الدرس 97

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ذكرنا فيما سبق: ان بعض الاعاظم «قده» أفاد بأن المانعية وهي عبارة عن تقيّد الواجب بغير ما لا يؤكل، هل هي مأخوذة في ذات الصلاة أم مأخوذة في المصلي أم مأخوذة في لباس المصلي؟ فإن في كل لحاظ يترتب اثر لا يترتب على الآخر.

وقد افاد بأنه بناء على رجوع التقيد للمصلي فإن مقتضى الأصل العملي هو الصحة، واذا رجع التقيد للباس فإن مقتضى الأصل العملي هو الفساد، واذا رجع التقيد للصلاة فلابد من التفصيل بين اقتران الصلاة حين حدوثها بالثوب المشكوك، فهنا مقتضى الأصل الفساد، وبين طرو الثوب المشكوك حال الصلاة فحينئذ مقتضى الأصل هو الصحة. وذكرنا ان هذا المورد لعدة اشكالات ووصلنا إلى الاشكال الثالث وهو اشكال السيد الخوئي، ومحصله «ص234»:

أن رجوع التقيد إلى اللباس غير معقول، فالقسمة ثنائية لا ثلاثية، بمعنى ان التقيد مردد بين الصلاة والمصلي، وإلا فلا يرجع إلى اللباس، وأنه إذا نظرنا إلى مقام الاثبات فإننا نرى ان التقيّد راجع إلى المصلي، فهذا هو ظاهر موثقة سماعة: «ولا تلبسوا منها شيئا تصلون فيه».

فإن قلت: بأن موثق ابن بكير ظاهر في الرجوع إلى الصلاة، حيث قال: «ان الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله فاسدة».

قلت: إن رجوع التقيد في هذه الرواية وهي موثق ابن بكير إلى الصلاة مبني على أن يكون مفاد «في» الظرفية، «إن الصلاة في وبر كل شيء حرام اكله فاسده» فلو كان مفاد «في» الظرفية لكانت الجملة ظاهرة في رجوع التقيد إلى ذات الصلاة، لكن «في» ليست ظاهرة في الظرفية، لأن الظرفية غير معقولة في المقام باعتبار ان الظرف اما زمان أو مكان، لأن اللبس فعل من افعال المصلي كما ان الصلاة فعل اخر من افعاله، فهما كفعلان في عرض واحد، اي يصدر من المصلي اللبس والصلاة فكيف يكون احد الفعلين ظرفا للآخر؟! فالظرفية إنما تتصور بملاك الاحتواء والاشتمال، وملاك الاحتواء والاشتمال انما يتصور في الزمان والمكان والا ففي الفعلين لا يتصور احتواء احدهما على الاخر واشتمال احدهما على الاخر، اذن فلا ظرفية بين اللبس والصلاة حتى نقول: بأن الصلاة مظروف وظرفه لبس ما لا يؤكل.

نعم، هناك ظرفية تجوزية، وملاكها: انه لما كان اللباس محيطا بالمصلي والمصلي مصدر للصلاة قيل بأن اللباس محيط بالصلاة، فهذه ظرفية توسعية ولا موجب لحمل اللفظ عليها بلا قرينة ولا شاهد.

اذن فما دام لفظ «في» غير ظاهر في الظرفية، فحينئذٍ لا ظهور في هذه الجملة في رجوع التقيَّد إلى ذات الصلاة، بل يكون مفاده هذه الجملة وهي: ان الصلاة فيما لا يؤكل فاسدة، هي مفاد موثق سماعة «لا تلبسون منها شيئاً تصلون فيه» من حيث رجوع التقيد إلى المصلي، لأن اللباس ظرف للمصلي لا للصلاة. هذا تمام كلامه زيد في علو مقامه.

وهنا عدة ملاحظات:

الملاحظة الاولى: ما نقل عن السيد الاستاذ «دام ظله» في بحثه في لباس المصلي «ص45»: حيث قال: إنّ موثق سماعة وهو «لا تلبسوا منها شيئا تصلون فيه» ليست ارشاداً أصلاً للمانعية حتى نقول بأنه ظاهر في رجوع التقيد إلى المصلي دون الصلاة لأن هذا فرع كونه نهياً ارشادياً، فاذا قلنا بأن ظاهر موثق سماعة الارشاد إلى التقيد صحَّ ان يبحث ان هذا التقيد راجع للمصلي أم للصلاة؟

واما إذا قلنا بأن النهي نهي مولوي وليس نهيا ارشاديا حتى يكون مفاده التقيد فيبحث عن مرجع التقيد، فلا محل اصلاً للاستشهاد من قبل سيدنا الخوئي «قده» بموثقة سماعة لإثبات رجوع التقيد للمصلي. قال: إنّ النهي هنا ليس ارشاديا بل هو نهي غيري من باب المقدمة فالنهي متعلق بلبس هذه الاجزاء مخافة ان تقع الصلاة فيها. فاذا قال «لا تلبسوا منها شيئاً»، يعني انهاكم نهيّاً مولوياً عن لبس ما لا يؤكل لحمه لأن لبس ما لا يؤكل لحمه معرض لوقع الصلاة فيه. فهناك نهي غيري عن اللبس، لا عن الصلاة فيه بل عن لبسه حلال من وقوع الصلاة فيه فهو نهي غيري لا إرشادي فلا يدلُّ على كون المانع لبس المصلي حتى يكون المقيَّد هو المصلّي.

ويلاحظ عليه:

إنّ مقتضى الضابطة التي ذكرها في «ص25» من نفس البحث: أن النهي في المقام ارشاد إلى التقيد، وبيان ذلك بعرض الكبرى والصغرى:

أما الكبرى: فقد افاد بأن ما يدعى في بعض الكلمات من أن الأصل في النهي والأمر أنه مولوي، فلا يصار إلى الارشادية الا بقرينة غير تام، بل الامر والنهي في حد ذاته لا مولوي ولا ارشادي وانما يستفاد ذلك من السياق واما نفس الامر لا مولوي ولا ارشادي، حيث إن مفاد النهي هو الردع على كل حال، غاية ما في الباب ان الردع في اي سياق؟ فالسياق هو الذي يحدد كونه مولويا أو ارشاديا فإن جاء النهي في سياق كون الفعل مطلوبا لداعٍ طبعي أو مرضي كان النهي مولويا، مثلاً:

إذا نهى المولى عن اكل لحم الارنب، فإن اكل الارنب مطلوب للناس في حد ذاته مع غض النظر عن نهي المولى، حيث إنّ اكل الارنب للناس داع اليه، فهذا الأكل مما للناس داعٍ طبعي إليه، فاذا جاء النهي كان ظاهرا في المولوية لأنه جاء في سياق النهي عن فعل له داعٍ طبعي عند الناس، أو كان الداعي له داعٍ مرضي، مثلا المولى ينهى عن اكل القاذورات مثلا، كأن يقول لا تأكل العذرة، فإن الانسان وان لم يكن له داع طبعي لأكل العذرة، لكن قد يكون له داعٍ مرضي لأكل العذرة فينهى عنه المولى، فالردع والنهي الوارد في سياق فعل للإنسان داعٍ اليه سواء كان الداعي طبعيا أو مرضيا يكون هذا النهي مولوياً.

وأما إذا جاء النهي عن سياق الردع عن حصة من فعل لا داعي للناس نحوه الا تحقيق امر الشارع. لا كما في القسم الاول ففي القسم الاول جاء النهي رادعاً عن فعل للناس داعٍ عليه مع غمض النظر عن الشارع. وفي القسم جاء النهي في سياق الردع عن حصة من فعل لا داعي للناس اليه الا تحقيق امر الشارع أم طلب امضائه.

فمثال القسم الاول: هو ما لو نهى الشارع عن الصلاة في مواطن التهمة، أو عن الصلاة بحذاء المرأة، قال: لا تصلي وبحذائك امرأة تصلي. فاذا قال الشارع لا تصلي وبحذائك امرأة تصلي، فهو لم يأتي ردعا عن فعل للناس داع اليه، فالإنسان إنما يأتي بالصلاة بداعي تحقيق امر الشارع، فاذا كان الاتيان بالصلاة بداعي تحقيق أمر الشارع وقال الشارع نفسه هذه الحصة من الصلاة لا تاتي بها، لا تصلي وبحذائك امرأة تصلي كان ظاهرا في الارشاد إلى ان هذه الحصة لا تمثل أمري.

إذن متى ما جاء النهي في سياق الردع عن حصة من فعل لا داعي للناس نحوه الا تحقيق امر الشارع كان ظاهرا في الارشاد، أو جاء ردعاً عن حصة لا داعي للناس نحوها إلا طلب امضاء الشارع كما في البيع، فإن الناس انما تأتي بالبيع لا لأجل نفسه بل لطلب امضاء المقنن حتى يصير البيع نافذاً، فإذا كان الإتيان بالبيع بداعي طلب امضاء الشارع ونفس الشارع ردع عن حصة منه قال: لا تبع ما ليس عندك، أو نهى النبي عن بيع الغرر، كان ظاهرا في الارشاد في ان هذه الحصة ليست ممضاة، فهذا هو الفارق بين النهي المولوي والإرشادي وهو فارق من جهة السياق، فكلاهما ردع عن فعل، إلا ان الكلام في الفعل المردوع عنه هل الفعل المردوع عنه مما يأتي الانسان بداعي نحوه مع غمض النظر عن نهي الشارع وأمره، أو أن الفعل المردوع عنه مما يأتي الإنسان به بداعي تحقيق أمر الشارع أو طلب امضائه.

فبناء على هذه الكبرى: هل ان النهي عن لبس ما لا يؤكل عند الصلاة من قبيل القسم الاول وهو ان الفعل المنهي عنه مما ليس للناس داع اليه إلا تحقيق امر الشارع.

فنأتي إلى الصغرى: هل ظاهر النهي، النهي عن اللبس في نفسه؟ أو النهي عن اللبس حال الصلاة، و«لا تلبسوا منها شيئاً تصلّون فيه» فإذا كان ظاهر الحديث إن المنهي عنه اللبس في نفسه صحيح فإن الناس لهم داع للبس بغض النظر عن أمر الشارع، فيكون النهي مولولياً، ولكن هذا غير محتمل.

واما إذا كان المنهي عنه اللبس حال الصلاة فمن الواضح ان المصلي انما يتستر حال الصلاة بداعي تحقيق امر الشارع، فاذا ورد النهي عن حصة من ذلك فقال: «لا تلبسوا مما لا يؤكل وانتم تصلون فيه» كان النهي ظاهرا في الارشاد إلى التقيد بعدم ما لا يؤكل، فصح ان يبحث السيد الخوئي في انه بعد ما كان النهي ظاهرا في الارشاد إلى التقيد هل أن التقيد راجع إلى المصلي أو إلى الصلاة؟! هذا بالنسبة إلى الإيراد الاول.

الإيراد الثاني: ما ذكرناه سابقا عن المحقق في رسالته «اللباس المشكوك، ص182» حيث قال: بأن النهي عن اللبس ظاهر في رجوع التقيد للباس لا للصلاة ولا للمصلي، ولو لاحظنا الذيل «لا تلبسوا منها شيئاً تصلون فيه» فقلنا ان الذيل قرينة على أن المنهي عنه هو الصلاة فكأنه قال: لا تصلوا في لبسا ما لا يؤكل، لكان التقيد ظاهرا في رجوع التقيد إلى الصلاة، وأما رجوع التقيد إلى المصلي لا إلى اللبس ولا إلى الصلاة فهو بلا شاهد ولا قرينة. يقول المحقق العراقي ولا اشعار. لأنك اما تلاحظ صدر الرواية المنهي عنه هو اللبس، أو تلاحظ ذيل الرواية المنهي عنه هو الصلاة، واما إرجاع التقيد إلى المصلي كما هو ظاهر كلام سيدنا.

الإشكال الثالث: إن ظاهر عدة نصوص رجوع القيد إلى الصلاة، مثلا: مرفوعة العلل: «لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل».

رواية علي ابن ابي حمزة: «لا تصلي فيها إلا ما كان منه ذكيّاً».

رواية الفقيه: في وصية النبي لعلي : «يا علي لا تصلي في جلد ما لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه».

وموثق ابن بكير: «إن الصلاة في وبر كلِّ شيء حرام أكله فاسدة».

فمن لاحظ مجموع روايات الباب وجد أنها في سياقٍ واحد وهو الإرشاد إلى رجوع المانعية إلى الصلاة، فمقتضى ذلك: التصرف على في موثق سماعة على طبق ظاهر سياق الباب وليس الأمر بالعكس. هذا إذا سلمنا في ظهور موثق سماعة في رجوع التقيد إلى المصلي.

الإشكال الرابع: ذكر سيدنا «قده» أن العكاز هو موثق ابن بكير وموثق ابن بكير ليس ظاهرا في رجوع القيد إلى الصلاة، لأن رجوع القيد إلى الصلاة يتوقف على ظهور الظرفية، على ظهور «في» في ظرفية اللباس للصلاة، وهذا امر غير معقول لأن احد الظرفين لا يكون ظرفا للفعل الآخر. فلا محالة هو ظاهر في ظرفية اللباس للمصلي لا ظرفية اللباس للصلاة، ومقتضى ذلك رجوع التقيد للمصلي لا للصلاة.

والجواب عن ذلك: ان الظرفية اصلا غير حقيقية في جميع الامور، إذا نرجع إلى المباني الحكمية اصلا لا ظرفية، فإن مقتضى الدّقة أن لا ظرفية حقيقة اصلا حتى في الزمان والمكان فضلاً عن غيرهما، وذلك لأن الموجودات في عرض واحد، فلو صلى الإنسان في مكان، فالصلاة من مقولة والمكان من مقولة أخرى وكيف تكون إحدى المقولتين ظرفاً للأخرى، فإن الصلاة عرض إما من مقولة الوضع أم من مقولة الفعل أو مثلا من مقولة النسبة والمكان من مقولة الجوهر. فهنا موجودان التصق احدهما بالآخر لا ان احدهما ظرف للآخر، فالظرفية الحقيقة ممتنعة، لأن سائر ما يعبر عنه بالمظروف والظرف انما هما من الموجودات في عرض واحد، فليس إحداهما ظرفا للآخر، واما النسبة بين المكان والمكين، يعني بين الفعل وبين المكان، يعبر عنه بمقولة الأين، فهناك موجودات ثلاثة، المكان: وهو من مقولة الجوهر، والصلاة: وهو من مقولة الفعل مثلا، وهيئة كون الصلاة عند المكان، وهذه الهيئة من مقولة الأين، فهناك موجودات ثلاثة، فأين الظرفية، إذن فلو مشينا على طبق الدقة العقلية فلا يوجد ظرفية لشيء بالنسبة لشيء آخر. ولو مشينا على النظر العرفي فإن الملاك في الظرفية في النظر العرفي اشتمال شيء واحتوائه على شيء آخر وهذا لا يختص بالزمن والمكان، بل متى ما تصور نوع من الاحتواء والاشتمال كان ملاكا للظرفية بنظر العرف، فلأجل ذلك إذا مشينا على طبق النظر العرفي تصورت ظرفية اللبس للصلاة، كما في قوله عز وجل: «فخرج على قومه في زينته» فإن العرف يرى أن الزينة ظرف للخروج، فخرج على قومه في زينته، باعتبار اشتمال ذلك على الاحتواء، فلما كانت الزينة محتوية على الخروج، يصح أن يقال بأن الخروج مظروف والزينة ظرف. وهذا كافٍ في ظهور «في» في الظرفية وتامميةا الاستشهاد، فإن ابيت عن ذلك ومنعت في ظهور «في» في الظرفية فهي مطلق المصاحبة والاقتران، فإن قوله «إنّ الصلاة في وبر كلِّ شيء حرام أكله فاسده» يعني إن الصلاة مع، أو الصلاة المصاحبة لما لا يؤكل فاسدة، فتكون «في» بمعنى مطلق المصاحبة والاقتران، وهذا كافٍ في الاستدلال في رجوع التقيد إلى الصلاة نفسها. فيقال الصلاة المصاحبة لما لا يؤكل فاسدة فهي ارشاد إلى مانعية ما لا يؤكل من صحة الصلاة، فسواء قلنا بأن مفاد «في» الظرفية كما هو الظاهر عرفاً، أو قلنا بأن مفاد «في» المصاحبة والاقتران على أية حال ظاهر هذه الجملة رجوع التقيد إلى الصلاة لا إلى المصلي، فهي أظهر في رجوع القيد إلى الصلاة من موثق سماعة من رجوع القيد إلى المصلي، فينبغي قياس موثق سماعة عليها وليس العكس. كما صنع سيدنا «قده».

وهناك اشكال دقيق: أن الأعاظم يقولون: إذا شك في طرو اللباس، يعني انا دخلت الصلاة في لباس من القطن، لكن شككت في الاثناء هل طرأ عليَّ ما لا يؤكل لحمه وأنا في الصلاة أم لا؟ قال الاعلام يجري استصحاب عدم الطرو.

أُشكل على هذا الاستصحاب من النائيني والخوئي وغيرهما: بأن الصلاة اجزاء متعددة فالمتيقن هو عدم عروض ما لا يؤكل فيما مضى من الأجزاء وهذا لا يثبت أن ما يأتي من الاجزاء خالٍ عمّا ما لا يؤكل، ولكن اشك هل انني بالفعل عما ما لا يؤكل أو مع ما يؤكل، فاستصحاب ما مضى هل يثبت خلو ما بيدي والأجزاء التالية له مما لا يؤكل أم لا؟

نفس هذه الاشكال تعرض له السيد الخوئي في «ص273».

والحمد لله رب العالمين.