحينئذ يكون هذا الشخص قد بعد عن عالم الانتظار؛ لأنه بعد عن الخطوة الأولى من خطوات الانتظار، ألا وهي الانتظار العقائدي، بمعنى الثبات على القول بالإمامة، كما ورد في تفسير الآية المباركة: ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، فقد ورد في تفسيرها عن الإمام الصادق أن القول الثابت هو إمامة أمير المؤمنين ، هذا قول المفروض أن يكون ثابتًا في النفس، وراسخًا في النفس، لا يتزلزل عنه الإنسان.

ومن جهة أخرى: التشيع في هذا الزمان يتعرض إلى أعاصير حادة، أعاصير شديدة، الشيعي يتعرض لألوان من المظلومية والاضطهاد، وألوان من الخوف والرعب والإرهاب، كل ذلك من أجل أن يبتعد عن خط الإمامية، كل ذلك من أجل أن ينأى عن خط التشيع؛ لأن هذا الخط خطٌ محفوفٌ بالأشواك، محفوف بالأخطار، محفوف بالآلام والويلات، فيراد منه أن يتنازل عن مبادئه، أن يتنازل عن عقيدته، أن يتنازل عن شعائره، أن يتنازل عن التقيد بخط التشيع.

وربما كثير من شبابنا وشاباتنا نتيجة شدة الألم، وشدة الحصار، قد يتراجعون ويقولون: لماذا نتحمل كل هذا الألم؟! لماذا نتحمل هذه المظلومية؟! لماذا نتحمل هذا الاضطهاد؟! لأننا نؤمن بهذا الخط؟! لا داعي لأن نصر على هذا الخط، لا داعي لأن نصر على هذه الشعائر، لا داعي لأن نصر على هذا المنهج، فلتنازل قليلًا، فلتنازل عن بعض الأمور.

هذا كله أراد النبي أن يؤكد عليه، أنه ستمر فترة حرجة صعبة على المؤمنين وهم ثابتون على القول بإمامة الإمام المنتظر، فقد يتراجع بعضهم عن ذلك، ولكن الانتظار يعني الثبات على القول بالإمامة، خصوصًا إمامة الإمام المنتظر وغيبته، هذه هي الخطوة الأولى من خطوات الانتظار. ورد عن الإمام الصادق : ”إن شيعتنا في زمان غيبته، القائلين بإمامته، الثابتين على دعوته، المنتظرين لأمره، هم أفضل شيعتنا في كل زمان“، لأنهم يعيشون ظروفًا حرجة صعبة، ومع ذلك هم مصرون على الثبات على القول بالإمامة.

الخطوة الثانية: الانتظار السلوكي.

لا يكفي أن أكون ثابتًا على إمامة الإمام المنتظر من دون أن يكون لي سلوك منتظِر، من دون أن يكون لي سلوك مرضي لدى من أنتظره، عندما ينتظر الحبيب لقاء حبيبه، فإنه يتهيأ له، فإنه يراعي رضاه، فإنه يداري مشاعره وعواطفه، إنه لا يريد أن يسمع عنه حبيبه ما يزعجه، ما ينغصه، ما يبعده عنه، إن انتظارنا لحبيبنا الأتم، وحبيبنا الأكمل، يعني أن نثبت على رضاه، أن نثبت على بركاته، وهذا يقتضي أن يكون سلوكنا سلوكًا نظيفًا، سلوكًا نزيهًا، سلوكًا مرضيًا عنده.

ولأجل ذلك، ورد في الروايات الشريفة عنه «عجل الله تعالى فرجه الشريف»: ”لولا ذنوب شيعتنا لرأونا رأي العين“، لا يفصل بيننا وبين شيعتنا إلا هذه الظلمة النفسية. هناك البعض الذي يقول: لا يمكن لنا أن نلتقي بالإمام، أو كيف نلتقي بالإمام؟! الطريق إلى لقاء الإمام هو طريق التخلص من الذنوب والتجرد من المعاصي، لولا ذنوب شيعتنا لرأونا رأي العين، عندما ينأى الإنسان عن الذنب، فيكون مرضيًا لدى الإمام، فإنه سيحظى ببركة الإمام، باتصال مباشر، أو باتصال غير مباشر.

نظافة السلوك، نزاهة السلوك، رفع هذه الظلمة النفسية، التي تخيّم على قلوبنا نتيجة تراكم الذنوب والمعاصي، ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، إذا أردنا أن نخرج للقاء الإمام فعلينا أن نخرج من هذه الظلمة، إذا أصبحت أحدنا قطعة مضيئة بدل أن يكون قطعة من الظلام، حينئذ سوف يكون مؤهلًا لبركات الإمام، وسوف يكون مصداقًا للانتظار الحقيقي للإمام «عجل الله تعالى فرجه الشريف».

ومن أهم مظاهر الانتظار السلوكي: قيمة الخلق وسمو الخلق، أن تكون ذا أخلاق سامية، أن تكون مبتسمًا، أن تكون متواضعًا، أن تكون خلوقًا، حتى مع غير الشيعة، حتى مع غير المسلمين، الإمام الصادق يقول: ”كونوا زينًا لنا ولا تكونوا شينًا علينا. إن الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدى الأمانة“ لبر أو فاجر، لمسلم أو كافر، ”وحسن خلقه مع الناس“ ولم يقل: مع خصوص المسلمين، بل مع الناس، ”قيل: هذا جعفري، وقيل: هذا أدب جعفر، فيسرني ذلك. وإذا كان على غير ذلك دخل عليَّ بلاؤه وعاره، وقيل: فعل الله بجعفر ما فعل! ما كان أسوأ ما يؤدب به أصحابه“. الأدب، الخلق الرفيع هو مظهر الانتظار السلوكي، أن يكون الإنسان صادقًا مع الآخرين، أن يكون الإنسان متواضعًا مبتسمًا للآخرين، أيًا كان مذهبهم، أيًا كان مذهبهم.

الإمام علي عندما يمر على كنيسة يقول له أحد أصحابه: هذا مكان طالما عصي فيه الله، فيقول: ”مه! قل: هذا مكان طالما عُبِد فيه الله“، احترام الآخر، احترام عبادته، احترام كنيسته، التعامل معه بالصدق، التعامل معه بالرفق، ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ هؤلاء كفار، مع ذلك الله تبارك وتعالى لا ينهاننا عن برهم، ﴿وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ أي: تتعاملون معهم بالعدل، بالإنصاف، أنصفوهم حقوقهم وإن لم يكونوا مسلمين، ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.

إذن، الخلق العام من أجلى مظاهر الانتظار السلوكي، ومن أروع خصال الخلق: احترام كرامة الآخر، لكل إنسان كرامة، القرآن الكريم يقول: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ، ولم يقل: كرمنا المسلمين أو كرمنا الشيعة! لكل ابن آدم كرامة، كرامته ألا تسيء إليه، ألا تنظر إليه نظرة متوحشة، ألا تنظر إليه نظرة ريبة، حرمة الآخر، كرامة الآخر، أمر مقدس لدى الله، ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا، كرامة الإنسان من أهم وأثمن المقدسات في الدين الإسلامي، فكيف إذا كان الإنسان مسلمًا؟! فكيف إذا كان الإنسان مؤمنًا شيعيًا؟! فله كرامة أعظم، لا يجوز لك أن تغتابه، لا يجوز لك أن ترتاب فيه، لا يجوز لك أن تسيء الظن فيه، حتى لو رأيت له حركة مريبة مشبوهة.

لو رأيت امرأة في البلاد الغربية تتحدث مع رجل، أو رأيت رجلًا من إخواني وأصحابي يتحدث مع امرأة، أو رأيته يكلم امرأة في التلفون، أو رأيته يراسل امرأة في التلفون، أو رأيت امرأة تراسل رجلًا أو تتحدث معه، لا يجوز لي أبدًا إساءة الظن به، فهذا من أخطر الجرائم في نظر الإسلام، وأخطر المحرمات، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا لا تتبعوا عورات الناس، لا تتبعوا عيوب الناس، ورد عن النبي : ”من تتبع عيوب الناس تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في بيته“.

إذن، اترك التتبع، ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، حتى لو كنت مطمئنًا أن فلانًا يفعل معصية، لا يجوز لي أن أقول لأي أحد، حتى أقرب الناس، زوجتي، ابني، لا يجوز أن أقول فلانًا فعل معصية، الله ستر عليه فلماذا أنا أهتك ستره؟! ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ. إذن، لا يجوز سوء الظن، لا يجوز التجسس، لا تجوز الغيبة، ومن باب الغيبة: لا يجوز البهتان.

ورد عن النبي : ”من روى على مؤمن رواية يريد بها شينها وهدم مروته ليسقط من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان، ثم لا يتبعه الشيطان“، وورد عنه : ”من اغتاب مؤمنًا، أو قال فيه ما ليس فيه، أقامه الله يوم القيامة على تل من النار، حتى يخرج مما قاله فيه“، فالانتظار السلوكي رعاية حرمة الآخر، ورعاية كرامة الآخر، واحترام شخصية الآخر، فكما أن لي كرامة وشخصية أكره أن يغتابني أحد أو يرتاب فيَّ أحد أو ينبزني أحد بعيب أو بلقلب، فكذلك لا أرضى لغيري، كما ورد عن النبي محمد : ”أحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها“.

الخطوة الثالثة: الانتظار الاجتماعي.

المؤمن ليس كسولًا، هناك كثير من شبابنا لا يفكر إلا في نفسه، المهم دراستي، المهم راتبي، المهم خطيبتي، المهم زوجتي، المهم نزهتي، المهم راحتي! لا، المؤمن ليس إنسانًا متقوقعًا في نفسه، ليس إنسانًا متقوقعًا في أفقه، المؤمن من يعيش هموم الناس وغموم الناس وآلام الناس ويعاشر الناس ويخالط الناس، المؤمن من يقوم بالمسؤولية، القرآن الكريم يقول: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ، إذا رزقك الله نور الإيمان فانقله إلى غيره، ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا.

إذن، هناك مسؤولية اجتماعية، خصوصًا عليكم أنتم الشباب المغتربون، هناك مسؤولية اجتماعية عليكم، نصيحة إخوانكم، نصيحة أخواتكم، نصيحتهم بالإيمان، نصيحهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الدعوة إلى الخير، الحديث مع الغربيين عن الإسلام، عن قيم التسامح، عن التواضع، عن الصدق، الحديث عن محمد وآل محمد بالقيم التي نُشِرَت عنهم، أنتم لا تحتاجون أن تذكروا أدلة، اذكروا أن محمدًا وآل محمد كانوا من أروع الناس قيمًا وخلقًا، وكانوا مضحين بأنفسهم في سبيل مبادئهم وقيمهم، ومن أهمها قيمة الكرامة، وقيمة الحرية، وقيمة احترام الآخر، هذه قيم نادى بها الإسلام، وضحى من أجلها الأئمة الطاهرون .

عليكم دعوة الآخرين إلى الإسلام من خلال عرض قيم الإسلام، هذا هو الانتظار الاجتماعي، عليكم أن تحرصوا على إيمان أخواتكم في الغرب، إخوانكم في الغرب، بنصيحتهم، بأسلوب الرفق، ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، من دون غيبة، من دون نميمة، من دون سوء ظن، انصحوهم، ثبّتوهم، حاوروهم، كل ذلك مصداق لقوله عز وجل: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، ويقول عز وجل وهو يمدح هذا الطريق: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.

الخطوة الأخيرة: الانتظار الإعلامي.

مسألة المنتظر تحتاج إلى إعلام، ما زال الشيعة والمسلمون متخلفين في مجال الإعلام، تحتاج مسألة المنتظر إلى الإعلام، حتى يتطلع الشعوب كلهم لمقدمه، نحتاج أن نعلّم أطفالنا وأجيالنا قضية المهدي في كل وقت، نعلمهم أن يدعوا للمهدي بالفرج، نعلمهم أن يتصدقوا عن المهدي، نعلمهم أن يصلوا للمهدي، نعلمهم أطفالنا على التعلق بالإمام المهدي وقضيته، نعلم الناس، من نلتقي معهم، أن هناك مصلحًا منقذًا للبشرية سيظهر، ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا.

عندما نركز على قضية المهدي، حتى مع أنفسنا، نتصدق عنه، نصلي عنه، نصوم عنه، نحج عنه، ندعو له في كل صلواتنا، في كل آناتنا، سوف يكون هذا لونًا إعلاميًا للحديث عن المنتظر. نحن نحتاج الآن إلى أفلام وثائقية، بأساليب تقنية جذابة، تعكس لنا دولة المنتظر، أفلام عن ظهور المنتظر، عن مشاهد دولته، عن معالم حكومته، عن معالم قيمه، عن معالم أخلاقه، كل ذلك سينفعنا في الانتظار الإعلامي، لأننا نعني بالانتظار الاستعداد للمنتظر.

الإنسان إذا انتظر ضيفًا فكيف ينتظره؟ هل ينتظره والباب مغلق؟! هل ينتظره وهو لا يستمع إليه؟! انتظار الضيف يعني إعداد المكان، وإعداد الاستقبال لمجيئه، انتظار المهدي يحتاج إلى تمهيد الأرضية لخروجه، وتمهيد الأرضية لخروجه بغرس الإيمان في نفوسنا ونفوس غيرنا، وغرس الإعلام لنا ولغيرنا، حتى يتحقق الانتظار الإعلامي.

وسورة العصر هي سورة الإمام المنتظر، قال تبارك وتعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ، ورد عن الإمام الصادق : ”والعصر: أي عصر ظهور قائمنا أهل البيت“، في ذلك العصر - عصر الظهور - كل إنسان في خسر، في خسارة، إلا المنتظِر للإمام، من هو المنتظر للإمام؟

الذي حقّق الانتظار العقائدي، من خلال قوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا أي: آمنوا بإمامة الأئمة الطاهرين، وثبتوا على ذلك، ولم تزعزعهم العواصف ولا الإرهاب ولا التكفير ولا الضغوط، ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ هذا هو الانتظار السلوكي، جسّدوا الصالح في أعمالهم، ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا، هؤلاء جسّدوا الصلاح في سلوكهم، جسّدوا الصلاح في علاقاتهم مع الآخرين، لم يغتابوا أحدًا، لم يرتابوا في أحد، لم يسيئوا الظن في أحد، ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ هذا هو الانتظار الاجتماعي، أن يقوم كل واحد منا بمسؤولية التواصي، كل منا يوصي الآخر: اثبت على المبدأ، اثبت على الإمامة، مهما تعرضت لآلام، مهما تعرضت إلى اضطهاد، مهما تعرضت إلى ألوان من الظلم، اصبر على الإمامة، فهم يتواصون بالحق.

ويتواصون بالصبر أيضًا، فإن هذا الخط - خط التشيع - خط آلام، منذ يوم الحسين، منذ يوم الزهراء، إلى يومنا هذا، هذا الخط كله تضحيات وبذل وآلام ومظلوميات متتابعة، فالبقاء على هذا الخط حتى خروج المهدي يحتاج إلى صبر، وهذا هو الانتظار الاجتماعي، والتواصي نفسه - بأن يبلغ البعضُ البعضَ الآخر - هو انتظار إعلامي أيضًا.

إذن، سورة العصر جسّدت لنا خطوات الانتظار، مثّلت لنا خطوات الانتظار، ومعالم الانتظار، الذي نادى به النبي : ”أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج“، لما تحدثنا عن هذه الأنواع كلها تبيّن لنا كيف يكون الانتظار أفضل الأعمال؛ لأنه يشمل العقيدة، والعمل الصالح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، ولا شك أن ما يتضمن هذه الخطوات كلها هو أفضل الأعمال.

علينا أن نستحضر هذا الدعاء في كل أوقاتنا: اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة، وفي كل ساعة، وليًا وحافظًا، وقائدًا وناصرًا، ودليلًا وعينًا، حتى تسكنه أرضك طوعًا، وتمتعه فيها طويلًا، وهب لنا رأفته ورحمته، ودعاءه وخيره، وامنن علينا برضاه، بحقه وبحق آبائه الطاهرين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

والسلام عليكم إخوتي وأحبتي، أسأل الله لكم أن يوفقكم في دراستكم وأعمالكم، وأن يرجعكم إلى أوطانكم سالمين غانمين، وأن يحرسكم وينجح خطواتكم، إنه سميع الدعاء قريب مجيب، وأدعو لكم جميعًا في ليلة النصف ليلة الميلاد بالخير والصلاح والتوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، ونراكم على خير إن شاء الله في الوطن العزيز، وأهلًا وسهلًا.