النفقه في الدين

تحرير المحاضرات

أعوذ بالله من الشيطان الغوي الرجيم

بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم

﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ

آمنا بالله صدق الله العلي العظيم

الآية المباركة اختلف المفسرون في تحديد موردها على اتجاهين:

الاتجاه الأول: من يرى أن هذه الآية مرتبطة بباب الجهاد لأن صدر الآية يقول: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً أي ينفروا إلى الجهاد، ﴿لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ بمعنى أنهم إذا نفروا إلى الجهاد رأوا آيات الله تبارك وتعالى من إمداده للمسلمين بالنصر وتأييده جيوشهم بالملائكة بمختلف أصنافهم، لأن الإنسان إذا رأى آيات ربه متجلية أمامه عظم في نفسه الدين وصار في نظره أمر عظيم لأنه رأى الآيات المتجلية التي تؤيد هذا الدين، فإذا رجعوا إلى قومهم «المتخلفين عن الجهاد أو الذين لا يقدرون على النفرة للجهاد» أنذروهم بما رأوا من آيات الله، هذا اتجاه من المفسرين يرى أن الآية مرتبطة بمورد الجهاد.

الاتجاه الثاني: أن الآية مرتبطة بتعلم الدين، لا يجب على المؤمنين أن ينفروا إلى الإمام أو الرسول أو خليفة النبي ليتعلموا منه الدين لأن هذا الوجوب كفائي وليس عيني، فأقل الطائفة هي 3 أشخاص ليتعلموا الدين على يد النبي أو الإمام ليتفقوا في الدين.

التفقه في الدين كما يذكر علمائنا له ثلاثة موارد:

المورد الأول: فقه الأصول.

هو تعلم العقائد فجميع المعتقدات ثابتة بالأدلة والبراهين إذا تعلمها الإنسان فقد تفقه دينه أي فهم دينه بلحاظ الجانب الإعتقادي من الدين.

المورد الثاني: فقه الفروع.

لا يغني فقه الأصول عن فقه الفروع ولا فقه الفروع عن فقه الأصول، يصبح الإنسان ملم بالمعتقدات من دون أن يكون متعرفًا على الأحكام الشرعية فلا يعد متفقهًا في الدين بالمعنى الأتم فلابد أن يلم بالمعتقدات ويكون خبيرًا بالمسائل الإبتلائية التي تعرض عليه ولذلك يذكر فقهائنا بالرسائل العملية أنه يجب تعلم المسائل الإبتلائية التي يبتلي فيها الإنسان في حياته مثلًا: الطهارة، الصلاة، الصوم، المعاملات السوقية والمسائل التي تعرض على نوع عام من الناس يجب أن يتعلمها، فقد رود في الحديث الشريف: ”يوقف العبد بين يدي ربه يوم القيامة فيقال: ما عملت؟، فيقول: ما علمت، فيقال: هل تعلمت؟، ولله الحجة البالغة“، ورد في الحديث عن النبي محمد : ”إن الله كما أخذ على الجُهال أن يتعلموا أخذ على العلماء أن يعلموا“.

المورد الثالث: فقه التطبيق.

علاقة الأحكام الشرعية بموضوعاتها وموارد تطبيقاتها، فقه التطبيق منوط بباب وهو علاقة العرف بالفقه فهذا الباب مرتبط بفقه الدين من حيث تطبيق الأحكام والقوانين الشرعية على مواردها وموضوعاتها.

نتناول علاقة الفقه بالعرف خلال ثلاثة محاور:

المحورالأول: ما المقصود بالعرف؟

العرف: هو عبارة عن بناء من مجموعة عقلاء إذا تبانوا على أمر معين يسمى هذا التباني عرفًا ولذلك العرف يقسمه فقهاؤنا إلى: عرف عام، عرف خاص، عرف عقلائي، عرف شرعي، ما هو المقصود بهذه الأقسام؟

العقلاء في جميع الأزمنة والمجتمعات يقبحون كشف العورة فهم لا دخل لهم في مسألة الحرمة فهذا عرف عقلائي عام، وأحيانًا يكون العرف خاص مثلًا تعارف أهل مسقط على أن يحضر الإنسان المسجد بثوب ولا يحضر ببنطلون، أما العرف العقلائي: العقلاء من أعرافهم مثلًا الأكل باليمين وليس بالشمال، العرف الشرعي: المعروف بين المتشرعة تربية اللحية فالمتدينون عندهم عرف وهو تربية اللحية وهذا العرف لا يدل على الوجوب فعلماؤنا يقولون: ”عرف المتشرعة يدل على الرجحان ولا يدل على الوجوب“، إذا وجدنا المتشرعة تعارف لديهم تربية اللحية فهذا ليس واجب وإنما أمر راجح.

المحور الثاني: ما هي موارد الارتباط بين الفقه والعرف؟

موارد الارتباط بين الفقه والعرف هي أربعة أقسام:

القسم الأول: مرجعية العرف في فهم الدليل الوارد.

سواء كان الدليل آية أو رواية، الفقيه الجالس في الحوزة يفهم الأدلة من العرف فلا يوجد طريق لفهم الأدلة إلا العرف العربي لأن هذه الأدلة كتاب وسنة - آية واردة في القرآن أو رواية عن النبي محمد أو أهل بيته - وحتى لو آية وردت في تفسيرها رواية الفقيه لا يمكن أن يستنبط حكمًا من أي آية أو رواية ما لم يرجع إلى العرف العربي. العرف العربي هو الذي خُطب بهذه الروايات والآيات فهو حجة في تحديد مفاهيم العناوين الواردة فيهم.

مثلًا القرآن الكريم يقول: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا، ما معنى كلمة «صعيد»؟، هنا يجب أن يرجع الفقيه إلى العرف العربي ليفهم من العرب كلمة «الصعيد»، السيد الخوئي يقول: ”إن العرب يفهمون من كلمة «الصعيد» مطلق الأرض“ إذن كل ما هو أرض يجوز التيمم به مثلًا ترب الرخام الطبيعي الغير محروق هو أرض فما دام هو أرض فهو صعيد وما دام صعيد يجوز التيمم به.

إذن الفقيه هنا عندما يفتي يقول: ”يجوز التيمم بالرخام“ على أي مستند يستند؟ يستند إلى أن العرب يفهمون كلمة «الصعيد» مطلق الأرض، لو ورد عنوان الأرض مثلًا في كلام النبي محمد : ”جعلت لي الأرض مَسجدًا وطهورًا“ الأرض مَسجد يسجد عليها وطهورًا يعني يتمم بها، الفيروز أو العقيق مأخوذ من الأرض «هل يجوز السجود عليه؟». السيد الخوئي يقول: لا، صحيح هو من الأرض لكن عندنا تسألهم هذا أرض يقولون: لا هذا عقيق، فهذا الحجر أخرج من الأرض لكن بعد أن خرج لا يسمى أرضًا يسمى عقيقًا.

إذن هذا لا يجوز السجود عليه والتيمم به فهو خرج عن عنوان الأرض والصعيد بعد تصفيته وصقله.

فالفقيه يستند إلى العرف العربي في فتواه لذلك الفقهاء يختلفون في تحديد العرف العربي ففقيه يقول: العرف العربي كذا وفقيه آخر يقول كذا.

من أين يتم تحديد العرف العربي؟ كل فقيه يرجع إلى كتب اللغة العربية «القاموس، الصحاح، لسان العرب» هذه كتب تشتمل على مفردات اللغة العربية ويرجع إلى خطب العرب وأشعارهم وكلماتهم ليستوحي منها العرف العربي ليستند إليه في تحديد النص، مثلًا الوارد عن الصادق في تفسير قوله تعالى: ”فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ“، الإمام الصادق قال: الزور هو الغناء، ما معنى الغناء؟ هنا يجب أن نرجع إلى العرف العربي - ماذا يفهم من كلمة الغناء؟ - هنا الفقهاء يختلفون مثل السيد الخوئي يقول: ”العرف العربي يفهم من كلمة الغناء اللحن اللهوي وهو كل لحن يناسب مجالس الرقص والطرب والفسوق“، السيد السيستاني يقول: ”اللحن مع المضمون يعني الغناء في العرف العربي الذي كان متعارف في قصور العباسيين“ فهذا الغناء لم يقتصر على اللحن كان أيضًا مع اللحن المضمون لهوي إما غزل أو تشبيه أو كلام فحش أو كلام يثير العواطف فليس الغناء خصوص اللحن.

القسم الثاني: العرف الذي يقوم على حكم من الأحكام.

أحيانًا العرف هو بنفسه يقوم على حكم من الأحكام فيرجع إليه في الحكم الذي قام عليه «كيف؟» مثلًا عندنا كثير من الفقهاء يقولون يجب تقليد الحي الأعلم «الأعلم من أين جاءت؟» لا توجد رواية تقول: ”قلدوا الأعلم“، توجد رواية في باب القضاء ”الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقهما“ يعني إذا اختلف القاضيان يقدم القاضي الأفقه.

لماذا يقولوا الفقهاء تقليد الأعلم؟ باعتبار هناك سيرة عقلائية قامت بالرجوع إلى الأخبر في موارد الاختلاف مثلًا المريض يُذهب به للأطباء ذو الخبرة أو يسفر إلى ألمانيا، فطبيعة المجتمع العقلائي يرجع إلى الأخبر في موارد الاختلاف فيرى أن القيمة لقول الأخبر والأعرف والأدق. إذن بما أن السيرة العقلائية في موارد الإختلاف ترى أن القيمة لرأي الأخبر والأعرف كذلك إذا إختلف الفقهاء في الفتوى يتم الرجوع إلى الأعلم والأخبر منهم.

أيضًا عندنا في الفقه يقولون: ”حجية خبر ذا اليد بما تحت يديه“ مثلًا دخلت بيت شخص فقلت له: ”أين القِبلة؟“ فقال: ”القِبلة تقع في هذه الجهة“ أو تقوله له: ”أريد مصلى طاهرة لأصلي عليها“ فيعطيك المصلى الطاهرة، هل يعتمد على كلام هذا الشخص أم لا؟ يرجع من أخبر خبر تحت يديه خبره حجة، هذا من العرف لأن العرف العقلائي في كل زمان يحتج بخبر ما في اليد. إذن العرف العقلائي العام حجة إذا قام على حكم شرعي من باب عدم الردع فإذا الشرع لم يردع عنه فهو ممضى يؤخذ بكلامه ونظامه وبنائه.

القسم الثالث: العرف القائم على تحديد موضوع العقد إما توسعة أو تضييقًا.

مثال قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ من الذي يحدد لنا العقود؟

العرف إذا قال لنا هذا عقد فيجب الوفاء به وهنا نرجع إلى العرف العقلائي العام في تحديد موضوع الدليل، مثلًا الآن في زماننا هذا وجود عقود مستجدة لم تكن في أزمنة النبي والأئمة مثل عقد التأمين على الحياة، السيارة، الأبناء، الكلب الموجود في المنزل، هل يجب الوفاء به إذا أصبح بين شخصين أو بين الشركة أو البنك؟ نعم يجب الوفاء به وإن كان عقدًا جديدًا.

عندنا في الروايات يحرم لعب القمار فمن الذي يحدد أن هذه اللعبة قمار أو لا؟ العرف هنا يحدد لنا القمار من غيره فمن باب المثال: الشطرنج كان قبل 100 سنة أداة قمار الآن ربما بالنظر العالمي ليس أداة قمار فتعتبر لعبة لتنشيط ورياضة الذهن، بعض الفقهاء يروون أن الشطرنج حرام في نفسه كالسيد الخوئي بينما على رأي غيره من الفقهاء كالإمام الخميني يقول: ”الحرام هو أداة القمار“ نفترض أن النظر العالمي بأنه ليس أداة قمار هنا لا يحرم اللعب به لأنه خرج عن كونه أداة قمار ولا يشمله دليل الحرمة. لعبة «الكيرم» نفترض لم تكن أداة قمار الآن أصبحت بنظر الناس قمار فتصبح حرام. إذن العرف العام يرجع إليه في تحديد موضوعات الأدلة.

القسم الرابع: الرجوع للعرف في تحديد المصداق.

مثلًا الآن الفقهاء يقولون: ”لا يجوز التقدم على قبر المعصوم في الصلاة إذا عد هتكًا لحرمة المعصوم“ إذا عد العرف هذا هتكًا يصبح حرام، مثلًا إنسان يصلي مستديرًا قبر الحسين أو الإمام علي فهل يرى أن هذه الصلاة هتك لحرمة الإمام؟ لو كان الإمام جالس في هذا المكان وشخص تقدم أمامه واستديره بظهر وصلى هنا هل يرى العرف هتكًا لحرمة الإمام أو لا؟

إذا اعتبر العرف هذا هتكًا يقول السيد الخوئي: ”الصلاة حرام وباطلة“ ولذلك لو أن حائط حائط بينهم لا يعد هتكًا أو كان البعد 10 أمتار مثلًا فلا يعد هتكًا أيضًا. إذن الهتك يختلف تشخيصه باختلاف الموارد والحدود.

ومن جملة الموارد هي اللحن اللهوي، الفقهاء يقولون: ”اللحن اللهوي يحرم تلحينه واستماعه“ على رأي السيد الخوئي، اللحن اللهوي إلى من يرجع تحديد مصداقه؟ العرف هنا لو اختلف العرف في وجود اللحن اللهوي من عدمه وكان الاختلاف بشكل متساوي يرجع إلى الأغلب لأن المرجع هو العرف العام، إذا افترضنا أن 80% من العرف العام يقول بأن هذا اللحن اللهوي فيؤخذ به ولا يبالي ل 20%.

إذا اختلف العرف بأن اللحن لهوي أو لا؟ السيد الخوئي يقول: ”الأحوط وجوبًا تركه“ أو إذا كانت الصلاة تعد هتكًا لحرمة المعصوم أو لا؟ تجوز إذا اختلف العرف في تحديد وجود الهتك من عدمه. إذا خرج من البلد ووصل إلى حد الترخص قصد السفر وهنا اختلف العرف في تحديد نهاية مسقط مثلًا فشخص يقول: ”العزبية“ وآخر يقول: ”بعدها“ وآخر يقول: ”قبلها“ فإذا تم الخروج قبل أذان الظهر وتم الوصول إلى النقطة ولا تعلم الصلاة أو قصر فهنا تجمع بين التمام والقصر، أما إذا خرجت بعد أذان الظهر ووصلت إلى حد النقطة ولا تعلم هل تصلي تمام أو قصر فهنا تصلي تمام لأن دخل عليك الوقت وأنت في البلد.

المحور الثالث: ما هو الوجه في الاتكال على العرف؟

لماذا الفقهاء يعولون على العرف في كثير من الموارد؟ الرجوع إلى العرف لأن الدين رُبط بالإنسان الآية التي تقول: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ الدين فطري ومن المعاني لهذه الكلمة هو أن الدين منسجم مع عقل الإنسان وفطرته ولأجل هذا الإنسجام بين الدين والفطرة هناك عدة أحكام أنيطت لعقل الإنسان أن يشخصه بعقله، ولذلك أوكل الشارع لهذا العقل والفطرة تحديد كثير من المواطن والموارد في الأحكام الشرعية.

العبادة قسم جاء منها تعبدي وآخر مرتبط بعقل الإنسان وفطرته لهذا يوجد عندنا إسراف فالذي يطرق في المجالس عن الفقه يعتبر إسراف «كيف؟».

رجل الدين يدخل في الموضوعات ويحددها فهو بذلك حجب الناس عن الموضوع وينشأ من هذا الأمر مشاكل كثيرة، فهو ليست من وظيفته تحديد الموضوعات وإنما هذا التحديد بيد العقل والفقيه يلقي الأحكام والقواعد، فعقل الإنسان ليس مغلق أو مخدر.

مثلًا الشارع الشريف يحرم اللحن اللهوي فليس من حق أي شخص أن يقول: ”أن هذا اللحن لهوي لرادود فلان فلا تستمعوا له“، ليس كلام الفقيه، الشيخ، الخطيب، يفيد ولا يكون حجة على الناس فحجتهم عقلهم يرجعون إليه.

مثلًا الفقهاء عندما يقولون: ”لا يجوز التصفيق في مجالس أهل البيت إذا عد هتكًا لحرمة أهل البيت“ فإذا أتي برادود في ليلة مولد وأتى بأنشودة وصار التصفيق معه فهل هذا يعد هتكًا للحرمة أو لا؟

عرف المنطقة يحدد ذلك، أحيانًا التدخل له أثر معاكس ورد عن النبي محمد : ”إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه“.

تحديد الحكم الشرعي بمقداره لا زيادة فيه فإذا الشرع قد رخص لماذا أضيق وأوضع القيود وأمنع؟

إن السر في كثير من الأحكام التي أوكلت إلى نظر العرف هي تحريك عقل الإنسان المسلم ليشعر أن الدين ينسجم مع فطرته وعقله وكيانه.

قسم كبير من الأيات القرآنية تركز على منطق العقل: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، تحريك العقل احتج به الأئمة الطاهرون فيركزون على ان يستخدم الأغنسان عقله وفكره في تشخيص الأمور لأن يعطي الطاقة العقلية ليستخدمها ويتأمل بها الأمور.

إذن التفكير والاعتماد على العقل مما حث عليه الأئمة الأطهار ، الإمام الحسن الزكي أول إمام يعارضه جمع من شيعته لصلحه مع معاوية، فمن الذين عارضوه هم: الحجر بن عدي، قيس بن سعد، عمرو بن الحنف الخزاعي، هؤلاء وجهاء كبار مع ذلك قالوا: ”لانبياع مع معاوية ودوننا ودونه الرماح“ لكن الإمام لم يعلمهم بلغة العنف والقوة فقد قابلهم وعرض عليهم حكمته وأسباب صلحه ووصلوا إلى ما توصلوا إليه.

”يا حجر لو كان مثلك عشرة لجاهدت بالسيف قدمًا، إن الحق الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية هو حق لي تركته لإصلاح أمر هذه الأمة وحقن دمائها، إني خشيت أن يلتف المسلمون عن وجه الأرض فأردت أن يكون لين ناعي“، وصار يعرض أسباب الإصلاح: ”والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سرًا فإن أسالمه وأنا عزيز أحب إلي أن يقاتلني وأنا أسير أو يمن عليّ فتكون سبة على بني هاشم لا يجعل يمن بها معاوية وعقبه على الحي منا والميت“، وصار يعرض الأسباب المختلفة لصلحه حتى أذعنوا بعقولهم بأن الصلح ضرورة لا محيص عنها، تكاببوا على يد الإمام وطلبوا منه أن يستغفر لله لهم على خلافهم منه. الأئمة حتى مع من اختلفوا معهم طلبوا منهم تحريك العقل لكي يصلوا إلى الأمر ببصيرة وقناعة.