الدرس 96

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

الجهة السابعة: ما تعرض له سيدنا الخوئي «ص232، ج12» بعنوان الجهة الثامنة: وهو البحث في جواز الصلاة في اللباس المشكوك وعدمه.

وقد قدم لهذا البحث مقدمة، ومحصّل هذه المقدمة:

أن بعض اعلام الأصوليين وهو المحقق العراقي «قده» افاد بأن تنقيح النتيجة من حيث جواز الصلاة في اللباس المشكوك وعدم الجواز ببركة جريان الاصول العلمية يختلف باختلاف مصب الاعتبار، وبيان ذلك:

اذا قلنا بأن ما لا يؤكل لحمه مانع من صحة الصلاة، فهل مركز هذه المانعية الصلاة؟ ام المصلي؟ ام اللباس؟ فان هذا محل بحث لديهم.

هل ان مركز التقيد: الصلاة؟ ام المصلي؟ ام اللباس؟

وهنا افاد المحقق العراقي بأنه يختلف........... فإذا قلنا بان مركز المانعية والتقيد الاعتباري هوا لصلاة نفسها كأنما الشارع قال: يعتبر في صحة الصلاة ان لا تقترن بما لا يؤكل، فمركز الاعتبار والتقيد بالعدم المعبر عنه بالمانعية ذات الصلاة، يعتبر في الصلاة ان لا تقع او ان لا تقترن بما لايؤكل، فهل ان مقتضى الاصل هو الجواز او مقتضى الاصل عدم الجواز؟

يقول هذا يختلف باختلاف حال الصلاة، فإن هناك فرضين:

الفرض الاول: ان يقع الشك في اصل حدوث الصلاة، يعني حينما حدثت الصلاة هل حدثت مع ما لا يؤكل أو مع غيره؟ فهذا الفرض ناظر للشك في أصل الحدوث، هل أن الصلاة حدثت مع ما يؤكل او مع ما لا يؤكل؟ فإذا كان الشك ناظراً لأصل وقوع الصلاة فلا يوجد اصل مؤمّن، اذ لا ندري ان الصلاة من اول ثانية من ثواني تكبيرة الاحرام هل اقترنت بما لا يؤكل ام لا؟ وليس لدينا اصل يؤمن من احد الأمرين، فبالنتيجة: مقتضى قاعدة الاشتغال احراز وقوع الصلاة في غير ما لا يؤكل.

الفرض الثاني: ان يقع الشك في الطروّ، بمعنى اننا صلينا في غير ما لا يؤكل، لكن نشك هل طرأ ما لا يؤكل على الصلاة في اثنائها ام لا؟ فهنا يوجد اصل مؤمن وهو استصحاب عدم طرو ما لا يؤكل، او بعبارة ادق: استصحاب عدم اقتران الصلاة بما لا يؤكل، فهذا الاستصحاب بنفسه منقح لصحة الصلاة. وإن كان في عبارة السيد الخوئي في عبارة المقرر في تقرير كلامه يوجد اشكال، حيث قال في «ص232»:

وما لو طرأ عليه في الاثناء «لو شككنا فيما طرأ عليه» فيحكم بالصحة في الثاني «يعني في حال الشك في الطرو» للشك في عروض المانع بعد ان كانت الصلاة خالية عنه، فتستصحب الصحة ويدفع المانع المشكوك حدوثه بالاصل، فان ظاهر هذه العبارة ان السيد «قده» يجري اصلين، اولا استصحاب صحة الصلاة، وثانيا: دفع الشك في طروا المانع باستصحاب عدم طروه، والحال بانه لا حاجة في اثبات صحة الصلاة الى اجراء اصلين، استصحاب الصحة واستصحا بعدم طرو المانع، لان موضوع الصحة هو عدم اقتران الصلاة لا شيء آخر، موضوع الصحة عدم اقتران بما لا يؤكل، ونفس هذا الموضوع يمكن تنقيحه بالاصل بلا حاجة الى ان نستصحب الصحة وندفع الشك بطروا المانع باستصحاب عدمه، فعلل هذا من سهو قلم المقرر. هذا اذا كان التقيد راجعا لنفس الصلاة.

ويحتمل رجوع التقيد والمانعية للباس، بان يقول الشارع: يعتبر في اللباس حال الصلاة ان لا يكون مما لا يؤكل، فمصب المانعية والتقيد هو اللباس.

فهنا يقول المحقق العراقي «قده»: اذا كان مصب المانعية هو اللباس فمقتضى القاعدة هوا لفساد، ولا يتصور هناك فرضان أي سواء شك في أصل حدوث الصلاة فيما لايؤكل او شك في الطرو، على كل حال مقتضى قاعدة الاشتغال اعادة الصلاة فيما احرز كونها من غير ما لا يؤكل. والسر في ذلك: ان اللباس ليس له حالتان، حالة ان يطرأ عليه ما لا يؤكل، لأن اللباس من أول الأول أما مما يؤكل او مما لا يؤكل، فليس للباس حالتان، حالة الحدوث وحالة الطرو، وانما ليس للباس الا حالة واحدة، فاللباس من الاصل اما متخذ مما لا يؤكل او متخذ من غيره، وبالتالي اذا شك المصلي ان لباسه او ساتر عورته هل هو مما لا يؤكل او من غيره، فلا يوجد اصل مؤمن من هذا الشك ومقتضى قاعدة الاشتغال إحراز وقوع الصلاة في غير ما لا يؤكل.

وأما اذا كان مصب التقيد والمانعية المصلي، لا الصلاة ولا اللباس، فمقتضى القاعدة هو الصحة في جميع الفروض، لا أن مقتضى القاعدة هو الفساد كما في الصورة الثانية ولا ان هناك تفصيل كما في الفرض الاول، بل مقتضى القاعدة هو الصحة، لأنّ بالنتيجة اذا كان مصب التقيد هو المصلي فقطعا المصلي مر عليه ظرف لم يكن لابسا لما لا يؤكل قطعا، فاذا مر على المصلي حال لم يكن لابسا لما لا يؤكل فشككنا انه حال الصلاة لابس لما لا يؤكل ام لا؟ استصحبنا عدم لبسه ما لا يؤكل، وهذا الاصل مؤّمن ومنقح لموضوع صحة الصلاة. إذن فإن كان مصب التقيد والمانعية الصلاة؟ ففيها فرضان: فرض يحكم بالفساد، وفرض يحكم فيه بالصحة.

وإن كان مصب التقيد والمانعية اللباس، فمقتضى القاعدة فيه، الفساد، وان كان مصب التقيد المصلي: فمقتضى القاعدة فيه الصحة.

هذا تمام ما قرر من كلام بعض الاعاظم «قد».

وهناك ملاحظتان بدويتان على كلامه:

الملاحظة الاولى: ان هذا التشقيق اغفل فيه جريان استصحاب العدم الأزلي، إلا فمقتضى جريان استصحاب العدم الأزلي ان لا فرق بين الفروض كلها في ان مقتضى النتيجة هي الصحة، فسواء كان مصب التقيد الصلاة، ام مصب التقيد اللباس، ام مصب التقيد المصلي، يصح لنا ان نقول في حال الشك في أن هذه الصلاة حين حدوثها هل حدثت فيما لا يؤكل ام لا؟ نقول: نستصحب عدم كون هذه الصلاة مقترنة بما لا يؤكل على نحو استصحاب العدم الأزلي. أي حينما لم تكن الصلاة لم تكن مقترنة بما لا يؤكل. فنستصحب عدم كونها مقترنة بما لا يؤكل.

وكذلك اذا كان مصب التقيد هو اللباس، فإذا شككنا في أن هذا اللباس هل هو متخذ مما يؤكل او مما لا يؤكل، نقول: عندما لم يكن لم يكن مما لا يؤكل، فستصحب عدم كون هذا اللباس مما لا يؤكل على نحو استصحاب العدم الازلي، وكذلك الامر من ناحية المصلي. اذن لو تم استصحاب جريان استصحاب العدم الازلي لم يبق فرض يحكم فيه بفساد الصلاة عند الصلاة في اللباس المشكوك.

الملاحظة الثانية: افيد في تقرير كلام بعض الاعاظم: انه بناء على كون مصب التقيد هو اللباس فمقتضى القاعدة في جميع الفروض هو الفساد، لان اللباس ليس له حالتان، حالة حدوث وحالة طرو، بل الشك دائرا في انه متخذ مما يؤكل او مما لا يؤكل، وبالتالي فلا يوجد اصل منقح للصحة، فمقتضى قاعدة الاشتغال هو الفساد.

ولكن بناء على تعميم المانعية _كما هو مبنى سيدنا الخوئي ومبنى المحقق العراقي «قدس سرهما» _ للمحمول والمشمول لا خصوص الملبوس، حيث ان المستفاد من موثق ابن بكير: «ان الصلاة في وبر كل شيء حرام اكله فالصلاة وبره وشعره وروثه وبوله وألبانه وكل شيء منه فاسد» بناء على هذه الموثقة عموم المانعية حتى لم يقترن به ثوب المصلي لا خصوص كون اللباس متخذاً مما لا يؤكل، بل حتى لو كان الملبوس مصطحبا لما لا يؤكل، ككون الملبوس ظرفا لشعرات ما لا يؤكل، او روثه او ألبانه او أي شيء منه. فبناء على تعميم المانعية لذلك يتصور في اللباس فرضان: اذ تارة: يشك في أن ساتر العورة او ان ثوب المصلي مما لا يؤكل ام لا؟ وهنا لا يوجد اصل منقح للصحة.

وتارة: يحرز ان الثوب من غير مما لا يؤكل اما في كونه قطعا او كونه مما يؤكل لحمه ويشك في طرو ما لا يؤكل عليه، فحينئذٍ يكون الشك مجرى لاستصحاب عدم الطرو المنقح لصحة الصلاة.

ولكن سيدنا الخوئي «قده» في «ص233» اضاف ملاحظة اخرى وركز عليها وهذه الملاحظة تتألف من أمور:

الامر الاول: إن الشرطية والمانعية إنما هما وصفان منتزعان من تقيد الواجب بالوجود او من تقيد الواجب بالعدم، فان تقيد الواجب بالوجود انتزع من التقيد عنوان الشرطية، وإن تقيد الواجب بالعدم انتزع من التقيد عنوان المانعية.

فبما ان الشرطية والمانعية منتزعتان من نحو تقيد الواجب من الوجوب والعدم فلا محالة مصب الاعتبار دائما الواجب، لا اللباس او المصلي، هذا لا معنى ان يكون مصبا للاعتبار، انما مصب الاعتبار والقيود من حيث الصحة والفساد نفس المأمور به نفس الواجب، لا امور اخرى، وان كان لها علقة بالواجب، اذ ما دام الشرطية والمانعية منتزعتين من تقيد الواجب إذن فلا محالة مصب القيود هو الواجب، نفس المأمور به وليس شيئا آخر.

الامر الثاني: بما ان مآل القيود الى الواجب، فالصياغة المعقولة لهذا البحث ان يقال: يعتبر في الصلاة التقيد بعدم ما لا يؤكل، لكن هل يعتبر في الصلاة التقيد بغير ما لا يؤكل بلحاظ نفسها؟ او بلحاظ اللباس؟ او بلحاظ المصلي؟

والا فطرف التقيد هو الصلاة نفسها، أي ان هذه النسبة التقييدية مؤلفة من ثلاثة اطراف: طرف هو القيد «ما لا يؤكل»، طرف: هو الصلاة، تقيد الصلاة بغير ما لا يؤكل، طرف ثالث: موضوع هذا التقييد، هل موضوع التقيد ذات الصلاة، ام موضوع التقييد لباس المصلي، ام موضوع التقيد نفس المصلي، فهذه الانحاء الثلاثة انحاء لموضوع التقييد وإلا فطرف التقيد في جميعها هو الصلاة نفسها، فيقال: يعتبر في الصلاة ان لا تقترن بما لا يؤكل، يعتبر في الصلاة ان لا يقترن لباس المصلي بما لا يؤكل الاعتبار في الصلاة.

الامر الثالث: بأنه بعد تردد الاحتمالات بين الثلاثة، نقول: ان احتمال رجوع القيد للباس ساقط جزماً، والسر في ذلك: قد ذكرنا فيما سبق الفرق بين الجزء والشرط، فقلنا بان الجزء ما كان داخلا في المأمور به قيداً وتقيداً، فالركوع داخل في الصلاة يعني بعنوانه، وتقيدا، يعني بما هو متقيد ببقية الاجزاء. اما الشرط فهو داخل في المأمور به تقيدا لا قيدا، أي ان تقيد الصلاة بالاستقبال هو الداخل في الاستقبال واما نفس القبلة فهي أمر خارج عن الصلاة. فالشروط هي ما دخل في المأمور به تقيدا لا قيداً، هذا هو الفارق بين الجزء والشرط. فبناء على ذلك: بما ان مصب الامر الضمني في الشرائط هو التقيد، أي يعتبر في الصلاة التقيد بالقبلة، التقيد بالاطمئنان، التقيد بالطهارة، ونحو ذلك، فلابد ان يكون القيد مأمورا به امرا تبعيا، لان القيد اذا كان مأمورا به نفسيا كان القيد مأموراً به امرا تبعياً، ومقتضى كون القيد مأموراً به أمراً تبعياً ان يكون القيد فعلا اختياريا للمكلف، فلا يعقل ان يكون القيد خارجا عن الاختيار، اذ لو كان خارجا عن الاختيار لم يتعلق به الامر التبعي، وهذا خلف كون القيد متعلقا للامر تبعا لتعلق الامر الضمني بالتقيد، فلأجل ذلك يعقل ان يكون القيد الصلاة، لانها فعل اختياري، ويعقل ان يكون القيد المصلي، واما ان يكون القيد اللباس فان اتصاف اللباس بكونه مما يؤكل او بكونه مما لا يؤكل خارج عن فعل المصلي، فليس من افعاله الاختيارية كي يحتمل رجوع التقيد اليه. لذلك قال: والشرط لا معنى لأخذ شيء في الواجب وجودا وعدما الا اذا كان القيد متعلقا للامر بتبع الامر المتعلق بالمركب، لكون التقييد به مأخوذاً في الواجب، وان كان ذات القيد خارجا عنه في قبال الجزء الداخل قيدا وتقيدا، ومن هنا ذكرنا ان شرط الواجب لابد وان يكون فعلا اختيارياً، كي يمكن اخذ التقيد به في الواجب، ومن الواضح انت اتصاف اللباس بكونه مأخوذاً من المأكول ام من غيره أمر خارج عن اختيار المكلف، فلا يعقل تعلق التكليف به، وما يتراءى في كلمات الفقهاء من اطلاق الشرط عليه فيقال: ان من شرائط اللباس ان لا يكون من غير المأكول، فهو مسامحة في التعبير، فالامر دائر بين ان يكون التقييد معتبرا في الصلاة دون المصلي، فالمحتملات ثنائية لا ثلاثية.

الامر الرابع: إن ظاهر النصوص، ظاهر موثق سماعة: «ولا تلبسوا منها شيئا تصلون فيه لا تلبسوه» ظاهر في رجوع القيد للمصلي، أي يعتبر في المصلي ان لا يلبس حيث تعلق النهي الذي ينتزع به المانعية بالمصلي، إذن مقتضى هذا النص رجوع التقيد للمصلي.

فان قلت: ان هذا ينافيه موثق ابن بكير، حيث قال: «إن الصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسدة إن الصلاة..» فظاهره رجوع القيد للصلاة.

قال: إن دقيق النظر يقتضي بعدم المنافاة بينهما من حيث الظهور. _يريد ان يرجع موثق ابن بكير الى موثق سماعة_ نظراً الى أن لبس ما لا يؤكل او ما يؤكل هو فعل ايضاً، أي يصدر من المصلي فعلان: أي كما ان الصلاة فعل، اللبس ايضا فعل، فهما فعلان في عرض واحد، أي يصدر من المصلي فعلان، الصلاة واللبس «لبس ما يؤكل او ما لا يؤكل» فهما فعلا، فاذا كان فعلين فلا معنى ان يكون احد الفعلين ظرفا للآخر، بان تكون الصلاة ظرفاً للبس، او يكون اللبس ظرف للصلاة، فهذا لا معنى له، سواء اريدت الظرفية الزمانية او المكانية لان كل منهما فعل وليس زمن حتى يكون ظرفا، ولا مكان حتى يكون ظرفا _وانما الظرفية للزمان والمكان وكلاهما فعل في عرض واحد فلا معنى ان يكون احدهما ظرفا للآخر_ فلا معنى لكون اللبس ظرفا للصلاة الا بعناية، حيث ان اللباس شرط في صحة الصلاة لاشتراط ستر العورة، وحيث كان اللبس محيطا بالمصلي والمصلي مصدر للصلاة كان اللبس ظرفا للصلاة، لان اللبس محيط بالمصلي والمصلي مصدر للصلاة فلهذه العناية صار اللبس ظرفا للصلاة، فكأن الصلاة وقعت في وبر ما لا يؤكل لحمه، وإلا فمع الغض عن هذا التوسيط لا مصحح لاطلاق الظرفية اذ لا ارتباط بينهما بوجه، فالاستناد اولا وبالذات الى المصلي، وبعناية يسند الى الصلاة تجوزا وتوسعاً، والنتيجة: أن مركز التقييد هو المصلي كما هو مفاد سماعة ومآل موثقة ابن بكير عليه.

ولكن قد يقال: اما من ناحية الامر الاول وهو ان مرجع الاعتبارات والقيود الى نفس الصلاة، هذا كلام صحيح لانها هي المأمور به. واما من ناحية الامر الثاني وهو ينبغي ان تكون الصياغة هكذا، هل يعتبر في صحة الصلاة ان لا يقترن لباسها، هل يعتبر في صحة لباسها ان لا يقترن المصلي، فهذا لم يغير من المطلب شيء، سواء اخترنا هذه الصياغة، او اخترنا الصياغة التي نقلت عن بعض الاعاظم، فلا فرق بين الصياغتين في النتيجة وهي هل يوجد اصل منقح للصحة في جميع الفروض ام ان الفروض تختلف في ذلك، اخترتم هذه الصياغة ام اخترتم هذه الصياغة النتيجة واحدة.

الامر الثالث: سبق وان ناقشناها، حيث إنه افاد، ان الشرط هو عبارة عما كان التقيد به داخلا في المأمور به، ومقتضى كون التقيد داخلا في المأمور به واذا كان التقيد مأمورا به كان التقيد مأمورا به. من أين هذه الملازمة اذا كان التقيد مأمورا به كان القيد مأمورا به، وحيث إن القيد مأمور به فلابد ان يكون فعلا اختيارياً، بل يكفي في تعلق الامر الضمني بالتقيد ان يكون التقيد اختياريا، وان كانت اختيارية التقيد باختيارية احد طرفيه، وان لم يكن القيد اختياريا، فمثلاً: يعتبر في صحة الصلاة تقيدها بالوقت، فإن هذا التقيد مأمور به امرا ضمنياً ويكفي في اختياريته ان احد طرفيه وهو الصلاة اختيارية، وإن لم يكن القيد نفسه اختياريا وهو الوقت، وكذلك الامر في القبلة وكذلك الامر في غير ذلك. فلا موجب لهذه الملازمة ان التقيد مأمور به فالقيد مأمور به فلابد ان يكون القيد امرا اختياريا.

الامر الرابع: وهو مسألة الاستظهار الإثباتي، فهل تستظهرون ما استظهر، من ان العرف اذا تلقى موثق سماعة وهو قوله: «لا تلبسوا منها شيئا تصلون فيه» هل يستظهر العرف هنا رجوع القيد للمصلي؟ ام يستظهر العرف رجوع القيد للصلاة بملاحظة الذيل، ام ان العبارة محتملة لكلا النحوين، وهو ان يكون القيد راجعا للمصلي او راجعا للصلاة، فهذا المحقق العراقي في رسالته «اللباس المشكوك، ص128» قال: المقام الرابع: في أن الظاهر من الحكم بفساد الصلاة في المحرم او صحتها في المحلل، وكذا النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل وأمثالها كون حرمة الاكل او حليته قيداً للصلاة، نعم في بعض النصوص النهي عن لبس «يشير الى موثقة سماعة» وهو يوهم كونه قيداً للباس او للمصلي، ولكن ذيله في قوله يصلون فيه، شاهد جعل الصدر «النهي» بياناً للزجر عما هو مانع عن الصلاة ومن قيود الصلاة ولا اقل من كونه صالحا لمنع استقرار ظهور الصدر في قيديته للباس. واما احتمال كونه قيدا للمصلي ففي غاية الوهم لعدم اشعار شيء من النصوص عليه، فراجع.

والحمد لله رب العالمين.