منتدى الأسرة تسلط الضوء على الخلاف والاختلاف

شبكة المنير منتدى الأسرة

في انطلاقة حوارنا معكم هل تعتقدون بأن تداول موضوع الخلاف والاختلاف وتسليط الضوء عليه في الحوارات واللقاءات والندوات أمر ضروري وهل هو حاجة ملحة في مجتمعنا؟

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم إلى قيام يوم الدين..

هنا أمر لابد من الالتفاف إليه وهو أن الرشد من الصفات الكمالية التي ندب إليها القرآن الكريم ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ وذم فرعون بلحاظ عدم اتصافه بالرشد حيث قال: ﴿وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ والرشد: هو عبارة عن البصيرة فالرشيد هو صاحب البصيرة تتحقق بأحد أمور ثلاثة:

أ. قراءة المسار.

ب. استشراق المستقبل.

ت. نقد الذات.

فالإنسان الرشيد أو صاحب البصيرة هو الذي يقوم بقراءة تجربته ومسيرته من فترة لأخرى ليرى أن مسيرته وتجربته هل هي في الطريق الصحيح أم هي في الطريق المنحرف.

والأمر الثاني استشراف المستقبل فإن الإنسان إذا قرأ معطيات ومظاهر الحاضر استطاع أن يتنبأ بالمستقبل وأن يستشرف النتائج المترتبة على تجربه الحاضرة.

صورة مندى الأسرةالأمر الثالث: نقد الذات وهو المعبر عنه في النصوص بمحاسبة النفس حيث ورد عن النبي : ”حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن تزانوا“، إذن الرشد والبصرية تحتاج إلى هذه الأمور الثلاثة من أجل أن يعرف الإنسان أن يضع قدمه في مسيرته في الحياة وهذا ما وردمن أن أبا ذر الغفاري «رضى الله عنه» سأل النبي قال: أوصني، قال: أوصيك إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته فإن يكن خيرا فأمضه وإن يكن شر فانته عنه» فالتدبر في العاقبة بمعنى استشراق المستقبل من خلال معطيات الحاضر هذا أمر ضروري للوقاية من الوقوع في مزال الأقدام وقد ورد عن الصادق : ”العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس“ بمعنى أن من كان صاحب بصيرة وعرف مسيرته مبدأ ومنتهى وأسبابها ونتائجها لم يقع في العثرات ولم يقع في مزال الأقدام.

والرشد كما يوصف به الفرد فإنه توصف به الأمة والمجتمع فكما أن هناك أمة رشيدة ومجتمع رشيد والمجتمع الرشيد هو المجتمع الذي يكون مثالا لآية المباركة: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ والدعوة إلى الخير لا يمكن أن تتم ارتجالاً وعفوية وبدون تخطيط ودراسة مسبقة فإن الدعوة تحتاج:

أولاً: إلى تحديد مفهوم الخير وإلى تحديد مصاديق.

ثانياً: وموارد الخير.

وتحتاج ثالثاً: إلى تحديد أساليب وأدوات التي من خلالها يمكن إيصال الخير إلى المجتمع وما لم تتم هذه الدراسة وهذا التخطيط تكون الدعوة إلى الخير بشكل ارتجاليا نقضا للغرض إذ لربما تكون دعوة على الشر من حيث لا يعلم الداعي.

لأجل ذلك الأمة الرشيدة والأمة التي هي صاحبة البصيرة هي التي تكون أساليبها مدروسة قبل الولوج فيها وتكون مراحل عملها مقروءة قبل الشروع فيها، لأجل تحقيق وصف الرشد للأمة وتحقيق وصف البصيرة للمجتمع لابد من قراءة ظاهرة الاختلاف، ظاهرة الاختلاف كسائر الظواهر المستحكمة والشائعة في مجتمعنا فلكي يكون مجتمعنا رشيداً ولكي تكون أمتنا رشيدة لابد وأن تقرأ ظاهرة الاختلاف قراءة واعية متأنية بحيث تدرس أسبابها ونتائجها وتقرأ مظاهرها المختلفة من أجل التمكن من تحديد أساليب التعامل مع هذه الظاهرة والحد من سلبياتها والإكثار من إيجابياتها، إذن قراءة ظاهر الاختلاف أمر ضروري نابع من وصف الرشد للأمة ووصف البصيرة للأمة.

يظهر من كلامكم المبارك بأن ظاهرة الاختلاف إحدى الظواهر الموجودة في المجتمع وبحاجة إلى دراسة، ومن أجل ذلك هل بإمكانكم تقسيم مصاديق الخلاف الواقعية في مجتمعنا؟ مع التمثيل ببعض الأمثلة الواقعية؟

1 - اختلاف انفعالي.

2 - اختلاف فعلي.

أما الاختلاف الانفعالي: فهو الناشئ عن اختلاف الطاقات الوجودية القرآن الكريم يقول: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا القرآن الكريم يفترض أن البشر متفاوتون في مستوياتهم وطاقاتهم ففي المستوى الذهني يتفاوتون في مدى الذكاء والإدراك وفي مستوى البدني يتفاوتون في درجة القوة والنشاط وفي المستوى المادي يتفاوتون من حيث درجات الغنى والفقر وهذا التفاوت في المستويات الذهنية والبدنية فرض الاختلاف بين البشر فهناك اختلاف طبيعي حاصل بين ابناء البشر نتيجة اختلاف مستوياتهم الذهنية والمادية مثلا الاختلاف في أساليب العمل هناك من يتجه للأسلوب الخيري في مجال العمل من أجل إنعاش الفقراء والمحتاجين وهناك من يتجه للأسلوب الثقافي في بعض الندوات والحوارات وتأسيس المجلات والمواقع الثقافية وهناك من يتجه إلى الأسلوب الوعظي من خلال تعليم الناس مسائل الحلال والحرام وإرشادهم، اختلاف الناس في أساليب العمل نتيجة اختلافهم في مستوياتهم الذهنية ونتيجة اختلافهم في وعيهم وبحاضرهم ومستقبلهم وتحديد الأسلوب الأجدى والاثمر من أجل إصلاح المجتمع.

إذن هذا الاختلاف وهو الاختلاف في أساليب العمل هو اختلاف انفعالي وهو طبيعي جدا موجود في كل أمة ومجتمع بل في كل أسرة فلا توجد أسرة إلا وبين أبنائها اختلاف في وجهات النظر وأساليب العمل فالأخوة قد يختلفون في أسلوب المعاش وتحصيل الرزق نتيجة اختلاف مستوياتهم الذهنية هذا الاختلاف في وجهات النظر وأساليب العمل فالأخوة قد يختلفون في أسلوب المعاش وتحصيل الرزق نتيجة اختلاف مستوياتهم الذهنية هذا الاختلاف اختلاف طبيعي جدا وهو اختلاف انفعالي كما قلنا ناشئ عن اختلاف المستويات والطاقات فلا موجب لجعله مشكلة وظاهرة تحتاج للبحث ولعل الآية القرآنية المباركة: ﴿وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ «118» إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ تشير إلى هذا النوع الطبيعي من الاختلاف بين البشر أي ولا يزال البشر مختلفاً في إدارة أموره وشؤونها نتيجة اختلاف مستوياته إلى قيام الساعة إلى من رحمه الله فبصره الطريق الأصوب في الوصول إلى ما هو صلاحه فردا ومجتمعنا.

صورة مندى الأسرةالقسم الثاني: هو الاختلاف الفعلي: أي الاختلاف المصطنع المفتعل المختلق من قبل أبناء المجتمع فأحيانا نحن نصنع الاختلاف والاختلاف ليس موجود وليست له جذور ولكننا نصنع له جذور ونصنع له أوتاد بحيث يصبح ظاهرة موجودة وهذا ما نعبر عنه بالاختلاف الفعلي، والاختلاف الفعلي مبدأه الظلم كما في قوله تعالى: ﴿«وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ أي أن منشأ اختلافهم هو البغي أي الظلم مثلا أنا من أجل إسقاط شخصية فلان والذي له شخصية اجتماعية واسعة مترامية الأطراف فمن أجل إسقاطه اختلق نوعا من الاختلاف واصطاد بعض الثغرات عليه لأصنع اختلافا مهما يساهم في إسقاط شخصية من النفوس وهذا الظلم بعينة فقد ورد عن النبي : ”من روي على مؤمن رواية ولو كانت رواية صحيحة يريد بها شينه وهدم مررته ليسقط من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان قم لا يقبله الشيطان“ أو يكون ظلما لفئة معينة هنا لك فئة في المجتمع نافذة متحركة فعالة من أجل إسقاطها وهدم دورها نحن نخلق اختلافا معها لكي نخرجها من المجتمع ونجتث جذورها وهذا أيضاً نوعا من الظلم.

إذن الاختلاف الفعلي هو: الناشئ عن روح الظلم والبغي وهذا هو الاختلاف المقيت الذي لابد لنا من أنسلط الضوء عليه، من أجل ذالك أقول: بأن الاختلاف الفعلي على عدة أقسام شائعة ومنتشرة لا على متسوى مجتمعنا القطيفي وحسب بل المجتمع الإسلامي بصفة عامة:

1 - الاختلاف الشخصي: اختلافنا في الشخصيات اختلافنا في قيمة فلان العلمية أو الاجتماعية اختلافنا في قيمة هذا الكتاب العلمية أو الاجتماعية الاختلاف في تقويم الشخصيات هذا الاختلاف قد يكبر أحيانا ويعظم ويستهلك منا أوقاتً وجهودا وجلسات وحوارات لأجل الاختلاف في تقويم شخصية معينة وهنا يتجلى مبدأ الظلم كثيراً.

فربما شخص لا يملك بضاعة علمية ونحن نضخمه ونجعل له هالة علمية أو قيادية أو اجتماعية كبيرة لا لأي هدف بل لأن تضخيمه يصب في مصالحنا التي نريد الوصول إليها، ورب شخص يكون له منزلة علمية لكن لأنه يختلف معنا في أسلوب العمل أو في فكرة أو في توجه فنحن لسنا مستعدين للاعتراف بجانيه العلمي أو العملي لأنه يختلف معنا فنخاف إذا اعترفنا أن نجعل له مكانة في النفوس فنضطر أن نغمض حقه ونغض النظر عن مستواه العلمي من أجل أن لا تكبر مكانته في النفوس وهذا هو الظلم بعينة، فإن الاختلاف في الفكر شيء والاعتراف بالنعم التي وهبها الله للأشخاص شيء أخر، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ.

2 - القسم الثاني من الاختلاف: الاختلاف في أدوات العمل:

المتدينون الذين يعملون عن طريق المنابر والمساجد وميادين العمل المختلفة أيضا يختلفون في أدوات العمل، فهناك من يرى بأن أسلوب الندوات والحوارات في المساجد والحسينيات أسلوب فاعل وهنالك من يرفض هذا الأسلوب، هناك من يرى بأن استجلاب أصحاب التخصصات المختلفة كالمتخصصين في علم النفس أو علم الاجتماع أو علم الطب أو علم الإدارة إلى الحسينيات والمساجد من أجل توضيح بعض النقاط الضرورية من أجل استمرار المسيرة الإصلاحية في المجتمع هو أسلوب نافع هناك من يرفض هذا الأسلوب، هناك من يرى أن حضور المرأة للمسجد والصلاة جماعة أسلوب نافع من أجل إيصال أحكام النساء للنساء، وهناك من يرفض هذا الأسلوب، هذه أمثلة للاختلاف في أساليب استخدام أدوات العمل، ربما يضخم ويوسع ويكون كأنه مشكلة رئيسة في المجتمع تدور حولها الجلسات في المجتمع وتدور حولها الأحاديث.

3 - القسم الثالث: الاختلاف الفقهي:

وهو الاختلاف في التقليد وهذا الاختلاف قديم حديث ربما يضعف دوره في بعض الأزمنة وربما يعظم في أزمنة أخرى.

4 - القسم الرابع: الاختلاف العقائدي:

وهذا الاختلاف له لونان:

أ. اللون الأول: الاختلاف في تقويم عقائدنا خاصة: نحن كمذهب إمامي وكشعية إماميه نختلف في تقويم عقائدنا أو في الأساليب المفيدة لطرح عقائدنا على العامة من الناس فقد يقع بيننا اختلاف في بعض العقائد وقد يكون في الأسلوب في طرح العقائد.

ب. اللون الثاني: في علاقتنا مع المذهب الإسلامية الأخرى: ما كيفية العلاقة الفاعلة والمفيدة مع المذهب الإسلامية الأخرى؟

هذه أقسام متعددة والأشكال والألوان فإن لكل قسم من هذه الأقسام مقياس في التعامل وآداب مخصوصة بها.

أحسنتم سيدنا، ذكرتكم أنواع الخلاف، إلا أنه نود التعرف على طرق التعامل مع كل نوع من أنواع الخلاف مع ذكر بعض الأمثلة؟

نعم... قسمنا الخلاف إلى عدة أقسام ولكل قسم مقياس شرعي وأدبي في التعامل معه.

أما القسم الأول: فهو الخلاف العقائدي، وذكرنا الخلاف العقائدي له لونان:

الأول: فيما يتعلق بطرح المعتقدات الإمامية.

اللون الثاني: فيما يتعلق بحقيقة العلاقة بين المذهب الإمامي والمذاهب الإسلامية الأخرى.

أما بالنسبة للون الأول فإن العقائد نوعان:

ما يجب معرفته ابتداء إما عقلا كأصول الدين الخمسة وما يتعلق بها كعناصر التي تقوم بها النبوة والإمامة كالعصمة والعلم الداني بالتشريع والولاية، وما يجب معرفته شرعا كالمعاد الجسماني فهذا النوع وهو ما يجب معرفته ابتداء لا مجال للاعتماد فيه على خبر الثقة بل لابد من تحصيل اليقين فيه.

ما يجب التدين به والانقياد له بعد قيام الدليل والحجة عليه لا أنه يجب معرفته ابتداء وإذا شك الإنسان في أي معتقد من هذا النوع الثاني فوظيفته أن يعتقد بما هو الواقع إجمالا وإن لم يعرف خصوص ذاك الواقع وهذا النوع يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أقسام:

1. الضرورات: هي ما تقوم بها المذاهب بمعنى أن جميع أبناء هذا المذهب في كل جيل تسالموا على ركنية هذا الأمر كمظلومية أهل البيت عند الشيعة الأمامية حيث أنهم تسالموا على أن مظلومية أهل البيت ثابتة ثبوتا يتقوم به التشيع حيث يعد منكر ليس من الشيعة الأمامية.

2. المسلمات: وهو عبارة عن ما جمع عليه علماء الشيعه الامامية على أنه من الثوابت وأن خلاف البعض فيه يعد خلافا شاذا عن ما جرى عليه التسالم نظير تسالم علماء الشيعة على العصمة المطلقة ومنها العصمة في الموضوعات الخارجية بحيث يعد منكلا ذلك خارجاً عن إجماع الإمامية وإن لم يخرج عن المذهب نفسه.

3. المشهورات: بعض اشتهار هذه العقيدة بين أبناء هذا المذهب وإن لم تصل هذه العقيدة إلى حد ضرورة أو المسلم نظير الرجعة الخاصة وهي رجعة أهل البيت جميعا إلى دار الدنيا قبل يوم القيامة، حيث إن الرجعة لها معان ثلاثة:

أ. فاصل الرجعة: وهو رجوع بعض الأموات أحياء هذا من الضروريات التي وردت في الكتاب والسنة والقطعية.

ب. المعنى الثاني للرجعة: رجوع أمير المؤمنين والحسين عليهما السلام وهذا ما ذكر السيدى عبدالله شبر في كتابة «حق اليقين» مما تواترت به الروايات إجمالاً.

ت. والمعنى الثالث: رجوع أهل البيت جميعا إلى دار الدنيا قبل يوم القيامة وهذه العقيدة من المشهورات ولم تصل إلى كونها من الضرورات والمسلمات، فلو لم تثبت لدى شخص هذه العقيدة أو لم يقتنع بدليلها فإنه لا يخرج عن التشيع ولا يخرج عن إجماع علماء الشيعة.

بعد معرفة هذه الأقسام العقائدية أقول هنا أمران:

1. يجب أرجع البحث في مصاديق هذه الأقسام إلى أهل الاختصاص لقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ والقدر المتيقن من أهل الاختصاص هم الفقهاء خصوصا وأن دخول غير الفقهاء في مصاديق هذه الأقسام والبحث فيها مما يخلق اضطرابا لعامة الناس وفتنة بين أبناء المذهب الواحد ولربما يصل الخلاف إلى حد التفكك بين أبناء المذهب الواحد لذلك فالمظلة الشرعية الرجوع لأخل الاختصاص والقدر المتيقن هم الفقهاء المعروفون في الحوزة العلمية بعلمهم وعدالتهم.

الأمر الثاني: لو فرضنا أن شخصا من أهل العلم صدر منه مناقشة في القسم الثالث وهو المشهورات كما حكي عن بعض المراجع النجف الاشرف أنه شكك في أفضلية كربلاء على مكة المكرمة نتيجة لتضعيفه سند الرواية الواردة بذلك، فإن هذا الأمر لا يوجب خروجه عن التشيع وعن إجماع علماء الشيعة ولا يوجب أن يكون محلا للتشيع والتشهير فإن عدم التمييز في هذه الأقسام لا يوجب التشيع لكل من تصدى لمناقشة مصداق عن مصاديق القسم الثالث مع فرض أنه من أهل العلم والمعرفة يوجب جرأة الناس على العلماء وجعل هذه المسائل ذريعة للاستنقاص والتشهير والتشنيع وهذا من أكبر المحرمات، هذا ما يتعلق بالقسم الأول من أقسام الاختلاف.

أما القسم الثاني: فهو الاختلاف: الفقهي: كالاختلاف بين الناس في جواز التطبير وعدم جوازه وكاختلافهم في ولاية الفقيه من حيث ثبوب ولاية الفقيه العامة وعدم ثبوتها فهذا الاختلاف فقهي وليس عقائد فينبغي إرجاعه إلى الفقهاء بحيث يعمل كل شخص بفتوى مقلده ولا ينبغي أن يكون ذريعة للتناحر بين أبناء المذهب للواحد أو المجتمع الواحد أو الأسرة الواحدة.

القسم الثالث: الخلاف في أساليب العمل كما ذكرنا بأنه قد يقع الخلاف في الاستفادة من الحسينيات والمآتم في استجلاب أهل الاختصاص ك استجلاب المتخصصين في الطب وغيره في أن هل هذا الاسلوب ناجح أم لا؟ وهذا الخلاف يرجع إلى الخلاف الفقهي أيضاً لأنه لابد لنا في أي أسلوب من أساليب العمل الديني أن نبحث في حليته وحرمته ورجحانه وعدم رجحانه بلحاظ العناوين الأولية والثانوية فهو بالنتيجة يرجع إلى مسألة وبحث فقهي.

صورة مندى الأسرةالقسم الرابع: الخلاف في تقويم الأشخاص فإن هناك خلافاً شاسعا بين أبناء المجتمع الواحد في تقويم بعض الشخصيات في مستواها العملي وفي صلاحها وعدم صلاحها وينبغي هنا أن يقال بأنه إذا كان الشخص المختلف فيه مبتدعا في الدين بمعنى أنه يتصدى للضروريات من المذهب بإنكار أو تشكيك فحين إذن قد يقال بأنه إذا توقف ردع الناس عن التأثر بظلاله الفكري على عدم الاعتراف بمستواه وكفاءته العلمية من باب لزوم حفظ العقائد الحقه لهذا المذهب الحق ولكن إذا لم يكن الشخص مبتدعا في الدين والمذهب بل كان هنالك بيننا وبينه خلاف فقهي أو في أسلوب من أساليب العمل أو خلاف في بعض مشهورات المذهب الإمامي فهذا لا يبرر لنا شرعاً إظهار عدم قيمته العلمية أو عدم كفاءته حال المعرفية لأجل أنه بيننا وبينه خلاف فإن كتمان كفائتة أمر مذموم مضافا إلى أنه مبغوض شرعاً فإنه يوجب لدى عامة الناس التطاول على أصحاب الكفاءات العلمية كالاستنقاص والاحتقار والتصغير نظرا لأننا فتحنا هذا الباب من أجل بعض الخلافات واتخذنا هذا الطريق الخطير وعدم الاعتراف بالكفاءات العلمية والعملية لمجرد خلافا بيننا وبين الآخر.. هذا هو الميزان في التعامل مع أقسام الخلاف في شتى حقوله وجهاته.

نود من سماحتكم إعطاءنا لمحة عن دور أهل العلم اتجاه أنواه الخلاف هذه التي ذكرتموها؟

مجتمعنا يحتاج حاجة ماسة إلى تأسيس مجلس يجمع علماء المنطقة وفضلائها ولا أقل معظم هؤلاء الفضلاء والعلماء ويبتني هذا المجلس على أمور:

أولاً: تحديد الأمراض الخلقية والأسرية والاجتماعية المتفشية في هذا المجتمع وتحديد أسبابها وطرق علاجها وتوزيع الأدوار بين أهل العلم في أن يأخذ كل واحد دوراً لمحاربة هذه الأمراض وعلاجها بما ينسجم مع طاقته وإمكانياته، قال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ.

ثانياُ تحديد أجوبة مسلمة للمسائل الابتلائية التي يكثر السؤال عنها سواء في العبادات أو المعاملات أو في خصوص أيام المواسم كموسم الحج وموسم شهر رمضان وأحكام البنوك وأحكام الخمس وما يتعلق بذلك، فإن تحديد الأجوبة المسلمة عن المراجع المعروفين بجامعة الشرائط في عالم التشيع يصون المجتمع عن الاختلاف الكثير في أجوبة هذه المسائل والوقوع أحياناً في الشجار والخروج عن الأدب اللائق نتيجة هذا الخلاف الفقهي وهذه وظيفة أهل العلم كما في قوله تعالى: ﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ.

ثالثاً: هو معالجة ظاهرة الاختلاف والتي نبحث عنها في حوارنا هذا وتحديد كل قسم من أقسام الخلاف التي ذكرناها سابقاً وتحديد الخلاف الذي يمكن مواجهته والخلاف الذي لا وجه ولا مبرر لمواجهته فإذا تصدى كبار أهل العلم في المنطقة لمثل هذه الأمور على ضوء المقاييس العلمية والحوزوية لا على ض كما قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ، ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فإذا جرينا على المقاييس العلمية الحوزوية وجعلنا إدارى ساحة الاختلاف بيد أهل الفضل العلم لا بيد من تحصيل له ولا بيد عامة الناس فسيكون ذلك ضماناً للمجتمع من الوقوع في شرك الخلاف الموجب للتناحر والتباغض.

رابعاً: تربية المجتمع على أدب الاختلاف فإن الاختلاف فكن هناك ي أساليب العمل والاختلاف الفقهي أو في تقويم بعض الشخصيات قد يكون اختلافا طبيعيا ولكن المشكلة في تحويل هذا الاختلاف الطبيعي إلى مجال ال مشكلة تعدد كيان الأسرة الواحدة وتهدد أبناء القبيلة الواحدة وأبناء المجتمع على أدب الاختلاف وأن الاختلاف وإن حصل لكن هناك آدابا إسلامية يجب مراعاتها عند الاختلاف﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ فإن هذه الآية توضح لنا الخارطة العامة للآداب الإسلامية في مجال الاختلاف فيما بيننا، فإن تحقيق مثل هذا المجلس أو ما هو صورة مصغرة عنه كان ذلك دوراً رئيساً لأهل العلم في المنطقة في معالجة ظاهرة الاختلاف وإلا فإن الاختلاف سيشتد بمرور الوقت بما هو أفضع وأشنع مما نراه وسيتحول المجتمع خطوط متباعدة كثيرة تودي بأهميته وموقعيه

وهنا لا أنسى أن أنبه على اللون الثاني من ألوان الاختلاف العقائدي وهو الاختلاف في العلاقة بين المذهب الإمامي والمذاهب الإسلامية الأخرى، فقد طرح كثير من الكتب مسألة الواحدة بين الشيعة الإمامية وغيرهم من المذاهب الإسلامية الأخرى، وقد ذكرت مرارا أن الواحدة لها معان ثلاثة:

1. الوحدة السياسية: وهي عبارة عن تنسيق الجهود بين المذاهب الإسلامية وتوحيد القوى من أجل مواجهة العدو المشترك هذه الوحدة السياسية مطلوبة والقرآن الكريم يقول: ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ، ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ.

2. الوحدة العلمية: بمعنى أن علماء المذاهب الإسلامية الأخرى يشتركون في مؤتمرات وحوارات تهدف للدفاعى عن أصول الدين وهناك غزوا ثقافيا خطيرا كبيرا باسم الحداثة والعلمانية يشكك في أصل وجود الخالق، وفي أصل وجود القرآن على أنه وحي من عند الله وفي أصل النبوة للنبي وهذا ما يحتاج إلى بحوث إسلامية مشتركة تتبنى مواجهة هذا الغزو الفكري الخطير.

3. الوحدة العقائدية: وهذه باعتقادنا لا تتم إلا بالاعتراف بمرجعية أهل البيت «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين» طبقاً للقرآن الكريم: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ، ﴿إِنَّمَا يريدُ اللَّه لِيُذْهِب عَنْكُم الرِّجْس أَهْلَ الْبَيْت وَيطَهِّرَكُم تَطْهِيراً وكما ورد عن النبي في حديث الثقلين الذي لا خلاف فيه بين المذاهب الإسلامية: "إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي» فمن دون الاغتراف بمرجعيتهم الدنية والفقهية وفي تمام الحقول لا يمكن أن تقع وحدة عقائدية وأن الحديث خارج هذه الأسس إنما هو جري وراء سراب يحسب الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.

في ختام هذا اللقاء نقدم لكم باقة شكر وتقدير على قبولكم هذه الدعوة للحوار وابتداء ومن ثم على إنعاشه بعلمكم زادكم الله توفيقا بكل خير وصلاح.

وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين