الدرس 106

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ذكرنا فيما سبق: أن المحقق النراقي في «المستند» استدل بالروايات الواردة في إمارية سوق المسلمين، أو إمارية أرض الإسلام، لإثبات أن اللباس المشكوك من حيث كونه مما يؤكل أو مما لا يؤكل هو مما يؤكل، وذكرنا أن المحقق النائيني «قده» أشكل عليه بوجهين:

الوجه الأول: أنه لا يصح التمسك بإطلاق مثل موثق اسحاق ابن عمار «لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وما صنع في ارض الاسلام»، والسر في عدم صحة التمسك بالإطلاق، ان الاطلاق فرع تمامية مقدمات الحكمة، ومن مقدمات الحكمة عدم نصب قرينة على التقييد، فإذا تمّ كون المتكلم في مقام البيان ولم ينصب قرينة على التقييد، تم الاطلاق فلابد من احراز هاتين المقدمتين: اما احراز كون المتكلم في مقام البيان فبالأصل العقلائي، حيث ان الاصل في المتكلم ان يكون في مقام البيان من جهة الحكم وموضوعه ومتعلقه.

واما عدم نصب قرينة على التقييد فلابد من احراز ذلك ولا يوجد اصل عقلائي لاحراز عدم نصب قرينة على التقييد، فما هو الطريق لإحراز عدم القرينة؟

ذكر الاعلام في محله في الاصول: ان الطريق لاحراز عدم القرينة الظهور السكوتي، أو ما يعبر عنه بالدلالة السكوتية، ومعنى هذه الدلالة: ان ظاهر سكوت المتكلم أو الراوي، ان ظاهر سكوته عن القرينة مع التفاته لذلك هو عدم القرينة. فيرجع عدم القرينة الى ظهور، أي ان ظاهر سكوت من ذكر المطلق ملتفتا الى وجود القرائن وعدمها، ظاهر سكوته عن نقل قرينة أو ذكرها مع التفاته لذلك هو عدم القرينة. فهذا هو الطريق لاحراز عدم القرينة. الا ان هذا الظهور لا يحرز تحققه في موردين:

المورد الاول: ما إذا كان المحتمل قرينة ارتكازية، فإنه إذا كان المحتمل قرينة ارتكازية فسكوت المتكلم عن ذكر القرينة ليس شاهدا لعدمها، إذ لعل سكوته عنه لوضوحها ومعهوديتها، فمتى ما كان احتمال القرينة الارتكازية احتمالاً عقلائيا، بمعنى ان له منشأ عقلائي لا يكون سكوت المتكلم عن ذكر القرينة شاهدا بعدمها.

ومن هذا القبيل: ما ذكرناه سابقا: ان ما ورد في الصحيح: «عمد الصبي وخطأه واحد» لا يصح التمسك به حتى في باب المعاملات، بأن لا ندري هل البيع الصادر عن الصبي بيع نافذ أم لا؟ فنقول: غير نافذ لقوله: «عمد الصبي وخطأه واحد»، والسر في ذلك:

أننا نحتمل ان عدم ذكر القرينة هنا من قبل الراوي لهذه الرواية لأن القرينة ارتكازية، فهو لديه ان هناك مرتكز متشرعي واضح على أن عمد الصبي انما يكون خطأ في باب الجنايات، فمع وجود قرينة ارتكازية لا يحتاج الى ان ينص على القرينة، اذن: ما دمنا نحتمل أنه انما سكت عن ذكر القرينة لكونها قرينة ارتكازية معهودة لا لعدمها فلا يكون عدم ذكر القرينة شاهدا بعدمها ومحققاً لعدم نصب القرينة.

والمنشأ العقلائي لهذا الاحتمال: هو أن هذه الرواية ذكرت ضمن روايات الدالة على ان عمد الصبي في الجنايات لا اثر له، يعني لا اثر له اثر العمد.

المورد الثاني: ان يرد المطلق في سياق مجموعي، بمعنى ان يرد المطلق في روايات مقيدة، فاذا كان الراوي الاول أو المصنف الاول اورد الحديث المطلق ضمن الروايات المقيدة، فاذا كان المصنف الاول للحديث اوردها كذلك، إذن بالنتيجة لا ينعقد لهذا النقل ظهور في عدم القرينة، صحيح هو نقل لنا رواية مطلقة، لكن نقله للرواية المطلقة لا يحقق شهادة سكوتية بعدم القرينة، والسر في ذلك: انه لعله اتكأ على ايراد الرواية ضمن الروايات المقيدة لمنع احراز الاطلاق، صحيح نحتمل هذا ونحتمل ذلك:

مثلا عندنا رواية عبد الله ابن سنان، عن ابي عبد الله : «ما عبد الله بشيء أشد من المشي ولا أفضل»

رواية مطلقة، لو قرأنا الرواية وحدها من دون سياقها، لقلنا بأن هذه الرواية تدل بإطلاقها على أن المشي لأي عبادة هو امر مستحب، «ما عبد الله بشيء اشد من المشي ولا افضل» فالمشي لبيت الله مستحب في نفسه، والمشي لزيارة النبي مستحب في نفسه، والمشي لصلة الرحم مستحب، والمشي لإماطة الأذى عن الطريق مستحب، فإن الرواية مطلقة من هذه الجهة، لكن حيث إن الكليني أو الطوسي الذي هو اول من اورد الرواية في مصنفه اوردها في سياق الروايات الدالة على استحباب المشي الى الحج، وافضليته على الركوب. وكان الحسن ابن علي قد حج عشرين حجة ماشيا على قدميه والنجائب تساق بين يديه. فإذا كان المصنف الاول للحديث اوردها في سياق الروايات المقيدة فكما يحتمل ان ايرادها للرواية المطلقة من باب التطبيق لا اكثر أي هي باقية على اطلاقه طبقها على هذا المورد، يحتمل انما اوردها ضمن سياق الباب لأنها خاص في هذا الباب، وأنا اتكأ على إيرادها ضمن روايات الباب كمانع من احراز الاطلاق، فما دمنا نحتمل ذلك اذن بالنتيجة لم ينعقد الظهور السكوتي، لم تنعقد الشهادة السكوتية بعدم القرينة، وهذا معناه: ان السياق المجموعي إن لم يكن قرينة على المراد فلا اقل من كونه مانعا من احراز الاطلاق. هذا هو تقريبنا للإشكال الاول للمحقق النائيني على المحقق النراقي «قدس سرهما».

الاشكال الثاني: افاد المحقق النائيني: بأن النراقي تمسك بالروايات الدالة على امارية يد المسلم على التذكية، والحال بأن امارية يد المسلم على التذكية من فروع امارية اليد على الملكية باعتبار ان ما لم يذكى ليس قابلا للملكية لذلك تكون دلالة اليد على الملكية دلالة التزامية على كونه مذكى.

_هذا ليس اصل علمي حتى يقال ليس حجة في مثبباته_ فإمارية اليد على الملكية حجة في لازمها وهو ان ما تحت اليد مذكى لأن غير المذكى لا يقبل الملكية، ما لا يؤكل لحمه فإنه قابل للملكية، يصح للانسان ان يملك الفيل والاسد والثعلب، فإذا كان ما لا يؤكل لحمه قابلا للملكية إذن إمارية اليد على الملكية لا تدل على كون ما تحت اليد مما يؤكل، مذكى لكنه لعله مما لا يؤكل، لأن ما لا يؤكل يقبل الملكية. وهذا الاشكال الذي اورده المحقق النائيني على المحقق النراقي محل تأمل من جهات:

أولاً: بأن المحقق النراقي لم يتحدث عن إمارية يد المسلم على التذكية إطلاقاً، وإنما تكلم عن إمارية سوق المسلمين وما صنع في ارض الاسلام.

لاحظوا عبارته: حيث قال في «المستند، ج4، ص316»: ولكن تعارضها «موثق ابن بكير» الاخبار المصرحة بجواز الصلاة في الجلود التي تشترى من سوق المسلمين، وفيما يُصنع في بلد كان غالب اهله المسلمين من غير مسألة. هذا هو مورد تمسكه. لأنه تمسك بالروايات الدالة على امارية اليد على التذكية كي يقال بأن امارية اليد على التذكية هي فرع اماريتها على الملكية ويأتي الاشكال.

ثانياً: نحن لا نسلم الحكم في المقيس عليه كي نسلم في المقيس، فقد ذكرنا في بحث امارية اليد على الملكية بأن هذا ليس له مستند، فإن ما ادعي انه مستند لامارية اليد على الملكية اما الارتكاز العقلائي أو احدى روايتين:

أما الارتكاز العقلائي: فغاية ما يدل على ان لليد سلطنة على ما تحتها، اما لأنه مالك أو لأنه ولي أو لأنه وكيل أو لأنه مأذون من قبل المالك، فلا يتكفل الارتكاز العقلائي شيئا من ذلك. متى ما وجدنا مالك تحت يد، كانت اليد إمارة على أنها صاحبة سلطة في التصرف في هذا المال، أما لأجل ماذا؟ الارتكاز العقلائي لا يعين ذلك. نعم، إذا انحصر الامر، بمعنى انه ندري انها ليست ولي ولا وكيل ولا مأذون فيدور الامر إما مالك أو غاصب؟ إذا دار الامر بين المالكية والغصب، هنا نعم، يقول الارتكاز العقلائي بأنه مالك، لا لموضوعية في المالكية بل لأنها مصداق من مصاديق السلطنة على التصرف، أما ان هناك ارتكازا عقلائيا يقول: انه متى ما شك في اليد قيل أنها مالكة، حتى مع احتمال انها وكيل أو ولي أو مأذون، لا يوجد ارتكاز عقلائي على هذا.

وأما من ناحية الروايات: فقد تشبث مثل سيدنا الخوئي «قده» باحدى روايتين:

الاولى «ب25، من أبواب كيفية الحكم، ح2»: موثقة حفص ابن غياث: عن ابي عبد الله : «أرأيت إذا رأيت شيئاً في يد رجل أيجوز لي أن أشهد أنه له؟ قال ع: نعم، فقال الرجل: لا، اشهد انه في يده ولا اشهد انه له، فلعله لغيره؟ فقال ابو عبد الله ع: أفيحل الشراء منه؟ قال: نعم، قال ع: فلعله لغيره، فمن اين جاز لك ان تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعده هو لي وتحلف عليه ولا يجوز ان تنسبه الى من صار ملكه من قبله اليك، ثم قال ع: لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق».

والبحث هو في مرجع اسم الاشارة، المشار اليه ماذا؟ «لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق»؟

حيث ذهب جملة من الاعلام الى ان المشار اليه هو الملكية، يعني لو لم تدل اليد على الملكية لم يقم للمسلمين سوق. لكن، من المحتمل بل قد يدعى ان السياق ظاهر في ذلك: أن المشار اليه الشهادة على الملكية، فغاية ما تدل الرواية عليه انه إذا رأيت شيئا في يد شخص يجوز لك ان تشهد أنه له بنحو تترتب عليه الآثار من صحة البيع والاستيجار والاقتراض وما اشبه ذلك، اما ان اليد امارة على الملكية فليست الرواية في مقام بيانها، كي يستدل بها على أنه متى ما شك في الملك كانت اليد إمارة على الملكية، غاية ما تفيده الرواية جواز الشهادة بالملك لمن كانت اليد تحت يده، أما ان اليد امارة على الملكية فليست الرواية في مقام بيانه.

فإذن بالنتيجة غاية ما تفيده الرواية جواز الشهادة بحسب مبنى بعض فقهائنا على أن ذا اليد صاحب تصرف، جواز الشهادة على ان ذا اليد صاحب تصرف. اما مالك أم لا؟ ما تدل الرواية عليه، ولو قلنا بأن الرواية دالة على جواز الشهادة بالملكية فغاية ما تدل عليه انه إذا جازت الشهادة بالملكية فهذا معناه أن الملكية امر مفروغ عنه، لكن استفادة الملكية حينئذٍ بالمدلول الالتزامي، والمدلول الالتزامي ليست الرواية في مقام بيانه، واذا لم تكن في مقام بيانه فلا يصح التمسك باطلاقه لكل مورد شك في الملكية.

وأما الرواية الثانية «ب8 من ابواب ميراث الازواج، ح3»: فهي موثقة يونس ابن يعقوب، عن ابي عبد الله : في امرأة تموت قبل الرجل أو رجل قبل المرأة.

_ماذا نفعل من ناحية الميراث_؟ قال ع: ما كان من متاع النساء فهو للمرأة، وما كان من متاع الرجال فهو للرجال، وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما، ومن استولى على شيء منه فهو له».

اذا افترضنا انه إذا مات الرجل وجد تحت يده قلم أو ساعة أو وجد في صندوقه الخاص به ثوب، «ومن استولى على شيء منه فهو له». فقد ادعي استفادة كبرى كلية من هذه الفقرة. أن «من استولى على شيء منه فهو له».

ولكن قد يقال: بأن سياق الرواية ليس ظاهرا في امارية الاستيلاء على الملكية، وإنما من باب ظاهر الحال، بمعنى: ان السائل يقول: انا متحير مات الرجل والمرأة، وامامنا امتعة لا ندري ماذا نصنع بها، للمرأة ورثة غير الرجل وللرجل ورثة غير المرأة، الامام تمسك بظاهر الحال، قال: ظاهر كون المتاع من أمتعة المرأة انه للمرأة، ظاهر كون المتاع من امتعة الرجل أنه للرجل، ظاهر كون المتاع للرجل والمرأة انه بينهما، ظاهر الاستيلاء على شيء انه له. فهو من باب الاستناد الى ظاهر الحال، لا من باب الاستناد الى إمارية اليد على الملكية. والنتيجة: انه لم ينهض دليل واضح على كون اليد امارة على الملكية في مطلق الموارد كي نقول: دلالة يد المسلم على التذكية من صغريات إمارية اليد على الملكية. مضافاً لضعف سندها «رواية حفص» بالقاسم ابن يحيى الذي لا توثيق له، بل ضعفه ابن الغضائري، وإن قبله السيد الخوئي بنحو من انحاء القبول.

ثالثاً: لو سلمنا بأن اليد إمارة على الملكية كما هو معروف بين الاصحاب، دعوى ان امارية يد المسلم على التذكية متفرعة على إمارية اليد على الملكية محل تأمل. أولاً: لا ملازمة بين الإمارية على الملكية والإمارية على التذكية، من قبل دلالة على الملكية، ولا من قبل دلالة اليد على التذكية. اما من قبل دلالة اليد على الملكية، فدلالة على الملكية لا تستلزم عرفا ولا شرعاً الدلالة على التذكية، لأن مورد دلالة اليد على التذكية الاستيلاء، من مسلم، من كافر. الاستيلاء على العين امارة على الملكية بمناط الغلبة، من أي يد كانت، بينما امارية اليد على التذكية اخذ فيها وصف ذي اليد من أنه مسلم، فإي ملازمة بينهما عرفا أو شرعاً؟!

وأما من جهة امارة يد المسلم على التذكية فلا تستلزم امارية اليد على الملكية، لاننا قد نعلم ان العين ليست ملكه ومع ذلك نحكم بكونها مذكى، كما لو احرزنا أن هذه العين ليست ملكه، وإنما هو مأذون فيها أما لكونها غير مملوكة لأحد أو لكونها ملكا لمن إذن له، مع ذلك إذا شككنا انها مذكاة أم لا؟ نحكم بالتذكية، فلا اقتضاء في امارية اليد على الملكية لاستفادة التذكية، ولا اقتضاء في امارية اليد على التذكية في استفادة الملكية.

وثانيا: لازم كلام المحقق النائيني «قده» ولعله ملتفت الى ذلك،

انه: مقتضى هذا الكلام ان امارية اليد على التذكية من فروع امارية اليد على الملكية انه لو كانت الميتة قابلة للملك، كميتة السمك، يعني ما ليس له نفس سائلة، فحينئذٍ لو احتلمنا ان ما تحت يده هل هو ما تحت يده هل هو ميتة نجسة أو ميتة طاهرة؟ أو مذكى؟ فدلالة يده على التذكية لا تكشف عن التذكية، لو شككنا أن ما تحت مما يملك أو مما لا يملك لاحتمال انه ميتة طاهرة، لم تكشف يده عن التذكية، إذ لعل ما تحت يده ميتة طاهرة والميتة الطاهرة تقبل الملك، إذن فإمارية يده على الملكية لا يعني إمارية يده على التذكية.

والحمد لله رب العالمين.