الدرس 66

انحلال العلم الإجمالي

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

وصل الكلام الى ما أفاده المحقق الهمداني «قده» في «ج4، فوئد الاصول، ص81» وتبعه سيد المنتقى «قده» في «ج5، ص168». ومحصّل هذا الطريق لإثبات العلم الاجمالي وعدم منجزيته في الملاقي:

بأنه يكفي في الانحلال سبق المعلوم زماناً او رتبة، فهذا الطريق الذي ذكره المحقق النائيني جمع بين كلام الدراسات من ان المدار على المعلوم وبين كلام الشيخ الاعظم من ان السبق الرتبي مؤثر على المنجزية. ولاجل بيان هذا المطلب اذكر امورا ثلاثة تعرض لها المحقق النائيني «قده»:

الامر الاول: افاد «قده»: أنّ المنجزية ثبتت للعلم بما هو كاشف لا للعلم بما هو صفة نفسانية، وبما ان المنجزية اثر للعلم بما هو كاشف فالمدار على المنكشف لا على الكاشف. فلابد أن نلاحظ المعلوم لا نفس العلم، فهل المعلوم في العلم الاول متحد مع المعلوم بالعلم الثاني زمانا او رتبة ام لا؟

فان كان المعلوم في العلم الاول والعلم الثاني متحدا زمانا ورتبة كان العلمان منجزين، وأما اذا افترضنا ان المعلوم في العلم الاول سابق زمانا او رتبة على المعلوم بالعلم الثاني لم يكن العلم الثاني منجزاً، مثلاً: اذا علمنا اجمالا اما بنجاسة الاناء الابيض او نجاسة الابيض الاسود وعلمنا اجمالاً بنجاسة الاسود بنجاسة أخرى بقطرة دم اخرى، او نجاسة الاحمر وكانت القطرتان متحدتين زمانا، فلا يوجد بينهما لا سبق زماني ولا سبق رتبي، حيث إن احدى القطرتين غير الاخرى حينئذ يمكن ان يقال بمنجزية كلام العلمين، واما اذا افترضنا ان المعلوم باحد العلمين سابق زمانا على المعلوم بالعلم الثاني فلا يكون العلم الثاني منجزا، مثلا: اذا علمنا بوقوع قطرة دم اما في الاناء الابيض او في الاناء الازرق الساعة الثامنة ثم بعد ذلك علمنا بوقوع قطرة دم اخرى اما في الاناء الازرق او الاناء الاحمر الساعة السابعة، فالعلم الثاني متأخر زمانا عن العلم الاول لكن المعلوم بالعلم الثاني سابق زمانا على المعلوم بالعلم الاول، فالمدار هنا على المعلوم لا على العلم، بما ان المعلوم بالعلم الثاني سابق زمانا على المعلوم بالعلم الاول، حيث علمنا الآن بأن هناك قطرة دم إما في الازرق او في الاحمر منذ السابعة فالعلم الثاني حل الاول، يعني حله عن المنجزية، لاننا بالنتيجة نعلم بنجاسة اما في الازرق او في الاحمر وما علمنا به وهو وقوع نجاسة في الابيض او في الازرق لعلها وقعت في الازرق الذي كانت فيه نجاسة في الساعة السابعة، فعلى فرض احتمال ان القطرة الواقعة الساعة الثامنة وقعت فيما وقعت فيه القطرة الساعة السابعة وهو الاناء المشترك بينهما الا وهو الاناء الازرق، اذن لا يوجد لدينا بلحاظ العلم الاول وهو العلم بنجاسة الابيض او الازرق لا يوجد لدينا علم بتكليف حادث، يعني لا نحرز انه علم بتكلف حادث، إذ نحتمل ان النجاسة بين الابيض والازرق وقعت في الازرق الذي وقعت فيه النجاسة من الساعة السابعة، فلا يكون هذا العلم علما بتكليف حادث فبما انه ليس علما بتكليف حادث إذن تجري البراءة عن وجوب اجتنابه او فقل تجري اصالة الطهارة فيه بلا معارض، اذن تجري اصالة الطهارة في الابيض بلا معارض.

فالسر عند المحقق النائيني: انه متى ما كان المعلوم سابقا زمانا لم يكن المعلوم الثاني علما بتكليف حادث مع غمض النظر عن العلمين متعاصران متفاوتان؟! المدار على المعلوم، وهو في هذه النقطة يعني مسألة «المدار على المعلوم من حيث السبق والاتحاد» الدراسات وافقه.

الأمر الثاني: مثلنا في الامر الاول للسبق الزماني للمعلوم، ونمثل في الامر الثاني بالسبق الرتبي للمعلوم:

افاد «قده»: جميع موارد الملاقاة هي من السبق الرتبي، جميع موارد احد ملاقي طرفي الشبهة المحصورة هو من السبق الرتبي، فاذا علمنا اجمالا اما بنجاسة الابيض او الازرق ولاقى الثوب الاناء الابيض، لا محالة النجاسة المعلومة الان جديدة وهي اما نجاسة الثوب او الازرق، هذه النجاسة المعلومة سبقتها نجاسة رتبة وإن لم تسبقها زماناً، بمعنى انه بعد ان لاقى الثوب الاناء الابيض وحصل علم اجمالي بنجاسة الابيض او الازرق نقول: إن كانت النجاسة في الازرق فهو طاهر، وان كانت النجاسة في الابيض فقد سبقت رتبة. فالسابق رتبة الملاقى دون الملاقي، فالمعلوم هنا سابق رتبة، فهنا المحقق النائيني اتحد مع الشيخ الاعظم، حيث إن المباني كما قلنا، افاد «قده»: بأن المدار على السبق الرتبي للمعلوم، وبما ان النجاسة في الملاقي متأخرة دائما رتبة عن الملاقى اذن النجاسة غير متنجزة في الملاقي، لان المفروض ان نقول: إن كانت النجاسة في الازرق، فهذا الملاقي طاهر، وان لم تكن النجاسة في الازرق فقد تنجزت في رتبة سابقة حيث إنها في الملاقى، ونجاسة الملاقى متقدمة رتبة على نجاسة الملاقي، إذن هذه النجاسة اما في طرف اجنبي او انها تنجزت في رتبة سابقة فلا يكون العلم اما بنجاسة الثوب او نجاسة الازرق علما بتكليف حادث، لانه على اية حالة هذا التكليف إما في طرف اجنبي او تجز في رتبة سابقة، فيجري اصالة الطهارة في الملاقي بلا معارض. هذا كلام الشيخ الاعظم، «قده» وتبناه المحقق النائيني. إذن المحقق النائيني يقول: العلم الثاني متأخر زمانا عن الاول او متحد معه، الملاقاة نفسها اتحدت زمانا مع النجاسة «نجاسة الملاقى او عدله» او لو لم تتحد على اية حال فهي متأخرة رتبة، فيكفي في انحلال العلم الاجمالي ان اقول: المدار على المعلوم، فإن كان المعلوم باحد العلمين سابقاً زمانا لم يتنجز الثاني، وإن كان المعلوم باحد العلمين سابقا رتبة لم يتنجز الثاني كما في جميع موارد ملاقي احد اطراف الشبهة المحصورة. فأنا لا احصر القضية في السبق الرتبي للمعلوم، كما ذهب اليه الشيخ الاعظم، ولا احصر القضية في السبق الزماني للمعلوم كما في الدراسات، ولا اقول المدار على السبق الزماني للعلم كما ذهب اليه صاحب الكفاية والسيد الخوئي في مصباح الاصول، ولا اقول بأن المدار على السبق الرتبي للعلم كما ذهب اليه المحقق العراقي، حيث ان المحقق العراقي قال: المدار على السبق الرتبي للعلم لا للمعلوم، فاذا كان احد العلمين متولدا من العلم الاخر لم يكن العلم متولدا، انا اقول المدار على المعلوم نفسه.

والمثال الجامع للسبق الرتبي والزماني:

ما اذا علم المكلف إما بفوت العصر او فوت المغرب، ثم علم إما بفوت الظهر او فوت المغرب، وإن كانت الظهر فائتة فإن العصر باقية. متى يكون فوت الظهر موجبا لبطلان العصر؟

كما اذا نوى الاقامة فصلى الظهر رباعية ثم بعد ان صلى الظهر رباعية صلى العصر رباعية ثم عدل عن نية الاقامة وانكشف له بطلان الظهر، اذا انكشف له بطلان الظهر بطلت العصر، لانه صلاها تمام، وانما تصح تماما اذا صلى صلاة صحيحة تماما مع نية الاقامة، والمفروض انه لم يصل صلاة صحيحة تماما مع نية الاقامة حيث انكشف له بطلان الظهر. فهذا المكلف بعد ان طلع عليه الفجر علم اجمالا اما بفوت العصر او فوت المغرب ثم علم اجمالا بفوت الظهر او فوت المغرب وعلى فرض فوت الظهر فالعصر باطلة كما ذكرناه في المثال. فهنا في مثل هذا الفرض: المعلوم في العلم الاجمالي الثاني سابق زمانا لانه علم اما بفوت الظهر او المغرب، وسابق رتبة لان بطلان الظهر على تقديره سبب لبطلان العصر، لذلك نقول ان العلم إما بفوت العصر او فوت المغرب ليس منجزاً في حقه، لانه ملحوق بمعلوم سابق زمانا ورتبة عليه فتجري قاعدة الفراغ في العصر بلا معارض.

الامر الثالث: قال: لكن ما ذكره صاحب الكفاية «قده» من انه اذا علم اجمالا اما بنجاسة اناء الجار او اناء البيت وعلمنا اجمالاً بملاقاة الثوب لاناء الجار في هذا الفرض وهو فرض ان اناء الجار خارج عن محل الابتلاء، اي العلمين منجز؟

على مبنانا: «النائيني» من ان السبق الرتبي مانع من المنجزية المفروض ان نجاسة الملاقى سابقة رتبة على نجاسة الملاقي، فالمفروض في المقام ان نقول: بأن العلم الاجمالي بنجاسة الثوب او نجاسة اناء بيتا ليس منجز، لان هذه النجاسة المعلومة مسبوقة رتبة بإناء الجار او إناء البيت، فالمفروض على مبنانا ان العلم الثاني ليس منجز. لكن إنما يكون السبق الرتبي مانعا من منجزية العلم الثاني اذا كان السابق رتبة منجزاً، لكن المقام السابق رتبة ليس منجزاً لخروج احد طرفيه خارج عن محل الابتلاء، فبما ان السابق رتبة ليس منجزا لان احد طرفيه خارج محل الابتلاء وهو اناء الجار، إذن هذا العلم الاجمالي لا مانع من منجزيته، فهو علم بتكليف فعلي اما في الثوب او في اناء البيت فيكون منجزا وتتعارض الاصول فيه.

فاذا حضر اناء الجار بين ايدينا وصار داخلا في محل الابتلاء انحل ذلك العلم الذي كان منجزا وهو العلم الاجمالي بنجاسة الثوب او نجاسة اناء البيت انحل، صار المنجز العلم الاول وهو اما نجاسة اناء الجار او اناء البيت. وهنا ذكر فقال: لدينا علمان: علم اجمالي بنجاسة اناء البي او نجاسة المجموع من الملاقى وهو اناء الجار والملاقي وهو الثوب. ولكن بعد تعارض اصالة الطهارة في اناء البيت مع اصالة الطهارة في اناء الجار تجري اصالة الطهارة في الثوب بلا معارض، لانها اصل طولي. مشى على كلام الشيخ الاعظم.

ثم قال لدينا علم اجمالي وهو العلم الاجمالي اما بنجاسة الثوب او اناء البيت، وحيث ان المعلوم بالعلم الاجمالي الثاني سابق رتبة عليه لانه هذه النجاسة التي بين الثوب وبين اناء البيت سبقت رتبة بين اناء البيت واناء الجار، اذن فليس العلم هذا علما بتكليف حادث، إذ ان المعلوم بهذا العلم مما تنجز في رتبة سابقة، فيجري الاصل في الثوب بلا معارض.

ونتيجة ما ذكره المحقق النائيني «قده»: أن المدار على السبق للمعلوم في الحل. اما ان يكون المعلوم سابق زمانا واما ان يكون المعلوم سابق رتبة. وايد ذلك سيد المنتقى وأفاد: اذا علمنا اجمالا بنجاسة الابيض او الازرق ولاقى الثوب الاناء الابيض نستطيع ان نقول: تجري البراءة عن وجوب اجتناب الثوب بلا معارض، لانا علمنا بنجاسة اما في الاناء الابيض او في الاناء الازرق، فالعلم بعد ذلك في الاناء الابيض لم ينتج علما بتكليف جديد لم ينتج علما بتكليف حادث، فلعل النجاسة في الاناء الازرق، فالثوب طاهر، او لعل النجاسة في الاناء الابيض فنجاسة الثوب ليست نجاسة جديدة، اذن نستطيع ان نقول: هناك تكليف معلوم قطعاً، وهو النجاسة في الابيض او الازرق، وتكليف مشكوك وهو النجاسة في الثوب فتجري البراءة عنه بلا معارض.

ولا تقل العكس، بأن نعلم بتكليف اما في الثوب او الاناء الازرق، فالتكليف في الاناء الابيض مشكوك بدواً، فتجري البراءة عنه بلا معارض، قال هذا بلا معنى، لان نجاسة الثوب متفرعة على نجاسة الابيض فلولا العلم بنجاسة الابيض ما علمنا بنجاسة الثوب، بما العلم بنجاسة الملاقي متفرعة على نجاسة الملاقى، فالصحيح ان يقال: ان التكليف المتيقن هو بين الملاقى وعدله، وأما التكليف في الملاقي فمشكوك، لا ان التكليف المتيقن بين الملاقي وعدله، والتكليف بين الملاقى وعدله مشكوك. إذن بالنتيجة: الحق ان السبق الرتبي او الزماني للمعلوم موجب للانحلال. هل هذا الكلام تام او غير تام؟ يأتي الكلام عنه غداً.

والحمد لله رب العالمين.