الدرس 84

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

وصل الكلام الى:

المقام الثاني: وهو البحث في إمكان جعل المانعية أو جعل الشرطية أو جعلهما معاً.

فهنا جهات ثلاث:

الجهة الاولى: في أن جعل المانعية في الواجب، هل هو امر ممكن ثبوتا أم لا؟

وقد افيد بأن هناك ثلاثة تقريبات لبيان امكان جعل المانعية للواجب:

التقريب الاول: ما ذهب اليه المشهور من الأصوليين ومنهم سيدنا الخوئي «قده» من أن جعل المانعية مرجعه الى جعل التقيد بالعدم، فاذا قال المولى: يجب عليك الصلاة والضحك مانع. فمرجع ذلك: الى ان الصلاة الواجبة هي الصلاة المتقيدة بعدم الضحك. فالمانعية هي عبارة عن التقيد بالعدم. وهذا أشكل عليه بانه: لا يجدي في مقام الشك في الوجود على نحو الشبهة المصداقية، مثلاً: إذا علمنا بأن الاستدبار مانع من صحة الصلاة وشككنا في أنه: هل حصل استدبار عن القبلة أم لا؟ على نحو الشك في الموضوع. فهل يجري استصحاب عدم الاستدبار لتنقيح المأمور به أم لا؟ فالمشهور بينهم: نعم، بما ان الاستدبار مانع ولا ندري هل حصل خارجا أم لا؟ فيجري استصحاب عدمه.

ولكن اورد على ذلك بانه: بناء على ان المانعية هي عبارة عن التقيد بالعدم فاستصحاب عدم الاستدبار لا يثبت تقيد الصلاة بعدمه الا من باب اصل مثبت. فاذا كان مرجع المانعية الى ان الصلاة الواجبة الصلاة المتقيدة بعدم الاستدبار، لا ندري هل هذه الصلاة الحاصلة خارجا تقيدت بعدم الاستدبار أم لا؟ استصحاب عدم الاستدبار لا يثبت حصول التقيد الا من باب الملازمة العقلية. يعني لازم عدم الاستدبار عقلا ان الصلاة التي حصلت اتصفت بعدم الاستدبار، فهذه ملازمة عقلية، وبذلك يكون استصحاب عدم الاستدبار اصلاً مثبتاً. فإذن البناء على ان المانعية هي عبارة التقيد بالعدم لا يجدي في مورد الشك على نحو الشبهة المصداقية.

لذلك سيدنا الخوئي «قده» في موضع آخر من كلامه في الاصول غيّر المطلب، فقال: ليس مرجع الشرطية والمانعيةا لى التقيد وانما مرجعهما الى واقع الاقتران لا الى التقيد، بيان ذلك: ان الشارع الشريف إذا قال: لا صلاة الا بطهور. والطهور شرط، أو قال: لا صلاة الا باطمئنان، أو قال: لا تصل فيما لا يؤكل. فإن ظاهر هذه الاوامر والنواهي هوا لتقيد أي صلي صلاة متقيدة بطهور صلي صلاة متقيدة بعدم ما لا يؤكل.

الا ان هذا التقيد الظاهر من الامر والنهي معنى حرفي متقوم بطرفين صلاة وقيد، فهل المعنى الحرفي هنا لوحظ على نحو الآلية والمشيرية أم ان المعنى الحرفي هنا لوحظ على نحو الموضوعية؟ فاذا قلنا بأن هذا المعنى الحرفي الا وهو التقيد لوحظ على نحو الموضوعية اذن مطلوب منك ان تحرز التقيد، ان تحرز هذا المعنى الحرفي، ومن الواضح في مقام الشك على نحو الشبهة المصداقية لا يمكن احرازه على في المانع ولا في الشك. مثلا إذا شك في انه على طهور أم لا فاستصحاب الطهور لا يثبت تقيد الصلاة بالطهور أي استصحاب القيد لا ثبت التقيد الا بالملازمة العقلية وهو اصل مثبت. كذلك في مقام المانع، لا يدري انه في صلاته استصحب ما لا يؤكل أم لم يستصحب؟ فعندما يجري استصحاب عدم وجود ما لا يؤكل في لباسه هذا لا ثبت تقيد الصلاة بعدم ما لا يؤكل الا من باب الاصل المثبت.

أما إذا قلنا بأن التقيد ملحوظ على نحو الآلية والمشيرية، أي ليست التقيد بعنوانه مطلوباً ومصبّاً للأمر، فعندما يقول «لا صلاة الا بطهور» فليس التقيد بالطهور مصبّاً للأمر، انما التقيد لوحظ آلياً لواقع الجزئين لواقع العملين، فعندما يقال: لا صلاة لا بطهور يعني المطلوب منك ان يوجد العملان، الصلاة والطهور، فماد «لا صلاة الا بطهور» يعني المطلوب من ان يوجد العلمان. طهور وصلاة، فمفاد «لا صلاة الا بطهور» يعني مفاد ال «ب» ليس الا مفاد واو الجمع واليس شيئا آخر. المطلوب منك صلاة وطهور لا تقيد الصلاة بالطهور فإن الطهور لوحظ آليا مشيراً. وعندما يقال: لا تصلي فيما لا يؤكل ليس المقصود منه هو: ان تقيد الصلاة بعدم ما لا يؤكل مطلوب في نفسه. التقيد هنا لوحظ مشيرا الى واو الجمع، يعني صلاة مع عدم ما لا يؤكل. وبناء على ذلك يقول سيدنا الخوئي: اذن الاستصحاب يجري ولا يكون اصلا مثبتاً. فيجري استصحاب الطهور، فيتم المطلوب. ويجري استصحاب عدم ما لا يؤكل ويتم المطلوب. فكل المشكلة نشأت عن ملاحظة التقيد على نحو الموضوعية. وما يؤيد ذلك ان الامام في صحيحة زرارة في باب الاستصحاب اجرى استصحاب الطهارة، قال: «لأنك على يقين من وضوئك فشككت وليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك»، فاستصحب الطهارة الى حين الصلاة، مع ان استصحاب الطهارة الى حين الصلاة لا يثبت تقيد الصلاة بالطهارة، مما يثبت ان التقيد ليس ملحوظا على نحو الموضوعية وانما هو على نحو المشيرية لا اكثر. فبناء على هذا المبنى: أن مرجع الشرطية والمانعية الى التقيد بالوجود أو العدم لكن لا على نحو الموضوعية كي لا يثبت بالأصول الجارية في الشبهة المصداقية ينتفي هذا الاشكال.

ولكن كما ذكرنا في بحوث سابقة وقلنا لا تنحل المشكلة.

فالنتيجة: انه اما ان التقيد مجرد مشير الى واقع الطرفين: الصلاة وقيد. فلازم ذلك عدم الفرق بين الاجزاء والشرائط، لأنه كما انه مصب الامر الضمني في الاجزاء ذات الجزء، لا تقيد، فمصب الامر في الفاتحة، في الركوع، في السجود، ذات الركوع وذات السجود لا الصلاة المتقيدة بالركوع والسجود، ولذلك اعتبرتم الركوع جزءاً، ولذلك اعتبرتم الركوع والسجود جزءا لذلك انتم تقولون يا سيدنا الخوئي أن مصب الامر في الصلاة مع الطهور ذات الطهور والصلاة لا تقيد الصلاة بالطهور، بل التقيد لوحظ مجرد مشير الى واقع هذين العملين لا الى شيء اخر، إذن فأي فرق بين الاجزاء والشرائط؟

المطلوب مركب من كل ما اعتبر شرعاً في الصلاة شرطاً أو جزءاً. أو تقولون: التقيد، كما عبر عنه بعض الكلمات: لا اقل واو الجمع لا اقل الاقتران، فاذا كان مصب الامر الاقتران أو مفاد واو الجمع، فبالنتيجة هو عنوان زائد على نفس القيد فاستصحاب القيد وجودا أو عدما لا يثبت ذلك.

فان قلتم: ماذا نصنع بصحيحة زرارة؟! ان الامام اجرى استصحاب الطهارة، مع ان الامام ملتفت الى ان اثبات التقيد باستصحاب القيد اصل مثبت، فكيف اجرى استصحاب الطهارة عليه ؟!

الا ان تجيبوا عن ذلك بما اجاب عنه صاحب الكفاية في غير مورد: من الواسطة خفية. وإثبات التقيد باستصحاب القيد ليس من الاصل المثبت. الاصل هو التقيد ويثبت التقيد باستصحاب القيد بلحاظ ان المرتكز العرفي يستهجن التفكيك بين القيد والتقيد، فيقول: قيد موجود لكن التقيد غير موجود، المقيد والقيد موجودان لكن تقيد المقيد بالقيد غير موجود. فحيث إن المرتكز العرفي يستهجن التفكيك بين القيد والتقيد ودليل الاستصحاب محفوف بهذا المرتكزات، فاحتفاف دليل الاستصحاب بهذه المرتكزات يجعل له دلالة التزامية وهو انه في كل مورد شمله دليل الاستصحاب فمن لوازمه البيّنة _من لوازم شمول دليل الاستصحاب_ هو ثبوت التقيد.

إذن شمول دليل الاستصحاب لاستصحاب القيد لا نريد به اثبات التقيد حتى يقال هذا اصل مثبت. بل نقول: اصلا هذا مدلول التزامي عرفي لشمول دليل الاستصحاب، لاستصحاب القيد لأن من لوازمه البينّة ترتب التقيد عليه باعتبار استهجان التفكيك بينهما عرفاً. هذا هو التقريب الاول للمانعية. واشكل عليه واجيب.

التقريب الثاني: ما نقله السيد الاستاذ «دام ظله» في تقرير بحثه في اللباس المشكوك، عن استاذه السيد البروجردي «قده» من ان السيد البروجردي ذهب في الاصول في بحث الحقيقة الشرعية الى مبنى تميز به وله آثار من آثاره هذا الموضع وان لم يذكره السيد البروجردي ولكن هذا من آثار مبناه في الحقيقة الشرعية.

وبيان ذلك: ان السيد البروجردي «قده» افاد في بحث الحقيقة الشرعية: انه ليس هناك حقيقة شرعية بالمعنى الذي تصارع عليه الأعلام، وهو ان الشارع تصدى لوضع لفظ الصلان بإزاء المركب المخصوص وضعاً تعييناً أو تعينياً، وإنما الموجود ان هناك ماهية اعتبارية عقلائية مفروغاً عنها قام الشارع بتطبيقها على بعض المركبات وهو ما عبر عنه السيد الاستاذ ب «متمم الجعل التطبيقي». بيان ذلك:

ان لدى العقلاء ماهية اعتبارية وهو الميتة، فإن العقلاء بطبعهم يجتنبون الميتة. فلديهم ماهية ينفرون منها وهي الميتة، والميتة ما لم يذكى بالطريقة العقلائية، الشارع لم يضع لفظ الميتة لمركب جديد وانما قال: هذا المفهوم العقلائي للميتة ان اقوم بتطبيقه على ما لم يذبح ذبحا شرعياً، ليس شأن الشارع هو الوضع لأنه مشرع فإن دوره التطبيق، اقول: هذه الماهية وهي ماهية الميتة التي تعرفونها انتم العقلاء بأنها ما لم يذبح ذبحا مطيّباً للحم أنا اقوم بتطبيقها على من لم يذبح ذبحا شرعياً، فلا دور لي في الوضع وانما دوري في التطبيق، وهذا يسمى متمم الجعل التطبيقي. بمعنى ان هناك جعلا عقلائيا لماهية معينة قام الشارع بتتميم هذا الجعل لكن في مقام التطبيق.

وكذلك الامر في الصلاة فإن من الواضح ان لدى العقلاء ماهية اسمها الصلاة وهي عبارة عن اللين الخضوعي، التذلل الخضوعي، ماهية عقلائية، التذلل الخضوعي صلاة، والشارع لم يتدخل في هذه الماهية العقلائية في شيء وانما قال: هذه الماهية المسماة بالصلاة من مصاديقها ما جمع هذه الاجزاء والشرائط. فبناء على هذا المبنى ليس هناك عملية تقيد، الشارع الشريف يقول: الصلاة الجامعة للطهور والاستقبال الخالية من الضحك والبكاء والاستدبار، هذا المركب مصداق لماهية الصلاة.

فبناء عليه: يقول السيد الاستاذ «دام ظله»: فما هو الاثر المترتب على هذا المبنى في المقام؟ أي في مسألة الشرط على نحو الشبهة المصداقية في المانع. فاذا شككنا هل ان هذه الصلاة مقترنة بما لا يؤكل لحمه أم لا؟ على نحو الشبهة المصداقية؟ فما هو اثر ذلك المبنى في المقام؟

الجواب: اثر ذلك المبنى حيث ان الشارع لم يتدخل يضع الصلاة فلم يتدخل في تقييدها بشيء أو عدم تقييدها بشيء، وانما قال من مصاديقها هذا. فبالنتيجة: ما هو مصداق الماهية العقلائية المسماة بالصلاة مصداقها الوجود والطهور، الوجود وعدم ما لا يؤكل، فاذا شككنا ان هذه الصلاة مع الطهور أم لا؟

نستصحب الطهور، إذا شككنا ان هذه الصلاة مع ما لا يؤكل أم لا؟ نستصحب عدم ما لا يؤكل. فيتحقق بذلك مصداق الماهية العقلائية.

وأشكل على ذلك سيدنا الاستاذ «دام ظله» بأن المشكلة لا تنحل، لأن بحثنا في الماهية بل بحثنا فيما هو المأمور به؟ فلنفترض ان الشارع الشريف لم يتدخل في ماهية الصلاة بل قام بتطبيقها على مصاديق معينة، على أية حال ما قام بتطبيق الصلاة عليه هو المأمور به، فنسأل أن ذلك المأمور به هل هو لوحظ على نحو التقيد بالطهور والتقيد بعدم ما لا يؤكل؟ أو لوحظ على نحو واو الجمع؟

وبناء على ذلك: فلو كان الشارع في مقام الأمر لاحظ تقيد الصلاة بالطهور وعدم ما لا يؤكل فإن استصحاب الطهور أو استصحاب عدم ما لا يؤكل يكون اصلا مثبتاً. قال:

الوجه الثالث _لتقريب المانعية_: ما بينا عليه في الاصول في بحث الاقل والاكثر الارتباطيين: وهو: دعوى ان الاوامر بالسنن اوامر مولوية وليست ارشادا الى الجزئية أو الشرطية أو المانعية، ولهذا المبنى تقريبان:

التقريب الاول: هنا ثلاثة مجعولات:

المجعول الاول: الفرائض، «لا تعاد الصلاة الا من خمسة» فهناك امر بالخمسة مطلق.

المجعول الثاني: الامر السنن، سواء كانت اجزاء كالقراءة والتشهد والسلام، أو كانت شرائط كالاطمئنان، عدم البكاء، عدم الضحك. فهذا امر ايضا امر مطلق. اذن هذا امر مولوي مطلق وذاك امر مولوي مطلق فكيف يرتبطان؟

وهناك جعل ثالث حقق الارتباط بينهما، وهذا الجعل الثالث: من ترك السنن جزءا أو شرطا عن غير عذر فالامر بالفرائض لم يسقط في حقه. فجعل ترك السنن عن عمد «في الجعل الثالث» موضوعا لحكم جزائي اخروي ودنيوي

اخروي العقوبة، ودنيوي وهو الاعادة أو القضاء أو ثبوت الكفارة كما في الصيام، فالصيام مركب من فرائض وسنن، فمن ترك السنن كان «سنن الصوم» عن عمد كان تركه موضوعاً لحكم جزائي وهو ثبوت الكفارة، اذن بهذا الجعل الثابت حصل ارتباط بين الفرائض والسنن، وإلا فالأمر بالسنن هو امر مولوي مستقل عن الامر بالفرائض لكن المولى جمع بين الامرين بأن قال: من ترك السنن عن عمد لم يسقط عنه الامر بالفرائض أو طولب بالإعادة أو القضاء، فلا يوجد تقيد ولا تشرط، امر بالفرائض، امر بالسنن. جعل، من ترك السنن عن عمد كان موضوعاً لحكم جزائي. فلو شك في السُّنة كما إذا شك في وجود الشرط فاستصحب وجوده كما إذا استصحب الطهور الى حين الصلاة فلم يترك السنة عن عمد، أو شك في وجود ما لا يؤكل لحمه اثناء الصلاة، فاستصحب عدمه وصلى فإنه لم يترك السنة عن عمد كي يكون الترك موضوعاً للحكم الجزائي.

فبذلك يتحقق جعل المانعية ويتم عن الجواب عن الاشكال. وهو ان استصحاب القيد كيف يثبت التقيد، لأنه لا يوجد أي تقيد بالموضوع. هل هذا الكلام تام أم لا؟

ونقله سيد المنتقى في «المنتقى، ج1، ص398» عن الهمداني.

والحمد لله رب العالمين.