الدرس 78

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

كان الكلام في ان الشارع الشريف هل يمكن أن يجعل الشرطية والمانعية للضدين؟ بمعنى: أن يجعل أحد الضدين شرطاً في حصول الواجب ويجعل الضد الآخر من حصوله ام لا يمكن ذلك؟

وقد ذكر سيدنا الخوئي «قده» تبعا لشيخه المحقق النائيني انه لا يعقل جعل الشرطية والمانعية للضدين بل احد الجعلين يغني عن الاخر، وقال ان هذا غير معقول في التكوينيات ولا في التشريعيات.

وعندما دخل في البحث في التكوينيات: أفاد «قده» من ان اجزاء العلة الثلاثة وهي الشرط والمقتضي وعدم المانع بينها طولية بمعنى ان عدم المعلول لا يستند إلى عدم الشرط إلا مع وجود المقتضي وإلا استند الى وجود المتقضي، ولا يستند الى وجود المانع الا مع وجود المقتضي والشرط والا مع عدمهما يستند الى المقتضي او عدم الشرط. فبين الاجزاء طولية، ولاجل ان بين الاجزاء طولية انتقل الى المطب الثالث من كلامه «ص214»:

من إثبات عدم معقولية الجمع بين شرطية احد الضدين ومانعية الضد الآخر.

فقال «قده» في هذا المطلب الثالث: تارة يكون الشرط والمانع من قبيل المتخالفين لا من قبيل الضدين كالمثال المعروف عندهم من ان المقتضي للاحراق هو النار والشرط للاحراق هو المماسة والمانع الرطوبة «رطوبة الجسم» القابل للاحتراق. فهنا يمكن ان تكون المماسة شرط والرطوبة مانع، لانه لا يوجد بين المماسة والرطوبة تضاد وانما تخالف، يمكن ان يجتمعا ويمكن ان يفترقا، فلأنه لا يوجد مضادة بين الرطوبة وبين المماسة، لاجل ذلك نقول بان المماسة «مماسة الجسم للنار» شرط للاحراق والرطوبة مانع.

ولكن لو افترضنا ان بين الطرفين توجد مضادة، مثلا القيام والقعود، لنفترض ان الانسان اراد ان يهرول بين الصفا والمروى، فإرادة الهرولة مقتض والشرط في حصول الهرولة القيام على رجليه، والقعود مانع منها. فهل يعقل هنا الجمع بين شرطية القيام في حصول الهرولة ومانعية القعود من الهرولة ام لا؟

فيقول سيدنا الخوئي «قده» بناء على المطلب السابق الذي ذكرناه: من ان هناك طولية بين اجزاء العلة فهذا الامر غير معقول، أي لا يعقل ان يتصف الضد بالشرطية ويتصف ضده بالمانعية، والسر في ذلك: ان المانع اما موجود او معدوم. احد الامرين.

فإما ان يكون القعود موجودا بالفعل كما لو اقعد اكراها، فالمفروض ان القيام غير موجود اذ لا يجتمع الضدان في موضوع واحد في آن واحد، فمقتضى فعلية القعود عدم فعلية القيام، وحينئذٍ فعدم المعلوم وهو عدم الهرولة ليس مستندا لوجود القعود، حتى يتصف القعود بالمانعية بل لعدم المقتضي التام، لأن المقتضي ناقص وهو المقتضي من دون شرط، ومقتضي تام وهو المقتضي مع وجود شرطه، فحيث ان الشرط غير موجود الا وهو القيام على الرجلين، إذن المقتضي التام للهرولة غير موجود، فلأجل عدم المقتضي للتام لم يوجد المعلول هو الهرولة لا لأجل عدم وجود المانع وهو القعود، لما ذكرناه في المطلب السابق ان عدم المعلوم لا يستند لوجود المانع مع عدم الشرط بل يستند عدم المعلوم لعدم الشرط، أي عدم المقتضي التام لا لوجود المانع وهو القعود. اذن القعود لم يتصف بالمانعية.

واذا افترضنا ان القعود غير موجود، يعني الشخص قاعد، فالعقود غير موجود، فالمقتضي فعلي وهو ارادة الهرولة والشرط فعلي وهو القيام، ولاجل فعلية الشرط امتنع الضد الا وهو القعود، فهنا: هل يتصف العقود الممتنع الوجود مع فعلية القيام بالمانعية؟ يقول السيد غير معقول، لأن المتصف بالمانعية ما كان موجودا لا ما كان معدوما فان المعدوم لا يتصف بالمانعية. والنتيجة ان القعود لا يتصف بالمانعية عل أي حال موجودا او معدوماً، فلا هو مانع حالة وجوده لانه حال وجوده لا يوجد الشرط، فيستند عدم المعلوم لعدم الشرط، ولا حال عدمه لان المعلوم لا يتصف بالمانعية، فتبين بذلك ان اتصاف الضد بالمانعية مع اتصاف ضده بالشرطية غير معقول. كله بناء على مطلبه السابق من الطولية بين اجزاء العلة. فقال «قده» ص214: ومن هنا يظهر استحالة مانعية احد الضدين مع فرض شرطية الضد الآخر ضرورة ان المقتضي مع شرطه ان كانا موجودين إرادة الهرولة والقيام فيستحيل معه وجود المانع الا وهو القعود حتى يزاحم المقتضي في تأثيره لاستلزامه اجتماع الضدين وهو القعود والقيام بعد فرض المضادة بينه وبين الشرط وهو القيام فلا يعقل وجوده حينئذٍ كي يتصف بالمانعية حتى يكون عدمه من اجزاء العلة. وان لم يكن المقتضي التام «المقتضي بلحاظ وجود شرطه» موجودا اما لعدم المقتضي اصلا او لعدم تأثيره من جهة فقد الشرط، أي لعدم القيام فالمقتضى وهو الهرولة غير قابل للتحقق، بل لنقص في الفاعل لعدم الشرط او لعدمه من الاصل. فعدم المعلول حينئذ يستند الى عدم المقتضي او عدم الشرط لا الى وجود المانع. هذا كلام سيدنا «قده».

وفي مقابل كلمات سيدنا تبعا لشيخه «قدس سرهما» توجد كلمات اخرى تمنع ذلك وتقرر انه بالامكان ان يتصف الضد بالشرطية عند اتصاف ضده بالمانعية وهذا امر معقول في عالم التكوين فهو امر معقول في عالم التشريع.

الكلمة الاولى: وهي للمحقق العراقي «قده» في رسالته «اللباس المشكوك» الملحقة في كتابه «روائع الامالي في فوائد العلم الاجمالي، ص121»: أن المطلب الذي قرره المحقق النائيني «قده» من انه لا يعقل اتصاف احد الضدين بالشرطية مع اتصاف الاخر بالمانعية هذا المطلب كله مبني على الطولية، مبني على المطلب السابق من ان بين اجزاء العلة طولية. فلا يستند عدم المعلول لوجود المانع الا مع توفر المقتضي والشرط، وإلا لو علم المقتضي او الشرط لاستند عدم المعلوم اليهما لا إلى وجود المانع.

المحقق العراقي يناقش هذه الطولية بمناقشتين:

المناقشة الأولى: ما سمعته من الشرط متمم للمقتضي ما هو المقصود به؟

هل المقصود به ان الشرط جزء من المقتضي؟ ام المقصود به ان الشرط دخيل في فعلية الاثر بعد تمامية المقتضي وليس جزءا من المقتضي؟

فان ادعي الاول أي ان الشرط جزء من المقتضي، ببيان:

ان نقول ان النار لها مراتب ودرجات، فبعض درجات النار ضعيفة جدا بحيث لا يكون لها تمامية في ايجاد الاحراق الا بمعونة الشرط وهو اقتراب الجسم منا فاقتراب الجسم منها جزء من المقتضي لأن المقتضي وهو النار وجود ضعيف ومرتبة ضعيفة لا تقوى على الاحراق ما لم يقترب الجسم منها، فالاقتراب لا محالة اصب جزءا من المقتضي لأنه محقق لتماميته. اذا كان هذا هو المدعى:

فيلاحظ عليه:

اولاً: بأن هذا منافٍ لما في الخارج، فإننا نرى ان ما في الخارج كثير من الشروط ليست جزءا من المقتضي بل المقتضي تام ولا قصور فيه الا انه مع ذلك يحتاج الى الشرط. مثلا: الوقوف امام الشمس موجب لتغير اللون، فهل هذا هو قصود في الشمس؟ بل الامر بالعكس فالمقتضي لتغير اللون وهو الشمس مما لا قصور فيها وانما تغير اللون يحتاج الى شرط وهو الوقوف امام الشمس، فالشرط هنا ليس جزءاً من المقتضي أبداً.

ثانياً: اذا قلتم بان الشرط جزء من المقتضي فهل هذا امر ذاتي في الشرط؟ أي نقول: حقيقة الشرط ومن ذاتياته ان يكون جزءا من المقتضي؟ او ان هذا امر عرضي بالنسبة الى الشرط؟ أي ان الشرط لا يعقل ان يكون شرطا حتى يكون جزءا من المقتضي فمقتضى ذلك عمومه لكل شرط، بحيث لا يوجد شرط الا وهو جزء من المقتضي لان هذه الجزئية مقومة لحقيقته، ولازم ذلك حتى المفيض على الإطلاق «جلّ وعلا» يكون محتاجا الى الشرط، اذ لا مقتضي الا ومعه شرط، وهو مقتضٍ «جلَّ وعلا»، فإذا كان الشرط جزءا من المقتضي كان المفيض على الإطلاق «جلّ وعلا» محتاجاً الى الشرط لأنه جزء من المقتضي وهو كما ترى. إذن بالنتيجة: هذا المقصود الاول وهو ان الشرط جزء من المقتضي باطل.

المقصود الثاني: الشرط دخيل في فعلية الاثر لا ان الشرط جزء من المقتضي. فيقول العراقي «قده»: لا يتصور ان يكون الشرط دخيلا في فعلية الاثر بعد تمامية المقتضي الا انه دخيل في قابلية القابل، والا فاذا كان المقتضي تاما فما المانع من وجود المعلول إذن إذا كان المقتضي تاماً؟

إذا افترضنا ان المقتضي تام ومع ذلك لم يوجد المعلول اذن معنى ان الشرط دخيل في قابلية القابل، أي ان ماهية المعلول ماهية اخذ فيها ان لا توجد من طرف علتها وهي المقتضي الا مع وجود هذا الشرط، فالشرط ليس متماً لفاعلية الفاعل، ولكنه متمم لقابلية القابل، فنقول: بان الجسم لا يقبل الاحتراق الا مع المماسة ولا يقبل تغير اللون الا مع الوقوف امام الشمس فالشرط هنا دخيل في قابلة القابل لا في فاعليته.

فان كان مقصودكم ذلك فالمانع كذلك دخيل في قابلية القابل. فاذا صح في الشرط ان يكون دخيلا في قابلية القابل صح في المانع ان يقول: عدم المانع دخيل في قابلية القابل، فكما ان مماسة الجسم للنار دخيلة في قابلة الجسم للاحتراق كذلك عدم الرطوبة دخيلة في قابلية الجسم للاحتراق، اذا صح تصوير ذلك في الشرط صح تصوير ذلك في عدم المانع.

والنتيجة: عدم الطولية بين عدم المانع والشرط لأن دخلهما على نحو واحد. فاذا كان مرجع الشرط الى الدخل في قابلية القابل ومرجع عدم المانع الى الدخل في قابلة القابل لم يكن بينهما طولية، بل خلاف ما في رتبة واحدة ما دام المناط واحدا، وبناء على ذلك فاذا افترضنا ان الشرط علم والمانع وجد، صح ان نقول: عدم المعلول مستند الى عدم الشرط او مستند لوجود المانع في رتبة واحدة، لا ان عدم المعلوم عند عدم الشرط مستند الى عدم الشرط وان وجد المانع، فاذا افترضنا ان الجسم رطب ولكنه ليس قريبا من النار صح ان نقول بعبارة عرفية واضحة: عدم الاحتراق لعدم القرب او لوجود الرطوبة في عرض واحد، فإذا لم يكن بينهما ترتب صح الجمع بينهما بان نقول: الضد شرط والضد مانع في آن واحد.

ولكن يلاحظ على كلام المحقق العراقي «قده»:

أولاً: الشرط بحسب الاصطلاح: ما كان دخيلاً في فعلية الاثر، ولكن مصداقه يختلف باختلاف الموارد، فيكون يكون دخله في فعلية الاثر لكونه جزءا من المقتضي، وقد يكون دخله في فعلية الاثر لكونه مصححا لفاعلية الفاعل، وقد يكون دخله في فعلية الاثر لكونه متمما لقابلية القابل. فهناك مصاديق ثلاثة للشرط، فمثلاً: النار الضعيفة التي لا تقوى على الاحراق ما لم يندك الجسم فيها هنا يكون الشرط جزءا من المقتضي. وفي بعض الامثلة يكون الشرط مصححا لفاعلية الفاعل، مثلا: إرادة المشي من اراد المشي فهنا مقتضي وهو الارادة، فالارادة _بمعنى الاشارة الى الدماغ للاعصاب بالحركة_ هذه الارادة مقتضي والمشي اثر، هذا المقتضي وان كان تاما والمشي أيضاً قابل للحصول لا يحتاج الى شرط، ولكن هناك شق ثالث خلافاً للمحقق العراقي:

قد يكون المقتضي تام، وقد يكون القابل ايضا تام القابلية، مع ذلك نحتاج الى الشرطية، لان الاثر يحتاج الى محل، فلابد من استعداد المحل للأثر كي يحقق المقتضي اثره واستعداد المحل شرط لا متمم لفاعلية القابل ولا متمم لقابلة القابل، ولكن مصحح لفاعلية الفاعل، حيث ان المشي يحتاج الى طريق معبد، اذن تعبيد الطريق شرط، لا متمم لفاعلية الفاعل ولا متمم لقابلية القابل ولكنه مصحح لفاعلية الفاعل.

المصداق الثالث للشرط: ما كان دخيلا في قابلية القابل. كما ذكرنا: رؤيا الجسم تتوقف على خروجه من تحت الارض. فخروجه من تحت الارض متمم لقابليته للرؤيا. إذن الجامع بين المصاديق الثلاثة: أن الشرط دخيل في فعلية الاثر، أما لكونه جزءا من المقتضي اما لكونه مصححا لفاعلة الفاعل اما لكونه متمما لقابلية القابل. فلا ينحصر الشرط في مصداق حتى يرد نقض المحقق العراقي.

ثانيا: ان ما يذكره المحقق النائيني.

فعندما نرجع الى كلما المحقق النائيني فيقول: ليس الفرق بين الشرط والمانع مجرد اصطلاح، حتى نقول: اذا صح كون الشرط دخيلا في قابلية القابل صح كون عدم المانع دخيلا في قابلية القابل فلم يبق فرق بينهما صارا في رتبة واحدة، فأن الفرق بين الشرط والمانع فرق جوهري بلحاظ ان الشرط هو الوجود الدخيل في فعلية الاثر بينما عدم المانع هو عبارة عن عدم المزاحم الى المقتضي، فان المقتضي اذا وجد، فاحتاج الى ما يصحح له التاثير، لكن المشكلة انه مبتلى بمزاحم، فعدم هذا المزاحم دخيل، ومن الواضح ان الفرق بينهما فرق جوهري فهناك فرق بين ما يكون وجوده دخيلا في فعلية الاثر وبين ما يكون وجوده مزاحما وممانعا للمقتضي لذلك يحكم العقل بأنه لا يتحقق الاثر من دون انتفاءه وقد ذكرنا امس، ان هذا حكم عقلي وليس تأثيراً خارجياً.

فمثلاً عندما نقول: بأن مماسة الجسم للنار شرط للاحراق بينما الرطوبة مانع، فمقصودنا بذلك: أن وجود الاقتراب دخيل في فعلية الاحتراق، بينما الرطوبة فقط تصارع المقتضي وهو النار في ان تصنع اثرها، لذلك عدم الرطوبة ليس دخيلا في الاحراق تكوينا ولا خارجا حتى يكون من قبيل الشرط، بل العقل يحكم ويقول ما دامت الرطوبة مزاحمة للمقتضي إذن لا يمكن ان يحصل هذا الاثر وهو الاحراق الا مع عدمها فالدخل دخل عقلي بينما دخل الشرط دخل خارجي تكويني، فأين هذا من هذا.

لأجل ذلك لا وجه لإرجاع عدم المانع للشرط وإلا لم يكن لأجزاء العلة اجزاء ثلاثة بل ليس لنا الا المقتضي والشرط، غاية ما في الامر قد يكون الشرط وجوديا، قد يكون عدمياً وهو عدم المانع وهذا خروج عما هو محل الكلام. فافهم واغتنم.

والحمد لله رب العالمين.