درس القواعد الفقهية - الدرس 6

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ذكرنا في جريان البراءة من قِبل العامّي مسلكين:

المسلك الأول: ما ذهب اليه سيدنا الخوئي «قده» من أن جريان البراءة مشروط بقيام حجة على عدم وجود إمارة على التكليف في معرض الوصول، فلا يمكن للعامّي اجراءها ما لم تقم لديه حجة على عدم وجود إمارة على التكليف كأن يخبره الفقيه بذلك. والسر في ذلك: أن دليل البراءة وان كان مطلقا ولكن مقتضى احتفاه بالمرتكز المتشرعي: ان لا براءة قبل الفحص، ومقتضى تقيده بأدلة وجوب التعلم هو ذلك، اي اختصاص مورده بأن تقوم حجة على عدم الامارة وإلا فما دامت الامارة محتملة بحيث لو فحص عنها لوصل اليها فإن دليل البراءة منصرف عن هذا الفرض اي وجود إمارة في معرض الوصول. اما بالاتركاز واما بأدلة وجوب التعلم.

المسلك الثاني: ما ذهب اليه السيد الأستاذ «دام ظله»: بأن للعامي اجراء البراءة ما لم تقم حجة على الإلزام، وان كان يحتمل وجود امارة لكنه اذا فحص ولم يجد فتوى بالالزام فله ان يجري البراءة، والوجه في ذلك:

ان الانصراف الذي ذكره سيدنا «قده» مقيد بقيد، حيث قال: إن دليل البراءة منصرف عن فرض احتمال وجود امارة على التكليف. نقول: إن هذا - دليل البراءة - منصرف عن فرض احتمال وجود امارة في حق من هو قادر على الفحص. فإذا كان المكلف قادراً على الفحص ينصرف عنه دليل البراءة مع احتمال وجود امارة. وأما اذا لم يكن المكلف قادرا على الفحص فالعامي لا ينصرف عنه دليل البراءة بمجرد وجود إمارة على التكليف في معرض الوصول، والسر في هذا القيد: ان ما قام عليه المرتكز المتشرعي من انه لا ترخيص قبل الفحص، القدر المتيقن منه هو القدرة على الفحص. كما ان دليل وجوب التعلم حيث قال: «يقال: ما عملت، فيقول: ما علمت، فقال: هلا تعلمت، ولله الحجة البالغة» ظاهر تعبير «والله الحجة البالغة» أن وجوب التعلم في مورد يقتدر فيه المكلف على التعلم، فإن ظاهر الإدانة في قوله: «ولله الحجة البالغة» أن التعلم واجب في حق من هو قادر على التعلم اي الفحص عن أمارة التكليف.

واما اذا لم يكن قادرا على التعلم اي الفحص قبل امارة التكلف، فحينئذٍ لا يكون دليل البراءة منصرفا عنه فنتمسك باطلاقه لمثل هذا المورد.

ولكن قد يقال: الحق مع المسلك الاول: والوجه في ذلك: ان هذا القيد وهو بأن نقول: ان ما قام عليه المرتكز المتشرعي ان لا براءة قبل الفحص ممن هو قادر على الفحص ا، أو أن مقتضى دليل التعلم، وجوب التعلم في حق من هو قادر على التعلم، فدليل البراءة مطلق يشمل من هو عاجز عن الفحص. نقول:

تارة يكون العجز لقصور في المورد، وتارة يكون العجز لقصور في نفس المكلف.

فإن كان العجز لقصور في المورد فدليل البراءة مطلق بالنسبة اليه، مثلاً: اذا فحص المجتهد عن الامارة وعجز لا لأجل قصوره بل لأجل قصور المورد حيث إن هذه المسألة مما تلاعب الظالمون بكتب الحديث فيها مثلا بحيث اخفيت الروايات الواردة فيها، فما ما فحصنا لم يصل الى شيء. هنا في مثل ذلك: يقول: دليل البراءة مطلق بالنسبة لهذا المكلف لأن عجزه عن الفحص لا لعجزه عن نفسه بل لقصور في المورد لا يمكن الوصول في هذا المورد الى شيء، دليل البراءة يشمله.

أما اذا كان العجز لقصور في نفسه، اي أن بإمكانه الفحص بوسيلة غيره وهو الفقيه، فلا موجب لشمول دليل البراءة له. فالعامّي وان عجز عن التعلم لكن عجز عن التعلم لقصور في نفسه لا لقصور في المورد، فهو قادر على الفحص بالنيابة، يعني بالاستعانة بالفقيه، فاذا كان كذلك فلا موجب لإطلاق دليل البراءة بالنسبة اليه بعد قيام المرتكز المتشرعي على أن لا براءة قبل الفحص أو بعد قيام دليل وجوب التعلم على وجوب التعلم في فرض احتمال وجود امارة على التكليف. ولأجل ذلك: ما لم يخبر المجتهد صراحة أو ضمنا بعدم وجود امارة على الالزام فليس للعامّي اجراء البراءة في المورد.

والحمد لله رب العالمين.