الدرس 93

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ذكرنا فيما سبق: ان المحقق النائيني «قده» في «رسالة اللباس المشكوك» افاد: بانه لو سلمنا أن موثق ابن بكير متضمن لظهورين: ظهور في مانعية ما لا يؤكل وظهور في شرطية ما يؤكل، فإنه نظرا لتدافع هذين الظهورين تصبح الموثقة مجملة فتسقط عن الحجية. وسيدنا «قده» اصر على انه لو انعقد هذان الظهوران فليس بينهما تدافع بلحاظ ان مصب الشرطية هو الساتر ومصب المانعية ما يستصحبه المكلف سواء كان ملبوسا ام محمولاً، فلا تنافي بين الظهورين على فرض انعقادهما.

ونحن قد قررنا فيما سبق تمامية ما ذكره المحقق النائيني وانه اساسا لا ينعقد في الجملة الثانية ظهور في الشرطية، باعتبار ان ظاهر السياق أنها تفريع على الجملة الاولى فلا يتصور بعد كونها تفريعا ان ينعقد لها ظهور في الشرطية مقاوم ومدافع لظهور الاولى في المانعية، فإن هذا خلف التفريع. بل مع غمض النظر عن ذلك مقتضى احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية عليه أن لا ينعقد في الجملة الثانية ظهور في الجملة الشرطية.

ولكن سيدنا الخوئي «قده» في «12، ص221» قال: بان لنا وجها في نفي استفادة الشرطية من الموثقة لم يتعرض له الاعلام كالمحقق النائيني والعراقي. وبيان هذا الوجه: يعتمد على مقدمات ثلاث:

المقدمة الاولى: أن الجملة الثانية مشتملة على اسم اشارة وضمير، حيث قال: «لا تقبل تلك الصلاة، حتى يصليها في غيره مما احل الله اكله».

والسؤال حينئذٍ: بان اسم الاشارة والضمير هل هما راجعان الى الطبيعي ام الى النوع؟ ام الى الشخص؟ واذا كان راجعين الى الشخص، فهل هو بلحاظ تمام خصائصه ام مع الغاء بعض خصائصه؟ فهنا اقسام اربعة:

القسم الاول: أن يقال: بأن الإشارة ومرجع الضمير هو الطبيعي «اي طبيعي الصلاة».

القسم الثاني: ان يقال: بان اسم الاشارة ومرجع الضمير يعود الى النوع، «صلاة الظهر، صلاة العصر».

القسم الثالث: ان يقال: بانهما يرجعا الى الشخص «اي شخص الصلاة التي وقعت فيما لا يؤكل» حيث قال: «إن الصلاة في وبر كل شيء حرام اكله فاسدة لا تقبل تلك الصلاة»، يعني تلك الصلاة التي وقعت فاسدة حتى يصليها في غيره.

القسم الرابع: ان نقول: ان اسم الاشارة راجع الى تلك الصلاة الشخصية لكن مع الغاء بعض خصائها وهي خصوصية وقوعها فيما لا يؤكل. فهنا اقسام اربعة متصورة بدوا في مرجعي اسم الاشارة والضمير.

المقدمة الثانية: قال بانه: هل يمكن استفادة الشرطية على جيمع الاقسام الاربعة أم على بعضها دون بعض.

نأتي الى القسم الاول: هو رجوع اسم الاشارة والضمير الى الطبيعي.

بان يقال: لا يقبل الطبيعي، لا يقبل طبيعي الصلاة حتى يوجد الطبيعي في غير مما احل الله اكله. فلو كان مرجع اسم الاشارة والضمير الى الطبيعي لكانت الرواية ظاهرة في الشرطية. فهو يقول: الطبيعي اصلا لا يصح الا اذا اوقع المكلف هذا الطبيعي فيما يحل اكله. فهذا ظاهر في شرطية ما يحل اكله.

القسم الثاني، هو ان يقال: ان مرجع اسم الاشارة والضمير الى النوع او الصنف، فكأنه قال: لا تقبل صلاة الظهر او لا تقبل صلاة جامعة للشرائط منه حتى يوقع هذا النوع فيا احل الله اكله، وحينئذ تكون دالة على الشرطية. فعلى هذين القسمين تتم استفادة الشرطية.

اما على القسم الثالث: فهو اصلا غير معقول في نفسه حتى نبحث هل هو مفيد في الشرطية ام لا؟ لان القسم الثالث يقول: ان تلك الصلاة الخارجية التي وقعت فيما لا يؤكل، فكيف يمكن ان يقال: ان هذه الصلاة التي وقعت خارجا فيما لا يؤكل لا تصح الا اذا اوقعت فيما يؤكل، وهذا لازمه اجتماع الضدين وانقلاب للشيء عما وقع عليه وبالتالي هذا الفرض اصلا في نفسه غير معقول، حتى نبحث هل يستفاد منه الشرطية او غيرها. إذن تصل النوبة الى:

القسم الرابع: وذلك بالعود «بعود اسم الاشارة» الى الشخص لكن لا بتمام خصائصه بل بإلغاء هذه الخصوصية وهي خصوصية وقوعه فيما لا يؤكل، فنقول: انظر الشخص بالنظارة لكن اجعل جزء من النظارة اليه حاجب، فأنت عليك ان تنظر الى الشخص نفسه، لا طبيعي الصلاة ولا نوع الصلاة، بل الصلاة التي وقعت خارجاً لكن لا تنظر اليها بتمام خصائصها ومنها وقوعها فيما لا يؤكل، حتى لا يرد محذور انقلاب الشيء عما وقع عليه، بل قل: تلك الصلاة التي وقعت لا تصح حتى يكون الساتر فيها مما يؤكل. وهذا امر معقول، وبناء على هذا الامر المعقول لا تتم استفادة الشرطية. لانه بعد ان قرر في صدر الرواية المانعية وقال: «ان الصلاة في وبر كل شيء فاسدة» يعني ان ما لا يؤكل مانع، لا لموضوعية في الشرطية بل لأجل التخلص من المانع.

فبعد المفروغية عن ظهور صدر الرواية عن المانعية مقتضى ذلك ان هذه الفقرة الثانية وان كانت ظاهرة في رجوع اسم الاشارة الى الشخص، اي الصلاة التي وقعت خارجاً لكن لا بلحاظ وقوعها فيما لا يؤكل كي يقال: بان اشتراط ما يؤكل فيما وقع فيما لا يؤكل لازمه الجمع بين الضدين وانقلاب الشيء عما وقع عليه، بل بما هي شخص لكن لا بلحاظ وقوعها فيما لا يؤكل، فيقال: هذه الصلاة التي وقعت منك لا تصح منك حتى تكون فيما يؤكل، لا لموضوعية فيما يؤكل، بل لأجل التخلص مما ذكر في صدر الرواية من مانعية ما لا يؤكل.

قال: الثالث: ان يتكون اشارة الى شخص الصلاة الواقعة فيما لا يؤكل، لكن لا بما انها شخص خارجي وقع فيما لا يؤكلن لاستحالته في هذا المعنى كما عرفت، بل بما انه واقعة في حيواني، كأنه قال: لا تقبل تلك الصلاة الواقعة في لبس حيواني حتى تكون فيما يؤكل منه لا مطلقا، بإلغاء الخصوصية الشخصية وتجرديها عن كونها واقعة فيما لا يؤكل.

ثم قال: وعلى هذا الاحتمال _الذي قلنا نحن انه امر معقول_ فلا ظهور لها في الشرطية ضرورة ان الصلاة في الحيواني، _بعد فرض ان المشار اليه هو الصلاة الواقعة في لبس حيواني_ تنقسم الى قسمين: مأكول وغير مأكول، وبعد ان حكم الإمام بالصدر بمانعية غير المأكول وبطلان الصلاة من جهة الاقتران بالمانع فلا محالة تكون الصحة في هذه الجملة منوطة بالوقوع في المأكول لكن لا بما هو كذل بل فراراً من المانع.

المقدمة الثالثة: _الكلام كان كله ثبوتاً، لو كان اسم الاشارة الرجوع الى الطبيعي لاستفيدت الشرطية، ولو كان اسم الاشارة راجعا الى النوع لاستفيدت الشرطية، ولو كان اسم الاشارة ظاهرا الى اسم الشخص بتمام خصائصه لكان المعنى غير معقول، ولو كان اسم الاشارة راجعا الى الشخص لا لتمام خائصه لكان معنى معقولا ولا يستفاد منه الشرطية. هذه كلها احتمالات ثبوتية.

الآن يريد ان يعين في المقدمة الرابعة، هذا القسم الرابع: وهو ظاهر هذه الجملة، وهو قوله: «لا تقبل تلك الصلاة حتى يصليها في غيره». ظاهر الجملة: هو الرجوع الى نفس الشخص لكن لا بما هو واقع فيما لا يؤكل، بل بما هو واقع في حيواني. ما هو وجه الظهور؟

قال «ص222»: وليس خفي ان هذا الاحتمال هو الاقرب الاشارة _لان هنا اشارة والمشار اليه يجب ان يكون متشخصاً_ فإن اسم الاشارة فرع مشار اليه متشخص، اذن فتجريد المشار اليه لكل خصوصية وحمله على الطبيعة المطلقة كما في القسم الاول او حمله على نوع منها كما في القسم الثاني بلا مقتضٍ، لان الضرورات تقدر بقدرها، والمقدار اللازم لنا تجريده عن الخصوصية الشخصية وهي الوقوع فيما لا يؤكل، لأنّ هذه الخصوصية لو تحفظنا عليها للزم امتناع الاشارة اليه لان لازمه الانقلاب وهو محال، فتلغى هذه الخصوصية، ويتحفظ على ما عداها من الخصوصيات منها: خصوصية وقوع الصلاة في الحيواني المفروض في السؤال.

بل ان حصر الصحة فيما اذا وقعت في المحلل، يقتضي ذلك، _يعني يقتضي النظر الى صلاة واقعة في لبس حيواني، لان الصلاة الواقعة في لبس حيواني هي المنحصرة اما في محلل او محرم، واما اذا نظرت لطبيعي الصلاة او الى نوع الصلاة لم يكن منحصرا في المحلل او المحرم، فالحصر نفسه حيث قال: «لا تقبل تلك الصلاة حتى يصليها في غيره» هذا الحصر نفسه شاهد على النظر الى الصلاة الشخصية المجردة عن خصوصية الوقوع فيما لا يؤكل، لان هذه هي التي تنحصر فيما يؤكل وما لا يؤكل. والا فيمكن فرض الصحة _لو نظرنا الطبيعي_ بان تقع في اللباس المتخذ من النبات فلا يكون الحصر حاصراً، وعليه فلا دلالة في الذيل على الشرطية اصلا حتى يتعارض به الصدر ويتحقق الاجمال من جهة تصادم الظهورين بل هي صدرا وذيلا ظاهرة في المانعية.

ويلاحظ على ما افيد:

أولاً: أنه متى ما تم تجريد الشخص عن خصوصية من خصوصياته، لم يكن هو الشخص، لأن الشخص بتمام مشخصاته ومفرداته، فمتى ما الغيت خصوصية من خصوصياته وقلنا الملحوظ ليست الصلاة الواقعة فيما لا يؤكل بهذه الخصوصية بل بإلغاء هذه الخصوصية، بل بإلغاء هذه الخصوصية، بل الملحوظ صنف من هذه الاصناف، وهي الصلاة الواقعة في لبس حيواني. فالصلاة الواقعة في لبس حيواني صنف وليس شخصا كي نقول: بان المشار اليه شخص لكن لا بتمام خصائصه بل بإلغاء بعض خصائصه، وحينئذٍ لو كان اسم الاشارة يقتضي ان يكون المشار اليه متشخصا لو كان كذلك ان هذا لا يجتمع مع كون المشار اليه هو الصنف، اي الصلاة الواقعة في لبس حيواني.

ثانياً: لا موجب لفرض ان المشار اليه متشخصاً، بل يكفي ان يكون ملحوظا في الذهن اي مستفادا من الكلام السابق، فعندما يقال: «الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله فاسدة لا تقبل الصلاة» ليس بالضرورة ان يكون المشار اليه امرا متشخصا، فإن اسم الاشارة يعني ان المشارة اليه موجود في الكلام السابق، هذا معناه، لا ان المشار اليه هو المتشخص، ويكفي كونه موجودا في الكلام السابق تصيده وانتزاعه ولو بانتزاع النوع او الصنف.

ثالثاً: بان تردد المشار اليه بين مشار اليه يقتضي رفع جميع الخصوصيات ومشار اليه يقتضي حفظ بعض الخصوصيات ليس من القرائن النوعية العرفية التي توجب ظهوره في كون المشار اليه الشخص مع الغاء بعض خصائصه فهذا ليس من مولدات ومحققات الظهور.

ثم افاد «قده» بان هناك واجها اخر لاستفادة الشرطية لا نحتاج الى الكلام الذي قلناه: وهو: ان الامام في آخر الموثق قال: «فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في شعره ووبره وروثه وألبانه جائز، وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن اكله وحرم عليك اكله فالصلاة في كل شيء منه فاسد».

فان اسناد الصلاة الى الوقوع فيما نهي عنه وزجر عنه كالصريح في المانعية. فكأنه يريد ان يقول «قده» أن الرواية صدرا وذيلا ظاهرة في المانعية، فلم تبق الا فقرة بينهما يدعى ظهورها في الشرطية، لكن مع سبقها ولحوقها بما هو ظاهر في المانعية يكون السياق قرينة صارفة عن ظهورها في الشرطية فلا يستفاد منها إلا ان اشتراط ما يحل إنما هو للفرار من المانع لا لموضوعية في الشرطية.

فيكون ذلك قرينة على ان الجواز المعلق على كون الحيوان محلل الاكل، في قوله في الفقرة السابقة على هذه الفقرة «فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة وفي وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل منه جائز» هذا الجواز انما هو من جهة فقد المانع لا شرطية الوقوع في محلل الاكل.

إنّ الرواية اشتملت على فقرتين ظاهرتين في المانعية وفقرتين ظاهرتين في الشرطية، كما ان قوله: «لا تقبل تلك الصلاة حتى» ظاهرة في الشرطية في نفسها، كذلك قوله: «فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة فيه جائزة»، ايضا ظاهرة في الشرطية. فتحكيم الفقرات الظاهرة في المانعية على الفقرات الظاهرة في الشرطية يحتاج الى قرينة وشاهد.

اذن فلا مخلص الا كلام النائيني «قده» حيث اتكأ على ان هذه الجمل خبر ثاني او متفرعة على ما سبقها، وقرينة التفريع هي الشاهد والقرينة على ان مفادها من باب التخلص من المانعية لا لبيان الشرطية ابتداءً.

فتلخص بذلك:

أنّ الصحيح هو استفادة المانعية من الموثق «موثق ابن بكير» وغيره. الجهة السادسة: «ص224» قال: لو وصلت النوبة للاصل العملي. بمعنى انه لم يقم عندنا دليل على الشرطية او المانعية، لكننا نعلم بأن احدهما مجعول لا محالة. فإما المجعول شرطية ما يؤكل او المجعول مانعية ما لا يؤكل، فما هو مقتضى الاصل؟

نأتي الى كلام المحقق النائيني «ص89، فوائد الاصول، ج4» بعنوان «تذييل».

قال: اذا دار الامر بين شرطية شيء ومانعية شيء آخر، كما اذا لم ندري هل ان ما يؤكل شرط ام أن ما لا يؤكل مانع، فهنا صورتان: الصورة الاولى: ان يكون المقام من الضدين الذين لا ثالث لهما. كما اذا شك ان الجهر شرط ام الاخفات مانع، ولا واسطة بين الجهر والاخفات في القراءة، فإن القراءة اما جهر وإما اخفات، فاذا دار امر القراءة الواجبة بين شرطية الجهر او مانعية الاخفات فقد دار الامر بين ضدين لا ثالث لهما.

الصورة الثانية: ان يكون بينهما ثالث، كما اذا شككنا هل ان الشارع اوجب السورة بعد الفاتحة بشرط الوحدة، يعني ان كانت السورة واجبة فهي واجبة بشرط الوحدة؟ ام أن الشارع جعل القران مانعاً؟ فهو يقول: السورة غير لازمة لكن اذا اردت ان تقرأ سورة بعد الفاتحة فلا تقرنها بسورة اخرى، فيدور الامر بين شرطية الوحدة في السورة او مانعية القراءة، وهذان لهما ثالث، وهو ان لا يقرأ السورة. فاذا دار الامر بين شرطية سورة بشرط الوحدة او مانعية قران فهناك شق ثالث وهو ان لا يقرأ السورة من الاساس.

ما هو الحكم في كلتا الصورتين؟

فيقول المحقق النائيني «قده» اذا علمنا اجمالاً إمّا بجزئية بشرط الوحدة او مانعية قران فهذا العلم الاجمالي منحل الى علم تفصيلي بأن القران مبطل على كل حال، لانه متى ما قرأ سورتين بعد الفاتحة فقد احرز بطلان صلاته، لأنه إن كان الواجب سورة بشرط الوحدة فقد اخل بالشرط، وان كان المجعول مانعية القران فقد ارتكب المانع. إذن هناك علم تفصيلي بمطلية القران على كل حال وشك بدوي في شرطية السورة، فيجري البراءة عنه، والنتيجة: لا يقرأ السورة. إذن هذا العلم الاجمالي منحل.

الكلام في الصورة الاولى: وهما الضدين اللذين لا ثالث لهما، كما اذا دار الامر بين الجهر والاخفات. فلنفرض اني الولد الاكبر والمسؤل عن قضاء ما فات عن ابي، قام الولد الاصغر وصلى، وانا لا ادري ان القراءة مشروطة بالجهر او أن الاخفات مانع حتى اجتزأ بصلاته ام قضاءه ام لا؟ فما هو مقتضى الوظيفة؟

راجعوا كلام المحقق النائيني في فوائد الاصول، «ص89»

والحمد لله رب العالمين.