الدرس 90

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ذكرنا فيما سبق: أن المحقق النائيني «قده» فرّق بين المانع والقاطع، وقال: بامكان الجمع بين شرطية الضد وقاطعية ضده.

ويلاحظ على ما أفاد:

أولاً: ما ذكره هو من الاشكال على كلام الشيخ الاعظم في «اجود التقريرات، ج2، ص438» حيث افاد: هناك بان ما دلّ على القاطعية لا يدل التزاما على اعتبار الصورة الاتصالية.

مثلا: ما دلّ على ان الضحك قاطع او ما دلّ على ان البكاء قاطع لا يدل بالدلالة الالتزامية على ان الشارع الشريف اعتبر في الصلاة جزءا صوريا وهو الهيئة الاتصالية ويكون الضحك قاطعا لها، ليست هذه الدلالة الاتزامية موجودة، بل غاية ما يدل عليه كون الضحك قاطعاً اعتبار عدمه، أي انه يعتبر في صحة الصلاة عدم الضحك، لا أن للصلاة صورة اتصالية تنفصم بالضحك. هذا الايراد اوده بنفسه على كلام الشيخ الاعظم «قده».

ثانياً: بأنه لو قام الدليل _مع فرض الدلالة الالتزامية تامّة_ على اعتبار الهيئة الاتصالية في الصلاة، أي يعتبر في صحة الصلاة اتصال افعالها بحيث لا يتخلل بينها اجنبي عنها من ضحك ورقص وغير ذلك، فبعد اعتبار الهيئة الاتصالية يكون اعتبار الضحك قاطع لغو، اذ بعد ان اعتبر الشارع للصلاة هيئة اتصالية بحيث لا يفصل بين افعالها باجنبي، إذن مقتضى ذلك هو ضائرية الضحك ضائرية الرقص بلا حاجة ان يعتبر الضحك قاطعا وراء اعتبار الهيئة الاتصالية.

ثالثاً: إنّ الفرق بين المانع والقاطع مجرد اصطلاح، والا فالجميع مرجعه الى اشتراط العدم سواء عبّرنا عنه بأنه مانع او قاطع. فكما قلنا في المانع مثلا: التكتف مانع، قالوا: بان مرجع اعتبار التكتف مانع الى اعتبار شرطية العدم، لان الصلاة بالنسبة الى التكتف اما لا بشرط وهو خلف كونه مانعا واما بشرطه وهذا اشد محذوراً، فتعين ان يكون بشرط لا، فرجع اعتبار المانعية الى اشتراط العدم، ونفس هذا التحليل نقوله في القاطعية، فاذا قال الشارع: الضحك قاطع، قلنا ان الصلاة بالنسبة الى الضحك اما لا بشرط وهو خلف القاطعية، وبشرط شيء وهو اشد محذوراً، فتعين ان يكون بشرط لا. فلا فرق جوهري بين المانع والقاطع سوى دعوى ان المانع قد يكون في الافعال وقد يكون اعم من الافعال والأكوان، بينما القاطع ما يكون اعم من الافعال والاكوان. ولأجل ذلك نقول: بانه لا يمكن الجمع بين شرطية ضد ومانعية ضده مع وحدة المتعلق كذلك لا يمكن الجمع بين شرطية ضد وقاطعية ضده مع وحدة المتعلق، كذلك لا يمكن الجمع بين شرطية ضد وقاطعية ضده مع وحدة المتعلق، الإشكال واحد والمحذور واحد.

وندخل الآن في «البحث الاستظهاري»:

أي أنّ كل ما مضى بحثاً ثبوتيّاً حول امكان الجمع بين شرطية ما يؤكل لحمه ومانعية ما لا يؤكل لحمه.

وأما البحث الاثباتي وهو: ما هو ظاهر الادلة؟ هل أنّ ظاهر الأدلة شرطية ما يؤكل أو مانعية ما لا يؤكل؟ او هما معاً.

فهما هو ظاهر الأدلة.

وعند التعرض لظاهر الادلة نتعرض لما ذكره المحقق النائيني «قده» في «رسالة اللباس المشكوك، ص139» افاد ان هنا امورا ثلاثة تتعلق بمقام الإثبات:

الامر الاول: أن النصوص على ثلاث طوائف.

الطائفة الاولى: ما دلّ على تقيد الصلاة بالخصوصية كما في موثقة ابن بكير، حيث قال في الموثقة:

«إن الصلاة في كلّ شيء حرامٍ اكله فالصلاة في شعره ووبره وروثه وألبانه وكل شيء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره». فان ظاهر هذه الرواية الحكم بفساد الصلاة المتصلة بهذه الخصوصية وهي الصلاة فيما لا يؤكل.

الطائفة الثانية: ما دلَّ على عدم جواز ايقاع الصلاة مع هذه الخصوصية، كمرفوعة العلل: «لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه لأن أكثرها مسوخ».

الطائفة الثالثة: ما كان ظاهراً في النهي الغيري. كرواية ابن ابي حمزة: «لا تصلي فيها الا ما يكون ذكيّاً».

فان ظاهرها: النهي عن كون المصلى فيه «كون الساتر» غير ذكر، فيستفاد منه بالدلالة الالتزامية المانعية.

وكما في وصية النبي لعلي : «يا علي لا تصلي فيما لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه».

الامر الثاني: بعد عرض الروايات. فما هو المستفاد من هذه الروايات؟

أفاد المحقق النائيني «قده» أن بيان المانعية جاءت بمضامين ثلاثة في هذه الروايات:

المضمون الاول: دلالة بعض هذه الروايات على المانعية بالدلالة المطابقية، لأنها دلّت على تقيد الصلاة بعدم ما لا يؤكل، فمقتضى تقيد الصلاة بعدم ما لا يؤكل انتزاع المانعية خطابا من تقيد الصلاة بما لا يؤكل. هذا مضمون. يأتي تطبيقه على الروايات.

المضمون الثاني: الدلالة على المانعية بالالتزام لا بالمطابقة. وذلك بان يستفاد من بعض الروايات: الارشاد الى عدم اشتمال الصلاة على ملاك حسنها مع هذه الخصوصية، أي في بعض الروايات دلت على انه الصلاة مع هذه الخصوصية لا تتضمن ملاك حسنها، فإذا دلت الرواية على ان الصلاة مع الخصوصية لا تتضمن ملاك حسنها فقد دلّت على الملزوم ولازم ذلك مانعية الخصوصية. لأنه اذا كانت الخصوصية مانعة من اتصال الصلاة بملاك حسنها كانت هذه الخصوصية مانعة في مقام الجعل ايضاً. فهذا استدلال بالملزوم عن اللازم. أي العلة عن المعلول.

المضمون الثالث: أن يستفاد من هذه الروايات الارشاد الى وجود اعادة الصلاة عند اقتران الصلاة بالخصوصية. فهذا ايضا بيان للمانعية لكن باللازم، لان لازم مانعية الخصوصية وجوب الاعادة. فإذا دلت الروايات على وجوب الاعادة فقد دلت على المانعية بالدليل الإنّيّ، لأنه استدلال باللازم على الملزوم.

وبعد أن عرفنا أنّ الروايات الشريفة دلّت على المانعية بأحد مضامين ثلاثة: إما بالمطابقة او بالدلالة اللميّة او بالدلالة الإنيّة. نقوم بتطبيق هذه المضامين الثلاثة على الروايات. فنقول:

أما موثقة ابن بكير: فإنها تدلّ على المانعية بجميع المضامين الثلاثة. _نأتي على احد الماضمين_ يقول: اذا قلنا بأن الفساد _ما هو معنى الفساد؟ _ «إن الصلاة في وبر كل شيء حرام اكله فالصلاة في وبره وشعره.... فاسد» ما هو معنى فاسد؟ يقول: ظاهر التعبير بالفساد: الفساد العرفي، لا الشرعي. ومعنى الفساد العرفي: أن الصلاة المتخصصة بهذه الخصوصية وهي اقترانها بما لا يؤكل فاقدة لملاك حسنها، فاسدة يعني لا ملاك فيها، فالصلاة ملاك حسنها أن تكون مقرّبة للمولى، ان تكون ناهية عن الفحشاء والمنكر، وظاهر هذه الرواية ان اقتران الصلاة بما لا يؤكل موجب لفقدانها لملاك حسنها فهي فاسدة لا ملاك فيها.

إذن كأن الامام يخبر عن امر خارجي تكويني، ان الصلاة المشتملة على هذه الخصوصية لا صلاح فيها لا ملاك فيها، فتدل حينئذ على مانعية لا يؤكل بالدلالة الالتزامية. يعني من باب الاستدلال بالملزوم على اللازم.

المضمون الثاني: ان نفسر الفساد ب «الفساد الشرعي»، نقول: «إن الصلاة في وبر كل شيء حرامٍ أكله فاسدة» يعني فاسدة شرعاً. ومعنى الفساد الشرعي هو: عدم مطابقة المأتي به للمأمور به بمعنى وجوب الاعادة.

فكأن الامام قال: الصلاة فيما لا يؤكل تجب اعادتها، فتدل على المانعية بالدلالة الالتزامية لكن من باب الاستدلال باللازم على الملزوم.

المضمون الثالث: ان يقال ان هذا تعبير عرفي: اذا قال: «إنّ الصلاة في وبر كل شيء فاسدة لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما احل الله اكله» هذا كناية عرفا عن اعتبار المانعية، لا شيء آخر، لا انه يخبر تكوينا عن الملاك ولا انه يخبر تشريعا عن الصلاة بل هو في مقام بيان اعتبار المانعية واستخدم التعبير العرفي عن المانعية. فتدلُّ حينئذ دلالة مباشرة على المانعية من دون دلالة لميّة ولا إنيّة. هذا بالنسبة الى موثقة ابن بكير.

قال: وقد ظهر الوجه في دلالة ما تضمن الحكم بعدم جوازها على المانعية، _يعني الروايات التي دعل على عدم جواز الصلاة مع هذه الخصوصية_، مثل «لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه لأن اكثرها مسوخ» قال: أن دلالة عدم الجواز على المانعية، من أيّ باب؟

يقول: هذه من باب الدلالة الإنية، لان جواز الايقاع فرع اعتبار المانعية، لولا اعتبار المانعية لما منع عن الإيقاع. ايقاع الصلاة فيما لا يؤكل لحمه.

واذا لاحظنا النواهي الغيرية: مثل: «يا علي لا تصلي في جلد ما لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه» كانت هذه الادلة الدالة على النهي الغيري دالة على اعتبار المانعية لان النهي في المركبات الاعتبارية إرشاد الى المانعية. فتكون دلالتها على المانعية دلالة مطابقية.

ثم بعد ما ذكر المحقق النائيني ان النصوص تدل على المانعية بمضامين مختلفة، بمطابقة، بدلالة لمية، بدلالة إنية، جاء المحقق النائيني على ما يتعرض لما يتوهم معارضته:

فقال: قد يقال: ان في بعض النصوص دلال على الشرطية، فما هي النصوص الظاهرة في الشرطية؟ قال: إن النصوص الظاهرة في الشرطية منحصرة بروايتين:

الرواية الأولى: هي الموثقة، حيث قال في ذيلها: «لا تقبل تلك الصلاة، او لا يقبل الله تلك الصلاة حتى يصليها في غيره مما احل الله اكله» فيقال: إن هذه الرواية: «لا تقبل الا»، ظاهره في اعتبار الشرطية، فصدر الموثقة يدل على المانعية، وذيل الموثقة يدل على الشرطية.

الرواية الثاني: رواية علي ابن أبي حمزة: «سألت أبا عبد الله وأبا الحسن عن لباس الفراء والصلاة فيها؟ فقال: لا تصلي إلّا فيما كان ذكيّاً، فقلت: أوليس الذكيّ ما ذُكيّ بالحديد؟ قال بلى، إذا كان مما يؤكل لحمه، قلت: وما يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال: لا بأس بالسنجاب فإنه دابة لا تأكل اللحم وليس هو مما نهى عنه رسول الله اذ نهى عن كل ذي ناب ومخلب». من أين استفدنا الشرطية؟ من «بلى إذا كان مما يؤكل لحمه».

الآن المحقق النائيني «قده» يريد ان يدفع الاستظهار: قال: هذه الرواية تحتمل احتمالين: الاحتمال الاول: ان هذا شرط لكن ليس شرطا لصحة الصلاة بل شرط لقبول التذكية، لأنه في البداية قال: «لا تصلي الا فيما كان ذكياً»، هذا لا يدل على الشرطية. السائل عبر عنه بالنائيني: وإن السؤال الثاني قد اعترض مع جوابه في البين لعجلة الراوي. قال: «لا تصلي فيما اذا كان ذكيا» استعجل الراوي قال: أوليس الذكي مما ذكي بالحديد؟ قال: بلى اذا كان مما يؤكل لحمه.

فقوله: «اذا كان مما يؤكل لحمه» شرط، لكن شرط في قبول الحيوان للتذكية وليس شرطاً في صحة الصلاة. فالاستدلال بهذه الفقرة على كون ما يؤكل شرطاً في صحة الصلاة شرطاً غير سديد.

الاحتمال الثاني: سلمنا أن ظاهر هذه الفقرة الشرطية، أي اشتراط صحة الصلاة بكون الملبوس مما يؤكل. لكن هل اعتبر الامام الشرطية لأنها في مقام الجعل شرط أو اعتبر الشرطية فراراً عن المانعية واتقاء عن المانعية؟ يعني بعبارة اخرى: هل هذا اعتبار ادبي او اعتبار قانوني؟ هل هو الان في مقام اعتبار الشرطية شرعا او هذه مجرد صياغة كطريق لتجنب المانع؟

يقول: انا اقول بالثاني: ان هذه الصياغة مجرد صياغة بصياغة الشرط لبيان تجنب عن المانع. والدليل على ذلك هو الذيل: فلاحظوا: ويمكن ان يستظهر من تتمة الرواية «من الذيل» أن هذه الشرطية من تتمة الجواب الاول، وأن السؤال الثاني قد اعترض مع جوابه في البين لعجلة الراوي، ويتفق هذا في الروايات، وظاهر الشرطية: وأن كان هو اعتبار المأكولية في جواز الصلاة الا ان تعليله للرخصة في السنجاب _ذكر في الذيل: «قلت ما يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال: لا بأس بالسنجاب فإنه دابة لا تأكل اللحم» _ بأنه لا يؤكل اللحم، وليس هو مما نهى عنه رسول الله. هذا التعبير ظاهر في ان نهي عن اكله لا تجوز الصلاة فيه، فكأنما الذيل يتعرض الى كبرى، وما ذكر في الصدر من تطبيقاتها، فيريد ان يقول ما نهى عنه رسول الله لا تجوز الصلاة فيه. وهذا بيان للمانعية لا للشرطية، يدل على أن ما نهي عن اكله هو الذي لا تجوز الصلاة فيه، وإنما المأكولية إنما اعتبرت شرطاً في جواز الصلاة لمكان المضادة لما نهي عنه، _يعني لأنها ضد للمنهي عنه، فاعتبرها الامام شرطاً فراراً عن ارتكاب المانعية_ لا لتقوم المطلوبية بوقوع الصلاة في المأكول، فيتحد مآل هذه الرواية مع ما تقدّم مع أدلة المانعية.

والحمد لله رب العالمين.