الدرس 50

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

كان الكلام في ان المانعية هل تشمل ما ليس له لحم كالبق والقمّل ونحوهما، وقد ذكر المحقق النائيني في كتاب «الصلاة» بعدم الشمول مستدلاً بعدة وجوه، وذكرنا أن الوجه الثاني هو عبارة عن قصور المقتضي، اي قصور دليل المانعية عن الشمول لما ليس له لحم، وقد مرَّ ذلك.

الوجه الثالث: على فرض ان دليل المانعية مطلق ويشمل كل ما حرم اكله، سواء كان مما له لحم أم لا؟ فهل هناك مخصص لهذا الدليل أم لا؟ فذكر أن المخصص لهذا الدليل مجموعة روايات:

منها: ما رود في دم البرغوث: كرواية الحلبي، قال: «سألت ابا عبد الله - ع - عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه؟ قال: لا وان كثر».

ومنها: موثقة عبد الله ابن يعفور: قال: «قلت لأبي عبد الله - ع - ما تقول في دم البراغيث؟ قال: ليس به بأس. قلت انه يكثر ويتفاحش، قال: وان كثر». فيقول سيدنا «قده» بأن هذا التعقيب من قبل الراوي حيث انه قال: «ويكثر ويتفاحش»، ظاهر في النظر على حال الصلاة، لا أنه يسأل عن أصل الموضوع من حيث النجاسة والطهارة، وإنما يسأل عن حال الصلاة، وإلا لو لم يكن ناظرا لحال الصلاة لم يكن وجه للسؤال الثاني «إنه يكثر ويتفاحش». فهذا ناظر الى انه تخيل ان الدم «دم البراغيث» معفو عنه إذا كان اقل من الدرهم، فهل يشمل العفو ما إذا كان أكثر من الدرهم بأن كثر وتفاحش أم لا؟ فأجاب - ع - بانه حتى مع كثرته بانه لا مانعية فيه.

إذاً مقتضى هاتين الروايتين لا يمنع من صحة الصلاة فيه وإن ان مما لا يؤكل. وحيث لا يحتمل عرفا خصوصية للبرغوث في مقابل البق والقمل والنمل وأشباه ذلك، فحيث لا يحتمل خصوصية له اذن مقتضى هذه الروايات مقتضى تخصيص موثق «ابن بكير» الدال على مانعية ما لا يؤكل لحمه بأن يقيد بما إذا كان ذلك مما له لحم، واما اذا كان مما لا لحم له فلا يشمله دليل المانعية بمقتضى التقييد بهذه النصوص.

فإذا شككنا في أن هذه النصوص خاصة أم عامة، بأن احتمل العرف ان هناك خصوصية لهذا النوع من الحيوانات، فحينئذٍ نصل الى:

الوجه الرابع: بأن يقال: إن «موثق أبن بكير» وإن كان مطلقاً في نفسه ودالاً على مانعية مما يؤكل سواء كان له لحم أم لا؟ إلا ان السيرة قائمة على عدم اجتناب ما لا لحم له، حيث افاد المحقق النائيني «قده» قال: مضافاً الى السيرة القطعية في الصلاة مع القمّل ونحوه من هوام البدن، بحيث لم يسمع المنع من احد، ولو لم يكن الاجتناب حرجاً «يعني قامت السيرة على الصلاة حتى مع عدم الحرج في تجنبه» فضلاً عما يلزم منه الحرج فمقتضى هذه السيرة تخصيص اطلاق موثق ابن بكير.

ولكن حيث ان السيرة دليل لبي فالقدر المتيقن منه مورد الحرج النوعي وان لم يكن هناك اختصاصا بالحرج الشخصي، باعتبار ان كثيرا من العرب والبدو يعيشون في البادية وتوفر الماء قليل، فتجنب هوام البدن مثل القمّل والنمل والبق فيه حرج نوعي وإن لم يكن فيه حرج على شخص مكلف معين، فلعله بلحاظ الحرج النوعي كان معفواً عنه أو قامت السيرة على الصلاة فيه، فلا يحرز شمول ذلك لفرض ما اذا كان تجنب هوام البدن مما لا حرج فيه لا شخصا ولا نوعاً، وبالتالي فيقتصر في الخروج عن اطلاق موثق ابن بكير على هذا القدر المتيقن.

والصحيح عندنا: هو قصور المقتضي، اي أننا من الأساس لا نرى في «موثق ابن بكير» إطلاقاً بحيث يشمل ما لا لحم له.

المطلب الآخر: هل ان المانعية «مانعية ما لا يؤكل لحمه» تشمل فضلات الانسان أم لا؟ حيث ان الانسان مما لا يؤكل لحمه، فهل يشمل دليل المانعية شعر الإنسان أو لحمه أو فضلاته مثلاً كعرقه كريقه وأشباهه أم لا؟.

وهنا مطالب اربعة:

المطلب الاول: هل ان دليل المانعية في نفسه له اطلاق؟، هل ان موثق ابن بكير في نفسه له إطلاق؟ يشمل شعر الإنسان وفضلاته؟ أم ليس له إطلاق؟.

وقد افاد الاعلام ومنهم سيدنا «قده» انه لا اطلاق في نفسه، انه قاصر عن الشمول في نفسه كما ذكره في «الموسوعة، ج12، ص179» قال: لقصور المقتضي وعدم ثبوت الاطلاق في الموثق، «موثق ابن بكير» لانصراف عنوان ما لا يؤكل عن الإنسان جزماً _جزماً مقابل النائيني فهو شكك في الانصراف كما في كتاب الصلاة_ إذ المنسبق منه «عنوان ما لا يؤكل أو حرام اكله» الى الذيل ما يكون اكله متعارفاً بحيث يكون محللاً ومحرّماً إلا انه حلّ له الشارع أو حرّمه الشارع، ومن الواضح ان اكل لحم الانسان ليس متعارفا فهو خارج عن المقسم من الاصل.

وإن شئت فقل: عنوان ما لا يؤكل يتضمن النهي عن الاكل، يعني لا تصلي عما نهيت عن اكله. وهذا يقتضي وجود آكل ومأكول، والمخاطب بالنهي هو الإنسان، فبما ا لمخاطب بالنهي هو الانسان فالدليل ظاهر في نهي الانسان عما يكون الانسان آكلاً له بطبعه، اي لو خلي الانسان وطبعه لأكله، فلذلك نهي عن اكله ولذلك دلّ الموثق على مانعيته من صحة الصلاة، وحيث ان الانسان نفسه ليس مأكولاً له بحسب طبعه، إذاً فهو خارج عن متعلق النهي والمانعية في موثق ابن بكير. وهذا الكلام عرفي متين.

إذاً بالنتيجة: اصل الموثق لا يشمل مثل شعر الانسان وفضلاته، إما لانصراف عنوان ما لا يؤكل عنه أو لا اقل لاحتفافه بما يصلح للقرينية وهو قوله: «ذكّاه الذابح أم لم يذكّه»، ومن الواضح أن لحم الإنسان مما لا يقع تحت التذكية حتى يقال «ذكاه الذابح أم لم يذكه».

المطلب الثاني: على فرض عموم الموثق للإنسان، فهل يمكن الخروج عن هذا العموم ببعض النصوص التي تعرض لها سيد المستمسك «قده» في «ج5، ص314»؟. قال: قد يدعى الخروج، وذلك للخبر الوارد عن البزاق «البصاق» يصيب الثوب، قال - ع -: لا بأس به.

وبموثق الساباطي: «لا بأس ان تحمل المرأة صبيّها وهي تصلي أو ترضعه وهي تتشهد» _مع ان اللبن يخرج منها ومقتضى العادة ان يكون على جزء من بدنها.

وبالخبر: عن الرجل يسقط سنه فيأخذ سن إنسان ميت فيجعله مكانه، فقال: لا بأس.

وبالخبر الآخر: عن القرامل التي تضعها النساء في رؤوسهن يصلنه بشعورهن، فقال: لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها.

فهذه النصوص هل يصح تخصيص الموثق بها، بأن نقول الموثق عام حتى للإنسان، ولكن دلت النصوص على استثناء بصاقه ولبنه وسنه وشعره وأشباه ذلك؟.

أم أنه يقال: ان هذه النصوص اما ليست في مقام البيان من جهة صحة الصلاة وعدمها، بل هي في مقام بيان جهة الحكم التكليفي وهو اصل وصل شعر المرأة بشعر غيرها، لذلك قال: «لا بأس بما تزينت به لزوجها». فهو ناظر للحكم التكليفي وليس في مقام البيان من جهة الصلاة.

وكذلك قوله: «عن الرجل يسقط سنه فيجعل سن إنسان ميت في مكانه» لعل السؤال عن اصل الحكم التكليفي وهو جعل سن الميت في الفم. فإذاً الروايات ليست في مقام البيان من هذه الجهة.

وعلى فرض انها في مقام البيان من هذه الجهة فهل يمكن التفريق بين البصاق وبين مثل الشعر؟ فيقال: البصاق ونحوه مما جرت السيرة على الابتلاء به وكونه على الثياب معفو، هذا لا يدل على العفو عن كل ما للإنسان مما لم تجر السيرة على التصاق البدن أو الثوب به. إذاً اذا لم يتم الخروج بالنصوص تصل النوبة إلى:

المطلب الثالث: السيرة، قد يقال بأن السيرة جرت على ذلك، بل يمكن تصوير السيرة بدليل خامس الذي يعبر عنه السيد الخوئي ب «لو كان لبان» أي لو كان شعر الانسان أو ظفره أو سنه أو فضلاته مانعاً من صحة الانسان مع ابتلاء الانسان بذلك يومياً لبان، وحيث انه لم يبن في رواية ولو رواية خاصة، يحصل لنا الوثوق، فإن هذا الدليل الخامس الذي ذكره سيدنا «قده» مرجعه الى دليل عقلائي، ان كل مورد يكون محلاً للابتلاء فمقتضى كونه محلاً للابتلاء ورود سؤال وجواب عنه، فإذا لم يرد سؤال ولا جواب عنه كان ذلك موجباً لعدم ضائريته ومانعيته.

المطلب الرابع: على فرض ان الموثق لا يشمل مثل الشعر أو الظفر أو البصاق أو نحو ذلك، لكن لو افترضنا ان الانسان اتخذ لباسا من شعره، كل الساتر من شعر الانسان، فهل يصدق عليه ان صلى في ما لا يؤكل لحمه أم لا؟.

استشكل سيد العروة في ذلك، وابان وجه الإشكال سيدنا «قده» قال:

بناءً على ان الموثق عام، وأن المخرج عن عموم الموثق هو السيرة فالسيرة دليل لبّيٌ يقتصر فيه على القدر المتيقن منه والقدر المتيقن منه ان يقتصر على شعرة أو شعرتين أو اكثر، أما أن يكون الساتر مؤلفا من شعر الإنسان فهذا مما لا تقوم السيرة على الابتلاء به. وبالتالي يبقى على عموم الموثق وهو مانعية ما لا يؤكل لحمه بناء على شموله للإنسان.

يأتي الكلام غداً إن شاء الله حول أصل المانعية، وهي: هل تشمل كل ما لا يؤكل أو تختص بالثعالب؟.

حيث ذهب جمع باختصاصها بالثعالب، ومنهم السيد الأستاذ «دام ظله» بحث هذه المسألة وبنى على أن المانعية تختص بجلد الثعلب أو شعره أو وبره وأما ما سواه وان كان مما لا يؤكل لحمه فتصح الصلاة فيه.

والحمد لله رب العالمين.