الدرس 48

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

وصل الكلام إلى أنه: هل تشمل المانعية ما خرج عن ما لم تكن له نفس سائلة أم لا؟.

كما أنه إذا كان جلد الساتر من الحيتان، فحينئذ هل تصح الصلاة فيه مع انه متخذ مما ليس له نفس سائلة أم لا؟. فذكرنا: ان الصحيح وفاقاً للسيد الحكيم «قده» في المستمسك هو عدم شمول المانعية مما يتخذ مما ليست له نفس سائلة، وذلك لأن الاطلاق المذكور في صدر موثقة ابن بكير محفوف بما يصلح على القرينية على خلافه وهو ما ذكره في الذيل من قوله: «ذكّاه الذابح أم لم يذكه»، فإذا لم يحرز الاطلاق فلا دليل على مانعية ما لا يؤكل لحمه مما ليس له نفس سائلة، فتجري البراءة عن المانعية.

ولكن المحقق النائيني «قده» في كتاب «الصلاة، ج1، ص142»: استدل على شمول المانعية لما ليست له نفس سائلة بوجهين:

الوجه الاول: قال ان صدر موثقة ابن بكير كالنص في شمول المانعية لما ليست له نفس سائلة، وعبارته:

بل صدر موثقة ابن بكير حيث ذكر فيها الروث ونحوه كالبول والألبان كالنص على خلافه. _يعني كالنص على خلاف دعوى الضيق وانه كالنص على العموم_ ولا ندري ما هو وجه النصوصية، فإن مجرد ذكر الروث أو الألبان، غاية ما في الباب أنها نص في شمول المانعية لما ليس لباسا، بحيث لو صلى وعلى ثوبه شيء من الروث أو البول لكان مانعاً من صحة الصلاة، أما شمول هذا التعبير لما ليست له نفس سائلة إنما هو بالإطلاق. أي أن روث ما لا يؤكل لحمه مانعا سواء كان هذا الروث من حيوان ذي حيوان من حيوان لا نفس له، فشموله في محل البحث وهو ما ليس له نفس سائلة بالإطلاق لا بالنصوصية. وحيث انه بالإطلاق يأتي فيه ما ذكره سيد المستمسك «قده» من ان احتفافه بما يصلح للقرينة عليه وهو قول الامام ع في الذيل: «ذكاه الذابح أم لم يذكه» اختصاصه بما له نفس سائلة مانع من احراز الاطلاق في صدر الموثقة.

لكن «الميرزا النائيني» في ذيل هذه الصفحة: قال: فإن قلت: قوله في ذيل في موثق ابن بكير «ذكّاه الذابح أم لم يذكّه» يدل على اختصاص المنع بذي النفس السائلة _وانه هو المقسم لما يجوز لبسه وما لا يجوز لبسه في الصلاة_، وذلك لعدم وقوع الذبح على غير ذي النفس، _فالسمك لا يذبح وإنما ذكاته خروجه من الماء حيّاً_. قلت: لو سلّم اختصاص التذكية بالذبح فالتعبير بالذابح لعله لغلبة الابتلاء بما يذبح لا انه قيد احترازي، انما قال ذكاه الذابح أم لم يذكه لا يريد تخصيص المانعية بما يذبح، وانما الجلد المبتلى به عادة جلد ما يذبح لذلك قال ذكاه الذابح أم لم يذكه لقلة الابتلاء بجلد التمساح أو بجلد سمك القرش وما أشبه ذلك.

فقوله «ذكاه الذابح أم لم يذكه» بلحاظ غلبة الابتلاء لا بلحاظ انه قيد احترازي. وهذا يكفي أي يكفينا ان نحتمل عرفا ان هذا القيد انما ورد من باب الغلبة لا من باب الاحتراز، فلا دلالة فيه «في هذا القيد» على الجواز في غير المأكول الذي لا تقع عليه الذكاة.

ويلاحظ ما افيد:

ليس المدعى هو قرينية الذيل وإنما المدعى مانعية الذي من احراز الإطلاق، ففرق بين المطلبين، أي فرق بين دعوى القرينية على المراد وبين دعوى المانعية من إحراز الاطلاق. كما ذكرنا هذا البحث في الأصول في مانعية القدر المتيقن في مقام التخاطب، وقلنا بأن مدعى صاحب الكفاية الذي لم يقبل منه جملة من الاعلام ليس هو القرينية، أي ان صاحب الكفاية لا يدعي ان القدر المتيقن في مقام التخاطب قرينة على ما هو المراد، وإنما يقول: وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب مانع من احراز الاطلاق لا أنه قرينة تحدد لنا ما هو المراد الجدي من الكلام. وكذلك الأمر في المقام. فما يذكره صاحب هذا الوجه سواء كان هو سيد المستمسك أو من قبله: ان احتفاف صدر الموثقة بهذا التعبير الوارد في ذيلها وهو قوله: «ذكاه الذابح أم لم يذكه» مانع من احراز الاطلاق لا انه قرينة على تحديد المراد.

والوجه في ذلك: ان قرينية الجملة اللفظية أو قرينية السياق منوطة بالظهور في الاختصاص، أي إذا كان قوله «ذكاه الذابح أم لم يذكه» ظاهرا في الاحترازية كان قرينة، فإن القرينية منوطة بالظهور. فلو كان ظاهراً في الاحترازية لكان قرينة على تحديد المراد.

واما المانعية فلا تدور مدار الظهور بل تدور مدار احتمال أن يتكأ المتكلم عليه كمانع من إحراز كلامه أو إطلاق كلامه. فإذا جرى بين الامام ع وبين المخاطب كلام وكان هناك قدر متيقن بينهما بحيث يكون أمراً متلفتا اليه كما لو قال الامام ع: يحرم لبس الذهب. وكان القدر المتيقن في مقام التخاطب بين الامام وبين المخاطب هو الذهب الاصفر. فنقول: صحيح انه لا يوجد ما هو ظاهر في القرينية، ولكن بما اننا نحتمل عرفا ان الامام اتكأ على هذا القدر المتيقن كمانع من استفادة الاطلاق من كلامه، ما دمنا نحتمل ذلك إذاً لا يحرز الاطلاق. كذلك الأمر في المقام فإن صدر الموثقة يقول: «ان الصلاة في وبر كل شيء حرام اكله فالصلاة في وبره وشعره وروثه وبوله وألبانه وكل شيء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة».

هذا مطلق قال حرام اكله ولم يحدد انه مما له نفس سائلة، ولكن قوله في الذيل: «وان كان غير ذلك مما قد نهيت عن اكله وحرم عليك اكله فالصلاة في كل شيء منه فاسد ذكّاه الذابح أم لم يذّكه».

مما نحتمل عرفا الاتكاء عليه كمانع من احراز إطلاق صدر الموثقة وبذلك لا يحرز الاطلاق.

إذاً ما هو المدعى وهو الفرق بين الموردين: احتفاف الكلام بما يمنع من احراز اطلاقه أو احتفاف الكلام بما يمنع من احراز اطلاقه. أو احتفاف الكلام بما هو قرينة على تقييده، الفرق بينهما بما ذكر.

الوجه الثاني: قال المحقق النائيني: انما ورد في جواز الصلاة في الخز حيث ان استثنائه بالخصوص من الحيوانات البحرية «لان الخز من الحيوانات البحرية والروايات لم تستثني الحيوانات البحرية وانما استثنت خصوص الخز من الحيوانات البحرية» هذا دال بالدلالة الالتزامية العرفية على عموم المنع لما ليس له نفس سائلة. إذ لو كان ما ليس له نفس سائلة غير مشمول للمانعية لكان الاستثناء لكل ما في البحر ولا ينصب الاستثناء على خصوص الخز، فاستثناء خصوص الخز دال على ان ما ليس له نفس سائلة داخل ضمن المانعية.

قال: ونقل الشهيد الثاني بأن الحيوانات المائية كلها مما لا نفس لها الا التمساح. ولو كان المنع مختصّاً بذي النفس لما كان الاختصاص الاستثنائي بالخز وجه، بل كان ينبغي حينئذٍ تعميم الجواز بالنسبة إلى كل ما يؤخذ من البحر.

المحقق النائيني يقول: الايراد على الشهيد الثاني بأن الظاهر لم يستند في النقل على الروايات وانما نقله عن علماء علم الحيوان ولا حجية في نقلهم.

مدفوع، بأن تشخيص ذي النفس عمّا لا نفس له ليس من وظيفة الشارع حتى يرجع إلى الروايات. بل إنما وظيفته بيان الحكم، والتشخيص إنما هو وظيفة العرف ولا اشكال في حصول الاعتماد على اقوال الماهرين في فن علم الحيوان ويكون قولهم حجة في ذلك. فهل هذا الكلام تام من قبل المحقق النائيني أم لا؟

فنقول: عند مراجعة الروايات الشريفة، يظهر لنا أولاً: بأن الامام لم يستثني بعنوانه، وإنما الروايات المتعرضة لتجويز الصلاة في الخز كلها أجوبة على السؤال عن الخز لا أن الإمام استثنى الخز بعنوانه كي يقال بأن استثناء الخز بعنوانه دال على ان ما ليس له نفس سائلة مما تشمله المانعية.

الروايات: «الوسائل، ج 4، ص359، باب 8 و9 و10، من أبواب لباس المصلى»:

هذه الروايات على طوائف ثلاث:

الطائفة الأولى: الحديث الأول: ما ورد ذكر الخز في كلام الراوي أو كان جواباً للإمام ع: «حديث 1، باب 8»: معتبرة سليمان الجعفري قال: رأيت الرضا يصلي في جبة خز.

الحديث الثاني: معتبرة علي ابن مهزيار قال: رأيت ابا جعفر الثاني يصلي الفريضة وغيرها في جبة خز قاروني وكساني جبة خز».

الحديث الثالث: صحيحة زرارة، قال: خرج أبو جعفر _الباقر_: يصلي على بعض أطفالهم _أطفال بني هاشم من الموتى_ وعليه جبة خز صفراء ومطرف خز أصفر.

الحديث الرابع: رواية معمّر ابن خلاب، الحديث الخامس من الباب قال: سالت أبا الحسين الرضا عن الصلاة في الخز، فقال: صل.

فهذه الروايات ليس فيها شاهد على ان الامام استثنى الخز بعنوانه كي يقال: بأن هذا الاستثناء له مدول التزامي عرفي على دخول ما ليس له نفس سائلة في المانعية.

وربما يقال ما وجه السؤال عن الخز بنفسه؟

من المحتمل ان وجه السؤال من ظهر من الروايات من توهم الرواة انه من السباع، فلذلك موضعاً للسؤال. فلاحظ: «الحديث 4من الباب 10»: رواية جعفر ابن عيسى، قال: «كتبت إلى ابي الحسن الرضا اساله عن الدواب التي يعمل الخز من وبرها أسباع هي؟! _فكأن المرتكز في ذهنه ان المرتكز في ذهنه ان السباع ممنوع فيسأل هل أن الخز من السباع أم لا؟ _ فكتب ع: لبس الخز الحسين بن علي ومن بعده جده _جعفر الصادق_».

الطائفة الثانية: ما دلَّ على المنع من الصلاة في الخز إذا كان مشوبا بما لا تصح الصلاة فيه. كرواية ايوب بن نوح: «الحديث 1 الباب 9» رفعه، قال: قال أبو عبد الله ع: الصلاة في الخز الخالص فلا باس به، فأما الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك مما يشبه هذا فلا تصلي فيه».

فتعرض الامام للخز لا لأن للخز موضوعية بل لبيان الفرق بين الخز المشوب بين الوبر الذي ما لاتحل الصلاة فيه وبين ما هو خالص.

الطائفة الثالثة: ما كان ظاهره أن علة الجواز ان الخز يعيش في الماء.

«الحديث 4، الباب 8»: معتبرة ابن أبي يعفور: كنت عند ابي عبد الله إذ دخل عليه رجل من الخزّازين فقال له: جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال: لا بأس في الصلاة فيه، فقال له الرجل: جعلت فداك أنه ميت وهو علاجي وانا اعرفه!، فقال له ابو عبد الله : أنا اعرف به منك، فقال له الرجل: انه علاجي وليس أحد أعرف بن مني، فتبسم أبو عبد الله ع وقال له: أتقول: انه دابة تخرج من الماء؟ أو تصاد من الماء فتخرج فإذا فقد الماء مات؟، فقال الرجل: صدقت جعلت فداك هكذا هو. فقال أبو عبد الله ع: فإنك تقول: انه دابة تمشي على أربع وليس هو في حدّ الحيتان فتكون ذكاته خروجه من الماء؟! فقال الرجل: أي والله هكذا اقول، فقال له أبو عبد الله ع: فإن الله تعالى أحله وجعل ذكاته موته، كما أحل الحيتان وجعل ذكاته موتها» _اي بخروجها عن الماء_.

وظاهر هذه الرواية: ان علة الجواز انه كالحيتان، فلا خصوصية للخز كي يقال بأن المستثنى من البحر حيوان الخز والباقي داخل ضمن المانعية.

ويؤكد مفاد هذه الرواية: صحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج «الحديث 1، باب 10»: قال: سأل أبا عبد الله ع رجل وأنا عند عن جلود الخز، فقال ليس بها بأس، فقال الرجل: جعلت فداك إنها علاجي، وإنما هي كلاب تخرج من الماء، فقال ابو عبد الله ع: إذا خرجت من الماء تعيش خارجه؟ فقال الرجل: لا، فقال: ليس به بأس.

وظاهر الرواية: ان عدم البأس لأنه ممن يعيش في الماء فذكاته ذكاة الحيتان. وبالتالي حتى لو لم تكن له نفس سائلة فاستثنائه لا يدل على ان حيوانات البحر داخلة ضمن المانعية كما افاد المحقق النائيني «قده».

والحمد لله رب العالمين