الدرس 85

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ما زال البحث في تصوير المانعية في المركّب، وذكرنا أنّ لتصوير المانعية في المركّب ثلاثة وجوه، وصل الكلام الى:

الوجه الثالث: وهو ما افاده السيد الاستاذ «دام ظله» ولهذا الوجه تقريبان:

التقريب الذي نقله المقرر في «رسالة اللباس المشكوك» من أنّ هناك مجعولات ثلاثة: المجعول الأول: الأمر بالفرائض. المجعول الثاني: الامر بالسنن. المجعول الثالث: أنّ من ترك السنن عن عمدٍ كان تركه موضوعاً لحكم جزائي من إعادة أو قضاء أو كفارة بحسب اختلاف الموارد.

وبهذا الجعل الثالث بحسب تعبير المقرر: ولولا هذا الجعل «الجعل الثالث» لكان ما امر به أو نهى عنه في الجعل الثاني واجباً في واجب، أو حراماً في واجب، وهكذا يتحقق إنشاء المانعية والشرطية.

ويلاحظ على هذا التقريب:

أن كون ترك السنن موضوعا لحكم جزائي لا يثبت المانعية والشرطية غايته ان من ترك السنن عن عمد فيعاقب وعقوبته ان يعيد الصلاة مع انه امتثل الامر بالفرائض وصلاته صحيحة، ولكن مع ذلك يجب عليه ان يعيد الصلاة عقوبة، أو يجب عليه ان يقضي الصلاة عقوبة، أو ان من افطر على سنة عمداً في اثناء نهار رمضان كما لو تعمد القيء مثلا فإن صومه صحيح لكن يجب عليه الاعادة عقوبة. فكون ترك السنة موضوعا لحكم جزائي لا يولّد ارتباطية بحيث يكون منشئاً للشرطية أو المانعية. فهذا التقريب لا يجدي في اثبات الشرطية أو المانعية.

وانما التقريب الآخر الذي احفظه عنه: في تقريب تحقيق الارتباطية بين السنن والفرائض، أن يقال:

بأنّ الشارع اصدر ثلاثة جعول: الامر بالفرائض، والامر بالسنن على نحو الامر المولوي؛ والجعل الثالث: أنّ من أخلّ بالسنة عن عذر فإن الفريضة لا تنتقض بذلك، واما من اخل بالسنة لا عن عذر فالفريضة منتقضة أي لا يسقط الامر بها. فسقوط الامر بالفريضة مشروط بعدم الإخلال بالسنة لا عن عذر. فمتى ما أخل بالسنة عن عذر سقط الامر بالفريضة، ومتى ما أخلّ بالسنة لا عن عذر لا يسقط الأمر بالفريضة، فببركة هذا الجعل الثالث تحققت الارتباطية بين السنن وبين الفرائض وتحقق الشرطية والمانعية في السنن.

وإلا بدون هذا الجعل الثالث لا يتحقق ارتباطية ما دام الامر بالسنن امرا مولوياً. وأمّا ما نقله سيد المنتقى «قده» عن المحقق الهمداني راجعنا مرة أخرى لم نجد هذا المطلب الذي نقله عن المحقق الهمداني حتى في الصحفة التي نقل عنها هذا المطلب لم نجد هذا المطلب، وهو دعوى أن الأوامر بالسنن اوامر مولوية وليست أوامر ارشادية. وبعد ان ذكر هذا المطلب السيد الاستاذ، ذكر امورا ثلاثة:

الأمر الأول: أن هذا هو مفاد حديث لا تعاد، فإن مفاد «لا تعاد الصلاة الا من خمسة القبلة والوقت والطهور والركوع والسجود، والقراءة سنة والتشهد سنة ولا تنقض السنة الفريضة».

يقول: مفاد هذه العبارة: «ولا تنقض السنة الفريضة» بيان الارتباطية بين السنة والفريضة وأنه إن اخل بالسنة عن عذر لم تنقض الفريضة وأن اخل بالسنة لا عن عذر انتقضت الفريضة، فهذا هو معنى هذه العبارة في صحيحة زرارة «لا تعاد الصلاة الا من خمسة».

وهو أيضاً ما ورد في الصحاح الاخرى: قال: «ان الله فرض من الصلاة الر كوع والسجود والقراءة سنة، فمن ترك القراءة متعمدا اعاد الصلاة ومن نسيها فقد تمت صلاته». فإن مفاد هذه الروايات ان الارتباطية بين السنن وبين الفرائض انما هي في فرض الاخلال بالسنن لا عن عذر.

ورتّب على ذلك السيد الأستاذ عدة ثمرات:

الثمرة الاولى: انه إذا شك في سنة من السنن على نحو الشبهة الحكمية مثلا لا ندري هل الاطمئنان شرط في الافعال أم ليس شرطاً؟ فحينئذ تجري البراءة عنه لأنه تكليف نفسي، ولا يدخل في بحث الاقل والاكثر الارتباطيين، فإنه إذا شك في أن الاطمئنان حال الافعال فقد شك في امر مولوي متعلق بذلك فهو مجرى للبراءة. وبجريان البراءة عنه يتنقح موضوع لا تعاد، لان المكلف إذا اجرى البراءة عنه فتركه كان تركه عن عذر، صدق عليه انه ممن ترك السنة عن عذر ومن ترك السنة عن عذر فلا ارتباط في حقه بين السنة والفرائض. ومقتضى عدم الارتباط صحة صلاته. فجريان البراءة عن السنة في الشبهة الحكمية محقق لموضوع لا تنقض السنة الفريضة لأنه ينفي الارتباطية بينهما في هذا الفرض.

فالبحث القائم في جريان البراءة في الاقل والاكثر الارتباطيين كيف يتصور؟ يقول على مبنانا سهل جدا لاننا ندعي أن الاوامر في السنن اوامر مولوية، في الصلاة لا أنها اوامر ضمنية بأنه كيف يتصور بحيث: كيف يتصور العلم الاجمالي بين الاقل والاكثر الارتباطيين.

الثمرة الثانية: وهو موضع الخلاف بينه وبين السيد الخوئي «قده» وهي استصحاب القيد وجوداً أو عدماً. فإذا شك المكلف في الصلاة انه على طهارة أم لا؟ فإنه يجري استصحاب الطهارة، استصحاب الطهارة على مبنى السيد الخوئي: من ان مرجع الشرط الى التقيّد، أن الصلاة الواجبة الصلاة المتقيدة بالطهارة، سوف يأتي الإشكال: أن استصحاب القيد لا يثبت التقيد، الا من باب الاصل المثبت. فلابد ان يجيب السيد الخوئي عن ذ لك.

او في موارد العدم، كما إذا قلنا بأنه يعتبر في الصلاة ان لا يكون الساتر مما لا يؤكل لحمه، فإذا شك في أن هذا الساتر مما يؤكل لحمه أو مما لا يؤكل، استصحاب عدم كونه مما لا يؤكل لا يثبت تقيد الصلاة بعدم ما لا يؤكل الا من باب الاصل المثبت. لكن يقول على مبنانا، لا شيء، لانه لا يوجد تقيد لا بالوجود ولا بالعدم، غايته ان الشارع امر اوامر مولوية بالسنن في الصلاة وقال من اخل بهذه السنن لا عن عذر لم يسقط الامر بالفريضة، ومن اخل بها عن عذر سقط الامر بالفريضة، وبالتالي حيث لم يأخذ التقيد وجودا أو عدما في الصلاة يجري استصحاب القيد وجودا وعدما بلا مانع ومن دون ان يكون اصلا مثبتاً.

الأثر الثالث _الذي تعرض له في ابحاث_: انه وقع البحث في باب التزاحم، هل ان التزاحم يتصور في الاوامر الضمنية أم لا؟

فإذن لو دار الامر بين القيام في الركعة الاولى اثناء القراءة أو القيام في الركعة الثانية اثناء القراءة فالأمر دائر بين سنتين في الصلاة.

فهنا افاد المحقق النائيني بأن المقام من باب التزاحم فنرجع لمرجحات باب التزاحم، أو دار الامر بين القراءة والقيام، اما اقرأ أو اقوم. فهذا من باب التزاحم. واعترض عليه سيدنا الخوئي وبنى تلامذته خلفه من السيد الشهيد والشيخ الاستاذ على انه لا يتصور التزاحم في الاوامر الضمنية وإنما يكون من باب التعارض، فلابد ان يرجع الى قواعد باب التعارض لا الى مرجحات باب التزاحم.

وهنا افاد السيد الاستاذ «دام ظله» بأنه على مبنانا من انه اوامر مولوية نفسية ظرفها الصلاة فلا محالة يكون دوران الامر بينها من باب التزاحم لا من باب التعارض.

الامر الثالث _اشكل على نفسه_: بأن هذا يقتضي ملاحظة الطبيعي وجها للفرد ولحاظ الطبيعي وجها للفرد غير معقول، لان الطبيعي يحكي عما طابقه لا عما ينطبق عليه. وهذا المبحث ذكر في الاصول في بحث «الوضع العام والموضوع له الخاص، وفي بحث المعنى الحرفي والهيئات. وأيضاً ذكر في حقيقة العلم الاجمالي وتعرضنا للبحث عند البحث عن حقيقة العلم الاجمالي».

ذكر هناك: بأنه عندما يريد الواضع ان يضع لفظا لكن لا على نحو الوضع العام والموضوع له العام، يعني لا يريد ان يضع اللفظ للمفهوم العام وإنما يريد ان يضعه للافراد نفسها، فهل يكون المفهوم العام حاكيا عن الافراد كي يضع اللفظ للافراد بلحاظ ان المفهوم العام مشير اليها؟

فهناك اشكال معروف ذكروه، بان: الكلي لا يحكي عن فرده، بل يحكي عن القدر المشترك بين الافراد، فإن الكلي يحكم عمّا طابقه لا عما ينطبق عليه.

وأجاب عنه هناك المحقق العراقي «قده»: بأن هناك فرق بين العناوين المتأصلة وبين العناوين المتأصلة والعناوين الانتزاعية. فالعناوين المتأصّلة: لا تحكي عن الفرد، لأنها تحكي عن طبيعة، فهي تحكي عمّا تتطابق معه لا عمّا تنطبق عليه، ككلي الانسان ككلي الحيوان، ككلي الكتاب، جميع المفاهيم المتأصّلة، يعني المفاهيم التي بإزاء مفهومها موجود خارجي إنما تحكي عن القدر المتشرك بين الافراد لا عن الفرد بخصوصياته الشخصية.

وهناك مفاهيم انتزاعية بمعنى انه ليس لها ما بإزاء وانما لها منشأ انتزاع، مثل عنوان الفرد، عنوان الشخص، عنوان الشيء. فيقولون هذه العنوانين العرضية تحكي عن الفرد فإن عنوان الفرد يحكي عن كل فرد بتمام خصائصه، وعنوان الشخص يحكي عن كل شخص بتمام خصائصه، ومن هذه العنوانين عنوان الاحد حيث ذهبوا الى ان عنوان الاحد عنوان انتزاعي، فإذا قال: اكرم احد الرجلين كان الأحد غير عنوان الرجل، فإن عنوان الرجل لا يحكي عن زيد بخصوصه لكن عنوان احد الرجلين يحكي عن زيد وعن بكر بلحاظ انه من العناوين الاختراعية لا من العناوين المتاصلة.

هذا البحث ذكر في الوضع العام والموضوع له الخاص. الكلام في تطبيقه على المقام.

فقد ذكر السيد الاستاذ «دام ظله» بأنه قد يشكل على كلامنا: بأنه هذه النسب المذكورة في الادلة نحو: «لا صلاة الا بفاتحة الكتاب»، فهنا نسبة، وهي النسبة المستفادة من ال «ب» «لاصلاة الا بفاتحة الكتاب» فهذه النسبة نعبر عنها نسبة الشرطية، مثلا، أو يقال: «صل فيما يؤكل» نسبة الظرفية المستفادة من كلمة «في» هذه النسبة هل يمكن ان تكون حاكيةً عن النسب الخارجية الموجودة أو المتحققة للمكلف اثناء الصلاة، بأن يقول المولى: مقصودي بقولي لا صلاة الا بفاتحة الكتاب مقصودي بهذا ان من اخلّ _نظر الى الخارج_ بفاتحة الكتاب لا عن عذر فإن الامر بالصلاة لا تسقط عنه. فجعلت هذا المفهوم الذهني وهو نسبة الشرطية معبرا عن النسبة الخارجية وهي ما إذا اخل بالفاتحة لا عن عذر فإن الأمر بالصلاة لا يسقط عنه.

فيرد الإشكال علينا: بأن الطبيعي لا يحكي عما ينطبق عليه وانما يحكي عما يطابقه.

فنجيب بما اجاب به العراقي: من ان نسبة الشرطية نسبة الظرفية هذه من العناوين الانتزاعية القابلة لان تحكي عن النسب الخارجية بخصوصياتها. انتهى مطلبه.

ويلاحظ على افاده «دام ظله»:

أولاً: بأن ظاهر الاوامر بالسنن انها اومر ارشادية الى الجزئية والشرطية. فإذا قال: «يا علي لا تصلي فيما لا يؤكل لحمه» أو «لا تصلي في الميتة» فإن ظاهره الإرشاد الى المانعية. لا انه نهي مولوي.

وكذلك قوله في صحيحة معاوية ابن عمار: «إ ذا صليت فأقرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين» فإن ظاهره الارشاد الى الجزئية.

وكذا قوله: «اذا قوي فليقم» فإنه ظاهر الى الارشاد الى شرطية القيام. أو قوله : «فليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة» فإن ظاهره الارشاد الى شرطية الاستقرار، وهكذا.

ولو لم نسلّم ظهور هذه الادلة في الارشاد فلا إشكال في ظهور الادلة الاخرى وهي قوله «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» أو «لا صلاة لمن لم قم صلبه في الصلاة» في الارشاد الى الشرطية والجزئية. لا انها اوامر مولوية.

إذن بالنتيجة دعوى انها اوامر مولوية خلاف الادلة.

الرواية: صحيحة حمّاد عن حريز عن زرارة، سألت ابا عبد الله : «سألته عن الفرض في الصلاة؟ فقال: الوقت والطهور والقبلة والتوجه والركوع والسجود والدعاء، قلت فما سوى ذلك؟ قال: سنة في فريضة». يقول: فظاهرها ان البقية أوامر نفسية ظرفها الصلاة لا أنها ارشاد الى الشرطية أو الجزئية، سنة في فريضة.

أقول: قوله «سنة في فريضة» لا ظهور له في انها أوامر مولوية ظرفها الصلاة، وإنما لأن السائل سأله أولاً: سألته الفرض في الصلاة؟

مع أن الفرائض في الصلاة مقومة للصلاة ومع ذلك عبّر عنها السائل بلفظ «في» «سألته عن الفرض في الصلاة» فلأن السائل عبّر بالظرفية جاء الجواب: الفرض في الصلاة كذا والباقي سنة في الفريضة يعني سنة في الصلاة، لا انه يريد ان ينبه انها أوامر مولوية ظرفها الصلاة. وعلى فرض انعقاد هذا الظهور فقد قامت القرينة من الروايات الأخرى على أنها شرائط أو اجزاء، كما في قوله «لا صلاة الا بفاتحة الكتاب» وقوله: «لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الصلاة». وأمثال ذلك من الروايات.

ثانياً: ان ما افاده من الثمرة، حيث قال على مبانا: انه يجري في الاصل وجوداً وعدما ولا يكون اصلا مثبتاً، هذا يتم في السنن لكن في الفرائض ماذا يقول؟

فلو شك في الطهور والطهور من الفرائض لا من السنن، فلو شك في الطهور أثناء الصلاة، فهل يجري استصحاب الطهور أم لا؟

فإذا قلنا لا يجري فخلاف صحيحة زرارة، وإن قلنا يجري فالطهور معتبر في الصلاة على اية نحو؟ قطعا ليس في الصلاة وإنما هو شرط فيها لا محالة، فإن هذه الاوامر النفسية إنما هي حين توسلنا بها في السنن، اما في الفرائض فهي مقومة للصلاة اما جزءا أو شرطا فيرجع الاشكال مرة اخرى، بأنه ما هي علقة الطهور بالصلاة؟ فإن كانت عقلة التقيد كما ذكر سيدنا الخوئي ورد الإشكال. ولا بد من حل. وإن كانت علقة أخرى وهو دعوى التركيب بأن نقول المأمور به صلاة وطهور لم يبق فرق بين الجزء والشرط المقومين للصلاة لان كليهما متعلقه نفس العنوان لا التقيّد.

فنفس الاشكال الذي ورد على السيد الخوئي يرد عليه فيما هو من الصلاة، يعني من الاجزاء والشرائط المقومة للصلاة.

والحمد لله رب العالمين.