درس القواعد الفقهية - الدرس 14

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

الكلام في قاعدة «الغرور» وهي ما عبر عنه في كلمات الفقهاء: المغرور يرجع على من غره، وقد استدل على هذه القاعدة بوجوه:

الوجه الاول: ما اشار اليه السيد الخوئي «قده» في حاشيته على مكاسب الشيخ الاعظم: من ان هذه الرواية: «المغرور يرجع على من غرّه» وإن كانت عاميّة إلا انها منجبرة بعمل الاصحاب. وإشكل عليه: بأنه لم يحرز استناد الاصحاب في مقام العمل لهذه الرواية. فلعل فتواهم برجوع المغرور للغار مستند الى الروايات الخاصة الواردة في بعض الفروع، لا الى هذه الكبرى. وحيث لم يحرز استنادهم لم يثبت الانجبار.

الوجه الثاني: رواية اسماعيل ابن جابر، «الوسائل، كتاب النكاح، ابواب العيوب والتدليس، باب 7، حيث1» سالت أبا عبد الله : «عن رجل نظر الى امرأة فاعجبته فسأل عنها، فقيل انها ابنة فلان، فأتى أباها فقال: زوجني ابنتك، فزوجه غيرها فولدت منه، فعلم بعد انها غير ابنته وأنها أمة - اي انها جارية لغير من زوجها - قال: ترد الوليدة على مواليها، والولد للرجل، - لانه وطئ شبهة - وعلى الذي زوجه قيمة ثمن الولد، - باعتبار ان الولد يعد منفعة من منافع الام، فحيث أن من زوّجه هذه الوليدة قد فوّت هذه المنفعة على مالك الوليدة فيضمن له قيمته فيضمن له قيمة الولد - يعطيه موالي الوليدة كما غرّ الرجل وخدعه». بدعوى: أنّ المستفاد من هذا الذيل: أنّ المناط في ثبوت ثمن الوليدة على من زوّجه أنه غارٌّ، فيستفاد من هذه الرواية «قاعدة الغرور».

وقد أُشكل على الاستدلال بهذه الرواية: تارة: سنداً: لأن في طريقها محمد ابن سنان. وأخرى: دلالة.

أمّا الاشكال السندي فليس تاما لثبوت وثاقة محمد ابن سنان عندنا. فيبقى الاشكال الدلالي، وهو: هل أنّ هذه الرواية تامّة الدلالة على كبرى قاعدة الغرور أم لا؟. إذ تارة يقال: إنّ هذا الذيل ليس ظاهراً في التعليل بل هو اعم من ان يكون بياناً لعلّة أو بياناً لحكمة. فلعله عندما يقال: «كما غرّ الرجل وخدعه» ان على من زوّجه واقحمه في هذه الخسارة قيمة ثمن الولد عقوبة له لانه غرّ الرجل وخدعه، فكلمة «كما غرّ الرجل وخدعه» ليست ظاهرة في بيان مناط الحكم، لعلها في بيان العقوبة والجزاء، اي جزاءً له وعقوبة على ما عمل يغرم قيمة ثمن الولد لا ان العلة هي كونه غارا حتى يتم استفادة قاعدة الغرور.

واخرى يقال: على فرض ظهور هذا الذيل في التعليل كما اصر عليه السيد الامام «ص450، ج2، كتاب البيع»: قال: [ولا يخفى أن المتفاهم عرفاً منها: ان غرور الرجل وخدعته علة للرجوع _ اي هي المناط في الرجوع اليه _ فيفهم منه: ان المغرور يرجع الى من غره وخدعه، فيستفاد منها قاعدة كلية سارية]

فيشكل على ذلك: بانه حتى لو سلمنا ظهور الذيل في التعليل فإنه لا يعني انه علة تامة لسائر الموارد، فلعل هذ الامر مخصوص بباب الزواج، اي من دلّس فوصف أمرأة لرجل فاعتمد عليه فتزوجها فوجد أنها معيبة؛ أو من زوج رجلاً امرأةً فتبين أنها معيبة واشباه ذلك فإن عليه تدارك الخسارة التي وقعت له اما خسارة المهر ان كانت المرأة حرّة، أوخسارة قيمة الولد ان كانت وليدة وامثال ذلك، فهناك قاعدة مستفادة من التعليل، الا انه لا دليل على سريان هذه القاعدة لتمام الموارد، بل لعلها خاصة بموارد الزواج، فقوله: «كما غر الرجل وخدعه»، يعني كما غرّ الرجل في الزواج وخدعه. وبالتالي فمجرد ظهور هذه الذيل في التعليل لا يعني ان هناك قاعدة عامّة. والتضمين لأجل الغرور في باب الزواج لا يستلزم التضمين لأجله في الاموال الأخر. مثلاً: لو رغّبه في شراء بضاعة فاشتراها فتبين انها كاسدة، أو قدم له طعاما ليأكله فأكله فتبين انه لغير من قدّم له، وامثال ذلك. لا ملازمة بين ثبوت الضمان في باب الزواج باعتباره عرضا وتصرفا في العرض، وبين الضمان في الاموال كي يقال بوجود الملازمة وعدم احتمال الخصوصية عرفا.

وثالثا على فرض ظهور الذيل في النظر لقاعدة الغرور، كما ذكر السيد الامام هنا: بأن الذيل ظاهر في قاعدة كلية سارية. ثم قال: والظاهر من بقاء العنوان هو موضوعيته فالغرور موجب للرجوع في الخسارات سواء كانت اتلافا أم لا، ضررا أم لا؟ الا أنّ مورد الرواية التغرير العملي، لا مجرد التغرير اللفظي والقولي، حيث إن مورد الرواية، هو «زوّجه المرأة على أنها ابنته فتبين انها أمْةٌ لغيره». فموردها تغرير عملي لا مجرد تغرير قولي، ولذلك فاستفادة كبرى كلية تشمل حتى موارد تغرير قولي، كما لو شوّقه لشراء بضاعة فاشتراها فتبين ان البضاعة كاسدة، لا احد يشتري منها، لا يستفاد حكمه من الرواية لو تمت استفادة قاعدة الغرور منها.

والحمد لله رب العالمين.