درس القواعد الفقهية - الدرس 9

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

... في الاحتياط اللزومي شبهة حكمية، فإذا رأى المكلف أن الفقيه يقول: الاحوط لزوما حرمة حلق اللحية كانت مسألة حلق اللحية شبهة حكمية بالنسبة للمكلف. واحتمال الالزام في الشبهة الحكمية قبل الفحص منجز، فاذا لم يعتن المكلف بهذا الاحتمال وارتكب حلق اللحية فهو متجري، وعمل المتجري قبيح ومحرّم، بلحاظ ان التجري ظلم للمولى وتمرد عليه، فاذا كان محرما كان موجبا للفسق. وقلنا: بان هذا الاستدلال مناقش من ثلاثة وجوه: الوجه الأول: هل أن مورد الاحتياط اللزومي من احتمال التكليف قبل الفحص دائما أم لا؟. فقلنا هنا مسلكان:

المسلك الاول: من يرى ان العامي ليس من حقه اجراء الاصل الترخيصي في الشبهات الحكمية الا اذا اخبره المجتهد بأنه لم يجد دليلا على الإلزام. فبناءً على هذا المسلك:

إذا رأي العامي أن الفقيه يحتاط وجوبا ولا يعلم أن هناك دليل الزاميا ام لا؟ يتم الاستدلال باعتبار ان الشبهة حكمية واعتبار التكليف قبل الفحص في الشبهات الحكمية منجز، أما اذا اخبره الفقيه بأنه لم يجد دليلا على الإلزام في المسالة وان كان هو لا يفتي بالترخيص الا انه لم يجد دليلا على الالزام فباخبار الفقيه يتنقح موضوع جريان الاصل فيجري اصالة البراءة عن حرمة حلق اللحية، وبالتالي في مثل هذا المورد وان كان ما صدر من الفقيه احتياط لزومي لكن في مثل هذا المورد يمكن للمكلف اجراء الاصل ولا يعد مخالفة الاحتياط اللزومي تجرياً. لانه استند الى حجية شرعية.

واما على المسلك الآخر وهو مسلك السيد الاستاذ «دام ظله»: من أن العامي يمكنه اجراء الاصل الترخيصي من دون إخبار الفقيه من عدم وجود دليل إلزامي. وذلك: لان أدلة البراءة مطلقة تشمل العامي، ومن جهة اخرى ما هو الحجة في. حق العامي هو فتوى الفقيه بالإلزام، والا لا توجد فتوى بحق العامي، اذ المفروض أن الحجج الأخرى من الامارات وغيرها مما لا يمكن للعامي تشخيص حجيتها، فما هو الحجة في حقه فتوى الفقيه بالالزام، فاذا فحص فلم يجد فتوى بالالزام لا من قبل الفقيه الذي نرجع اليه ولا ملك لمن يليه، فحينئذٍ يمكنه اجراء الاصل. حتى في مورد التعارض بناء على مبنى السيد الاستاذ يمكنه العمل بالتخيير مثلا: اذا كان الفقيه الذي يرجع اليه يحتاط وجوبا، ومن بعده مختلفون، فبعضهم يفتي بالالزام، بعضهم يفتي بالترخيص، وهو لا يحرز اعلمية أحدهم على الآخرين، حينئذ في مثل هذا المورد على رأي سيدنا الخوئي «قده» وظيفته العلمية العمل بأحوط الاقوال، فليس له اجراء الاصل، ولكن على من يرى في هذا المورد وهو فرض ما اذا تعارضت الفتاوى ولم يحرز اعلمية احدهما على الآخر أن له ان يتخير. إذاً النتيجة هي النتيجة، اما ان يجري الأصل إذا لم يجد فتوى بالالزام، او يتخير اذا كانوا متعارضين في التفوى ولم يحرز أعلمية أحدهم على الآخر، والنتيجة: انه على هذا المسلك ليس متجريا.

هذا الذي من حقه ان يجري الاصل ما لم يحرز فتوى بالالزام لا تعد مخالفته بالاحتياط اللزومي تجريا، لانه مستند الى حجة شرعية.

هذه المناقشة الاولى للاستدلال.

المناقشة الثانية: ما افاده سيد المنتقى «قده»: من انه حتى لو قلنا بان المورد من موارد التجري وقلنا بان التجري قبيح مع ذلك لا يكون عمله محرما موجبا للفسق، والسر في ذلك:

اننا لا نحرز ان التجري موجب للعقوبة لاننا لا نعلم انه ما هو ملاك العقوبة في الآخرة، فقد يكون ملاك العقوبة في الآخرة خصوص من عصى، فحن لا نحرز ملاك العقوبة في الآخرة حتى نفحس هل ينطبق على المتجري ام لا ينطبق، فلعل ملاك العقوبة الاخروية يختص بالعاصين، فإذاً حتى لو سلمنا ان مخالفة الاحتياط اللزومي تجري، لأنه ليس من حق العامي ان يجري الأصل الترخيصي، وسلمنا مع السيد الخوئي ان التجري قبيح، لكننا لا نحرز حرمة التجري باعتبار ان الحرام ما استوجب استحقاق العقوبة ونحن لا نحرز ان هذا موجب لاستحقاق العقوبة لاننا لا ندري ما هو ملاك العقوبة الاخروية.

لكن هذه المناقشة غير تامة، والسر في ذلك:

أنه بعد التسليم بأن المورد مورد تجري، والتسليم بأن التجري قبيح ظلم للمولى، فحينئذٍ احرزنا استحقاقه للعقوبة ام لم نحرز، هذا امر لا دخل له بالموضوع، او لم نحرز استحقاقه للعقوبة، على اية حال مخالفة الاحتياط اللزومي ظلم للمولى وظلم المولى موجب للفسق مع غمض النظر عن كون هذا الظلم موجبا لاستحقاق العقوبة ام لم يكن موجبا، فالمناقشة في استحقاق العقوبة الاخروية لا اثر له في المسالة.

الوجه الثالث: للمناقشة: هو ما أفاده السيد الأستاذ تبعا للشيخ الاعظم «قده»: من انه: ملاك قبح التجري، - لو سلمنا ان المقام من باب التجري، يعني قلنا العامي ليس له إجراء الاصل الترخيصي في موارد الاحتياط اللزومي، قلنا العامي ليس له حق اجرا ء الاصل، اذاً مخالفته للاحتياط اللزومي تجري لانه يحتمل التكليف واحتمال التكليف قبل الفحص منجز، فهو قد خالف المنجز العقلي إذاً ما صدر منه تجري، حتى لو سلمنا الصغرى وان هذا تجري مع ذلك: لا نحرز ان التجري ظلم حتى يكون قبيحا، والمناقشة في ذلك تجري للمناقشة في سعة حق المولى عزّ وجلّ، لا شك أن لله حق الطاعة في تكاليفه الالزامية، لكن هل له حق الطاعة فيما قطع المكلف بانه من تكاليفه او احتمل المكلف من تكاليفه ولم يكن من تكاليفه واقعاً، يعني هل أن حق الطاعة يمتد الى ذلك؟ نعم حق الطاعة في تكاليفه، اما ما قطع المكلف انه من تكاليفه او ما احتمل المكلف انه من تكاليفه، وكان الاحتمال قبل الفحص، هل للمولى حق الطاعة فيه؟! هذا مما لا برهان عليه. فاذا لم يكن عليه برهان، اذاً لم نحرز ان التجري ظلم، واذا لم نحرز انه ظلم لم نحرز انه قبيح وحينئذ: فمجرد أن المكلف خالف الاحتياط اللزومي لا يعني أن هذه المخالفة موجوبة للفسق.

فبناء على هذا الراي وهو: ان التجري ليس قبيحاً، فصّل السيد الاستاذ تفصيلا آخر كما في فتاواه في مخالفة الاحتياط اللزومي، نتعرض له في الدرس الآتي.

والحمد لله رب العالمين.