الدرس 92

دوران الأمر بين الأقل والأكثر

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

تعرضنا فيما سبق إلى إشكال صاحب الكفاية عن الانحلال، وذكرنا أنّ هناك أجوبة عن إشكاله: الجواب الاول وهو مبني على فكرة التبعض في التنجيز وسبق بيانه.

الجواب الثاني: وهو مبنى المحقق الاصفهاني «قده» وهو مبني على الانحلال الحقيقي، حيث إن كلام المحقق «قده» مورد اشكال من قبل تلميذه سيد المنتقى «قده» لذلك اقتضى الامر ان نعود الى عبارة المحقق الاصفهاني في نهاية الدراية ليرى ان اشكال سيد المنتقى وارد عليه؟

فقد ذكر المحقق الاصفهاني في «ج4، ص295، نهاية الدراية» وهو دعوى الانحلال الحقيقي بلحاظ الوجوب، وهذا المطلب في عدة مقدمات:

المقدمة الاولى: اننا لو قلنا بأن الاجزاء واجبة بالوجوب الغيري، لورد اشكال صاحب الكفاية علينا، بأن اشكال صاحب الكفاية، يقول: بأن تنجز وجوب الاقل على كل حال فرع تنجز الوجوب الواقعي على كل حال، فلو لزم من تنجز الاقل عدم تنجز الاكثر لكان ذلك خلف، حيث قلنا تنجز وجوب الاقل فرع تنجز وجوب الاكثر على كل حال. وهذه النكتة تبتني على ان الاقل واجب غيري، تبتني على اتصاف الاجزاء بالوجوب الغيري، لأنّ الواجب الغيري لا يتنجز ما لم يتنجز الواجب النفسي، والمقدمة لا تتنجز ما لم تتنجز ذي المقدمة. فلو اتصفت الاجزاء بالواجب الغير صح لنا أن نقول: لا يعقل ان تتنجز الاجزاء على كل حال سواء تنجز الواجب الواقعي أم لم يتنجز، لأنه ان كان الواجب هو الاقل في الواقع، نعم، واما إذا كان الواجب هو الاكثر فكيف يعقل ان يكون الاقل متنجزا والاكثر الواقعي غير متنجز، مع ان وجوب الاقل وجوب غيري والوجوب الغيري لا يتنجز من دون تنجز الواجب النفسي. فلو قلنا بأن الاقل أي الاجزاء تتصف بالوجوب الغيري، اشكال صاحب الكفاية يرد، لا يتصور ان يكون الاقل متنجز على كل حال وان لم تنجز الاكثر، لانه إن كان هو الواجب تنجز، وأما لو كان الواجب في الاكثر فكيف يتنجز وهو واجب غيري؟ فإشكال صاحب الكفاية حينئذٍ يرد.

لكن لأننا لا نقول باتصاف الاجزاء بالوجوب الغيري وانما نقول بأن الاجزاء تتصف بالوجوب النفسي وجب الكل أم لم يجب، الاجزاء تتصف بالوجوب النفسي، لذلك قال: بل هناك وجوب نفسي واحد منبعث عن ارادة نفسية واحدة منبعثة عن غرض قائم بالاجزاء بالأسر، يعني: عندنا غرض واحد قام بالاجزاء بما هي كثيرة، وهذا الغرض الواحد قدح ارادة واحدة نحو الاجزاء، وهذه الارادة الواحدة بعثت نحو وجوب واحد متعلق بالاجزاء. فالوجوب وجوب نفسي واحد كان واقعا متعلقا بالاقل أو كان واقعا متعلقا بالاكثر فليس لدينا وجوب غيري في البين.

المقدمة الثانية _مهمة_: بأن انبساط الوجوب النفسي الواحد على المركب، هل هو كانبساط البياض أو كانبساط المرض على الجسم؟

إذا كان كانبساط البياض، صار لكل حصة بيان حقيقي، البياض إذا انبسط على الجسم فكل جزء من الجسم يتصف بالبياض حقيقة، يعني له حصة من البياض حقيقة.

اما إذا انبسط جزء من المرض على الجسم لا يتصف كل من الجسم بأن مريض وانما يقال: الجسم مريض، لا ان كل جزء من الجسم يأخذ حصة من المرض، بل المرض منبسط على الجسم بما هو مجموع، بما هو واحد لا أن لكل جزء جزء يأخذ حصة من المرض.

وبعبارة أخرى: هل ان انبساط الوجوب على المركب كانبساط البياض، أو كانبساط الوجود الذهني للمركب؟ مثلاً: الآن إذا تصورت في ذهني مركباً، دار وغرف، هل كل جزء من الدار له تصور أو ليست هناك الا صورة واحدة لمجموع المركب، لا أنّ لكل جزء من الدار في هذه الصورة صورة، لا ان لكل جزء من الدار في هذه الصورة تصور، بل ليس هناك الا صورة واحدة للدار بتمام اجزائها.

نأتي الى الوجوب: يقول: لا تظن ان الوجوب إذا انبسط على المركب وقلنا الصلاة واجبة فكل جزء من الصلاة اخذ حصة حقيقية من الوجوب، لا، بل هنا الا وجوب واحد تتصف به الاجزاء باجمعها لا أن لكل جزء جزء يأخذ حصة من الوجوب، هذا معناه: أن المحقق الاصفهاني ينكر انحلال الوجوب النفسي لوجوبات ضمنية حقيقية، وان التحليل مجرد تحليل عقلي، إذا قلنا تعلق الوجوب النفسي بالمركب العقل يحلله الى وجوبات ضمنية بعدد الاجزاء، لكن هذا مجرد تحليل عقلي والا في الواقع لم تأخذ كل حصة من الاجزاء حصة حقيقية من الوجوب. فاذا لم يتصف كل جزء بوجوب ضمني حقيقي إذن الوجوب الضمني دائما ليس محطا لا للاطاعة ولا للمعصية ولا للمثوبة ولا للعقوبة، بل محط الاطاعة والمعصية والمثوبة والعقوبة الوجوب النفسي المتعلق بالمركب لا الوجوب الضمني. وهذا المعنى قرره هنا وقرره في بحث التعبد والتوصل، قرره هنا: قال: وزان الوجوب النفسي الواحد القائم بالأجزاء وزان الوجود العلمي، «يعني الصورة الذهنية» المتعلق بمعنى تأليفي تركيبي، كالدار المؤلفة من عدة اشياء سقف والقباب والجدران وغيرها، وانبساطه _الوجوب_ على هذا المركب ليس كانبساط البياض على هذا الجسم بحيث يكون لكل قطعة منه حض من البياض، بل كانبساط الوجود الذهني على الماهية التركيبية فإن المجموع ملحوظ بلحاظ واحد لا أن لكل جزء لحاظ.

المقدمة الثالثة: عندنا وجوب نفسي شخصي واحد متعلق بالمركب، لكن لا ندري هذا الوجوب النفسي الواحد المتعلق بالمركب تعلق بالتسعة أو بالعشرة؟ فهناك وجوب نفسي شخصي نشك فيه، هذا الوجوب النفسي الشخصي الواحد هل تعلق بتسعة أو تعلق بعشرة، لدينا علم تفصيلي بأن هذا الشخص من الوجوب تعلق بتسعة، وشك بدوي في أن هذا الشخص هل تعلق بالعاشر أم لا؟ فنقول: بما اننا نعلم بتعلقه بالتسعة تفصيلا ونشك بدواً في تعلقه بالعاشر فالعاشر مجرى للبراءة. فهذا الوجوب النفسي الشخصي المعلوم بمقدار العلم بانبساطه يكون فعلياً منجزاً، يعني مقدار الذي علم انبساطه عليه هو المنجز وهو الاقل. وبالمقدار الآخر المجهول لا مقتضي لفعليته وتنجزه.

هل يدعي الاصفهاني ان وجوب الاقل وجوب النفسي؟

ام يدعي ان هناك وجوب نفسي شخصي لا ندري ذلك الوجوب النفسي الشخص تعلق بالاقل أو بالاكثر؟ فنحن نوجه الاشارة لذاك الوجوب النفسي الشخصي، فنقول: ذلك الوجوب النفسي الشخصي الذي علمنا بأصله ولم نعلم بمقداره، نقول: علم تفصيلاً انبساطه على الاقل فتنجز الاقل به ولم يعلم تعلقه بالاكثر فجرت البراءة عنه، فمحط البحث في الوجوب النفسي الشخصي الذي علم اصله، يقال: هذا الوجوب النفسي الشخصي علم بانبساطه على الاقل شك في انبساطه على الكثر فهو متنجز علينا في ضمن الاقل.

ثم يقول في المقدمة الرابعة: وحيث ان المنبسط على ذات الاقل هو الوجوب النفسي الذي لموافقته ومخالفته ثواب وعقاب، ليس وجوباً غيري، الوجوب الغيري هو الذي ليس له ثواب وعقاب. اما الذي علمنا بانبساطه على الاقل هو وجوب نفسي، اذن له موافقة ومخالفة وثواب وعقاب فلا تتوقف فعليته وتنجزه على تكليف آخر كالواجب الغيري، فإن الواجب الغيري هو الذي يتوقف تنجزه على تكليف آخر.

نعم، نحن لا نعلم أنّ المنبسط عليه بحسب الفعلية، يعني هذا الوجوب النفسي الذي علمنا به لا نعلم ان ما انبسط عليه فعلا هو الذي انبسط عليه واقعاً؟ أم أن الذي انبسط عليه واقعا اكثر منه؟ نعم، لا يعلم ان المنبسط عليه بحسب الفعلية _التنجز_ هو تمام المنبسط عليه واقعا أو بعضه؟

لكن هذا الجهل هل يؤثر؟ يقول: صحيح نحن لا ندري هل الاقل هو تمام المنبسط عليه أو هو بعضه، فما ندري؟ لكن لا هذا لا ينفي ان نقول بضرس قاطع ذاك الوجوب النفسي الشخصي علم تفصيلا بانبساطه على الاقل وشك بدواً في انبساطه على الاكثر، فلا يخرج عن كونه تكليفاً نفسيا بالجهل بمقداره ولا يخرج عن كونه فعليا متنجزا بالجهل، الجهل بالمقدار لا يخرجه عن كونه نفسيا ولا يخرجه عن كونه متنجزاً.

المقدمة الخامسة «ص298»: فإن قلت: مقتضى كون الواجب ارتباطيا عدم الفراغ من العهدة الا بإتيان الاكثر، بما انه واجب ارتباطي فإن كان الوجب هو الاقل فرغت العهدة بإتيان الاقل، اما لو كان الواجب الواقعي هو الاكثر لم تفرغ العهدة باتيان الاقل.

قلت: ليس معنى الارتباطية أن انضمام الاجزاء شرط في الوجوب أو شرط في الواجب. _يعني مبناه في الارتباطية مبناه الذي نقلناه عن المحقق العراقي تماماً_ الارتباطية لا تعني قيدا في الوجوب ولا قيدا في الواجب، مثلا: الان الركوع واجب، هل وجوب الركوع مشروط بانضمام باقي الاجزاء؟ لا، الركوع واجب علي، لا انه لا تأتي بالركوع حتى تأتي ببقاي الاجزاء، فالركوع واجب عليك على كل حال، لان وجوب الركوع هو عين وجوب الكل، فوجوب الركوع ليس مشروطا بالانضمان، فليس شرطاً في الوجوب ولا شرطاً في الواجب. بأن نقول: الركوع الذي هو جزء من الصلاة لا يتصف بالجزئية حتى تنضم باقي الاجزاء، يقول ابداً وجوب الركوع غير مشروط جزئية الركوع ايضا غير مشروطة، _فجاءت الارتباطية من وحدة الوجوب_ حيث إن هذه الاجزاء مشتركة في وجوب واحد، تحققت الارتباطية لا أن وجوب كل واحد مها مشروط بالانضمام ولا ان جزئية كل واحد منها مقيدة بالانضمام.

قلت: ليس اتيان كل جزء شرطا لوجوب كل جزء ولا قيداً لنفس الجزء، بل نسبة الاجزاء الى الوجوب النفسي الواحد بتعلق واحد على حد واحد. وانما الارتباطية بلحاظ تعلق طلب واحد بالأجزاء بالأسر لقيام غرض واحد بها، فمطلوبية كل جزء ملازمة لمطلوبية الآخر بعين طلب الكل. انتهى كلامه.

واشكل سيد المنتقى عليه «ص204، ج5»: ان هذا الكلام مبني على ان للامر الضمني داعوية وهو ينكر ذلك وقد بين ذلك في بحث التعبد والتوصل، وفعلا هو في بحث التعبدي والتوصلي، اقصد سيد المنتقى في «ج1، المنتقى، ص424» ذكر هناك ان الاصفهاني لا يرى ان للأمر الضمني داعوي ومحركية. يقول: هذا الكلام مبني على مبنى لا تراه، لأنك تقول وجوب الاقل منجز، وجوب الاقل مناط للمثوبة والعقوبة والاطاعة والمعصية على كل حال، بينما لو كان الواجب الواقعي هو الاكثر سوف يكون وجوب الاقل وجوبا ضمنيا، والوجوب الضمني حسب مبناك لا داعوية له فلا طاعة له فلا ثواب عليه فلا عقاب عليه. الآن تدعي على كل حال كان الواجب في الاكثر أو الاقل وجوب الاقل وجوب نفسي له اطاعة ومعصية وثواب وعقاب، بينما وجوب الاقل على تقدير ان الواجب الواقعي هو الاكثر سوف يكون ضمنياً والضمني بحسب مبناك لا ثواب ولا عقاب. ولكن بحسب ما قرأناه في كلام الاصفهاني تبين ان الاشكال غير وارد عليه.

فالمحقق الاصفهاني لا يتكلم عن وجوب الاقل، فإن وجوب الاقل على كلا التقديرين واجب ضمني، يقول: هناك واجب شخصي واحد علمنا به لا ندري ما هو المنبسط عليه من هذا الوجوب، هل المنبسط عليه الاقل أو المنبسط عليه الاكثر. فنقول: ذلك الوجوب النفسي الشخصي الذي علمنا به وجهلنا بما هو المنبسط عليه علمنا تفصيلا بتعلقه في بالاقل وشككنا في تعلقه «ذاك» بالاكثر، فانحل ذاك حقيقة، نحن لا نتكلم عن وجوب الاقل وجوب نفسي هو مدار المثوبة والعقوبة حتى يقال بأن وجوب الاقل على اقل التقديرين واجب ضمني.

قلنا: بعبارة واضحة، ولذلك هو كرر ان وجوب الاقل هو وجوب شخصي واحد، يعني المنظور اليه ذلك الوجوب الشخصي الواحد الذي جهلنا بمتعلقه، ذاك الوجوب الشخصي الواحد تنجز في الاقل للعلم التفصيلي بتعلقه بالاقل لا ان وجوب الاقل هو المدار في المثوبة والعقوبة. يقول في عبارته: لا ريب ان هذا الوجوب النفسي الشخصي المعلوم اصله، منبسط على تسعة بتعلق واحد وانبساطه بعين ذلك التعلق على الجزء العاشر، _يعني لو كان في الواقع متعلق في العشرة ليس فيه انبساطين هو انبساط واحد انبساطه على التسعة بعين انبساطه على العاشر_ فهذا الوجوب النفسي الشخصي المعلوم بمقدار العلم بانبساطه يكون فعليا، هذا الوجوب النفسي الشخصي المعلوم _اصله_ بمقدار العلم بانبساطه يكون فعليا منجزاً، وبالمقدار الآخر المجهول لا مقتضي لفعليته وتنجزه. _هو وجوب واحد، فعلي بالاقل غير فعلي بالاكثر، متنجز بالاكثر غير متنجز بالاكثر_ وحيث إن المنبسط على ذات الاقل هو الوجوب النفسي لا شيء آخر، إذن فيكون فعليا متنجزاً، لان الوجوب النفسي لموافقته ومخالفته ثواب وعقاب. نعم لا نعلم ان المنبسط عليه بهذا الوجوب تمام المنبسط عليه واقعا أو بعضه، لكن هذا يخرج هذا التكليف المعلوم عن كونه نفسيا، ولا عن كونه بالعلم به فعليا بعدم العلم _باننا لا نعلم بمقدار المنبسط يخرج عن كونه نفسياً وتقولوا هذا ضمني_ بعدم العلم بأن المنبسط عليه علما بتمام ما هو المنبسط عليه واقعاً.

فالمتحصّل: فرق بين العبارتين: بين ان نقول: مدعى المحقق الاصفهاني ان وجوب الاقل وجوب نفسي هو مدار المثوبة والعقوبة فيرد عليه الاشكال، وبين ان نقول: مدعى المحقق الاصفهاني ان وجوب الاقل وجوب نفسي هو مدار المثوبة والعقوبة فيرد عليه الاشكال، وبين ان نقول: ان الوجوب النفسي الشخص الذي علمنا بأصله وترددنا في متعلقه هل انبسط على العشرة أم على التسعة؟ حيث علم تفصيلا بانبساطه على التسعة تنجز في التسعة.

الحمد لله رب العالمين.