درس القواعد الفقهية - الدرس 16

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ذكرنا فيما سبق: أن السيد الامام «قده» استدل بثبوت «قاعدة الغرور» بالروايات الواردة في تضمين المدلّس. وذلك: لأن الغرور والتدليس مترادفان. ويؤكد ذلك: عطف الخديعة على الغرور في «معتبرة اسماعيل ابن جابر». والتعبير عن مورد التدليس بالغرور في خبر «دعائم الإسلام».

ولكن يلاحظ على ذلك:

أولاً: بأن عنوان التدليس اخص من عنوان الغرور، فالتدليس هو عبارة عن إخفاء العيب، والتدليس على المتزوج أو على المشتري، ولذلك يختص التدليس بموارد العلم بثبوت العين مع القيام باخفائه. وأما التغرير أو الغرور: فهو عبارة عن ايقاع الغير في الخسارة المالية سواء كان هذا الايقاع بالقول أم بالفعل. وسواء كان الموقع للغير في الخسارة المالية عالماً بوجود الخسارة اي بترتب الخسارة أو كان محتملا لترتبها ومع ذلك أوقع الغير فيها. وبالتالي فالغرور لا يختص بموارد العلم كما ذهب الى ذلك سيدنا «قده» وغيره. بل الصحيح كما افاد سيد العروة في «حاشية المكاسب» ان التغرير اعم من فرض العلم أو فرض الاحتمال، فيقال: غره اي اوقعه في الخسارة سواء كان الغار عالما أو محتملا، نعم لا يشمل العنوان لو كان معتقدا بالعدم، اما إذا كان محتملا فهو غار.

والغرور والغرر الذي فسر لغة بالخطر والخسارة المالية من وادٍ واحد ومقتضى ذلك ان الغرور هو عبارة عن ايقاع الغير في الخسارة المالية. فبما ان الغرور اعم من التدليس فلا يصح الاستدلال بروايات التدليس على ثبوت الضمان في الغرور، لكونه أعم، ومجرد أن «معتبرة اسماعيل ابن جابر» عطفت الخديعة على الغرور غايته انه في موارد التزويج يكون المورد مصداقا للعنوانين معاً، لا ان هذا قرينة على ترادفهما معاً، بحيث يصح الاستدلال بالروايات الواردة في أحدهما على الآخر.

ثانياً: الاستدلال برواية دعائم الاسلام على ان الغرور والتدليس والخديعة بمعنى واحد، خلاف مبناه حيث إنه لا يرى صحة الاستدلال بالروايات الضعيفة سندا على تحديد المعنى وان كان شيخنا الاستاذ «قده» يرى ذلك. فهناك ثلاثة مباني في هذه الجهة: وهي إذا كانت الرواية ضعيفة سنداً لا يمكن ان يستنبط منها حكم شرعي، هل يصح الاستدلال بها على تحديد معنى اللفظ أم لا؟.

فقد يقال: بأن مقتضى ضعف سندها عدم حجيتها في اي أثر من الآثار كما هو مسلك سيدنا «قده».

وقد يقال: كما عن شيخنا الاستاذ: بأن هذه الرواية وان كانت ضعيفة سنداً الا ان ورودها في ذلك الزمن يصلح ان يكون قرينة على ما هو المنصرف من معنى اللفظ في ذلك الزمن، اي زمن ورود الرواية ونقلها وإن كان هي ضعيفة سندا الا انها تنقل أمراً وهو ان المعنى في هذا اللفظ هو كذا في ذلك الزمن.

أو انه لابد من التفصيل في البين لا ان كل رواية ضعيفة سندا وردت في كل زمن تكون قرينة على تحديد المعنى. وهذا ما يأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين.