الدرس 86

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

كان الكلام في الأمر الاول: وهو تصوير المانعية، في الواجبات الارتباطية. وذكرنا ان تصوير المانعية ما بنحو التقيد بالعدم كما ذهب اليه سيدنا «قده» أو بنحو تطبيق الماهية الاعتبارية العقلائية على المصداق، أو بنحو وجوب السنة في الفريضة الذي ذهب اليه السيد الاستاذ «دام ظله».

وقد ذكر السيد الأستاذ الى ان ما أفاده من ان مرجع الشرطي والمانعية والجزئية في باب السنن الى الواجب في الفريضة، وأما الارتباطية بينهما في فرض الإخلال.

وما أفاد «دام ظله» أن مفاد «لا تعاد الصلاة الا من خمسة». وقد سبق الاشكال عليه.

ومن جملة ما يرد عليه:

ان حديث لا تعاد، ليس ظاهرا فيما افاده، بل ان قوله: «لا تعاد الصلاة الا من خمسة القبلة والوقت والطهور الركوع والسجود، _ثم قال_ والقراءة سنة والتشهد سنة ولا تنقض السنة الفريضة» ليس ظاهراً في أن السنة واجب في واجب، وان الربط بينهما هو في عالم الاخلال فإن اخل عن عذر بطلت الفريضة وان اخل عن عذر صحة الفريضة، بل يمكن حمل مفاد حديث لا تعاد اما على أن هناك وجوبا استقلاليا نفسيا متعلقا بمركب من سنن وفرائض على نحو الوجوبات الضمنية غاية ما في الباب ان من اخل بسنة من سننه عن عذر فإن الشارع يسقط عنه الأمر بالمركب امتنانا عليه كما ذهب اليه شيخنا الاستاذ «قده» بناء على ان التصرف في عالم المسقطية أمر ممكن. أو انه يحمل ذلك على ما ذكرناه سابقاً من وجود امرين:

أمر: بالمركب التام من السنن والفرائض. وامر: بالجامع بين المركب التام حال عدم العذر والمركب الناقص حال العذر. والامر الاول مشروط بقاء بعدم امتثال الأمر الثاني فمتى ما امتثل الأمر بالجامع سقط عنه الأمر الاول.

وبهذا التصوير يمكن تطبيق مفاد «لا تنقض السنة الفريضة».

فالنتيجة: أنه ظاهر هذا التعبير لا يؤدي على ما ذهب اليه من ان السنن واجب في واجب.

اذن ما هو الصحيح؟ حيث إنه ذكر أن تصوير المانعية على ثلاثة انحاء، ما على النحو الذي ذهب اليه سيدنا «قده» من ان مرجع المانعية الى التقيد بالعدم، أو الى ما ذهب اليه السيد البروجردي من رجوعه على متمم الجعل، أو لما ذهب اليه هو من قبيل الواجب في الواجب؟

فإذا لم نقبل مبناه ولم نقبل مبنى السيد البروجردي، فالمتعين هو القبول بمبنى سيدنا «قده» من أن مرجع الشرطية والمانعية الى التقيد، غايت إن القيد إن كان وجودياً كان شرطا وان كان عدميا سمي مانعاً.

وأما اشكال المثبتية: وهو انه إذا قلتم بأن مرجع الشرطية والمانعية الى اعتبار التقيّد، فاستصحاب القيد وجوداً لا يثبت التقيد، واستصحاب عدم المانع لا يثبت التقيد بالعدم الا بنحو الاصل المثبت؟.

فالجواب عن ذلك: ما ذكرناه سابقاً: من انه اثبات التقيد بجريان الاستصحاب في القيد وجودا وعدما ليس من الاصل المثبت والسر في ذلك:

أنه فيما كان التلازم بينهما بيّنا بحيث إذا تصور الذهن الاول تصور الثاني، فبينهما ملازمة في التصور، يعد ترتيب الثاني عند تنقح الاول من نقض اليقين بالشك لا من نقض اليقين باليقين، بمعنى انه إذا قال المولى: لا تنقض اليقين بالشك. وطبّقنا «لا تنقض اليقين بالشك» على الملزوم، فقلنا: انت تشك في أنك على طهارة أم لا وقد كنت سابقا على يقين من طهارتك، فيجري في حقك استصحاب الطهارة، فإذا جرى في استصحاب الطهارة الى حين الصلاة، فلو لم يرتب على هذا الاستصحاب «استصحاب الطهارة الى حين الصلاة» اقتران الصلاة بالطهارة لكان من نقض اليقين بالشك، لأن هناك تلازما بيّناً حصول الطهارة اثناء الصلاة، وبين اقتران الصلاة بالطهارة. فالتفكيك بينهما عرفا بأن يقال: انت الآن أيها المصلي أنت المصلّي على طهارة لكن لم تقترن الصلاة بالطهارة، فإن التفكيك بينهما مستهجن عرفا لوضوح التلازم بينهما بحيث الذهن إذا تصور الطهارة حال الصلاة تصور اقتران الصلاة بالطهارة. فإثبات اقتران الصلاة بالطهارة باستصحاب الطهارة الى حين الصلاة ليس من الاصل المثبت، ما دام اللزوم بينهما بحيث يعد عدم ترتيب الاثر الثاني على استصحاب الاول من نقض اليقين بالشك عرفاً. هذا تمام الكلام في تصوير المانعية وما يرد عليه وما يجاب به.

الامر الثاني: في تصوير الشرطية. قد تعرض الاعلام في رسائلهم: «اللباس المشكوك». الى هذا البحث وهو تصوير الشرطية.

فقالوا: بأن الشرطية تارة: تكون تنجيزية، وتارة: تكون تعليقية.

فالشرطية التنجيزية لا اشكال فيها، بأن نقول: يجب على المكلف ان يستر عورته حين الصلاة، هذا ليس فيه اشكال. أو يجب على المكلف استقبال القبلة حين الصلاة. الشرطية التنجيزية ليست محطاً للاشكال، انما الاشكال في الشرطية التعليقية بأن يقال:

لنفترض: إذا صلى المصلي عند قبر المعصوم فيشترط في صحة صلاته التأخر عنه. هذه شرطية تعليقية، هل ان الشرطية التعليقية أمر صحيح أم لا؟

وإلا لا كلام في الشرطية التنجيزية، انه يشترط في صحة الصلاة ستر العورة على كل حال، يشترط في صحة الصلاة على كل حال الطهارة، يشترط في صحة الصلاة على كل حال الاستقبال.

ولكن هناك نحو اخر من الشرطية: إن صلت عند قبر المعصوم فيتشرط في صحة صلاتك التأخر عن قبر المعصوم.

هل هذا النوع من الشرطية صحيح أم لا؟

وقد ذكر السيد الاستاذ «دام ظله» بحسب «التقرير» ان هناك اشكالين في جعل الشرطية التعليقية في المقام: حيث إن المقام من قبيل الشرطية التعليقية وهو ان يقال: إن صلّيت في اللباس الحيواني فيشترط في صحة صلاتك أن يكون مأكول اللحم، والا لا يشترط أن تصلي في اللباس الحيواني. حيث بإمكان المكلف أن يصلي في لباس نباتي. أو على مبنى بعض الاعلام: يمكن ان يصلي في الخشب، أو الحديد بمعنى انه لا يجب ستر العورة بلباس حيواني، بل قد يصلي في ساتر نباتي أو يصلي في ساتر من الخشب أو الحديد، لا يجب عليه ابتداء ان يصلي في لباس حيواني، إذن الشرطية في المقام شرطية تعليقية «إن صليت في لباس متخذ من الحيوان فيشترط في صحة صلاتك ان يكون من حيوان مأكول» فهذه شرطيه تعليقية، وبناء على انها شرطية تعليقية فلابد من بحث أنها أمر معقول صحيح أم لا؟

لذلك ذكر السيد الأستاذ إشكالين في المقام:

الاشكال الاول: هو المذكور في كتبهم «اللباس المشكوك»: ومحصّله: أن يقال: أن هنا مقدمات ثلاثة:

المقدمة الاولى: الشرطية التعليقية تقتضي اخذ المعلق عليه موضوعا للحكم. فإن قال: «ان صليت عند قبر المعصوم فتأخر» صارت الصلاة عند قبر المعصوم موضوعاً، والحكم المترتب على هذا الموضوع هو التأخر. فمرجع الشرطية التعليقة الى أخذ المعلق عليه موضوعاً للحكم.

المقدمة الثانية: ان كل ما اخذ موضوعا للحكم اخذ مفروض الوجود لان مرجع الاحكام الى قضية حقيقية ومرجع القضية الحقيقية الى قضية شرطية، مؤداها أنه: كلما فرض وجود الموضوع ترتب عليه الحكم. ففعلية الحكم تبع لفعلية الموضوع. _اذن اي شيء تسميه موضوع لابد ان يلحظ في مقام الجعل مفروض الوجود_ فأخذ الشيء في الموضوع مستلزم للحاظه في مقام الجعل مفروض الوجود. بعد تمامية المقدمتان نطبقهما على محل الكلام:

فاذا قال الشارع: «إن كان لباسك من الحيون فيشترط أن يكون من حيوانت مأكول».

فإذن قوله: «إن كان لباسك من الحيوان اخذ موضوعاً» والموضوع يحلظ في مقام الجعل مفروض الوجود. هنا يأتي الإشكال في

المقدمة الثالثة: فهما هو الذي فرض وجوده في عالم الجعل؟ فهل أن المولى في مقام الجعل عندما فرض أنّ اللباس الحيواني موجود فعندما فرض أن اللباس الحيواني موجود هل فرضه من مأكول اللحم؟ أو فرضه من غير مأكول اللحم؟ إذ لا ينفك الموجود خارج عن أحدهما، فإن الموجود خارجا من اللباس الحيواني اما من المأكول أو غير المأكول ولا شق ثالث. وعندما تقولوا المولى اخذه موضوعا والموضوع مفروض الوجود، إذن ما الذي فرض وجوده في عالم الجعل؟ هل فرض اللباس الحيواني المأكول أو فرض اللباس الحيواني غير المأكول؟ فإن فرض اللباس الحيواني المأكول وقال: يشترط فيه ان يكون فيه من المأكول كان طلبا لتحصيل الحاصل، إذ لا معنى لان يقول: ان كان لباسك الحيواني من المأكول فيشترط في صحة صلاتك أن يكون من المأكول. هذا طلب للحاصل.

وان فرضه من غير المأكول بأن قال: ان كان لباسك الحيواني من غير المأكول فيشترط في صحة صلاتك ان يكون من المأكول. فهذا طلب للجمع بين الضدين وهو غير معقول.

إذن لا محالة فالشرطية التعليقة أمر غير معقول، لأنّ المعلق عليه مفروض الوجود لكونه موضوعا فإذا فرض وجوده في مرحلة الجعل فإما أن يفرض وجوده واجداً للشرط، فطلب الشرط تحصيل للحاصل، أو فاقد له فطلب الشرط جمع بين الضدين.

وتعرض له سيد المستمسك «قد» في «ج5، ص323»:

«ثم انه قد يتشكل على الشرطية بانه لا يمكن الاخذ بإطلاق الشرطية _اي انه لا يمكن نقول بأن الشرطية شرطية تنجيزية مطلقة_ ضرورة جواز الصلاة في غير ما يؤكل لحمه من القطن والكتان وغيرهما من انواع النباتات. _فاذن الا اشكال في ذلك فإذن الشرطية ليست شرطية تنجيزية_ فلابد إما من الالتزام بأن الشرط هو الجامع _يعني يشترط في صحة الصلاة الجامع بين ان يكون اللباس نباتيا أو حيوانيا من مأكول اللحم الشرط هو الجامع_ فلابد اما من الالتزام بكون الشرطية تخيريية، يعني ان الشرط اما القطن والكتان أو ما يؤكل لحمه من الحيوان أو تكون الشرطية منوطة _يعني شرطية تعليقية_ بكون اللباس حيوانياً. والاول _ان الشرط هو الجامع بأن يقول الشارع: يشترط في صحة صلاتك ان تتستر بالجامع يعني بالجامع بين النبات أو مأكول اللحم_ خلاف ظاهر الادلة. _ما عندنا دليل صاغ الشرطية بهذا النحو، كل الادلة الواردة في اللباس «لا تصلي في ما لا يؤكل»، «إن الصلاة في وبر كل شيء حرام اكله فالصلاة فيه فاسده» ما عندنا دليل ظاهر في شرطية الجامع_ والثاني غير جائز «غير جائز عقلا» لان اللباس الحيواني المفروض وجوده إن كان من مأكول اللحم فالشرط حاصل والامر به أمر بتحصيل الحاصل، وان كان من غير مأكول اللحم فالشرط ممتنع والامر به أمر بالممتنع».

أجاب عنه السيد محسن الحكيم «قده»:

وفيه، ان المنوط به الشرطية ليس اللباس الحيواني المتشخص يعني ما لوحظ التشخص، بل نفس اللباس الحيواني، قال: إن كان اللباس حيوانياً «لا ان تشخص» فيشترط في صحة الصلاة فيه ان يكون من المأكول، _فموضوع هذه الشرطية كون اللباس حيوانياً لا تشخصه حتى يسأل: هل تشخص في المأكول أو تشخص في غير المأكول؟! _ وهو يمكن ان يكون على نحو لانك لاحظت فيه الطبيعي. يمكن ان يكون على نحوين، فإن كان المتشخص منه لا يكون على أحد النحوين في عينه، يعني هذا أمر في الخارج، ان المتشخص لا يكون الا بأحد النحوين لكن في عالم اللحاظ لم يلحظ التشخص.

وقد اجاب انه السيد الحكيم في المستمسك، بأن الموضوع هو: كون اللباس من اجزاء طبيعي الحيوان الشامل للقسمين فيصح الاشتراط. ويلاحظ عليه «هو يشكل على استاذه السيد الحكيم»، ويلاحظ على ذلك:

انه ينافي كون الموضوع مفروض الوجود _فلازم تفرضه متشخص، كيف تلغي حيثية التشخص، دائما الموضوع في مرحلة التشخص مفروض الوجود ومعنى انه مفروض الوجود يعني لوحظ متشخصاً_ والوجود مساوق للتشخص فلا محالة لابّد أن يلحظ متشخصاً ضمن إحدى الحيثيتين. فيعود الاشكال.

ولكن هذا الاشكال بعينه طرحه المحقق النائيني في الاصول «بحث الترتب» ونقله عنه الاعلام عنه واجابوا عنه ومنهم السيد الاستاذ أيضاً:

ومحصّل الاشكال: انه في بحث الترتب قالوا: إذا وقع التزاحم بين التكليفين النفسيين كما إذا وقع التزاحم بين الصلاة آخر الوقت وانقاذ الغريق، فهنا ترتب بأن يقول المولى: انقذ الغريق فإن لم تنقذ فصل.

فهل هذا الترتب معقول أم لا؟

فقد اشكل النائيني بهذا الاشكال المذكور في المقام فقال:

إن المولى إذا قال في مرحلة الجعل: إن لم تنقذ الغريق فصلي، فقد لاحظ عدم الانقاذ موضوعاً، والموضوع مفروض الوجود، فما فرض وجود اما عدم الانقاذ ضمن الصلاة أو عدم الانقاذ ضمن حالة غير الصلاة، لان عدم الانقاذ لا ينفك خارجا، فإن من لم ينقذ الغريق خارجا اما اشتغل بالصلاة فلم ينقذه أو اشتغل بضد من اضداد الصلاة كالخياطة والغناء والرقص واشابه ذللك. فإن كان ما فرض وجوده عدم الانقاذ ضمن الصلاة فطلب الصلاة تحصيل الحاصل، بأن يقول: ان لم تنقذ الغريق حين الصلاة فصلي، طلب الحاصل، وان كان عدم الانقاذ متشخصا في حالة اخرى غير الصلاة فيلزم الجمع بين الضدين بأن يقول: فإن لم تنقذ حالة الخياطة أو حالة الرقص فصلّ، فهذا أمر بالجمع بين الضدين.

هذا إشكال على الترتب الذي شيّد اركانه المحقق النائيني وتبعه الاعلام في ذلك.

الجواب: قالوا نعم، الموضوع مفروض الوجود ولكن ما فرض وجوده نفس الطبيعي لا الطبيعي بالمشخصات، وإن كانت تسميتها بالمشخصات تسمية غير دقيقة، يقولون في الفلسفة: «هذه مقارنات التشخص لا انها مشخص». وبيان ذلك:

انه إذا تشخص وجود زيد، فهنا وجودات لا وجود واحد اقترنت في عالم التشخص، تشخص الجواهر وتشخص عرض الاول، وتشخص عرضه الثاني لان كل هذه ماهيات متباينة بتمام الذات والذاتيات فلكل ماهية تشخص بإزائها. فزيد هذا ليس واحد بل هو، ذات زيد علم زيد قيام زيد، وجودات.

فإذن بالنتيجة فما هو الذي لحظ مفروض الوجود تشخص نفس الطبيعي التشخص ذات الطبيعي لا تشخص الخصوصيات المفرّدة ككونه زيداً أو بكراً، فإذا كان الملحوظ تشخص ذات الطبيعي ولم يلحظ معه تشخص المأكولية أو عدم المأكولية كما في محل الكلام، ولم يلحظ معه تشخص الصلايتة وضد الصلاتية كما في الاشكال في بحث الترتب فالاشكال حينئذٍ غير وارد.

فيريد ان يقول: ان طبيعي عدم الانقاذ إذا وجد منك فحينئذٍ فصلي.

او يقول: ان طبيعي اللباس الحيوان ان فرض فليكن من المأكول. ولعل هذا هو المقصود من السيد الحكيم «قده».

والحمد لله رب العالمين.