الدرس 94

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ذكرنا سابقا: أنّ المحقق النائيني «قده» أفاد: إذا دار الامر بين جزئية شيء ومانعية آخر، فإن لهذا البحث صورتين:

الصورة الاولى: ان يدور الامر بين الضدين اللذين لهما ثالث. كما إذا لم ندري هل ان الواجب في الصلاة السورة بشرط الوحدة؟ أو ان القران بين السورتين مانع من صحة الصلاة من دون وجوب السورة.

فهنا افاد المحقق النائيني: بأن هذا ينحل الى علم تفصيلي بمبطلية القران فمن اتى بسورتين في صلاته فسدت صلاته اما لأن القران مانع أو لانه اخل بشرط الوحدة.

فهناك علم تفصيلي بمبطلية القران وشك بدوي في جزئية السورة. فيجري البراءة عن جزئية السورة.

ولكن هذا الذي افاده المحقق اشكل عليه المحقق العراقي في «رسالة اللباس المشكوك» بإشكالين تعرض لهما في «ص134»:

وملّخص كلامه: أنّ هناك إشكالين على المحقق:

الإشكال الاول: إن دعوى انحلال العلم الاجمالي اما بجزئية السورة بشرط الوحدة أو مانعية القران بعلم تفصيلي بلابدية ترك القران، وشك بدوي في جزئية السورة بشرط الوحدة، هذه الدعوى ممنوعة. والسر في ذلك:

إنّ العلم الاجمالي متعلق بحكم شرعي ولا ندري هل هذا الحكم الشرعي هو عبارة عن جزئية السورة بشرط الوحدة أو مانعية القران؟ فبما أن العلم الإجمالي متعلق بحكم شرعي فلا يتصور انحلاله حقيقة الا بعلم تفصيلي بالعلم الشرعي لا بعلم تفصيلي بشيء اخر بل بعلم تفصيلي بالعلم الشرعي، فهنا يقول المحقق النائيني: ان ما علمنا به تفصيلا ان القران لا بد من تركه. ولكن هذا ليس بحكم شرعي، انه ان كان القران مانعا واقعا فلابد من تركه شرعا، لانه مانع، واما إذا لم يكن القران مانعا وانما الواجب في الواقع هو السورة بشرط الوحدة، فلابد من ترك القران لا شرعا بل عقلاً، لأن الحكم هو جزئية السورة بشرط الوحدة فلكي نحقق هذا الواجب عقلا فلابد من ترك القران، اذن لم نعلم تفصيلا بالحكم الشرعي حتى ينحل العلم الاجمالي حقيقة، وإنما لما علمنا بأن الواجب إما السورة بشرط الوحدة أو ان القران مانع، قلنا بأن القران لابد من تركه، اما لانه مانع أو لانه فقط للشرط، لكن لابد من تركه عقلا أم شرعا؟

على احد التقديرين وهو ان القران مانع واقعاً، لابد من تركه شرعاً، ولكن على التقدير الاخر وهو ان الواجب السورة بشرط الوحدة: لا يجب ترك القران شرعاً لأنه ليس مانعاً وإنما يجب تركه عقلاً تحقيقا للشرط، فلم نعلم تفصيلا بالحكم الشرعي وانما علمنا باللا بدية الاعم من كونها لابدية عقلية أو شرعية. فكيف تدعي الانحلال؟

ولكن يمكن الجواب عن ذلك:

بأن المقصود بنظر المحقق النائيني «قده» العلم التفصيلي بحكم شرعي، لا العلم التفصيلي بلابدية العلم من الشرعية والعقلية. بيان ذلك:

ان كان الحكم الواقعي هو مانعية القران إذن فالقران مفسد للصلاة، وإن كان الحكم الواقعي هو شرطية أو قل: جزئية السورة بشرط الوحدة، فالقران مفسد للصلاة أم لا؟ مفسد للصلاة، إذن نحن نعلم بمفسدية القران للصلاة على كل حال، وهذا علم بالمفسدية الشرعية، نعلم بأن القران مفسد للصلاة على كل حال، أي نعلم بأن الشارع يحكم بفساد الصلاة سواء كان القران مانعا أو كان الواجب السورة بشرط الواحدة. نعلم بأن الشارع بأن هذه الصلاة فاسدة. فالعلم الإجمالي بمانعية القران أو جزئية السورة بشرط الوحدة ينحل الى تفصيلي بحكم الشارع بفساد الصلاة على كل حال عند القران وهذا كافٍ، ويحصل لنا شك بدوي في جزئية السورة بشرط الوحدة فيصح ان نصلي بلا سورة.

الاشكال الثاني: _وتبناه سيد المستمسك أيضاً في فروع العلم الاجمالي_: وهو لدينا علم اجمالي اما بأن السورة واجبة بشرط الوحدة أو القران مانع، تولد من هذا العلم الاجمالي علم تفصيلي بأن القران مفسد، هذا العلم التفصيلي متولد من العلم الاجمالي إذ لولا علمنا الاجمالي بأن السورة واجبة بشرط الوحدة أو القران مانع، لما حصل علم تفصيلي بأن القران مفسد على كل حال. فيقال: بما ان العلم التفصيلي متولد من العلم الاجمالي فهو متأخر عنه رتبة تأخر المعلول عن العلة، فاذا كان العلم التفصيلي متأخر رتبة لأنه متولد منه فلا يعقل ان تكون منجزية العلم التفصيلي موجبة لحل منجزية العلم الاجمالي، إذ المتأخر رتبة لا يؤثر فيما هو المتقدم، فكيف يعقل ان العلم التفصيلي المتأخر رتبة عن العلم الاجمالي انه تولد منه؟ أم ان تكون منجزيته حلّاً لمنجزيته للعلم الاجمالي، وهل هذا الا تأثير المتأخر في المتقدم وتأثير المعلول في العلة وهو محال ممتنع.

الجواب: أن العلم الاجمالي إذا حصل ترتب عليه اثران في عرض واحد، الاثر الاول: منجزيته، لأن العلم الاجمالي منجز. الاثر الثاني: العلم التفصيلي. العلم الاجمالي بأنني نذرت زيارة الحسين والمشي اليها أو نذرت خصوص الزيارة؟ ولم انذر المشي اليها؟

أنا لدي علم اجمالي اما نذرت الزيارة والمشي أو نذرت خصوص الزيارة؟ هذا العلم الاجمالي ترتب عليه أثران في عرض واحد: انه منجز، وانه يتولد منه علم تفصيلي بأنني نذرت الزيارة على كل حال. فالعلم التفصيلي لا متأخر رتبة عن المنجزية متأخر رتبة عن العلم الاجمالي لا أنه متأخر رتبة عن منجزية العلم الاجمالي بل هو في عرضها، فهذا العلم الاجمالي ترتب عليه اثران: العلم التفصيلي المتولد منه، ومنجزيه وهما في عرض واحد. فلو قلنا: كما يقول النائيني: أن هذا العلم التفصيلي منجز أيضاً، منجزيته هادمة لمنجزية العلم الاجمالي.

إن قلت: بأن هذا يلزم منه تأثير المتأخر في المتقدم.

قلنا: المتأخر نفس العلم التفصيلي عن نفس العلم الإجمالي، لا أنّ منجزية العلم التفصيلي متأخرة رتبة عن منجزية العلم الإجمالي كي يرد اشكال تأثير المتأخر رتبة. الا ان تقولوا: ما تأخر عن مساوي شيء فهو متاخر عن ذلك الشيء، مثلا: إذا افترنا بين «أ» و«ب» مساواة، و«ج» متاخر رتبة عن «أ» فهل يلزم من ذلك ان يكون «ج» متأخرا عن «ب»، المتأخر عن المساوي لشيء ليس متأخراً عن ذلك الشيء بدليل: ان وجود المعلوم متاخر رتبة عن وجود المعلول متأخر عن وجود العلة، ووجود العلة مساوٍ لعدمها لأن وجود العلة وعدمها في عرض واحد، فوجود المعلوم متأخر رتبة عن وجود العلة، لكنه ليس متأخراً رتبة عن عدم العلة، فالمتأخر رتبة عن مساوي شيء لا يكون متأخرا رتبة عن مساويه.

فإذن هذا الاشكالان من المحقق العراقي محل تأمل.

هذا تمام الكلام في الصورة الاولى وهي: دار الامر بين الشرطية والمانعية في الضدين اللذين لهما ثالث.

الصورة الثانية: ما إذا دار الامر بين الشرطية والمانعية في الضدين اللذين لا ثالث لهما، كما إذا دار الامر القراءة في الصلاة بين شرطية الجهر أو مانعية الاخفات، ولا يوجد ضد ثالث، فهي اما جهرية واما اخفاتية.

فهنا ذكر المحقق النائيني في «فوائد الاصول، ج4، ص91» مطلبين:

المطلب الاول: ان هذا العلم الاجمالي غير منحل، العلم الاجمالي في الصورة السابقة، لأن نكتة الانحلال ان يحصل علم تفصيلي بأثر وشك بدوي في أثر آخر، فلا يكفي العلم التفصيلي بل لابد من ركنين حتى يحصل الانحلال علم تفصيلي بأثر وشك بدوي في أثر آخر.

وإلا لو حصل لنا علم تفصيلي بأثر لكن لم يحصل لنا شك بدوي بأثر آخر لم ينحل حتى مع وجود العلم التفصيلي. ففيما سبق: لما علمنا اما السورة واجبة بشرط الوحدة أو القران مانع، حصل لنا علم تفصيلي بأثر وهو مفسدية القران، وشك بدوي في اثر آخر وهو جزئية السورة، لا ندري هي جزء اساسا أم لأن لذلك اجرينا البراءة عنها.

اما في المقام: حيث علمنا اما الجهر شرط أو الاخفات مانع، فقد يقول قائل: إذن بالنتيجة تعلمون ان الاخفات مفسد على كل حال، إذا علمتم بأن الجهر شرط أو الاخفات مانع، لا محالة الاخفات مفسد اما لانه مانع اما لانه ترك شرط وفقد شرط؟ فكيف لا يحصل انحلال؟ يقول: لا، ما هو الاثر الثاني الذي نشك فيه كي يحصل الانحلال؟ تقولون شرطية الجهر.

الجواب: ما هو الاثر المترتب على شرطية الجهر حتى ننفيه بالبراءة؟

مفسدية الاخفات، لانه لو كان الجهر شرطا لكان الاخفات مفسدا لانه فقد شرط، والحال بأننا نعلم من الاول بأن الاخفات مفسد، فكيف نجري البراءة عن اثر هو معلوم تفصيلاً، فإذا دار الامر بين شرطية الجهر أو مانعية الاخفات، أجرينا البراءة عن مانعية الاخفات، يعني نخفت. اجرينا البراءة عن شرطية الجهر يعني نخفت، فأثر البراءتين واحد، لا يوجد لدينا اثران نعلم تفصيلا بأحدهما ونشك بدواً في الآخر بل اثر الشكين واحد، فإن اثر الشك في مانعية الاخفات ان نجري البراءة عن المانعية ونخفت، وأثر الشك في شرطية الجهر ان نجري البراءة عن شرطية الجهر ونخفت. فبما ان اثر الشكين واحد واثر البراءتين واحد اذن لا يوجد اثران علمنا تفصيلاً بأحدهما وشككنا بدوا في الاخر كي يحصل الانحلال. لذلك نقول: المانعية في القران معلومة تفصيلا، مفسدية القران معلومة تفصيلا، هذا اثر معلوم تفصيلا، وهنا اثر آخر مشكوك بدوا وهو جزئية السورة، فنجري البراءة عن جزئيته فنترك الامر من الاساس. بينما في محل الكلام اجريتم البراءة عن مانعية الاخفات أو اجريتم البراءة عن شرطية الجهل لا اثر يترتب على ذلك الا الاخفات الذي تعلمون تفصيلاً بمفسديته.

قال في «ص89» كما إذا شك في ان السورة شرط في الوحدة شرط في الصلاة؟ يعني اصل الشك في شرطية السورة، لكنه لو كانت شرطا لكانت بشرط الوحدة، هل ان السورة بشرط الوحدة شرط في الصلاة أم ان القران مانع، فإنه يمكن خلو الصلاة عن السورة والقران فتكون الصلاة بلا سورة واسطة بينهما. هذا المطلب الاول.

فقال المحقق النائيني «قده»: إذا نظرنا الى المطلب هكذا فلا انحلال، يعني منجزية العلم الاجمالي ومنجزية العلم الاجمالي ان نأتي بالجهر، فإننا إذا علمنا إما بشرطية الجهر أو مانعية الاخفات والمفروض ان العلم الاجمالي لا ينحل لأن البراءتين ليس لهما الا اثر واحد وهو معلوم تفصيلا، اذن مقتضى منجزية العلم الاجمالي أن نجهر في الصلاة.

المطلب الثاني: هناك فرق بين ا ثر الشرطية وبين اثر الشك في الشرطية. أثر الشرطية ان نأتي بالشرط، لكن اثر الشك في الشرطية ما هو؟ الاحراز، إذا شككنا في ان الشرط موجود أو غير موجود اثره الاحراز عقلاً، فاذا شكَّ المكلف في صلاته انها واجدة للاستقبال أم لا؟ واجدة للاطمئنان أم لا؟ اثر الشك في وجود الشرط ان يحرز الشرط. ففرق بين اثر الشرطية واثر الشك في الشرطية. فبناء على ذلك: قد يقال: بأنه صحيح محل كلامنا في الشبهة الحكمية، لا ندري ان الجهر شرط أو الاخفات مانع، هذا محل كلامنا. لكن لو كانت لدينا شبهة موضوعية سوف يكون للشك في الشرطية اثر زائد، لو كانت شبهة حكمية محضة كما تقولون ليس فيه اثر زائد في الشرطية، أثر الشك في جعل الشرطية هو جريان البراءة، واثر الشك في جعل المانعية جريان البراءة وكلا البراءتين تؤدي الى اثر واحد معلوم تفصيلاً فلا تجري البراءتان فلا ينحل العلم الاجمالي. هذا جعلنا الشبهة حكمية محضة.

أما إذا ادخلناها في شبهة موضوعية، مثلاً: وجب على الولد الاكبر قضاء ما فات اباه، فصلى الولد الاصغر، فشك الولد الاكبر، لا ادري هل جهر في صلاته هذا الولد الاصغر؟ أم لا لم يجهر حتى يسقط الواجب عني، لانني انا المكلف عن القضاء عن الاب؟

اقول: انا الآن عندي شكان: شبهة حكمية وشبهة موضوعية، أنّا اساسا اشك هل ان الجهر شرط أم الاخفات مانع؟ ومع ذلك اشك في الموضوع ايضا، هل ان الولد الاصغر اتى بالجهر أم لم ياتي به؟ فعندي شبهة حكمية وشبهة موضوعية. اقول: ما هو اثر الشك في الشرطية على نحو الشبهة الموضوعية؟ اثره الاحراز، ان كان الجهر شرطا فلابد من احراز وجوده، بينما الشك في وجود المانع ليس له اثر لأن المانع لا يحتاج الى احراز عدمه، الشرط نحتاج الى احراز وجوده، أما المانع لا نحتاج الى احراز عدمه لجريان استصحاب عدم المانع، نشك انه اخفت في صلاته أم لم يخفت نستصحب عدم الاخفات، فبما ان المانعية لا يترتب اثر للشك في وجودها بلحاظ جريان استصحاب عدم المانع، بينما الشرطية يوجد اثر للشك في وجودها وهو لزوم الاحراز عقلاً. فبناءً على ذلك يصح اني قال: الشرطية لها اثر زائد، ما هو اثرها الزائد، ليس اثرها في الشبهة الحكمية بل اثرها في الشبهة الموضوعية، واثر الشك فيه بالشبهة الموضوعية لزوم الاتيان، فاذا دار الامر بين الشرطية والمانعية اقول: تجري البراءة عن الشرطية بلا معارض، لأن المانعية لا اثر في الشك فيها حتى اجري البراءة، وحيث ان الشك في المانعية لا اثر له لجريان استصحاب عدم المانع فلا وجه لجريان البراءة، لأن البراءة لابد من اثر ننفيه في البراءة. بينما الشك في وجود الشرط حيث إن له اثراً في الشبهة الموضوعية صح اجراء البراءة عنه في الشبهة الموضوعية. فنجري البراءة عن الشرطية، والاثر هو لزوم الاحراز في الشبهة الموضوعية، فننفي لزوم الاحراز عقلا بالبراءة.

هل هذا تام أم لا؟

المحقق النائيني في فوائد الاصول قال: غير تام. وفي اجود التقريرات قال: تام. ولذلك السيد الخوئي اشكل عليه بناء على كلامه من انه تام.

والحمد لله رب العالمين.