الدرس 95

دوران الأمر بين الأقل والأكثر

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ما زال الكلام في بيان مطالب المحقق العراقي «قده» لإثبات انحلال العلم الإجمالي الدائر بين الاقل والأكثر إلى انحلال حقيقي بعلم تفصيلي بوجوب الاقل وشك بدوي في وجوب الاكثر خلافاً لمدعى الكفاية في عدم الانحلال. وقلنا: بأن كلامه جاء في عدة مقدمات، وما زال الكلام في المقدمة الثالثة.

وقد اورد على نفسه في المقدمة الثالثة بعنوان:

إن قلت: ان الوجدان شاهد بأن المؤثّر في الملاك هو المقيّد لا ذوات الاجزاء، أي ان المؤثر في الملاك هو الجزء بقيد انضمام بقية الاجزاء باعتبار أن الملاك واحد فليس متعدداً، وهذا الملاك الواحد لا يتحقق الا بجميع الاجزاء، فمقتضى ذلك أن المؤثر في الملاك ليس هو الجزء في حد ذاته بل الجزء المقيد بانضمام بقية الاجزاء، وحينئذ بما ان عالم الوجوب تابع لعالم الملاك، والمفروض في عالم الملاك أن المؤثر الجزء المقيد لا الجزء لا بشرط فلا محالة متعلق الوجوب الجزء المقيد، لا الجزء في حد نفسه، وبناءً على ذلك: فإذا دار التكليف بين تعلقه بالجزء المقيد بالجزء العاشر، أو الجزء اللا بشرط من حيث الجزء العاشر كان من الدوران بين المتباينين، إذ لا ندري انه في رتبة سابقة هل متعلق الوجوب الاقل بشرط الجزء العاشر أو الاقل لا بشرط، فهناك دوران في رتبة سابقة بين الاطلاق والتقييد، وهو دوران بين المتباينين، فكيف يدعى انحلال العلم الاجمالي حقيقة مع دورانه بين المتباينين؟

قلت: هناك وجهان لدفع هذا التصور:

الوجه الاول: ان المؤثر في الملاك ليس هو المقيد، هذا اول الكلام، بل كل جزء في نفسه مؤثر في الملاك، بمعنى ان وظيفة كل جزء سد باب العدم من جهته، وهو تأثير حيثي، وكل جزء من جهته وظيفته ان يسد النافذة التي امامه، وليس له دور آخر، فهو في تأثيره في سد النافذة التي أمامه ليس مشروطاً ببقية الاجزاء، وليس مقيّداً بانضمامها، بل دوره ان يسد باب العدم من جهته، وبالتالي: فعدم حصول الغرض بفقد بعض الاجزاء لا لقصور في الجزء «في المؤثرية» بل لقصور في الملاك المقتضي لقصور في الارادة، أي لما كان الملاك واحدا لا متعدداً فهو قاصر أن يحصل ببعض دون بعض، فهذا لقصور في الملاك، ومقتضى قصوره وعدم قابليته للتبعيض قصور الوجوب، والارادة لأن الوجوب والارادة تابع للملاك، فما دام الملاك قاصراً ان يحصل ببعض الاجزاء كانت الارادة والوجوب المتعلق بكل جزء قاصرا ان يتعلق به من دون ان يتعلق بغيره، فالوجوب متعلق بالكل، لا ان كل جزء في حد نفسه قاصر عن التأثير بل كل جزء مؤثر بمعنى سد باب العدم من جهته، انضم بقية الاجزاء أم لم ينضم، فالتقيد بالانضمام ليس مأخوذاً لا في متعلق الملاك ولا في متعلق الوجوب، فلا يصح ان تقول بأن الجزء مقيّد بالانضمام كما قال به السيد الخوئي «قده» بل الجزء مؤثر مع غمض النظر مع انضمام بقية الاجزاء.

الوجه الثاني: سلمنا بأن المؤثر المقيَّد لا الجزء في حد نفسه، الا ان المقيَّد ينحل إلى عنصرين: ذات، وتقيد. فدخل الدخل في حصول الغرض بالفعل إذ لولا التقيد لا يحصل الغرض بالفعل، لا يعني قصور الذات، أي بالعنصر الاول، عن التأثير في نفسه، فما دام المقيد ينحل إلى عنصرين: ذات وتقيد، فعدم حصول الغرض بالفعل لعدم التقيد شيء، وقصور الذات عن تأثيرها في حصول الغرض شيء آخر، فالذات غير قاصرة في تأثيرها وان كان الغرض لا يحصل بالفعل الا ما مع التقيد.

ثم يقول «ص380»: فعلى كل حال يكون انتفاء الغرض وعدم اتصاف الاجزاء بالواجبية «يعني بالواجبية الفعلية» مستندا إلى فقد بقية الاجزاء لا إلى قصور الاجزاء المتأتي بها في مؤثريتها في الغرض، قلنا بأن لحيث التقيد دخل في تحقق الغرض أم لم نقل، قلنا بأن للتقيد دخل في حيث الغرض أم لم نقل، بل كان المؤثر في تحققه «الغرض» نفس الاجزاء _لا بقيد الانضمام_ غاية الامر في حال الانضمام لا انها مؤثر مطلقا، لا انها مؤثر بقيد الانضمام، مؤثر في حال الانضمام على نحو القضية الحينية لا التقييدية. والكلام انه إذا ركزنا على الوجه الاول الذي اجاز به الكلام تام، فإن كل جزء مؤثر بنفسه بلا حاجة إلى الانضمام، لأن تأثيره ليس الا معنى سدّ النافذة، فهو يسد النافذة انضم بقية الاجزاء أم لم ينضم. فلأجل ذلك عدم حصول الغرض بالفعل لا لقصور في الجزء بل لفقد بقية الاجزاء وهذا واضح. وبناءً على هذا التصور تكون القضية حينية، لا مشروطة، لأن هذا الجزء يؤثّر حين تأثير الجزء الآخر لكن لا بشرطه، وإنّما قلنا حينه بلحاظ ان الملاك لا يقبل التبعض والتجزئة، فالقضية حينية لا مشروطة. اما إذا جئنا إلى الوجه الثاني في الجواب وهو التسليم بأن التقيد دخيل، لأن المؤثر في الملاك بناء على الوجه الثاني هو المقيد، فحينئذ إذا قلنا بأن المؤثر هو المقيد، يأتي السؤال: هل مقصودكم بأن المؤثّر هو المقيَّد يعني المؤثّر في حصول الغرض بالفعل هو المقيَّد؟ أم المؤثّر في سدِّ باب العدم هو المقيَّد؟

فإن كان المنظور في هذه العبارة ان المؤثر هو المقيد، يعني المؤثر في حصول الغرض بالفعل، فهذا عين الوجه الاول وليس وجها جديدا، لأن الوجه الاول ايضا يقول: المؤثر في حصول الغرض بالفعل هو المقيد، إنما المؤثر على نحو الاقتضاء يعني في سد باب العدم الجزء لا بقيد، فرجع إلى الوجه الاول. واما إذا قلتم بأن المؤثر في سدّ باب العدم، يعني التأثير الاقتضائي هو الجزء المقيد لا الجزء لا بشرط، حينئذٍ لا يمكن ان يدعى انه من القضية الحينية، وانه سواء كان كما في عبارته سواء كان للتقيد دخل في حصو الغرض أم لا، إذن بالنتيجة: لا يكون الوجه الثاني وجها ثانيا الا إذا ارجعتم المقيد للتاثير الاقتضائي يعني التاثير بمعنى سد باب بالعدم، وإذا رجع اليه كان من القضية المشروطة لا القضية الحينية، وإن اصررتم على انه من القضية الحينية لم يكن وجهاً ثانياً. هذا ما ذكره «قده» في المقدمة الثالثة.

المقدمة الرابعة: وذكر هنا مطالب في هذه المقدمة:

المطلب الاول: إن الضمنية والاستقلالية منتزعان من حدّ التكليف وليسا وصفين حقيقين. بمعنى:

ان لدينا تكليف واحد تكليف شخصي، وهذا التكليف الشخصي الواحد إن انبسط على العاشر انتزع عنوان الضمنية، صارت التسعة ضمنية، وان لم ينبسط على العاشر انتزع على التسعة عنوان الانتزاعية، فاتصاف التسعة بالاستقلال والضمني هذا وصف انتزاعي منتزع عن حد الوجوب، أي منتزع من الانبساط وعدم الانبساط وليس شيئا آخر، نظير ان لدينا خط رسمه الراسم دفعة واحدة، لا بالتدريج، ولا ندري ان هذا الخط ينبسط إلى ذراع أم يختصر على القدم، هذا لا يوجب ترددا بين شخصين، هناك شخص واحد من الخط، لا ندري ان هذا الشخص الواحد من الخط انبسط إلى ذراع أم لم ينبسط إلى ذراع هذا لا يوجب التردد بين شخصين وإنما يوجب التردد في حد شخص واحد من الخط، فكذا التردد في المقام في حدِّ شخص واحد من الوجوب.

ومن الواضح ان اختلاف الحدود لا يوجب اختلاف الوجوب ولا يوجب اختلاف الواجب، فالوجوب شخص واحد انبسط أم لم ينبسط هو شخص واحد، كما لا يوجب اختلاف الواجب، «متعلق الوجوب» لأن متعلق الوجوب لا يتصف في رتبة سابقة بكونه ضمنيا أو استقلاليا، متى تتصف بذلك؟ بعد تعلق الوجوب بها فيقال: هل انبسط على العاشر فهي ضمنية أم لم ينبسط فهي استقلالية. فاذا كان الاتصاف بالضمنية والاستقلالية متأخراً رتبة عن تعلق الوجوب بالتسعة فلا يعقل أخذه في تعلق الوجوب، لأن ما هو متأخر رتبة لا يعقل اخذه فيما هو متقدم. ففي رتبة سابقة لا يوجد ارتباطية، هل هو ضمني أو استقلالي، بل لا يوجد الا ذوات الاجزاء بعد تعلق الوجوب صارت ارتباطية، أي اتصفت بالضمنية أو الاستقلالية، أما قبل تعلق الوجوب بها لا توجد ارتباطية بين هذه الاجزاء كما يدّعي بعضهم.

ثم يقول: نعم هو مانع من اطلاقه.

يقول بانه: صحيح نحن نقول بأن التسعة في رتبة سابقة على تعلق الوجوب بها لا ضمنية ولا استقلالية، لكن هل هي لا بشرط؟ أم هي بشرط شيء؟ أم هي مهملة؟ فماذا تقصدون بالتسعة مع العاشر، هل ان التسعة لا بشرط من حيث العاشر؟ بشرط العاشر؟ أم هي مهملة؟

يقول العراقي: ان كان الملاك في الواقع «قبل تعلق الوجوب» قائما بالعشرة لا بالتسعة، فحينئذ التسعة من جهة هذا العاشر من حيث التأثير في الملاك لا مطلقة ولا مشروطة بل هي مهملة، لا مشروطة لأن كل جزء يسد باب العدم من جهته جاء الجزء الآخر أم لم يأتي، فإذن ليست مشروطة، ولا مطلقة فلأن المفروض ان الملاك واحد، وهذا الواحد لا يحصل الا بالعشرة لا يحصل بالتسعة فقط، فإذن كيف نقول بأن التسعة مطلقة بالنسبة للعاشر والحال بأن الملاك لا يحصل الا بالجميع، اذن فالتسعة بالنسبة للعاشر لا مطلقة، فإن هذا خلف تقوم الملاك بالجميع، ولا مشروطة لأن دور كل جزء سد باب العدم من جهته لا بقيد الانضمام. فهذا معنى أن كل جزء أخذ بالنسبة للجزء الآخر مهملاً.

وأما إذا افترضنا ان الملاك في الواقع قائم بالتسعة فقط من دون العاشر، فهذا يعني ان التسعة في رتبة سابقة على الوجوب هل هي متصفة بالقلة، هل هي متصفة بالاستقلالية؟

يقول لا، هي على نحو الحصّة التوأم مع الاستقلالية. هي استقلالية لكنها تؤثر في الملاك لا بقيد الاستقلالية وإن كانت هي في الواقع استقلالية، فهي توأم مع الاستقلالية بشرط الاستقلالية مؤثرة في الملاك. وهذا مرجعه إلى القضية الحينية.

لاحظوا عبارته: لأن مثل هذه الضمنية التي هي منش أرتباط الاجزاء بالأجزاء انما جاءت من قبل وحدة الغرض، والتكليف التابع للغرض فيستحيل اخذ هذه الحيثيات في متعلق التكليف، نعم هو _وحدة الغرض_ مانع عن اطلاقه _الوجوب_ فلا يكون الاقل المعروض للوجوب الضمني _على فرض شمول الملاك للعاشر_ الا ذات الأقل بنحو الإهمال لا مقيدا بقيد الانضمام ولا مطلقا من حيث الانضمام، كما انه بقصور الوجوب _لو كان الوجوب قاصرا عن الشمول للعاشر لأن الملاك لا يشمل العاشر_ عن الشمول للزائد لا يكون الواجب في عالم عروض الوجوب عليه _قبل عروض الوجوب عليه_ الا الذات التوأم مع حد القلّة، _يعني الذات التوأم مع وصف الاستقلالية، لكن لا بوصف الاستقلالية_ لا بشرطه ولا لا بشرطه.

والحمد لله رب العالمين.