الدرس 109

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

كان الكلام سابقاً: في جريان اصالة الحل عند الشك في جواز الصلاة في اللباس المشكوك. فإذا شككنا في أنّ هذا الثوب هل هو مما يؤكل أو مما لا يؤكل؟ أي هل هو متخذ من حيوان يؤكل لحمه أو متخذ من حيوان لا يؤكل لحمه؟ فالشك في الثوب ناشئ عن الشك في الحيوان الذي أخذ منه هذا الثوب. فنجري اصالة الحل في ذلك الحيوان الذي أخذ منه الثوب، ومقتضى اصالة الحل في الحيوان المتخذ عدم مانعية لبس هذا الثوب من صحة الصلاة، ولكن اشكل على جريان اصالة الحل بإشكالات، وصل الكلام الى:

الاشكال الثالث _وهو ما ذكره المحقق النائيني «قده» بناء على مسلكه_: أن موضوع المانعية ليس ما يحرم أكله كي يقال: فإذا اثبتنا بأصالة الحل انه مما يحل اكله ارتفعت المانعية، وإنما موضوع المانعية العنوان الخاص كعنوان السبعية، كعنوان الأرنبية، فاذا شككنا في ان هذا الثوب هل هو مأخوذ من سبع أم لا؟ فلا يفيد جريان اصالة الحل، لأن أصالة الحل لا تثبت أن هذا الثوب لم يؤخذ من سبع الا على نحو الأصل المثبت. إذن بالنتيجة: المحقق النائيني يقول: لا تجري اصالة الحل عند الشك في الثوب أو الجلد انه مانع أم غير مانع، لأن موضوع المانعية ليس ما يحرم اكله، بل موضوع المانعية السبع، وانتم بأصالة الحل لا تثبتون انه ليس بسبع.

ولكن المحقق الإيرواني «قده» في رسالته «الذهب المسكوك في اللباس المشكوك» اورد على المحقق النائيني «قد»، فقال: سواء كان ما موضوع المانعية ما يحرم أو كان موضوع المانعية العنوان الخاص، على كليهما تجري اصالة الحل.

بيان مطلب المحقق الإيرواني «قد» تعرّض لها سيدنا «قده» في رسالته اللباس المشكوك «ص42»، قال: وقد اورد عليه بعض المحققين، بأن المانعية وإن كانت من احكام ذوات ما يحرم اكله «للعنوان الخاص» الا ان اصالة الحل على تقدير اثباتها لأحكام الحليّة الواقعية يترتب عليها أحكام المعنونات لما يحل أكل لحمه أيضاً. والوجه في ذلك: إن لسان دليل اصالة الحل لسان الحكومة، لأن لسان الدليل تنزيل المشكوك منزلة المعلوم، فاذا قال في الدليل: كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام، فقد قال: نزلت مشكوك الحلية منزلة الحلال الواقعي في ترتيب الآثار، فأي اثر للحلال الواقعي يترتب على مشكوك الحلية، فمفاد دليل اصالة الحل الحكومة، أي تنزيل المشكوك منزلة الحلال الواقعي في آثاره.

فإن قلت: بأن حلال وحرام لا دخل لها في موضوع المانعية، بل المدار على سبع وليس سبعا، فإن كان سبعا فالصلاة في جلده فاسدة، وإن لم يكن سبعاً فالصلاة في جلده صحيحة، المسألة لا تدور مدار حلال وحرام. المسالة تدور مدار سبع وليس بسبع.

قال: المفروض ان الحلال أخذ مشيراً لما هو الموضوع الواقعي، صحيح ان موضوع الحرمة واقعاً «حرمة الصلاة» صحيح ان موضوع المانعية واقعا هو الذوات، السبع، المسوخ، الأرنب، ما كان له سبله كسبلة السنور، هذه موضوعات المانعية، ولكن الشارع الشريف أشار لموضوع المانعية بعنوان ما يحرم أكله، فعبّر في موثقة ابن بكير في قوله: «إن الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله» كلمة «حرام اكله» لا موضوعية لها لكنها مشير إلى ما هو موضوع المانعية. فاذا كانت «حرام اكله» مشيرة إلى موضوع المانعية، فإذن دليل اصالة الحل حاكم على هذا العنوان لا بما له من موضوعية بل بما له من مشيرية وطريقية إلى ما هو موضوع المانعية واقعاً.

إذن فالمحقق النائيني يقول: بما ان موضوع المانعية السبعية اصالة الحل لا تثبت انه ليس بسبع.

المحقق الإيراوني يقول: صحيح ان اصالة الحل مباشرة لا تثبت انه ليس بسبع. بل اقول: ما هو العنوان الذي أخذ في الأدلة؟ عنوان ما يحرم اكله، وعنوان ما يحرم اكله لم يؤخذ على نحو الموضوعية، بل أخذ على نحو المشيرية لم هو موضوع المانعية، انا إذا شككت في ان هذا الحيوان الذي أخذ منه الجلد هل هو مما يحرم أو مما لا يحرم، يعني شككت في ان العنوان المشير لموضوع المانعية منطبق عليه أم لا؟ فأجري أصالة الحل فيه لا لإثبات بل لتنقيح المشار اليه لهذا العنوان، فأنا اجريت اصالة الحل في العنوان لا لأثر مرتب على العنوان، بل لتنقيح الاثر المترتب على المشار اليه.

فاذا ورد في الدليل «ان ما يحرم اكله لا تصح الصلاة فيه» فكما ان أصالة الحل توجب ارتفاع موضوعه _موضوع الحرمة_ لو كان نفس العنوان موضوعاً، _يعني لو أخذ العنوان على نحو الموضوعية_ فكذا الحال فيما إذا كان الموضوع غيره، وصار العنوان مشير اليه، فإنها _أصالة الحل_ توجب التضييق في دليل المانعية باعتبار الموضوع المأخوذ فيه، فلا فرق في الحكومة بين ان يكون الدليل الحاكم ناظراً إلى الموضوع الواقعي أو ناظراً إلى الموضوع الإثباتي. فتارة عندنا موضوع واقعي: كما إذا قال: من شك بين الثلاث والأربع فليبني على الأربع، وجاء دليل آخر وقال: لا شك لكثير الشك، هذه حكومة على الموضوع الواقعي نفسه.

أو كان الحكم على الموضوع الإثباتي لا على الموضوع الواقعي، فأراد الشارع ان يكرم السادة مثلا، فلم يقل اكرم كل هاشمي أو اكرم كل من ذرية النبي ، قال: اكرم من يلبس العمامة السوداء، واضح ان موضوع وجوب الاكرام ليس هذا العنوان، هذا العنوان مجرد مشير لما هو الموضوع الواقعي، الموضوع الواقعي لمن كان من ذرية النبي، إنما اشار بهذا العنوان، فقال: اكرم من يلبس العمامة السوداء. وشككنا في فرد في أن هذا يلبس العمامة السوداء أم لم يلبس؟ شككنا لا لأجل موضوعية في اللباس، بل لأجل الموضوع الواقعي، فجاءنا دليل حاكم فقال: من يلبس الخضراء لبس السوداء. أو قال: الخضراء سوداء. هذا نسميه حاكم، مع انه لم يحكم على الموضوع الواقعي في الدليل وإنما حكومته على الموضوع الإثباتي المأخوذ في لسان الدليل، فعندما يقول في دليل: اكرم من يلبس العمامة السوداء، ويقول في دليل آخر: إذا شككت فالخضراء سوداء، فالدليل الثاني حاكم وتصح الحكومة، لأنه حكم على الدليل الاول لا لأجل موضوعية في العنوان، بل لأجل ترتيب أثر المشار اليه وهو الموضوع الواقعي، فمقتضى هذه التوسعة «الخضراء سوداء» أن متى ما شككنا في أن هذا من الموضوع الواقعي أم لا؟ لا نقتصر على قوله من يلبس السوداء بل يشمل حتى من يلبس الخضراء.

هنا أيضاً في محل الكلام، قال «لا تصل فيما يحرم» وهذا العنوان مجرد مشير إلى الموضوع الواقعي، وشككنا في ان هذا الجلد هل هو من ذاك الموضوع الواقعي أم لا؟ نقول: بما ان العنوان المشير المأخوذ في لسان الدليل هو عنوان ما يحرم اكله، ونحن لا ندري ان هذا مما يحرم اكله أو مما ليس يحرك أكله، إذن يقول المولى: «كل شيء لك حلال» يعني وسع الدائرة، فمشكوك الحلية كمعلوم الحلية في أنه مشير إلى الموضوع الواقعي الذي ترتفع به المانعية.

وأورد سيدنا الخوئي «قده» بإيرادين: نقدم ثانياً على أولاً:

الإيراد الأول: قال بأن الحكومة _اما على نحو التوسعة أو على نحو التضييق_ اما بلحاظ اللفظ المأخوذ في لسان الدليل، يعني الدليل فقط ناظر إلى اللفظ، _لفظ من يلبس السوداء، دال الخضراء سوداء، لفظ ما يحرم اكله، دال مشكوك الحرمة ليس مما يحرم اكله_ إن كان باعتبار اللفظ فلا معنى محصل له، ضرورة أن الحكم لا يترتب على اللفظ حتى يكون قابلاً للتوسعة والتضييق، هذا إذا الحكومة واردة إلى اللفظ في لسان الدليل.

وإن كان باعتبار المراد منه _المشار إليه_ فالمفروض أن المراد منه الذوات الخارجية، السبع، المسوخ، الأرنب، ما له سبلة، لا نفس العنوان، لا عنوان ما يحرم أكله، فما معنى التوسعة والتضييق بالقياس اليه؟ _انت توسع وتضيق في العنوان! والتوسعة والتضييق في العنوان لا يوجب التوسعة والتضييق في المعنون_ مثلاً: إذا امر المولى بوجوب اكرام الجائي وعلمنا ان الجائي عنوان لزيد _فاذا زيد تغير حاله_ فاذا شككنا هل الامر بإكرامه ما زال باقيا أم لا؟ فهل نستصحب المجيء؟ يعني بعبارة أخرى: هل نجري الاصول في العنوان الذي أخذ في لسان الدليل؟ أو نجري الاصول في المعنون؟

لا معنى لاستصحاب مجيئه لأن المجيء لا دخل له في الأثر وإنما الأثر لذات زيد، فاذا شككنا أن زيد ما زال يجب اكرامه أم لا؟ لا يمكن تنقيح الوجوب أو عدم الوجوب بإجراء الاصول في العنوان المأخوذ في الدليل، لأن العنوان المأخوذ في الدليل مجرد مشير، فلا معنى لاستصحاب المجيء، بل لابد ان نجري الاصول في نفس المعنون. إذن فالمحقق الإيرواني اما ان تجري اصالة الحل على نحو الحكومة في العنوان وهو مما لا محصل له، لأن لا اثره له، وإما ان تجري الحكومة في العنوان بما هو مشير إلى المعنون، وهذا لا يوجب توسعة ولا تضييقاً في المعنون. ما زال المعنون مجهولا من حيث التوسعة والضيق.

الإيراد الثاني: لو سلمنا بكلامه: انما يتم فيما إذا لم يكن الموضوع الواقعي مأخوذاً في الدليل اصلاً، نفترض ان المولى ما عبر عن الموضوع الواقعي ابداً، ما عبر عنه الا بهذا العنوان المشير، هنا نعم تصح الحكومة في العنوان المشي لا على نحو الموضوعية بل على نحو المشيرية، لأن الموضوع الواقعي لم ينكشف لنا.

اما إذا افترض لن ان الشارع كشف لنا عن الموضوع الواقعي. كما في بعض الأدلة في محل كلامنا لأنّه قال: «لأنّ أكثره من المسوخ» وقال: «فإن له سبلة كسبلة السنور» وقال: «فإنه دابة لا تأكل اللحم» الشارع كشف عمّا هو موضوع الدليل.

وأمّا ما أخذ فيه ولو في بعض الأدلة الموضوع الواقعي، فغاية ما يترتب على اصالة الحل عدم المانعية من جهة الحرمة، وأما احتمال المانعية من جهة احتمال كون المشكوك فيه سبعاً فلا دافع لهذا الاحتمال.

ويلاحظ على ما أفيد في كلمات سيدنا «قده» في رسالة اللباس المشكوك: أن محط كلام المحقق الإيرواني في «الذهب المسكوك» أنه ملتفت إلى أن العنوان ليس موضوعاً للأثر، وأن محط الحكومة على العنوان با هو مشير، أي الغرض من الحكومة على العنوان بما هو مشير هو توسعة الاثر للمشكوك أو تضييقه، فعندما يأخذ الشارع عنوان ما حرم اكله لا تصح الصلاة فيه، وشككنا في أن هذا الجلد مما حرم اكله أم لا؟ يعني هذا الجلد من أفراد ذلك الموضوع الواقعي الذي لا تصح الصلاة فيه أم لا؟

فنجري اصالة الحل في العنوان لا من اجل ترتيب الاثر على نفس العنوان كي يقال بأن هذا مما لا محصل له، بل نجري الأثر في العنوان من جهة مشيريته بغرض تضييق الدائرة، وهو أن المانعية المرتبة على الموضوع الواقعي لا تشمل انه فيما يشك انه سبع أم لا؟ في انه اسد أم لا؟ حتى لو أخذ الموضوع الواقعي بعنوانه الصريح في دليل آخر، إذ ما دام الشارع لم يرفع يده عن العنوان المشير في الدليل الاول، وما زال يعتبره مشيراً للموضوع الواقعي، وافترضنا المساواة بين المشير والمشار اليه، إذ لم يكن مساوياً لما أخذه مشيرا اليه، إذن فمقتضى المساواة بين المشير والمشار اليه: جريان الحكومة في العنوان الإثبات بما هو مشير وإن صرح بالموضوع الواقعي في دليل آخر.

الإشكال الثاني_على كلام الإيراواني_: ما قيل للسد الأستاذ «دام ظله» في «اللباس المشكوك، ص39». ولأجل تقريب الكلام المذكور هنا نذكر مقدمتين:

المقدمة الاولى: هناك فرق بين الاعتبار الادبي والاعتبار القانوني.

فالاعتبار الأدبي: ما لم يتطابق المراد الاستعمالي فيه مع المراد الجدي، لأن الغرض من الاعتبار الادبي نقل الاثر المعنوي من المنزل عليه للمنزل، مثلا: إذا قال المتكلم: رأيت أسداً في الحمام، فإن هذا الاعتبار اعتبار ادبي. لا يتطابق المراد الاستعمالي فيه مع المراد الجدي لأن المراد الاستعمالي حيوان مفترس، بينما المراد الجدي هو الرجل الشجاع، وإنما لأن الغرض من الاعتبار الأدبي نقل الأثر المعنوي من المنزل عليه للمنزل، حيث إن للمنزل عليه وهو الأسد رغبة في النفوس فلأجل نقل هذا الاثر من الاسد إلى الرجل الشجاع قلت رأيت اسداً في الحمام.

فالاعتبار الادبي: ما كان الغرض منه نقل الأثر المعنوي من المنزل عليه للمنزل، لذلك لا يتطابق المراد الاستعمالي فيه مع المراد الجدي.

اما الاعتبار القانوني: وهو ما تطابق فيه المراد الاستعمالي مع المراد الجدي. لأن الغرض منه مجرد البعث أو الزجر. فإذا قال: «أحلَّ الله البيعَ وحرّم الربا» أو «أقيموا الصلاة» هذا اعتبار قانوني، المراد الاستعمال هو المراد الجدي، لأن الغرض منه البعث أو الزجر، ولأجل الفرق بين الاعتبار الادبي والاعتبار القانوني ورد على لسان الشارع كلا الاعتبارين، فتارة يرد: اعتبار أدبي من دون اعتبار قانوني: مثلاً: «سلمان منّا أهل البيت»، هذا اعتبار ادبي لنقل الاثر المعنوي لأهل البيت إلى هذا المنزّل.

وتارة يكون الاعتبار الادبي مصحوباً باعتبار قانوني: كما لو قال: «يكفيك من التراب عشر سنين» هذا اعتبار أدبي، أما هذا الاعتبار الادبي مصحوب باعتبار قانوني، وهو أن التراب طهور، فالتيمم به مصحح للصلاة. أو يقول المشرع: الطواف بالبيت صلاة، لأن الطواف بالبيت ليس صلاة، هذا اعتبار ادبي لكن لغرض الاعتبار القانوني.

المقدمة الثانية: ان المقام فيه رتبتان: رتبة المشيرية، ورتبة ترتب الاثر على الموضوع الواقعي. فعندنا عنوانا ما يحرم كله مشير إلى ما هو الموضوع الواقعي كالسبع، وعندنا ترتب الأثر وهو المانعية على السبع الواقعي، نحن نسلم مع المحقق الإيرواني بأن الحكومة لا تختص بالموضوع الواقعي بل تشمل الموضوع الإثباتي، لكن المفروض ان دليل أصالة الحل لا يتكفل النظر لكلا المرتبتين، بأن يكون قوله «كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام» ناظراً لتوسيع الإشارة وناظراً لترتب الأثر على المشار اليه. وهو الموضوع الواقعي. فيكون حاكما بلحاظ الجهتين معا، أي بلحاظ الاعتبار الادبي وهو توسيع الاشارة، وبلحاظ الاعتبار القانوني وهو ترتب الاثر على المشار اليه، فلا مانعية للمشكوك.

دليل أصالة الحل لا يتكفل النظر لهذين الأمري، ليس فيه اطلاق يشملهما فهو قاصر. لمشكلة صغروية منعنا من كلام الإيرواني لا لمشكلة كبروية.

والحمد لله رب العالمين.