الدرس 73

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ذكرنا فيما سبق: أنّ المحقق الاصفهاني «قد» أفاد: بأن هناك تفصيلاً بين المخصص اللفظي والمخصص اللّبي، فاذا قال المولى: اكرم كل فاطمي، وقال بعد ذلك: لا تكرم الناصبي منهم، وشككنا في أن الفاطمي الفلاني هل هو ناصبي أم لا؟ فلا يصح التمسك بالعام وهو قوله: أكرم كل فاطمي لإثبات الامر بإكرام هذا الناصبي المشكوك، وذلك لأن العام وان دلَّ على عدم وجود عنوان منافي جعلا لموضوعه ودلَّ على عدم وجود هذا المنافي خارجا، لكن الخاص عارضه في ذلك، حيث دلَّ على أن هناك عنوانا منافيا للموضوع في مرحلة الجعل وأن هذا المنافي موجود خارجاً أيضاً، فمع تعارض هاتين الحجتين لا مجال للتمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

وقد رّتب المحقق الاصفهاني على ما أفاده بعض الآثار الفقهية: حيث ذكر في «كتاب الاجارة، ص123»، قال:

إذا باع زيد عبده واشترط على المشترك ان يعتقه عن نفسه بأن قال له: بعتك العبد لكن بشرط ان تعتقه عن نفسك بعد شهر، فقام المشتري وباع العبد، فهل ينفذ البيع أم لا؟

فهنا: افادوا على بعض المباني بأن البيع لا ينفذ، والسر في ذلك: أن في الشرط ثلاثة مباني ذكرت في مبحث الشروط:

المبنى الاول: ما ذهب إليه السيد الخوئي «قده» وتلامذته: من أن الشرط لا يترتب عليه «على مخالفته» إلّا حكم تكليفي وثبوت الخياطة، فاذا بعتك الكتاب واشترط عليك الخياطة ولم تقم بالخياطة فغاية ما يترتب على الشرط أثران: أثر تكليفي وهو الاثم «حكم»، والاثر الثاني: هو ثبوت الخيار لي، لأن في تخلف الشرط خياراً وهو خيار تخلّف الشرط.

وكذلك إذا اشترط عليك ترك معاملة، مثلا: إذا قلت لك: بعتك هذه السيارة واشترط عليك ان لا تؤجرها، فقمت انت بإجراتها. فعلى مبنى السيد الخوئي الاجارة صحيحة، إذ لا يترتب على مخالفة الشرط إلا الاثم وثبوت الخيار للبائع الشارط. على هذا المبنى لا تظهر الثمرة في محل كلامنا.

المبنى الثاني: ما ذهب إليه سيد المستمسك «قده» وتبعه سبطه: من ان الشرط يترتب عليه سلب الولاية، فيترتب عليه حكم وضعي لا مجرد انه حكم تكليفي وثبوت الخيار. فاذا قلت بعتك هذه السيارة واشترك عليك أن لا تؤجرها فآجرت، فإن الاجارة غير نافذة لأن الشرط يعني سلب ولايتك على أي تصرف يخالف الشرط، فيترتب على الشرط حق وضعي وهذا الحق الوضعي عبارة عن انسلاب الولاية وانسلاب القدرة فلو قمت بالاجارة فهي اجارة بلا ولاية لذلك لا تكون نافذة. على هذ المبنى الثاني يتضح ان الاجارة باطلة.

وهناك مبنى ثالث ذهب إليه المحقق الاصفهاني: قال: لا أنني اقول بأن الشرط لا يترتب على مخالفته الا مجرد حكم تكليفي وثبوت الخيار، يعني إذا بعتك العبد واشترط عليك ان تعتقه عن نفسك فقمت ببيعه، فعلى هذا المبنى الاول في الشروط البيع صحيح، غايته أن المشتري ارتكب إثماً وللبائع الخيار. وعلى المبنى الثاني وهو مبنى سيد المستمسك بأن البيع باطل، لأن الشرط ان لا ولاية لك على أي تصرف يتنافى مع العتق، لأنني اشترط عليك العتق، فمعناه: سلب ولايتك عن أي تصرف في العبد الا العتق. فالبيع باطل.

المبنى الثالث: وهو مبنى المحقق الاصفهاني «قده»، يقول نعم، ببركة الشرط حيث اشترطت عليه ان يعتق ثبت بالشرط حق وضعي عليه، يعني ثبت لي بالشرط سلطنة عليك فلي ببركة الشرط سلطنة عليه ان يعتق العبد عن نفسه، هذا الذي ترتب على الشرط، لا انني سلبت سلطنته عن كل عمل الا العتق، بل ترتب على الشرط ان لي سلطنة عليه ان يعتق العبد عن نفسه، فالبيع منافي لسلطتني، إذ لا يجتمع الامران ان يكون البيع نافذا وسلطتني باقية، مقتضى سلطتني على أن يعتق العبد عن نفسه ان لا ينفذ البيع، لأن العتق فرع الملك والبيع يزيل الملك، فلو قلنا بنفوذ بيعه لم يكن العبد ملكا له واذا لم يكن العبد ملكه له انتفت السلطنة عن العتق بانتفاء موضوعها، فإذن لا يجتمع ان نقول: البيع نافذ وسلطنة العتق موجوده. فهناك تنافي بين سلطتني على أن يعتق العبد عن نفسه، لأن هذه السلطنة تقتضي ان يكون العبد في ملكه حتى يعتقه عن نفسه، وبين نفوذ البيع الذي تقتضي زوال الملكية. فيقول المحقق الاصفهاني: بعد هذا _نفوذ البيع والسلطنة على العتق_: لو أن البائع الشارط قال: رفعت اليد عن شرطي، حيث اشترطت عليه: ان يعتق العقد ونتيجة بقاء شرطي المنافاة بين نفوذ بيعه وسلطتني، فأنا لأجل رفع هذه المنافاة رفعت اليد عن شرطي، تنازلت. هل ينفذ البيع بعد الشارط يده عن شرطه فيشمله «احل الله البيع» أم لا؟

قال: لا. «هنا أتت نكتة المطلب التي بنى عليها» حيث قال «قده»: إن قيل إن البيع نافذ لتمامية المقتضي وفقد المانع، أما تمامية المقتضي فلشمول «احل الله البيع» فهو بيع، واما فقد المانع فلأن المانع هو المزاحمة والمنافاة بين نفوذ البيع والسلطنة الآتية من الشرط، فإذا ارتفع الشرط لتنازل الشارط عنه، تم المقتضي وفقد المانع، تم البيع.

والجواب عن ذلك: قلنا هناك فرق بين المانع الشرعي والمانع العقلي، فاذا كان المانع شرعيا كان متصرفا في الدليل العام منوعا له على نوعين، مثلا: إذا قال المولى: «احل الله البيع». هذا عام، ثم قال في دليل منفصل: «لا تبع العين المرهونة»، فحيث ان المخصّص المنفصل شرعي وليس عقلياً، فهو موجب للتصرف في العام لتصنفيه لصنفين: بيع عين الطلقة وبيع عين مرهونة، وأن الصحيح والنافذ هو بيع العين الطلقة دون العين المرهونة. لذلك لو بعت العين المرهونة كانت وقت البيع مرهونة، لم يشملها «احل الله البيع» لأن موضوعه بعد التنصيف العين التي ليست مرهونة، وهذه مرهونة، لكن الراهن بعد ان اطّلع على بيعي رفع اليد عن رهنه، فبعد ان رفع اليد عن رهنه دخلت العين تحت الصنف الثاني وهي العين التي ليست مرهونة، فشملها «أحل الله البيع» ففي المانع الشرعي يتم كلامكم. المقتضي موجود والمانع مفقود.

أمّا إذا كان المانع عقليا: فإن المانع العقلي لا يتصرف في العام ولا يصنفه الى نوعين، فإنه إذا قال المولى «احل الله البيع» فقد بيّن تمام موضوعه، ولم يذكر دليلا يقيد أو يضيّق، غاية ما في الباب أن العقل ادرك بأن هناك تضاد وتنافي بين سلطنة البائع على العتق وبين نفوذ البيع والا الشارع لم يقل هناك منافاة، الشارع قال فقط «احل الله البيع» إلّا أنّ العقل أدرك أنه بعد ان اشترط البائع عتق العبد وعتق العبد فرع الملك والبيع يزيل الملك، حصلت مضادة ومناقضة بين نفوذ البيع والسلطنة على العتق. فهذه المضادة مضادة عقلية لا شرعية، لأنها منافاة واقعية لا يجتمعا، أي لا يجتمع عقلاً نفوذ البيع المزيل للملك والسلطنة على العتق التي تقتضي بقاء الملك، لا يجتمعان، فلأجل المضادة بينهما عقلا العقل يقول لا ينفذ لأن الضد لا يمكن ان يكون فعلياً مع فعلية ضده، بل يقع التمانع بينهما، فبما أنّ المانع عقلي لا شرعي لم يتصرف فيه دليل «احل الله البيع» ولم يصنفه الى صنفين. وبناء على ذلك: ففي حين صدور البيع لم يشمله «احل الله البيع» لا لوجود المانع بل لعدم المقتضي، لأن المقتضي فرع عدم وجود ضد ممانعا والحال ان هناك ضدا ممانعاً، وبعبارة اخرى: في بحث الضدين: هل ان الامر بالشيء يقتضي الامر بضده؟! قالوا: بأن التمانع بين الضدين تمانع بين المقتضيين للضدين، فاذا حصل التضاد بين القيام والقعود، حيث إن القيام والقعود لا يجتمعان في جسم واحد في آن واحد ففي الواقع التمانع ليس بين التمانع والقعود، بل بين مقتضي القيام وبين مقتضي القعود، يعني لا يعقل ان يكون للإنسان إرادة فعلية لهما معاً في آن واحد، فالتمانع بين المتقضيين «وهذا شرحه الشيخ المظفر في أصول المظفر مفصّلاً». فبما ان التنافي بين الضدين المقتضيين يعني التمانع بين المقتضيين فلم يتم المقتضي لصحة البيع مع وجود المقتضي للسلطنة على العتق المتحققة بالشرط، وبالتالي: إذا البائع رفع اليد عن شرطه، لا يفيد، لأن رفع اليد عن الشرط إنما يوجب صحة البيع لو فرغنا عن المقتضي والمشكلة في المانع، لكن الكلام أن المقتضي قاصر، فإذا كان البيع حين حدوثه مع أنه تمام الموضوع للحلّية، لأن المفروض ان المانع لم يتصرف في الدليل الشرعي فمعناه انه تمام الموضوع للحلّية هو البيع وهو متحقق، مع أن تمام الموضوع متحقق حين صدور البيع، لأن الموضوع غير مقيّد بأيِّ قيد شرعي ومع ذلك لم يشمله الدليل لقصور فيه «في الشمول» فكيف يشمله بعد ذلك؟

فاستنتج المحقق الاصفهاني «قده»: نه بناءً على ما سلكناه في الاصول من أن المانع العقلي غير المانع الشرعي، لأن المانع العقلي لا يتصرف في الدليل ولا يصنفه الى صنفين تظهر الثمرة في محل الكلام.

ورتّب على ذلك أيضاً: وهو أنه إذا قال المولى «صل في ثوب طاهر» ولم يقل شيئا بعد ذلك، وانما العقل قال: لا يمكن ان تصح الصلاة في الثوب المغصوب، لأن المبغوض والمنهي لا يكون مصداقاً للمأمور به. فهذا المانع عقلي وليس شرعي. والمانع العقلي لا يتصرف في الدليل العام ولا يصنفه الى صنفين، اذن يبقى موضوع العام وهو صحة الصلاة الثوب الطاهر على نحو اللا بشرط، فاذا شككنا ان هذا الثوب الطاهر مغصوب أو ليس بمغصوب، تمسكنا بقوله «صل في ثوب طاهر».

وقد ذكرنا أمس: بأن السيد الخوئي اشكل عليه يوم أمس: بأنه لا فرق بين المانع العقلي والمانع الشرعي في أن كليهما يوجب تقيد موضوع العام. وبناء على ذلك فلا يصح التفريق بين المانع العقلي وبين المانع الشرعي، بأن يقال: بأن المانع الشرعي يرجع الى التقييد، بينما أن المانع العقلي يرجع إلى العلم بخروج القيد.

والصحيح: ان ما ذكره سيدنا «قده» في «ج12، من الموسوعة، ص211» ما أفاده «قده» ناقص، والصحيح ما ذكره في الاصول في الرد على هذا المطلب وهو:

انه لابد نم التفصيل بين العام الوارد على نحو القضية الحقيقية والعام الوارد على نحوا لقضية الخارجية. فاذا كان العام واردا على نحو القضية الحقيقة كأن قال: اكرم كل فاطمي، فالعام الوارد على نحو القضية الحقيقية هل المخصص له لفظي أم لبّي؟

إذن البحث في مقامين: العام الوارد على نحو القضية الحقيقية، والعام الوارد على نحو القضية الخارجية.

الآن بحثنا في المقام الأول: العام الوارد على نحو القضية الحقيقية له صورتان:

1 - ان يكون المخصص لفظياً. 2 - وأن يكون المخصص لبيّاً.

نحن كلامنا الآن في الصورة الاولى وهو ما إذا كان العام وارداً على نحو القضية الحقيقة وكان المخصص له لفظياً.

إذا كان المخصص لفظيا أيضا يوجد صنفان:

الصنف الاول: إذ تارة لا يكون المخصص اللفظي مصنفا للعام. الصنف الثاني: وتارة يكون المخصص اللفظي مصنفا للعام.

الصنف الاول: أن لا يكون المخصص اللفظي مصنفا للعام، وهو ما إذا كان العنوان الوارد في المخصص عنواناً مشيراً لا موضوعية له. مثلا: إذا قال المولى: «اكرم كل فاطمي»، هذا عام على نحو القضية الحقيقية، وقال في دليل منفصل مخصص: لا تكرم المشار اليه. ومن الواضح أن المشار إليه عنوان لا موضوعية له حتى يصنّف العام الى صنفين، لأن العنوان الصالح للتنصيف ما كان عنوانا ثبوتيا حتى يصنف العام ثبوتا الى صنفين، واما إذا كان العنوان مجرد نظارة من دون ان تكون له موضوعية فليس له واقع ثبوتي حتى يصنف العام الى صنفين. فنتيجة ذلك: انني وإن علمت بورود المخصص والمخصص قال: لا تكرم المشار اليه، إنه لا يترتب على هذا المخصص إلا العلم بأن الخارج عن العام ما علم انه المشار اليه، فيصير الخارج عن العام نظير موت بعد الافراد «تعبير المحقق العراقي»، فاذا كان اكرم كل فاطمي ومات من الفاطميين «مليون» فهل هذا يصنف العام الى صنفين؟! موت بعض الافراد لا يوجب تصنيف العام الى صنفين، كذلك إذا قال: «لا تكرم المشار اليه»، والعنوان المأخوذ في المخصص لا موضوعية له ولا واقعية له ثبوتاً، إذن غايته انني اعلم بخروج افراد أو فرد، فهو نظير العلم بموت بعض الافراد من دون ان يكون الخروج بواسطة عنوان مصنف للعام إلى صنفين. ففي مثل هذا الفرض لو شككت: ان زيد الفاطمي باقي تحت العام أو انه هو المشار اليه؟ فيجوز التمسك بالعام، لأنه بعد ان لم يصنف موضوع العام الى صنفين ينطبق موضوع العام على هذا المشكوك قهراً، إذ غاية ما ترتب على المخصص ان الخارج عن العام ما علم انه المشار إليه وهذا لم يعلم انه المشار إليه فيبقى تحت العام.

وبعبارة أخرى: المقام ليس فيه شبهة مصداقية، إذ ما دام الخارج ما علم، فما لم يعلم فهو مصداق حقيقي للعام.

والحمد لله رب العالمين.