الدرس 88

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ذكرنا فيما سبق: أن سيدنا الخوئي «قده» اشكل على المحقق العراقي: بأن مصبَّ الأمر الضمني الشروط والموانع، هو فعل اختياري لأنه لا يعقل تعلق الامر الا بما هو فعل اختياري، فلا محالة إذا قلنا بأن مرجع الشرط الى التقيد ومرجع المانع الى التقيد بالعدم فصار التقيد هو مصباً ومتعلقا للأمر الضمني فلابد وان يكون التقيد امرا اختياريا، واذا كان التقييد امرا اختياراي كان القيد اختيارياً. اذ لا يعقل ان ينشأ التقيد من قيد غير اختياري.

ولكن إذا رجعنا الى عبارة المحقق العراقي في «رسالة اللباس المشكوك، ص143»: فان ملخص ما افاده في هذا الموضع مقدمتان: كبروية وصغروية:

اما المقدمة الكبروية: فقد افاد: ان الشرط والمانع تارة: ليس هو علقة بالخارج’ اي بموضوع خارجي. وتارة: له علقة بموضوع خارجي، فان لم تكن له علقة بموضوع خارجي، مثل شرطية الاطئمنان مثل مانعية التكتف، فإن الاطمئنان في نفسه شرط والتكتف في نفسه مانع، فهنا حيث إن الشرط والمانع ليس لهما علقة بموضوع خارجي فلا محالة يتعلق الامر الضمني أو النهي الضمني بهما، فهناك امر ضمني بالاطمئنان، وهناك نهي ضمني عن التكتف. وتارة: يكون الشرط والمانع ذا علقة بموضوع خارجي: كأن يقول المولى: استقبل الكعبة أو لا تلبس الثوب النجس، فيكون مرجع الشرطية والمانعية الى ما له علقة بالخارج. وفي هذا النوع الثاني وهو ما إذا كان للشرط علقة بالخارج، وكان للمانع علقة بموضوع خارجي، تارة يستفاد من سياق الدليل أو من القرائن الارتكازية انه: يجب تحصيل القيد عقلا، أو يجب تحصيل عدم القيد عقلا، مثلا: إذا قال المولى: توضأ بالماء. إذا اردت ان تصلي فتوضأ بالماء. فالشرط هنا له علقة موضوع خارجي وهو الماء «توضأ بالماء» والمستفاد من سياق الدليل: ان التوضأ بالماء مطلوب ولو بإيجاب الماء، يعني القيد يجب تحصيله عقلا، التوضأ بالماء مطلوب ولو بإيجاد الماء، فلو فرضنا ان المكلف قادر على ان يوجد الماء قارد على ان يذيب الثلج ويحوله الى ماء، فان المستفاد من سياق الدليل ان التقيد الصلاتي بالوضوء بالماء مطلوب على كل حال ولو بإيجاب القيد، فالقيد واجب التحصيل عقلاً. أو يستفاد من الدليل. هذا بالنسبة الى القيد والشرط.

اما بالنسبة الى المانع:

عندما يأتي الى الدليل فيقول: لا تتستر بساتر نجس، مثلا، فنستفيد من هذا الدليل: لو كان الساتر النجس موجبا لاضطرار لبسه فإيجاده منهي عنه يعني لو اتلفت المكلف انه ان اوجد الساتر النجس لاضطر الى لبسه في الصلاة، فإن ايجاده منهي عنه. فيستفاد من سياق الدليل مطلوبية عدم هذا التقيد ولو بإعدام قيده كما استفدنا من الشرط مطلوبية التقييد ولو بإيجاد قيده، كذلك هنا يستفاد من سياق الدليل مطولبية بالعدم ولو باعدام القيد.

وتارة: لا، ما نستفيده من الدليل ان هذا التقيد شرط ان وجد القيد، ان وجد القيد فالتقيد مطلوب، كما في تقيد الصلاة بالوقت، فان المولى لا يطلب منك ايجاب الوقت، بل يقول: ان وجد الوقت إذا حل الزوال، فأت بالصلاة مقيدة به، فالتقيد مطلوب على فرض وجود القيد، لا أن المطلوب التقيد على كل حال ولو بإيجاد القيد.

وكذلك الامر في ناحية المانع، قد يكون المستفاد من الدليل ان التقيد بالعدم مطلوب، أو فقل: ان المانع منهي عنه ان وجد القيد لا انه منهي عنه على كل حال، فعندما يقول المولى: دم الاستحاضة مانع من صحة الصلاة _اذا لم نرجع دم الاستحاضة الى الطهارة الحدثية، وقلنا في حد ذاته هو مانع_ دم الاستحاضة مانع من صحة الصلاة، فأن المولى لا ينهى عن الصلاة مع دم الاستحاضة على كل حال ولو باعدام دم الاستحاضة، وانما يقول: على فرض وجود دم الاستحاضة فالصلاة معه منهي عنها. اذن في الشرط والمانع تارة يستفاد من الدليل مطلوبية تحصيل القيد عقلا أو مطلوبية اعدام القيد عقلا، أو يستفاد من الدليل: ان التقيد مطلوب ان وجد القيد، وان التقيد بالعدم موجود ان وجد منشأ المانع. هذا كله كلام الكبرى. وهي المقدمة الاولى.

المقدم الثانية: المقدمة الصغروية وهي ما لها علقة بمحل كلامنا: «لبس مأكول اللحم، أو لبس غير المأكول في الصلاة»

فقد أفاد المحقق العراقي «ص144» جهتين في هذه المقدمة:

الجهة الاولى: هل ان الشرط في صحة الصلاة لبس ما يؤكل أم ما نعية لبس ما لا يؤكل؟ هذا بحث. أو أن الشرط مأكولية اللحم بدون دخل في اللبس «هذا محل الخلاف بينه وبين السيد الخوئي» هل ان مصب البحث شرطية لبس ما يؤكل أو مانعية لبس ما لا يؤكل؟ فادخلنا اللبس في الشرط، وجعلنا محط الامر والمانع فعلا اختياريا، أو ان المستفاد من الادلة شرطية ما يؤكل لا لبس ما يؤكل، ومانعية ما لا يؤكل من الحيوان من دون ادخال عنصر من الافعال الاختيارية في الشرط أو المانع. فإن كان الشرط هو لبس ما يؤكل أو المانع لبس ما لا يؤكل: فالأمر واضح حينئذ لأنّ مصب الشرطة أو المانعية فعل اختياري للمولى وينتهي المحذور غاية ما في الامر ان ما لا يؤكل صار دخيل في القيد، يعني لس الشرط أي لبس بل لبس ما يؤكل، وليس المانع اي لبس بل لبس ما يؤكل، وليس المانع أي لبس بل لبس ما لا يؤكل.

وأما إذا قلنا المستفاد من الشرط: ما يؤكل. كون الصلاة في ما يؤكل، كون الصلاة فيما لا يؤكل، فلا محالة متعلق الشرط والمانع ما يؤكل من الحيوان، ما لا يؤكل من الحيوان، فالحيوانية دخيلة في قيد الشرط والمانع.

هذه الجهة الاولى.

الجهة الثانية: الثمرة المترتبة على ذلك: قال: فلو ركزنا على المانعية: إذا استفدنا من الادلة ان المانع لبس ما لا يؤكل.

وشككنا في ان هذا الثوب مما يؤكل أو مما لا يؤكل؟ فيقول: حينئذ تجري البراءة لان المورد من موارد الأقل والاكثر الارتباطيين. والسر في ذلك:

انه المتيقن مما لا يؤكل لا تصح الصلاة فيه، والمشكوك مما يؤكل أو لا مما لا يؤكل، تجري البراءة عن مانعيته، لأننا لا ندري أن هذا اللبس المعين هل هو مما يؤكل أو مما لا يؤكل، فنشك في تقيد الصلاة بعدمه فنجري البراءة عن هذا التقيد، كما حرر في بحث الأقل والاكثر الارتباطيين. بالنتيجة نحن نتيقن بتقيد الصلاة بعدم ما أحرز انه مما لا يؤكل ولا ندري هل الصلاة تقيدت بعدم ما شك في انه مما لا يؤكل فتجري البراءة عن التقيد وهذا ما عبر عنه النائيني «بالمانعية الانحلالية»، لان كل فرد مما لا يؤكل فهو مانع في حد نفسه، فاذا شككنا ان هذا مما لا يؤكل أم لا فقد شككنا في مانعيته، فنجري البراءة عن مانعيته.

واذا استفدنا من الادلة القسم الثاني: وهو ان المانع من صحة الصلاة ما لا يؤكل من الحيوان من دون ادخال للبس. يقول: بعد ان استفدتم هذا نسألكم: هل ان القيد واجب الاعدام الذي ذكر في المقدمة الكبروية؟ أو استفدتم منه على نحو التعليق، يعني إن وجد القيد فلا، لا انه واجب الاعدام. فان استفدتم من الادلة انه واجب الاعدام، من لا يؤكل من الحيوان مانع من صحة الصلاة فعليك باعدام هذا ولو باعدام القيد بأن تعدم ما لا يؤكل، إذا استفدتم ذلك وشككتم ان هذا مما يؤكل أو مما لا يؤكل؟ أو ان هذا اساسا من الحيوان أو ليس من الحيوان؟ جرت البراءة عن مانعيته كما قلنا الصورة الاولى.

اما إذا استفدنا من الادلة ان المانعية على فرض وجد القيد: ان وجد لباس حيواني فلا يتصل فيما لا يؤكل منه، فمانعية ما لا يؤكل على فرض وجود لباس حيواني «ان وجد لباس حيواني فلا تصلي فيما لا يؤكل منه» انت غير مكلف بالقيد لكن ان وجد فلا تصلي فيما لا يؤكل منه. فهنا لا تجري البراءة، إذا شككتم ان اللبس حيواني أو نباتي يمكن اجراء البراءة، اما لو شككتم ان اللبس حيواني وشككتم انه مما يؤكل أو مما لا يؤكل فهنا لا تجري البراءة بعد احراز اللبس حيواني لكن لا ندري انه مما يؤكل أو مما لا يؤكل، هنا لا تجري البراءة لان المانعية على الفرض، يعني على فرض وجود لبس حيواني فما لا يؤكل منه مانع، اذن فبمجرد ان تحرز وجود لبس حيواني فقد تقيد الصلاة بعدم ما لا يؤكل منه، وبعد ان تقيدت الصلاة بعدم ما لا يؤكل منه إذا شككت ان هذا مما يؤكل أو مما لا يؤكل فإجراء البراءة عن مانعيته لا يحرز تقيد الصلاة بعدمه. هذا تمام ما افاده العراقي.

وبعد ان اتضح كلام المحقق العراقي اتضح لنا المناقشة «مناقشة السيد الخوئي لكلام المحقق العراقي» حيث ذهب السيد الخوئي ذهب الى انه لا يعقل ان يكون مصب الشرطية نفس ما يؤكل، لابد من ادخال اللبس، ولا يعقل ان يكون مصب المانعية نفس ما لا يؤكل بل لابد من ادخال عنصر اختياري في البين، وعلل ذلك بأن ما يؤل وما لا يؤل عبارة عن ما يحل وما يحرم، والحلية والحرمة ليست فعلا للمكلف بل هي فعل للشارع فكيف يشترط على المكلف فعل الشارع؟

والجواب عن ذلك:

هل ان المحذور بنظره «قده» في أن الحكم الشرعي؟ لا يكون موضوعا لحكم شرعي؟ أم ان الموضوع في ذهنه هو مجرد عدم الاختيار مع غض النظر عن كونه حكماً شرعياً. فان كان المحذور الذي في ذهنه انه: بما انه ما يؤكل وما لا يؤكل هو عبارة عن حلية وحرمة، والحلية والحرمة حكم شرعي، فكيف يكون موضوعا لحكم شرع؟

فالجواب: انه لا مانع من ذلك، فانت تقول: النجس يحرم شربه، والنجاسة هي حكم شرعي، وصارت موضوعاً لحكم شرعي آخر، وهنا أيضاً الحرمة التكليفية تكون موضوعا لحكم وضعي، يحرم اكل الحيوان وهذه الحرمة موضوع لفساد الصلاة وعدم صحة الصلاة، فكما يكون الحكم الوضعي وهو النجاسة، موضوعا لحكم تكليفي هو الحرمة يكون الحكم التكليفي وهو الحرمة موضوعا لحكم وضعي وهو فساد الصلاة أو صحتها.

واذا كان المحذور في ذهنه الشريف هو عدم الاختيار، ان حلية الحيوان وحرمة الحيوان ليست اختيارية للمكلف فالمحذور في عدم الاختيارية لا ان المحذور في كونه حكما شرعيا. فالمفروض ان العراقي لا يدعي ان لا نصيب للاختيار وانما يقول: الفعل الاختياري مقدمة للتقيد، يعني التقيد نفسه لم يؤخذ فيه فعل اختياري بل قال المولى: يجب عليك صلاة مقيدة بما يؤكل، أو يجب عليك صلاة متقيدة بعدم ما لا يؤكل من دون ان يأخذ عنصر الاختيار. لكن تحقيق الصلاة المقيدة بالوجود والعدم مما يمكن للمكلف. فكون التقيد المتعلق للامر بالضمني سواء كان تقيدا بالوجود أو تقيدا بالعدم كون هذا التقيد لم يؤخذ فيه عنصر اختياري لا يولد محذورا ما دام يمكن للمكلف ان يتوصل لهذا التقيد فأي محذور ان يقول المولى: ما وجب عليك من الصلاة: الصلاة المقيدة بالزوال، والمكلف يمكنه ان يحقق هذا المقيد بأن يأتي بالصلاة بعد الزوال. أو يقول المولى: يجب على المرأة الصلاة المتقيدة بعدم الاستحاضة ويمكن للمرأة أن تحقق ذلك.

إذن ما دام التقيد مما يمكن للمكلف تحصيله سواء كان وجوديا أو عدميا شرطا أو مانعا فلا حاجة لاخذ عنصر اختياري لمصب الامر الضمني. فالإشكال على العراقي بأن الكلام واضح الاستحالة وظاهر في انه لا يعقل ان ينصب الامر الضمني على التقيد امرا اختياريا واذا كان التقيد امرا اختياريا فلابد ان يكون القيد اختياريا، هذا لا موجب له، بل ينصب الامر الضمني على التقيد وان لم يكن اختيارياً، وان لم يكن قيده اخياريا ما دام المكلف قادرا على تحقيقه.

لاحظوا عبارة السيد الخوئي: عبارة السيد الخوئي يقول: ليس الشرط هو التقيد بالوقت، الشرط ايقاع الصلاة في الوقت، يعني إذا لم تكن الصياغة الشرعية هكذا فهذا الشرط غير معقول. المحقق العراقي يقول: ما هي المشكلة في ان يقول الشارع: الشرط هو الوقت، غاية ما في الامر المكلف قادر على ان يحقق ذلك الشرط. لذلك يقول في ص144: وان قلنا ان الشرط والمانع نفس المأكولية «لا اللبس» وعدمها فان التلبس بهما «يعني تحقيقهما» مستفاد «مستفاد عقلا» من نحو تقيد الصلاة بهما. فاذا الشارع قال يجب عليك الصلاة مقيدة بما يؤكل أو الصلاة مقيدة بعدم ما لا يؤكل استفاد العقل: ان هذا التقيد مطلوب منك، فالفعل الاخيتاري محقق للتقيد بينما بنظر السيد الخوئي هو التقيد، الذي هو مصب للامر الضمني. هذا تمام الكلام في هذا التنبيه الذي ركز عليه السيد الخوئي «قده» ثم ندخل في:

الامر الثالث: وهو هل يمكن الجمع بين الشرطية والمانعية في عالم التشريع أم لا؟ وهنا ذكرت في كلمات الاعلام جهتان:

الجهة الاولى: قال سيدنا الخوئي «قده»: في «ص215 ج12»: سواء قلنا باستحالة الجمع بين الشرطية والمانعية في التكوينيات أو قلنا بامكانه، «هو ذهب للاستحالة، المحقق الاصفهاني والعراقي قالوا بالامكان، قالوا بالإمكان هناك أو قلنا بالاستحالة» فإن الجمع بينهما في التشريعا امر ممكن عقلا، قال: اذ ليس الشرط والمانع فيها «التشريعات» على حد اطلاقه في الامور التكوينية. فإن المقتضي هناك ما منه الوجود، والشرط ما به فعلية الوجود والمانع ما كان متأخرا رتبة عن رتبة المقتضي والشرط؟

بينما في التشريعات: ليس المراد منه هذا المصطلح اذ ليس هنا تأثير ولا تأثر ولا علة ولا معلول، وانما هناك جعل حكم على موضوع، وذلك الموضوع المفروض وجوده اما مع قيد وجودي فيسمى شرطا أو مع قيد عدمي فيسمى مانعاً. فجعل وجوب على صلاة مقيدة بالاستقبال على نحو الشرطية وعدم الاستدبار على نحو المانعية امر ممكن عقلا. فلا اشكال فيه من هذه الجهة.

الجهة الثانية: هل هناك محذور _مع غمض النظر عن الامكان في حد ذاته_ في الجمع بين الشرطية والمانعية أم لا؟

«ص19 من رسالة اللباس المشكوك، تقرير السيد الاستاذ، متعرض لذلك نتعرض له غدا ان شاء الله.»

والحمد لله رب العالمين.