الدرس 89

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ما زال الكلام في إمكان الجمع بين الشرطية والمانعية في عالم التشريع، ووصل البحث الى الامر الثاني وهو: ما ذكر من وجوه لإثبات امتناع الجمع بين اعتبار الشرطية والمانعية. وقد افيد في المقام وجهان كما حرر ذلك المحقق النائيني «قده» ومن تبعه:

الوجه الاول ويبتني على مقدمتين: كبروية، وصغروية:

أمّا المقدمة الكبروية: فهي متى تقيد الواجب بالملزوم بطل محل الاطلاق والتقييد بالنسبة الى اللازم، لأن تقييد الملزوم موجب لضيق اللازم ومع ضيقه ذاتاً فهو خارج موضوعاً عن الإطلاق والتقييد.

بيان ذلك:

إذا تقيد الواجب كالكفارة بالرقبة المؤمنة فقال الشارع: أعتق رقبة مؤمنة، والمفروض ان الإيمان ملزوم للإسلام، اي متى تحقق الإيمان تحقق الإسلام، فهل تقييد الواجب بالإيمان يبقي محلاً للإطلاق او التقييد بالنسبة للإسلام ام لا؟

من الواضح انه لا يبقى محل له، فمتى ما تقيد الواجب وهو عتق الرقبة بالمؤمنة لم يبق محل لأن يقال: فهل الواجب بالنسبة الى المسلمة مطلق ام مقيد، هذا لا معنى له، اذ بعد تقييد الواجب بالمؤمنة لا محالة يكون بلحاظ لازمه وهو الإسلام ضيق، فلا يصح ان يقال: إن الواجب بالنسبة الى الإسلام لا بشرط، لأن هذا خلف اعتبار الإيمان، ولا يقال انه بشرط شيء لانه تحصيل للحاصل، فلا محالة متى تقيد الواجب بالملزوم بطل الإطلاق والتقييد في اللازم.

هذه هي قاعدة كبروية من آيات المحقق النائيني «قده».

اما الصغرى: فمسألة الضدين ترجع الى الملزوم واللازم، لأن وجود الضد يستلزم عدم ضده، فلازم وجود أي ضدٍ عدم ضده، هذا واضح، فالنتيجة: متى تقيد الواجب بالضد بطل الإطلاق والتقيد بالنسبة الى عدم ضده، فلا يمكن أن يسأل أن عدم الضد هل هو مطلق او هو مقيد؟ مثلا: اذا تقيد الواجب كالصلاة بالاستقبال، فقيل: يشترط في صحة الصلاة الاستقبال، فبمجرد ان تقيد الواجب بالاستقبال فلازم تقيد الواجب بالاستقبال عدم الاستدبار، لذلك لا معنى للسؤال بعد ذلك، هل ان الواجب بالنسبة الى عدم الاستدبار لا بشرط؟ هذا خلف تقيده بالاستقبال، او بشرط عدم الاستدبار؟ هذا الاشتراط تحصيل حاصل، اذ بعد تقيد الواجب بالاستقبال لازم تقيده هو عدم الاستدبار لا معنى بعد ذلك أن يقيده بالاستقبال ويقيده بعدم الاستدبار، او يأخذه مطلقاً يعني لا بشرط من حيث الاستدبار وعدمه. فتحصل من هذا الوجه الاول:

أنه متى تقيد الواجب بشرطية احد الضدين لم يتقيد بعد ذلك بعدم ضده الآخر. ونطبقه على محل كلامنا: فنقول: اذا اعتبر الشارع عدم صحة الصلاة شرطية ما يؤكل لحمه، فقال: يشترط في صحة الصلاة ان يكون الساتر مما يؤكل لحمه فلا محالة بمجرد هذا الاعتبار لا يمكن ان يقول الشارع بعد ذلك: ويعتبر في صحة الصلاة تقيدها بعدم ما لا يؤكل، فإنه اذا تقيدت صحتها بما يؤكل لم يكن معنى بتقيدها بعدم ما لا يؤكل.

إذن لا يمكن الجمع بين شرطية احد الضدين ومانعية الضد الآخر. يعني اعتبار عدمه.

وأشكل السيد الاستاذ بحسب ما في «رسالة اللباس المشكوك»: بانه فلنجعلهما معاً في عرض واحد. لان اللغوية انما تلزم بعد المفروغية عن اعتبار الشرطية فيقال: اذا اعتبر الشرطية بطل محل الاطلاق والتقييد بالنسبة الى المانعية، فيعتبرهما معا في عرض واحد، فاذا كان الاشكال هو في تطبيق الكبرى في محل الكلام وهي: اذا تقيد الواجب بالملزوم بطل الاطلاق والتقييد بالنسبة الى اللازم انما يصح تطبيق الكبرى على المقام اذا فرض في رتبة سابقة تقييد بالملزوم، لكننا نقول: يمكن ان يعتبرهما في عرض واحد، فيقيد الصلاة في عرض واحد بشرطية الاستقبال وعدم الاستدبار، او يقيد الصلاة في جعل واحد بشرطية ما يؤكل وعدم ما لا يؤكل. هذا هو الوجه الاول لاثبات الامتناع ومناقشته.

الوجه الثاني: وهو يبتني على مقدمتين:

المقدمة الاولى: ما يتكرر في كلمات السيد الاستاذ «دام ظله» من ان هناك فرقاً بين ملاك المجعول وملاك الجعل، فليس الامر دائراً مدار ملاك المجعول بل لابد من ضميمة ملاك الجعل ايضا، وبيان ذلك:

ان ملاك المجعول هو عبارة عن كون العمل ذا ملاك اي ذا مصلحة او مفسدة ام لا؟ هذا يعبر عنه بملاك المجعول، فهل يكفي في الجعل ان يكو العمل واجداً في الملاك ام لا؟ متى ما كان العمل واجداً للملاك نجعله ام لا؟ يقول: لا، لا يكفي. لا يكفي ملاك المجعول في تمامية الجعل، بل لابد من ملاك للجعل نفسه مضافاً لملاك المجعول، فلو فرضنا ان المجعول مشتمل على الملاك الا ان الجعل مستحيل غير ممكن، لا يقدر المولى يتمكن من الجعل، كما ادعي في اخذ قصد الامر في متعلق الامر، او اخذ العلم بالحكم موضوعاً للحكم نفسه، فإذن حتى لو علم المولى بأن في الصلاة بقصد الامر بها ملاكاً إلا ان ملاك المجعول غير كافي في الجعل باعتبار ان الجعل مستحيل اذ لا يمكن للمولى ان يؤخذ في متعلق الامر قصد نفس الامر، او فرضنا ان المسالة ليست ابتلائية اصلا ليس لها وجود، فإذن الجعل لا يصح عقلائاً وان كان هناك ملاك، مثلاً: احكام الخنثى المشكل في زماننا، في زماننا لا يوجد خنثى مشكل، يقولون: اما هو ذكر او له ضمائم انثوية يزيلوها، أما هو انثى له ضمائم ذكرية تزال، ليس هناك خنثى مشكل، فإذن احكام الخنثى المشكل وان كانت ذات ملاك واقعاً، الا أنه لما لم تكن المسألة ابتلائية فالتصدي لجعل حكم للخنثى المشكل بلا مصحح عقلائي. فهذه هي المقدمة الأولى، وهي: ان تمامية الجعل يتوقف على ملاك في المجعول وملاك في الجعل نفسه، بان يكون الجعل صحيحاً عند العقلاء.

المقدمة الثانية: وهي المقدمة الصغروية، وهي تطبيق المقدمة الكبروية على محل كلامنا: بان يقال: افترض ان في الاستقبال، يعني في شرطية الاستقبال، وفي مانعية الاستدبار ملاكاً، إلان انه لما كان المكلف في عالم الامتثال لا ينفك عن ذلك فإنه متى استقبل فهو لم يستدبر، إذن الجمع بين الجعلين لغوٌ، يعني لا يصح عقلائياً وإن كان ممكناً عقلاً، فالجمع في الواجب كالصلاة بين شرطية الاستقبال ومانعية الاستدبار لغوٌ، لكفاية أحدهما في عالم الامتثال.

إذن بالنتيجة: تطبيق تكل الكبرى على محل كلامنا نقول:

إذن بما ان ملاك المجعول لا يكفي في صحة الجعل بل لابد من ملاك في الجعل، ونحن نرى في محل كلامنا أنه وان كان الاستقبال واجداً لملاك كمصلحة، وكان الاستدبار واجداً لملاك كمفسدة، إلا ان جعلهما معاً اي جعل شرطية الاستقبال ومانعية الاستدبار لغوٌ، ما دام المكلف في مقام الامتثال متى استقبل فهو لم يستدبر فيطبق على محل كلامنا فيقال:

وإن كان في لبس ما يؤكل مصلحة وفي لبس ما لا يؤكل مفسدة، الا انه متى لبس المكلف ما يؤكل فهو لم يلبس ما لا يؤكل. فالجمع بين شرطية ما يؤكل ومانعية ما لا يؤكل لغو.

إذن بالنتيجة: لا يصح الجمع بينهما باعتبار ان الجمع بينهما لغو.

ويعلق على هذا الوجه:

اولاً: هذا يتم مع وحدة المتعلق، بان يقال: يعتبر في الساتر كونه مما يؤكل، ويعتبر في الساتر ان لا يكون مما لا يؤكل، هنا يرد اشكال اللغوية. واما اذا اختلف المتعلق، فقيل: يعتبر في الساتر ان يكون مما يؤكل، ويعتبر في الملبوس سواء كان ساترا ام لا ان لا يكون مما لا يؤكل، فحينئذٍ لا يكون الجمع لغواً، اذ قد يتستر بالمأكول فيحقق الشرطية، ويلبس ما لا يؤكل فيحقق المانعية خصوصاً اذا عممناها للملبوس والمأكول كما ذهب اليه بعض الفقهاء. إذن بالنتيجة: مع وحدة المتعلق الاشكال وارد، ان الجمع لغو، أما مع اختلاف المتعلق فلا لغوية في الجمع بين شرطية ما يؤكل في خصوص الساتر ومانعية ما لا يؤكل في عموم الملبوس، او مع اختلاف النظر للاجزاء او ما يشمل الاكوان كما ذهب اليه بعض الفقهاء في تعليقة العروة ايضا وهو: ان يقال: ان الاستقبال شرط في الاجزاء، يعني يتشرط في اجزاء الصلاة استقبال القبلة، والاستدبار مانع حتى في الاكوان، فالجمع حينئذٍ بين الشرطية والمانعية مع اختلاف الدائرة ليس لغواً.

إذن محط اللغوية مع وحدة المتعلق.

ثانياً: قد يقال في دفع اللغوية: بانه في بعض الموارد يتصور ثمرة في الجمع بين الشرطية والمانعية وإن كان المتعلق واحداً، مثل:

وقد يقال في رفع اللغوية، _وهذا لا يشمل جميع الشروط والموانع_، مثلا بالنسبة الى شرطية الاستقبال ومانعية الاستدبار، هل ان الاستدبار مانع مضافا لشرطية الاستقبال ام لا؟ فمثلا: لو افترضنا انه المكلف في نقطة من الأرض مسامتة للكعبة، اي انه في النقطة المسامتة للكعبة من الطرف الآخر يكون استقباله للكعبة عين استدباره لها، هو مستقبل هو مستدبر في آن واحد، وبالتالي إن قلنا بأن المجعول شرطية الاستقبال دون مانعية الاستدبار، فالاستقبال متحقق عرفا اتجه هذا الاتجاه او اتجه هذا الاتجاه، هو مستقبلا للكعبة. وان قلنا بان المجعول مانعية الاستدبار دون شرطية الاستقبال فيمكنه تصحيح صلاته بأن لا يستقبل فيصلي عن اليمين او عن اليسار المهم ان يتخلص من الاستدبار، وان قلنا بجعلهما معاً اي ان الاستقبال شرط والاستدبار مانع، فلا محالة مقتضى ذلك حصول التنافي حيث لا يقدر على الجمع بين امتثال الشرطية وامتثال المانعية، لا يقدر، لانه متى حقق الشرط فقد ارتكب المانع.

فإن قلنا: بان التنافي بين الواجبات الضمنية لقصور القدرة يرجع الى باب التزاحم، فلابد من ملاحظة الاهم منهما، وإن قلنا بأن التنافي بين الواجبات الضمنية مرجعه الى التعارض، او قلنا بان التنافي إنما يدخل في التزاحم اذا لم يكن على نحو التضاد الدائمي وفي مثل هذه النقطة من الارض التضاد دائمي، يعني بين شرطية الاستقبال ومانعية الاستدبار تضادان دائمي في هذه النقطة من الارض فلا محالة يكون المقام من باب التعارض فيلاحظ اقوى الدليلين واظهرهما في التقديم على الآخر.

إذن لو قلنا من الاصل بانه لا يمكن الجمع بين الشرطية والمانعية اصلاً من الأصل، فهذا المكلف مستريح المجعول في حقه احدهما، اما اذا قلنا بان الجعل بينما ممكن تظهر ثمرته بالنسبة لهذا المكلف حيث إنه يحصل التنافي بالنسبة اليه بينهما فإما ان يدخل مورده في باب التزاحم او يدخل مورده في باب التعارض.

إلا أنّ هذه ثمرة في بعض الفروض وفي بعض الموارد لا انها ثمرة عامة حتى تكون مصححا عقلائياً.

الامر الثالث الذي تعرض له المحقق النائيني «قده» في رسالة «اللباس المشكوك»: قال: هناك فرق بين القاطع والمانع.

افاد في «ص137، رسالة اللباس المشكوك» ما يبتني على مقدمات ثلاث:

المقدمة الاولى: هناك فرق بين المانع والقاطع بحسب الاصطلاح. والفرق بين المانع والقاطع فرقان:

القاطع ما اضر بالهيئة الاتصالية كالرقص والركض والضحك والاشتغال بعمل منافٍ للصلاة كالخياطة والكتابة، فما اضر بالهيئة الاتصالية للصلاة كان قاطعاً وما كان مضراً اعتباراً وان كان مضراً بالهيئة الاتصالية كالتكتف مثلا او قول «آمين» بناء على مانعيته، فهذا من من الباب المانع لا من باب القاطع.

الفرق الثاني: أن القاطع ما اضطر حتى بالاكوان، بينما المانع قد يكون خاصاً بالافعال، فمثلاً: تارة نقول: بان عدم الاطمئنان مانع، لكن مانعية عدم الاطمئنان تختص بافعال الصلاة ولا تشمل اكوانها، فمن الواضح ان عدم الاطمئنان في حال الاكوان ليس بمانع من صحة الصلاة.

واما القاطع كالضحك والحدث والرقص وما اشبه ذلك، فهو مضر وان كان بالاكوان. إذن يوجد فرق بين المانع والقاطع كما بيّنا. هذه المقدمة الاولى.

المقدمة الثانية: قد يقال كما في كلمات الشيخ الاعظم: ان ما دل على قاطعية بعض الامور فقد دل بالدلالة الالتزامية على اعتبار الهيئة الاتصالية في الصلاة.

فالدليل الذي دل على أن الضحك يقطع الصلاة، والدليل الذي دل على ان التكتف يقطع الصلاة، كشف بالدلالة الالتزامية على انه يعتبر في الصلاة هيئة اتصالية بين اجزاءها ولذلك الشارع اعتبر الضحك قاطعا لا مانعاً.

المقدمة الثالثة: بعد الفراغ عن اعتبار الشارع الهيئة الاتصالية في الصلاة فحينئذ يمكن ان يعتبر الضد شرطا في الافعال ويعتبر الضد قاطعا في الاكوان، بان يقول: يعتبر في صحة الصلاة ان يكون الساتر طاهراً بمعنى انه في افعال الصلاة، يعتبر في صحة الصلاة يعني في افعالها ان يكون الساتر طاهرا، ويقول في نفس الوقت: ولبس النجس قاطع ولو بلحاظ الاكوان. ولا يكون ذلك لغواً اصلاً. اذن هناك فرق بين المانع والقاطع.

فيقول المحقق النائيني فنقول: بالنسبة الى المانع لا يعقل الجمع بين شرطية ضد ومانعية ضده لكن بالنسبة للقاطع يمكن الجمع بين شرطية ضد وقاطعية ضده بلحاظ ان شرطية الضد مختصة بالافعال وقاطعية الضد عامة للاكوان.

فهل هذا تام ام لا؟.

والحمد لله رب العالمين.