الدرس 111

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ما زال الكلام في التنبيهات المترتبة على جريان أصالة الحل في اللباس المشكوك.

التنبيه الثالث: ذكرنا فيما سبق أن اصالة الحل لاتجدي في اللباس المشكوك، لانها لا تثبت الحلية الذاتية التي يترتب عليها الاثر وهو صحة الصلاة، فلو أجرينا اصالة الحرمة فهل يترتب على اصالة الحرمة الأثر وهو المانعية من صحة الصلاة؟ أم لا؟

والكلام في هذا التنبيه في مطلبين:

المطلب الاول: في اصالة الحرمة ومستندها. المطلب الثاني: في أن أصالة الحرمة إذا جرت فهل يترتب عليها إثبات المانعية أم لا؟

أما المطلب الاول: وهو اصالة الحرمة. فقد ذهب صاحب الحدائق وجمع من الفقهاء «ره» الى ان الاصل في المطعومات والمأكولات هو الحرمة لا الحلية. فهذا المصداق من مصاديق الشبهات الحكمية وهو المطعومات والمأكولات بما يشمل اللحوم والأغذية الاصل فيه هو الحرمة. ووقع الكلام في الفقه فيما هو المدرك لأصالة الحرمة؟

فقد أشير في الكلمات وإن لم يستدل صاحب الحدائق بهذه الأدلة كأنه ارسلها ارسال المسلمات. ولكن ذكر في الكلمات عدة وجوه لإثبات اصالة الحرمة:

الوجه الاول: ان ظاهر الآية المباركة حصر الحلية في الطيبات، حيث قالت الآية: «يسألونك ماذا احل لهم، قل احلت لكم الطيبات» فإن ظاهر وقوع الحلية جوابا عن السؤال هو الحصر، أي ان ما احل لكم من المطعوم منحصر في الطيبات، وبما ان الحلية هنا معلق على عنوان وجودي وهو الطيبات، إذن ما لم يحرز المكلف ان المطعوم من الطيبات لا يمكنه تناوله. فأصل الحرمة بهذا المعنى: انه ما دامت الحلية منحصرة بالطيبات، والطيبات عنوان وجودي، الاصل عدمه، اذن متى ما شك المكلف ان مطعومه من اللحم أو الجبن أو أي غذاء آخر من الطبيات أو لا؟ فمقتضى عدم احراز الموضوع عدم فعلية الحكم في حقه وهو الحلية.

وهذا الذي أفيد في بعض الكلمات ناقش فيه مثل سيدنا «قده»: بأن الطيب يقابل الخبيث، فإذا كان الطيب مقابلا للخبيث فالعنوان الوجودي هو الخبيث والطيب عدمه أي ان الطيب عبارة عن عدم الخبيث والخبيث ما يستقذره الطبع أو يشمئز منه المتشرعة. إذن الخبيث عنوان وجودي والطيب عنوان عدمي، وبالتالي: فمقتضى الاصل هو ثبوت الطيب، لا ان مقتضى الاصل عدم الطيب لاننا إذا شككنا في ان هذا المطعوم من الطبيات أم لا؟ يعني شككنا في انه من الخبائث أم لا؟ فيجري استصحاب عدم كونه خبيثاً ولو باستصحاب العدم الأزلي، فيتنقح بذلك موضوع العام الا وهو الحلية.

وأما قوله عز وجل «وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ» فقد شكك سيدنا «قده» في شمول هذه الأعيان،

وقال اما بانصرافها للأعيان، أو لا اقل من عدم اطلاقها للاعيان، بقرينة الآية الأخرى التي تحدثت عن لوط وقالت: «ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث».

المدرك الثاني _لأصالة الحرمة_: استصحاب عدم التذكية فيما يشك في تذكيته. وهذا لو تم فإنما يكون مستنداً لأصالة الحرمة في اللحوم، في اللحوم التي لم يحرز انها مذكاة. فحينئذ يقال: إذا شك في كون اللحم من المذكى أم لا؟ أو مما هو قابل للتذكية أم لا؟ فتجري فيه اصالة عدم التذكية، ومقتضى اصالة عدم التذكية هو الحرمة الا ان هذا خاص باللحوم، ولا كلام عند الأعلام في ذلك.

المدرك الثالث: ما تشبث به المحقق النائيني «قده» وطرحه في أغلب الفروع الفقهية، وهو: أصالة الحرمة، بمعنى الحرمة الاحتياطية الطريقية.

وبيان هذه الكبرى التي ذهب اليها المحقق النائيني وذهب اليها بعض استاذتنا وقال انها النكات العرفية: إنه علق حكم ترخيصي على عنوان وجودي، سواء كان ذلك الحكم تكليفيا أو وضعياً فإن هذا التعليق يدل بالدلالة الالتزامية على ان المكلف إذا شك في العنوان الوجودي فعليه الاحتياط بالترك أو الفحص. المحقق النائيني ذكر هذا البحث في «ج3، ص386، في فوائد الاصول» فقال: إذا شككنا في ان هذا الطعام من الطيبات أم لا؟

نقول: هناك حكم ترخيصي وهو الحلية، علق على عنوان وجودي وهو الطيب، فيدل بالدلالة الالتزامية على انه لو شككت في كونه طبيا أم لا؟ فوظيفتك الاحتياط والتوقف فهناك حرمة احتياطية ظاهرية في فرض الشك، إذن نفس هذه الجملة «أحل لكم الطيبات» لها مدلولات:

حكم واقعي: وهو ترتب الحلية واقعاً على الطيب واقعاً.

وحكم ظاهري: وهو أنه إذا شك في الموضوع وهو ان الطعام من الطيبات أم لا؟ فالوظيفة هي الاحتياط. فهنا حرمة احتاطية طريقية، استدل واستفادها بالدلالة الإلتزامية من تعليق الحكم الترخيصي على العنوان الوجودي.

وأيضاً عممه المحقق النائيني «قده» الى انه حلية النظر، يحرم على الرجل النظر، لكن يحل له النظر إذا كان المنظور مماثلا أو محرماً. فالحلية «حلية النظر» علق على عنوان وجودي، وهو أن يكون المنظور محرما أو مماثلاً، فإذا شك في الموضوع، ان هذا محرم أم لا؟ أن هذا مماثل أم لا؟ فمقتضى تعليق الحلية على العنوان الوجودي الاحتياط في فرض الشك ما لم يفحص فيثبت له الموضوع. وهذا لا يختص بالأحكام التكليفية بل يشمل الاحكام الوضعية، مثلا: علق الشارع، «الطهارة» على الكلية، قال: «إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء» فحينئذ يقال: تعليق الاعتصام _وهو حكم ترخيصي وإن كان وضعياً_ على عنوان وجودي دال بالدلالة الإلتزامية على أنك إذا شككت في الكرية فلا ترتب آثار الطهارة، لا من باب جريان الاصل الموضوعي وهو جريان استصحاب عدم الكرية، فانه قد يقول قائل من باب استصحاب عدم الكرية. فاذا شككنا في ان هذا الماء كر أم لا؟ استصحبنا عدم الكرية، ويترتب على هذا الاستصحاب النجاسة والانفعال بملاقاة النجس.

يقول، لا، لا من باب الاصل الموضوعي، إذ قد يكون الاصل الموضوعي معارضاً، كما لو افترضنا ان هذا الماء تعاقبت عليه حالتان، يعني في السابق تارة كان كراً، وتارة كان قليلاً، بحيث يكون استصحاب عدم الكلية معارض باستصحاب الكرية لتعارض الحالتين فيه. فحينئذ حتى لو لم يجر الاصل الموضوعي لاجل المعارضة مع ذلك لا تصل النوبة لأصالة الطهارة. قاعدة الطهارة، بل يجب عليك ان تحتاط وهو تعليق الحلية أو العصمة على العنوان الوجودي.

وذكر المحقق النائيني: ان هذا هو المدرك لأصالة الحرمة في الموارد الثلاثة: الدماء والأعراض والاموال، فإن مدرك اصالة الحرمة في الموارد الثلاثة هو الذي قلناه: وهو دلالة الدليل بالالتزام على وجوب الاحتياط عند الشك: مثلا: في باب الدماء: حلية اهدار الدم معلقة على عنوان وجودي وهو ان يكون كافرا حربيا، أن يكون ناصبياً على بعض المباني، بالنتيجة حلية اهدار الدم منوطة بعنوان وجودي، فإذا شك في العنوان الوجودي فمقتضى الدلالة الإلتزامية هو الاحتياط.

كذلك في الاعراض: حلية الوطء منوطة بكون الموطوء زوجة أو ملك يمين، فاذا شك في الموضوع كان مقتضى الاصل هو الاحتياط.

وكذلك في الاموال: فإن حلية المال منوطة بالعنوان الوجودي، كأن يكون له سلطنة على المال، اما لانك مأذون اما لانك ولي، فاذا شككت في انك ذو سلطنة على المال أم لا؟ فمقتضى اصالة الحرمة هو الاحتياط. وهكذا.

فالمحقق النائيني بناء على هذه الكبرى السيّالة، ذهب الى أصالة الحرمة في المطعومات والمأكولات، بل جميع الأفعال بل جميع الموارد التي علق فيها الحكم الترخيصي تكليفيا أو وضعيا على عنوان وجودي.

فبناء على ذلك يقال: بانه الأصل هو الحرمة عند الشك في أي مورد علق فيه الحلية على العنوان الوجودي ومن تلك الموارد هو محل كلامنا، حيث علقت صحة الصلاة على عنوان وجودي وهو كون الجلد من حيوان يحل اكله.

ولكن المحقق العراقي وكذلك السيد الخوئي في باب الطهارة، اشكلا على المحقق النائيني:

فإن مجرد تعليق حكم ترخيصي على عنوان وجودي ليس منشأ لدلالة التزامية، بل غاية ما يستفاد من الجملة هو الحكم الواقعي وهو ان موضوع الحلية ما كان طيباً واقعاً لا اكثر من ذلك.

ولا تكفل لها لإثبات حكم ظاهري وهو أصالة الحرمة. ولو تم ذلك لتم في العكس، وهو ما لم علقت الحرمة على عنوان وجودي، فإنه يقال: مقتضى تعليق الحرمة على عنوان وجودي انه إذا شك في عنوان وجودي فافحص ولا تقترب، فأي فرق بينهما حتى تقول بأنه إذا علقت الحلية على عنوان وجودي فاحتط، فاذا علقت الحرمة على عنوان وجودي وشككت في هذا العنوان الوجودي فعلي بالاحتياط.

إذن بالنتيجة: دعوى وجود هذه الدلالة الالتزامية عهدتها على مدعيها.

المقدمة الثانية: بناء على أصالة الحرمة: إذا اجرينا اصالة الحرمة في اللباس، قلنا لا ندري هذا اللباس مأخوذ من حيوان ماكول اللحم أو من حيوان محرم، واجرينا اصالة الحرمة في ذلك الحيوان، فهل يترتب على اصالة الحرمة المانعية؟ هل يترتب على الأصل السببي وهو اصالة الحرمة في الحيوان المسبب؟ وهو ثبوت المانعية للثوب المتخذ من الحيوان أم لا؟

ذكر المحقق النائيني «قده» في «اللباس المشكوك، ص313»: كما ان اصالة الحل في الحيوان المتخذ منه اللباس لا تفيد في نفي المانعية، لأن اصالة الحل تثبت الحلية الفعلية، ولا تثبت الحلية الذاتية، والمانعية إنّما ترتفع إذا كان الحيوان حلالا ذاتا، فكما لا تجدي اصالة الحل لا تجدي اصالة الحرمة. فإن أصالة الحرمة في الحيوان المتخذ منه هذا اللباس غاية ما تثبت الحرمة الفعلية لا الحرمة الذاتية، وموضوع المانعية الحرمة الذاتية. اذن اصالة الحرمة كأصالة الحل من حيث النتيجة.

التنبيه الرابع: تعرض له سيدنا «قده» في «رسالة اللباس المشكوك، ص46»:

ما ذكره الأصوليون من عدم حجية الاصل المثبت هل يختص بالاثر الوجودي أم يختص بالاثر السلبي؟ يعني عدم الاثر؟

فهنا يظهر من كلام المحقق الإيرواني في رسالته «الذهب المسكوك في اللباس المشكوك»:

أنّ الأصل المثبت، يشمل عدم الأثر. بيان ذلك:

مثلا: صحة الصلاة تترتب على طهارة ساتر العورة، طهارة ساتر العورة تترتب على غسله بعد تنجسه، صحة غسله تترتب على ان يكون المغسول به ماء، فعندنا عدة آثار. اثر المائية انه إذا غسل به المتنجس تحقق الغسل المعتبر، اثر الغسل المعتبر الطهارة، اثر الطهارة صحة الصلاة. فلو شككت في طهارة الثوب ساتر العورة للشك في المائية، وهو ان المغسول بهذا الثوب ماء أم ليس بماء؟ فاستصحاب عدم المائية عندما لم يكن لم يكن ماء. هل ينفي صحة الصلاة فيه؟ أو انه أصل مثبت؟

فهنا افاد سيدنا الخوئي «قده» في «ص46، رسالة اللباس المشكوك»، بتقريب منا: بأن الفرق بين الأصل المثبت وغيره: أن الاثر العملي الذي يراد ترتيبه على مجرى الاصل، تارة: يكون أثراً مباشرياً بلا واسطة، فلا إشكال انه يترتب على مجرى الاصل، سواء كان أثراً شرعياً أو كان أثراً عقلياً.

مثلاً: اثر اشتغال ذمة الميت بالدين عدم إرث الورثة مقدار الدين من التركة. هذا اثر شرعي مترتب مباشرة على الاشتغال، فإذا شككت لا ادري ادى دينه أم لا؟ استصحب بقاء اشتغاله.

استصحاب اشتغال ذمته يترتب عليه اثر مباشر وهو عدم انتقال هذا المقدار الى الورثة.

أو كان الاثر اثر عقلي: كاستصحاب الوجوب، فإن الاثر المترتب على استصحاب الوجوب، هو حكم العقل بوجوب المحركية، فاذا شككت في ان وجوب الصلاة قد سقط عني أم لا؟ لأنني صليت قصرا ولعلي مطلوب للتمام، فجرى في حقي استصحاب الوجوب، فما هو اثر استصحاب الوجوب؟ هو حكم العقل بلزوم المحركية. إذن متى ما كان الاثر مباشرا ترتب على مجرى الاصل سواء كان الاثر شرعيا أو عقلياً.

وأما إذا كان الاثر مع الواسطة، فتارة تكون الواسطة شرعية، فيكون هذا الاثر في الواقع اثر الأثر.

وتارة: تكون الواسطة عقلية غير شرعية.

فإذا كانت الواسطة شرعية: فليس اصلا مثبتاً. مثلا: نشك في نجاسة هذا الماء، نستصحب نجاسته، استصحاب نجاسته السابقة يترتب عليه نجاسة ملاقيه ونجاسة ملاقي الملاقي ونجاسة ملاقي الملاقي الملاقي.

فنجاسة ملاقي الملاقي ليست اثر مباشري لاستصحاب النجاسة، لكنها اثر الاثر، لكن لما كانت الواسطة بين مجرى الاصل وبين الأثر واسطة شرعية ترتبت، لأن قوله «لا تنقض اليقين بالشك» كما ينطبق على الاثر الاول ينطبق على اثر الاثر أيضاً.

أما إذا كانت الواسطة عقلية: كما مثلوا في الاصول: استصحاب عدم الحاجب، فاذا توضأ وشك في وجود حاجب على ذراعه، يقولون استصحاب عدم وجود الحاجب لا يثبت وصول الماء، لأن الأثر وهو انغسال العضو، هذا الاثر محفوف بواسطة عقلية.

بعد الفراغ من الكبرى، لو كان المنظور اليه عدم الاثر لعدم الاثر لعدم الموضوع، فهل ترتب عدم الأثر على عدم الأثر على عدم الموضوع من الاصل المثبت؟ أم لا؟

هذا محط كلام الإيرواني، حيث قال هذا اصل مثبت، فهي لوازم عقلية لا لوازم شرعية، استصحاب عدم ما غسل به الثوب ماء. استصحاب عدم كونه ماء لنفي حصول الغسل، لنفي الطهارة، لنفي صحة الصلاة، الملازمة بين انتفاء الصحة وانتفاء الطهارة وبين انتفاء الغسل بالماء هذه ملازمة عقلية، فإنما يكون الأصل اصلا مفيدا لا اصلا مثبتا إذا كان الاثر وجودياً، اثر الاثر، لا ما إذا كان الاثر سلبيا، الانتفاء لأجل الانتفاء لأجل الانتفاء.

لكن سيدنا «قده» قال: هذه ملازمة شرعية، كما انه هناك ملازمة شرعية بين نجاسة ملاقي الملاقي لنجاسة الملاقي لنجاسة الملاقى. هناك ملازمة شرعية بين عدم صحة الصلاة، بطلان الصلاة، وبين عدم طهارة الساتر، وبين عدم كون المغسول بهذا الساتر ماء.

فهذه الملازمة شرعية بين موارد النفي وليس ملازمة عقلية.

تطبيق ذلك على المقام: في محل الكلام: لو شككنا في الغنمية، هل ان هذا الحيوان غنم أم لا؟ وكان في السابق غنماً، فلا ندري انه ما زال غنما أم لا؟

استصحاب الغنمية معناه عدم حرمة الاكل، وعدم حرمة الاكل معناه عدم المانعية، فتنفي المانعية لانتفاء حرمة الأكل المترتب على استصحاب الغنمية. هل هذا اصل مثبت أو غير مثبت. الايرواني يقول مثبت.

والحمد لله رب العالمين.