الدرس 19

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

المطلب الثاني: أنه إذا بنينا على أنّ الضمان معاوضة قهرية أما عقلائية أو شرعية. فهل أنّ هذه المعاوضة تتحقق بمجرد الضمان؟ أو تتحقق بالبذل الخارجي، أي ببذل قيمة التالف؟.

وهنا تصورات ثلاثة للمسالة:

التصور الاول: أن المعاوضة تتحقق بنفس الضمان، أي أن اشتغال ذمة الغاصب بقيمة التالف هو محقق للمعاوضة بين القيمة والعين، بحيث تدخل القيمة بحيث في مال كالعين وتدخل العين في ملك الغاصب، وقد أشار لذلك المحقق الرشتي في «كتاب الغصب، ص122» الا انه بنى على أن الملكية المتحققة بالضمان هل هي ملكية فعلية؟ أم ملكية متزلزلة أم ملكية شأنية؟.

فأفاد بأنه لا يحتمل ان تكون المكلية المتحققة بنفس الضمان ملكية فعلية مستقرة، بمعنى: أن الغاصب بمجرد ان يتلف العين كما لو أخذ ماء الغير فأتلفه أو أخذ ثوب الغير فاتلفه، بمجرد الاتلاف حصلت معاوضة، دخلت العين التالفة في ملك الغاصب ودخل قيمتها في ملك مالك العين فيتحقق بنفس الضمان ملكية فعلية مستقرة، لمنافاته المرتكز العقلائي القائم على جواز تصرف المالك في العين قبل حصول البذل، فإن المالك بعد أن حصل التلف كما لو افترضنا ان الغاصب اتلف الثوب فحوله إلى قطع أو حول الكاس إلى زجاج متكسر، لا ريب عند العقلاء ان للمالك ان يتصرف في هذا الزجاج تصرف الملاك، فهذا الارتكاز العقلائي كاشف عن ان مجرد الضمان لا يعني حصول المعاوضة، صحيح أن ذمة الغاصب اشتغلت بقيمة ذلك الا ان هذا لا يعني حصول المعاوضة، بمعنى ان قيمة التالف دخل في ملك مالك الكاس والكاس دخل في ملك الضامن. هذا مخالف للمرتكز العقلائي.

إذاً يدور الامر عند المحقق الرشتي بين الملكية المتزلزلة او الملكية الشأنية. أي إما ان كلاًّ منهما ملك على الآخر ملكية متزلزلة تستقر بالبذل الخارجي، فمالك الكأس ملك على ذمة الغاصب قيمته ملكية متزلزلة والغاصب ملك على عهدة مالك الكأس نفس الكاس ملكية متزلزلة، وهذه الملكية المتزلزلة تستقر بالبذلن فمتى ما حصل بذل حصل استقرار في الملكية، فالمعاوضة على نحو الملكية المتزلزلة حصلت بنفس الضمان، وانما تكون فعلية بفعلية البذل.

والاحتمال الاخر: أن تكون الملكية شأنية، ولو على نحو التزلزل، لكن لا على نحو التفكيك بمعنى: ان نقول: ان مالك الكأس ملك على ذمة الغاصب فعلاً القيمة لكن الغاصب ملك الكاس ملكية شأنية، فإن التفكيك بين العوض والمعوض غير عقلائي، بأن نقول: ملك مالك الكأس القيمة بالفعل، لكن ما ملكه الضامن من الكأس ملكية شأنية، فإن التفكيك بينهما غير عقلائي، فإن مقتضى المعاوضة ان يكون العوض والمعوض على نسق واحد من حيث الملكية. إذاً ما ملكه مالك الكاس على ذمة الغاصب جبر الخسارة لا انه ملك البدل فعلا لا انه ملك القيمة فعلا لانه إذا ملك القيمة فعلا لابد ان يملك الآخر الكأس فعلاً، وهذا مناف للمرتكز العقلائي، فإذاً لابد أن نقول: ان ما ملكه مالك الكأس مجرد جبر الخسارة، يعني أنّ على الغاصب أن يجبر خسارته، لا انه ملك البدل بالفعل، ملك القيمة بالفعل. فإذا حصل بذل في الخارج، قام وبذل القيمة، تحولت الملكية من شأنية الى ملكية فعلية، فبواسطة البذل الخارجي ملك مالك الكاس القيمة فعلا وملك الغاصب الكأس فعلاً، والا قبل حصول البذل الخارجي كانت الملكية شأنية وما كان مملوكا بالفعل هو مجرد جبر الخسارة.

ويلاحظ على ما افاده: أنّ كليهما غير تام، لا الملكية المتزلزلة ولا الملكية الشأنية.

أما الملكية المتزلزلة: أنّ للغاصب أن يتصرف في الكاس تصرف الملاك ولو كان يملكه ملكا متزلزلا كسائر الملكيات المتزلزلة، فلو أن شخصا اشترى عينا ببيع خياري، أليس له ان يتصرف في العين ولو كان ملكيته للعين ملكية متزلزلة، أو ان الموهوب له إذا وهب عين معينة فإن مفاد الهبة ملكية متزلزلة معلقة على عدم رجوع الواهب في هبته مع ذلك يجوز للموهوب له ان يتصرف في العين الموهوبة ولو كانت ملكيته لها ملكية متزلزلة. فلو قلنا بأن الضمان مرجعه إلى معاوضة لكن على نحو الملكية المتزلزلة فلازم ذلك ان للغاصب ان يتصرف في الكاس المتلف تصرف الملاك وهو مناف للمرتكز العقلائي.

أمّا الملكية الشأنية: التي لا تتصور الا بدعوى أنّ حقيقة الضمان مرجعها إلى جبر الخسارة ليس الا. فلازم ذلك: أولا: أنّ الغاصب غير مدين لو مات، فلو مات قبل بذل القيمة فانه لا يلزم اخراج القيمة من تركته، لان ما اشتغلت به ذمته ليس المال وإنما جبر الخسارة وهذا خلاف المرتكز الفقهي من أن المتلف تشتغل ذمته ببدل ما اتلف مثلا ان كان مثلا ان كان مثليا وقيمة ان كان قيميا، لا أن ما تشتغل به ذمته مجرد أمر اعتباري وهو جبر الخسارة. ولازم ذلك ثانيا: انه إذا لم يترتب على الضمان أكثر من جبر الخسارة وأن الملكية الفعلية انما تحصل بالبذل إذاً فالضمان ليس معاوضة لان المعاوضة لا تحصل بنفس الضمان وانما تحصل المعاوضة بالبذل الخارجي وهذه عبارة أخرى بأن الضمان ليس من المعاوضات وانما المعاوضة تتحقق بالبذل الخارجي.

التصور الثاني: ما يظهر من عبارات السيد الخوئي وكذلك عبارة شيخنا الاستاذ «قده» في «إرشاد الطالب»، قال السيد الخوئي في موسوعته «ج36، ص290»: إن البدل إذا كان غرامة فدخولها - دخول هذه الغرامة - في ملك المالك لا يقتضي دخول العين في ملك الضامن، - يعني ليس فيه معاوضة -. - يريد ان يقول: بمجرد ان يتلف الغاصب العين لا يعني حصول معاوضة بل غايته ان مالك الكأس ملك الغرامة اي ملك بدل الكأس على ذمة المتلف اما ان المتلف ملك العين في المقابل فلم يحصل ذلك -، وأما إذا كان عوضا عن نفس العين، وأعطاه الضامن بعنوان ذلك - الضامن اعطاه عوض نفس العين - واعطاه الضامن بعنوان ما اخذه واستولى عليه، بمقتضى حديث «على اليد حتى تؤدي» فإن مقتضى على اليد ان يؤدي بنفس ما اخذه بيده، فلا محالة تتحقق هناك معاوضة قهرية. فظاهر كلامه «قده» أن المعاوضة ليست بنفس الضمان وانما المعاوضة بالبذل الخارجي، وأن هذه المعاوضة لا تتحقق بأي بذل بل ما إذا بذل القيمة عوضا عن نفس العين والا لا تتحقق المعاوضة بدون ذلك. وهنا يأتي تعليقان:

التعليق الاول: لا يمكن ان تتحقق المعاوضة بمجرد قصد الضامن أن يبذل العوض عن نفس العين بل لابد من تقبل المالك لذلك، إذ ما لم يتقبل المالك ان تكون القيمة عوضا عن نفس العين لا تتحقق المعاوضة بمجرد قصد الضامن، اذ لا ولاية على الضامن ان يقحم من يريد من ملك المالك بأي نحو كان ملك المالك أم لم يقبل فإن هذا مخالف على سطلنة الناس على أنفسهم، فإن مقتضى سلطنة الانسان على نفسه ان لا يدخل في ملكه مال بأي عنوان الا بقبوله ورضاه.

إذاً فما اشتغلت به ذمة الضامن هو الغرامة فقط، اي غرامة ما اتلف. فكونه في مقام البذل في غير النية، فان ما اشتغلت به ذمته هو الغرامة لا اكثر لكنه في مقام البذل يريد ان يدفع الغرامة عوض عن نفس العين، فإن هذا ليس من صلاحياته وشؤون ولاياته، بل ليس له إلا ان يؤدي ما اشتغلت به ذمته كما اشتغلت به وهو غرامة التالف لا أكثر.

ثانيا: على فرض أن الضامن بذل القيمة عوضا عن نفس العين وقبلها المالك كذلك فهذا خارج عن محل البحث، لانه تحققت معاوضة قصدية لا معاوضة قهرية، فانه إذا بذل الضامن العوض عن نفس العين قاصد وقبل المالك ان يكون كذلك فقد حصلت معاوضة قصدية، وهي صحيحة بمقتضى العمومات وهذا خارج عن محل بحثنا، فإن محل بحثنا هل أن الضمان يحقق المعاوضة قهرا، وإذا لم يحققها الضمان، هل يحقق البذل المعاوضة قهرا ومن دون قصد ام لا؟.

التصور الثالث: حيث يمكن ان يقال ان مقصود سيدنا «قده»: أن هناك مرحلتان:

المرحلة الاولى: مرحلة الضمان، وهي اشتغال ذمة الغاصب بما اتلف، وهذه المرحلة ليس فيها أي معارضة، بل مجرد ان ذمة الغاصب اشتغلت بقيمة ما اتلف لا اكثر من ذلك.

المرحلة الثانية: متى بذل الغاصب ما اشتغلب به ذمته لا بقصد المعاوضة، متى ما بذل القيمة للمالك حكم العقلاء بالمعاوضة أو حكم الشارع بالمعاوضة حكما قهريا من دون قصد، فما قصده الغاصب ليس الا بذل ما اشتغلت به ذمته الا انه بهذا البذل حكم العقلاء بالمعاوضة أو حكم الشارع بالمعاوضة تعبداً، فالمعاوضة القهرية بمعنى الحكم بالمعاوضة وان لم يتلفت ويقصد الطرفان لذلك.

فهذا التصور المناسب لكلماتهم وهو الظاهر الظاهر من عبارة السيد اليزدي «قده» في حاشتيته على بيع الشيخ الاعظم. إذاً لو بنينا على ان الضمان يستبطن معاوضة فالمقصود بها الحكم بالمعاوضة من قبل المرتكز العقلائي او من قبل الشارع بعد بذل الضامن ما اشتغلت به ذمته.

المطلب الثالث: التطبيق الصغروي، اي بعد الفراغ، وهي هل ان الضمان معاوضة ام لا، وعلى فرض انه مستبطن للمعاوضة فهل المعاوضة تتحقق بنفس الضمان ام بالبذل الخارجي، نأتي الى التطبيق الصغروي:

وهو ما إذا اخذ الغاصب الخيط فجعله ضمن ساتر العورة، او أخذ الغاصب الخشبة ووضعها في جدراه وبنى عليها، او اخذ الغاصب الحديدة ووضعها في السفينة، وركب السفينة، أن الغاصب استولى على ملك الغير واقحمه في ملكه بنحو يكون ارجاعه معرضا للتلف. فمحل الكلام صغرويا: ما إذا اقحم الغاصب ملك الغير في ملكه بحيث يكون ارجاعه في معرض التلف. فهنا في محل الكلام وهي الصغرى: توجد عدة محتملات:

المحتمل الاول: يجب على الغاصب الرد، يجب على الغاصب ان يرد ما اخذه حتى لو تلف غايته ان تلف المال المغصوب ضمنه. على اية حال يجب عليه ان يرد عليه مال الغير فإن تلف في الرد ضمنه. وقد يستدل على ذلك بالادلة العامة، والادلة الخاصة.

أمّا الادلة العامة: فهي: «إنّ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها». او: «لا يحل مال امرء مسلم الا بطيبة نفسه».

وهناك أدلة خاصة يستدل بها على وجوب الرد مطلقا:

منها: ما ورد فيمن غصب ارضا وبنى فيها، ورد: «يرفع بناءه وتسلم التربة الى صاحبها ليس لعرق ظالم حق». كما في الوسائل «ج25، كتاب الغصب، باب 3، حديث 1»

وورد ايضا: «فيمن زرع او غرس في أرض الغير يقلعه ويذهب به حيث شاء». «الوسائل، كتاب الغصب، باب 2، حيث2».

وإطلاق هذه الرواية: «المغصوب مردود» فإن مقتضى اطلاقها هو وجوب الرد على كل حال. «الوسائل، ج9، كتاب الخمس، ابواب الانفال، باب 1، حديث4».

أو ما ورد: «الحجر المغصوب في الدار رهن على خرابها».

ولكن يلاحظ على هذا المحتمل: عدم تمامية الاستدلال على بالادلة العامة ولا بالادلة الخاصة.

أمّا عدم الاستدلال بالادلة العامة: فإنها منصرفة عن فرض يكون الرد في معرض التلف، أو فقل كما ذكر السيد الامام «قده» إن هذا الرد سفهي، لأنّ في الرد اتلافا لمالين فلا يحتمل ان يوجب الشارع الرد وان اتلف مالين فان هذا الوجوب وجوب سفهي، يكفينا الانصراف ان الادلة العامة الدالة على وجوب رد المغصوب على مالكه منصرفة عن فرض يكون المغصوب في معرض التلف.

أمّا الادلة الخاصة: فقوله: «الحجر المغصوب في الدار رهن على خرابها» ليس في مقام بيان الحكم الشرعي، وانما هو إرشاد الى عدم الاستفادة وأن من غصب شيئا لم يستفيد منه شيء.

وأمّا قوله «المغصوب مردود» فهو على سياق الادلة العامة في انصرافه عن فرض يكون المغصوب فيه في معرض التلف. فبقيت الروايتان الاوليان: وهي «أن من بنى في أرض الغير، قال: يرفع بناءه، ومن زرع في ارض الغير، قال: يقلع ويذهب به حيث شاء».

ولكنها واردة في مورد تختلف عن محل كلامنا، فأن محل كلامنا اقحام المغصوب في ملك الغير، ومحل كلامنا اقحام ملك الغير في ملك الغاصب؛ فان مورد الرواية. اقحام ملك الغاصب في ملك الغير، ومحل الكلام اقحام المغصوب في ملك الغاصب، ويحتمل الفرق بينهما وهو ان كان الغاصب بالتصرف في أرض الغير ببناء او زرع فإنه لا قيمة له ويؤخذ بأشق الاحوال فعليه ان يرفع ذلك وان ادى الى تلف ماله الذي هو غصب، بخلاف ما إذا اخذ ملك الغير ووضعه في ملكه فهنا لا يجوز له الرد اذا كان في معرض تلفه، فيوجد فرق بين الموردين، لأجل ذلك قول «وجوب الرد على اية حال» غير تام.

الاحتمال الثاني: ان يقال: ان المال تالف والتالف يجوز التصرف فيه. فبلحاظ أن الخيط او الخشبة لا يمكن ردها لكون الرد في معرض التلف، إذاً هذا المال تالف فاذا كان تالفا عرفا فالتالف يجوز التصرف فيه لأنّ تلفه اما ان يخرجه عن ملك مالكه او لا أقل يخرجه عن سلطنته، إذاً متى ما اعتبرنا أنّ الخيط تالف فلازم هذا الاعتبار يجوز التصرف فيه إذاً يجوز للغاصب ان يتصرف فيه.

ولكن لازم هذا الكلام: ان الغاصب يجوز له التصرف وان لم يبذل الغرامة، لأننا إذا قلنا أن الخيط تالف والتالف يجوز التصرف فيه إذاً الغاصب يجوز له ان يصلي فيه وإن لم يبذل الغرامة لانه تالف والتالف يجوز التصرف فيه، ولم يقل احد بذلك.

والحمد لله رب العالمين.