درس القواعد الفقهية - الدرس 8

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ذكرنا سابقا: هل ان مخالفة الاحتياط اللزومي موجبة للفسق أم لا؟. وذكرنا أنه استدل على ذلك: بأن الشبهة الحكمية بالنسبة للمكلف العامي من احتمال التكليف قبل الفحص، فإنه إذا وجد أنّ الفقيه احتاط وجوباً في مسالة حلق اللحية فالشبهة بالنسبة للعامّي شبهة حكمية قبل الفحص. واحتمال التكليف قبل الفحص منجز فمخالفة هذا الاحتمال بارتكاب حلق اللحية تجري والتجري محرّم فتكون مخالفة الاحتياط اللزومي موجبة للفسق.

وذكرنا ان هذا الوجه يناقش بنحوين:

النحو الاول: انكار حرمة التجري وان التجري كاشف عن خبث السريرة وليس في نفسه علما قبيحاً كي يكون محرّماً.

النحو الثاني: أنّ هذا المدعى وهو: أن تكون الشبهة بالنسبة للعامي شبهة حكمية قبل الفحص هذا ليس على إطلاقه فلابد من التفصيل، إذ تارة نقول بانه ليس للعامي اجراء الاصل الترخيصي وان لم يجد فتوى بالالزام كما هو مسلك سيدنا الخوئي.

وتارة نقول: بأن للعامي اذا لم يجد فتوى للالزام ان يجري الاصل الترخيصي كاصالة البراءة مثلاً.

فبناء على المسلك الاول: لابّد من التفصيل بين الاحتياطات، فإن الاحتياطات الصادرة من الفقيه على ثلاثة اقسام:

القسم الاول: ما يكون احتياطا صوريا، بمعنى: ان الفقيه بعد الفحص وصل الى رأي في المسالة، ولكنه لم يبرز هذا الراي تحفظا عن مخالفة المشهور، أو لم يبرز هذا الرأي لان لا يترتب عليه عنوان ثانوي، فحينئذ في مثل هذا الفرض من جهة: لا يجب على الفقيه الافتاء، وان وصل الى رأي في المسألة، ومن جهة أخرى: ان رأي الفقيه حجة على العامّي وإن لم يفت به. وهذا سبق ان نقحناه. فبملاحظة هذين الامرين: أن الفقيه من جهة لا يجب عليه الافتاء ومن جهة اخرى رأيه حجة في حق العامي وإن لم يفت به وإن لم يبرزه. فإذا اطلّع العامي على رأيه من اي طريق كان رأيه ملزماً له. وحينئذٍ ليس للعامي مجال لإجراء الاصل.

النوع الثاني من الاحتياط: هو الاحتياط مع بناء الفقيه على عدم وجود دليل على الالزام. فإذا اطلع العامي ان هذا الاحتياط الصادر من الفقيه عندما قال: الاحوط وجوبا حرمة حلق اللحية. مقترن بعدم وجود دليل على الإلزام وان لم يكن له رأي في المسالة. ففي مثل هذا الفرض يتسطيع العامي أجراء الاصل حتى على مبنى سيدنا الخوئي «قده» حيث إن جريان أصالة البراءة متفرع على الفحص وعدم وجود دليل على الإلزام. والفقيه قد نقح الموضوع للعامي حيث انه فحص ولم يجد دليلا على الالزام، فبعد تنقيح الموضوع من قبل الفقيه فللعامي في هذا الفرض اجراء الاصل.

القسم الثالث: من الاحتياط: ما إذا كان احتياطا حقيقا، بمعنى: أنّ الفقيه بعد فحصه ما زال مترددا في المسألة، ولم يصل الى مدرك لا على الجواز ولا على الإلزام بل ما زال متردداً في المسألة مع استفراغ الوسع. ففي مثل هذا الفرض - إذا احتاط الفقيه -: هنا تكون المسألة شبهة حكمية قبل الفحص بالنسبة الى العامي.

إذاً إنما يكون الاحتياط الوجوبي الصادر من الفقيه بالنسبة للعامي شبهة حكمية قبل الفحص بحيث ليس له اجراء الاصل من جهة وليس له العمل بحجة من جهة أخرى، بل يكون احتمال التكليف قبل الفحص منجزا في حقه. هذا إنما يتصور في القسم الثالث من الاحتياطات، اما في القسم فهناك حجة في حقه وهو رأي الفقيه، واما بالنسبة الى القسم الثاني فيمكن اجراء الاصل، لأن الفقيه نقّح الموضوع له.

بقي القسم الثالث: في القسم الثالث يقال: تكون المسألة بالنسبة للعامّي شبهة حكمية قبل الفحص فلا يتمكن حينئذ من اجراء البراءة.

والحمد لله رب العالمين.