الدرس 118

الخلل الواقع في الصلاة

تحرير دروس الحوزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ذكرنا فيما سبق: أنّ سيدنا «قده» أفاد بأن الموضوع المركّب من جزأين تارة لا يؤخذ فيه قيد الاتصاف، كما إذا كان مركّباً من جوهرين أو جوهر وعرض في محل آخر أو عرضين لمحل واحد أو عرضين لمحلين.

وتارة يؤخذ فيه الاتصاف كما إذا كان مركبا من جوهر وعرضه.

ففي الاول: وهو ما إذا كان الموضوع مركبا من دون اخذ قيد الاتصاف الممثل له بما مثل له من اسلام الوارث وموت المورث، فإن موضوع الارث ان يكون الوارث مسلماً في فرض موت المورث، إذ لو ارتد قبل موت المورث أو كان كافراً فإنه لا يرث المسلم. فإذن الموضوع مركب جزأين: موت المورث واسلام الوارث، فهنا إذا احرزنا سابقا ان الوارث كان مسلماً، وشككنا في بقائه على إسلامه الى حين موت المورث نستصحب بقاء اسلامه الى حين موت المورث، وبضم الاستصحاب أي استصحاب اسلام الوارث الى موت المورث يتنقح موضوع الارث.

فان قلت: استصحاب اسلام الوارث على موت المورث لا يثبت الاتصاف، أي لا يثبت اتصاف موت المورث لكونه عن وارث مسلم.

قال: بأن الاتصاف لا دخل له بالموضوع، فإن كان لا يثبته، فإن موضوع الحكم نفس الجزأين ان نفس موت المورث واسلام الوراث، وليس الموضوع اتصاف احدهما بالآخر، فإن قيد الاتصاف لا دخل له بالموضوع.

ولكن ذكرنا فيما سبق اشكالا عاما على هذا التصور الذي يذكره سيدنا الخوئي «قده» في الموضوعات المركبة، وذكره أيضاً شيخنا الاستاذ «قده» فإنه قطعا لا يريد سيدنا «قده» انه لا ربط بين الجزأين، أي ليس مراده ان موضوع الارث موت المورث ولو لم يجتمع مع اسلام الوارث، بل لا محالة مراده ان يجتمع في زمان واحد، لا ان موضوع الارث موت المورث في نفسه، واسلام الوارث في نفسه، بل لا محالة موضوع الارث اجتماعهما في زمان، فاذا كان موضوع الارض اجتماعهما في زمان فكيف يقال ان موضوع الارث ذات الجزأين من دون قيد آخر، فإنه اما ان يقال: ان موضوع الارث ذات الجزأين بلا دخالة لأي قيد وهذا منافٍ للضرورة، لأنه لابد من اجتماعهما، وإما أن يقال بأنه اخذ في موضوع الارث اجتماعهما في زمان، فاذا اخذ في موضوع الارث الاجتماع فاستصحاب بقاء اسلام المورث الى حين موت الوارث لا يثبت الاجتماع بناء على الأصل المثبت.

السيد الخوئي قال: ان الاثر انما يترتب على ذوات الاجزاء، «ص251» عند اجتماعها، أي وجود كل جزء في زمان يوجد فيه الجزء الاخر.

اذن ما ان الاجتماع في زمان لا دخل له، فهذا خلف الادلة، اما ان الاجتماع في زمان له دخل فاستصحاب بقاء اسلام الوارث الى حين موت المورث لا يثبت الاجتماع الا بالملازمة العقلية، لازم بقاءه الى هذا الآن اجتماعهما عقلاً، فإذن صار استصحاب بقاء اسلام الوارث على حين موت المورث أصلا مثبتاً خصوصاً على رأي السيد الخوئي. إذن بالنتيجة كيف يثبت باستصحاب اسلام المورث الى حين موت الوارث موضوع الاثر والحال بأن الاجتماع في زمان هذا لازم عقلي لإسلام الوارث حين موت المورث.

ولكن شيخنا الاستاذ افاد بأن هذا التقيد مأخوذ لكن على نحو المعنى الحرفي لا على نحو المعنى الأسمي. أي ان هذا الذي عبر عنه السيد الخوئي «قده» على نحو ضيق الخناق ان يكون كل منهما في زمان يكون فيه الآخر، ان يكون اسلام الوارث في زمان فيه موت المورث، هذا مراد به ان التقيد لوحظ على نحو المعنى الحرفي فلو كان التقيد ملحوظا على نحو المعنى الاسمي يعني عنوان الاجتماع، عنوان الاجتماع لا يثبت بالاستصحاب، اما إذا لوحظ على نحو المعنى الحرفي، والمعنى الحرفي آلي لطرفيه أي ان المعنى الحرفي دائما لا يلحظ على نحو النفسية والموضوعية وانما يلحظ على نحو المشيرية لطرفيه، فاذا كان التقيد ملحوظا على نحو المشيرية لطرفيه فلي التقيد شيئاً وراء وجود هذين القيدين، لا انه معنى زائد عن وجود القيدين، إذا لو كان معنى زائدا على وجود القيدين لكان معنى اسمي. الكلام انه عندما يقول الشارع: إذا مات المورث في زمان اسلام الوارث أو إذا كان الوارث مسلما في زمان موت المورث هذه «في» لوحظت على المعنى الحرفي أي مجرد مشير الى وجود نفس الجزاين فالأثر المترتب على «في» في الواقع مترتب على ذات الجزأين، لأن المفروض ان التقيد لوحظ على نحو المعنى الحرفي لا على المعنى الاسمي. لذلك لما كان التقيد مجرد مشير الى ذات الجزأين ثبت باستصحاب اسلام الوارث على حين موت المورث.

ذكرنا هذا الكلام عن شيخنا الاستاذ سابقا وقلنا: بأنه اذن لا حل، إلا ان يقال بأن الاصل المثبت لا ينال الواسطة الخفية، ما لم نقل بأن عدم حجية الاصل المثبت لا تطرد ولا تسري الى مورد يكون الواسطة خفية، لا يتم هذا الجواب بالنتيجة: انتم تقولون ان التقيد لوحظ على نحو المعنى الحرفي والمعنى الحرفي مشير الى ذات الجزأين مع غمض النظر عن اجتماعهما في زمان فيعود الاشكال. أو مشير الى الجزأين الموجودين في زمان، فهو معنى زائد على ذات الجزأين لا محالة.

اذن بالنتيجة لابد ان يقال: لما كان هذا الاجتماع في زمان مندّكاً في الجزأين حيث ان العرف لا يفكك بينهما بحيث تقول له ذات الجزأين شيء واجتماعهما في زمان شيء آخر. بما ان الاجتماع في زمان مندك فيهما غير منفك عنهما بالنظر العرفي لذلك العرف يرى ان اثر الاجتماع اثر لهما بحيث لو لم يرتب على استصحاب بقاء اسلام الوارث الى حين موت المورث لعد بنظر العرف نقضا لليقين بالشك، لابد ان ندخله في هذه الخانة، خانة ان المقام وان كان الاثر فيه للواسطة بالواسطة لكن لما كانت الواسطة خفية فالعرف يقول نعم الاثر هو اثر لنفس الجزأين. والا فالامر مشكل.

هذا كله إذا كان الموضوع مركباً.

اما القسم الثاني: وهو ما إذا كان الموضوع مركبا من الجوهر وعرضه، كما في الماء الكر، فإن العصمة والطهارة موضوعها الماء والكر. فهل الموضوع كرية الماء يعني على مفاد كان الناقصة يعني الاتصاف، اتصاف الماء بكونه كراً؟ أم أنّ الموضوع ماء وكر، أو ماء وكرية. على نحو مفاد كان التامة؟

فذهب سيدنا الخوئي تبعا لشيخه المحقق النائيني في هذا المورد بأنه متى ما ورد في لسان الدليل جوهر وعرضه كان ظاهراً في مفاد كان الناقصة، كان ظاهراً في اخذ حيثية النعتية والاتصاف، فموضوع الاعتصام الماء المتصف بكونه كرا، يعني كرية الماء لا الماء والكرية، لأجل ذلك: تارة نحرز ان هذا الماء كان كر، فهنا يجري الاستصحاب بسهولة، هذا الماء كان كرا فهو الآن كر، نستصحب نفس النعت والوصف.

اما إذا افترضنا ان لدينا بئر وهذا البر كان فيه ماء وهذا البئر كان فيه كرية يوما من الايام، الآن لا ندري ان الكرية التي كانت في هذا البئر ما زالت موجودة أم لا؟ نستصحب بقاء الكرية، استصحاب بقاء الكرية في هذا البئر لا يثبت ان هذا الماء نراه الآن متصف بالكرية. الا بنحو الاصل المثبت.

فإذن بالنتيجة: لا يثبت باستصحاب الكرية على نحو مفاد كان التامة مفاد كان الناقصة وهو اتصاف الماء بكونه كرّاً. وهذه ثمرة الفرق بين التركيب والتقييد والاتصاف، فما هو المستظهر من الادلة؟ قال: المستظهر من الأدلة: «إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيءً» أنّ الموضوع هو الاتصاف، أي اتصاف الماء بالكرية. ووجه الاستظهار:

هنا طريقان: طريق للمحقق النائيني، وطريق للسيد الخوئي:

الطريق الأول _الذي للمحقق النائيني_: وله عدة مقدمات: المقدمة الأولى: أنّ الملحوظ اما الإطلاق أو التقييد وأما الإهمال فهو مستحيل في مقام الجعل، فلا محالة المولى أما لاحظ الاطلاق لا بشرط أو لاحظ التقييد.

المقدمة الثانية: إن الإنقسام للاطلاق والتقييد تارة في الجوهر وتارة في العرض، تارة ننظر الى الماء فنقول: هذا الماء اما بشرط من حيث الكرية، أو بشرط الكرية، فلاحظنا الانقسام في الجوهر. وتارة نلاحظ الانقسام في العرض، نقول: الكرية أمّا أن تلاحظ ما هي هي على نحو الوجود المحمولي مع غمض النظر عن وجود موضوع لها، هذا اطلاق. وأما ان تلاحظ بما هي منتسبة للماء فهذا تقييد، فالانقسام للاطلاق والتقييد تارة يلحظ في الجوهر وتارة يلحظ في العرض.

المقدمة الثالثة: ان لاحظت الانقسام في الجوهر لغى الانقسام في العرض، بينما إذا لاحظته في العرض لم يلغو في الجوهر، لأن الجوهر متقدم رتبة على اعراضه، فاذا كان الجوهر متقدم رتبةً على عرضه فمتى لاحظت الانقسام في الجوهر يلغو ملاحظة الانقسام في العرض. بيان ذلك: إذا لاحظت الماء وقلت: الماء _موضوع حكمي للعصمة والطهارة_ الماء المتقيد بالكرية، بمجرد ان تلاحظ الجوهر مقيدا، فإذا تأتي الى العرض فيما بعد لا يمكن أن تلاحظ فيه التقييد، تقول: مرادي الكرية المتقيدة بالماء، إذ بعد تقييد الماء بالكرية يلغو تقيد الكرية بالماء، أي إذ بعد تقييد هذا التقييد اللحاظي يحصل ضيق قهري وهو ان الكرية لا محالة هي الكرية المنتسبة الى الماء. إذن بعد لحاظ التقييد في الجوهر يلغو التقييد في العرض. وإذا لاحظت الاطلاق في الجوهر قلت موضوع العصمة هو طبيعي الماء لا بشرط الكرية، وعندما جئت الى الكرية قلت موضوع عصمتي الكرية المنتسبة الى الماء، يلزم التناقض والتهافت إذ لا يلزم ان يكون موضوع حكمك الماء لا بشرط، مع كون موضوع حكمك الكرية المنتسبة الى الماء. اذن متى ما حصل الانقسام في الجوهر لا محل له في العرض لأسبقية الجوهر على العرض رتبة، وكذلك ان نظرت الى العرض اولاً، ما نظرت الى الجوهر، مباشرة ذهبت الى العرض، قلت: الكرية بما هي هي موضوع الاعتصام، أو الكرية بما هي منتسبة للماء موضوع للاعتصام، يقال لك والماء، ماذا تصنع فيه؟ لأن ملاحظة الانقسام في العرض لا يوجب ملاحظته في الجوهر، لأن العرض ليس سابقة رتبة على الجوهر، فملاحظة الاطلاق في العرض لا يلغي السؤال عن حال الجوهر، أو ملاحظة التقييد في العرض لا يلغي السؤال عن الجوهر، فيقال: بعد ان قيدت العرض هل الجوهر مقيد أم مطلق، ان كان مقيد فالتقييد في العرض، ان كان مطلق يلزم التناقض. إذن لا محالة لا يصح ملاحظة التقسيم في العرض بل لابد من ملاحظته في الجوهر.

المقدمة الرابعة: بعد ان عرفنا كلام النائيني ولاحظنا الجوهر وقيدناها بالكرية، وقلنا موضوع العصمة الماء المتصف بالكرية، يقول بمجرد ان تلاحظوا الجوهر مقيدا عرضه حصل الوجود النعتي، صار المدار على النعتية، إذ لا معنى لتقييد الجوهر بعرضه الا النعتية ودخل الاتصاف. هذا ما ذكره الميرزا النائيني.

أورد سيدنا الخوئي «قده» على شيخه النائيني «قده» بإيرادين:

الإيراد الاول: نحن نسلم معكم ان الجوهر سابق رتبة على العرض، لكن مجرد السبق الرتبي لا يعني اننا لابد ان نلاحظ التقسيم في الجوهر قبل العرض، وأننا لو لاحظنا التقسيم في العرق قبل الجوهر لا يلغي السؤال في الجوهر، لا ملازمة بينهما، صحيح الجوهر سابق رتبة على العرض أمّا هذا لا يعني ان ملاحظة التقسيم في الجوهر يلغي التقسيم في العرض أو بالعكس. بيان ذلك بتقريب منا:

هنا مقدمتان:

المقدمة الاولى: ان العرض هو الكرية اما ان يلاحظ في نفسه وهو وجود محمولي يمكن ان يكون مع الجوهر يمكن ان يكون مع غيره، لأن الكرية قد تكون في الماء قد تكون في العصير قد تكون في الزيت. فالكرية اما ان تلاحظ في نفسها مع غمض النظر عن الانتساب للماء، هذا يسمى وجوب محمولي، مفاد كان التامة. واما ان تلاحظ الكرية منتسبة الى الماء، وهذا اللحاظ الثاني يقول لا شيء خارج عن العرض، لما قرأنا في الحكمة ان وجود العرض في نفسه عين وجوده لموضوعه فهذا وجود واحد له لحاظان، الكرية وجود واحد غاية ما في الامر هذا الوجود الواحد تلحظه في نفسه يسمى مفاد كان التامة، تلحظه منتسبا الى جوهره تسميه مفاد كان الناقصة. وإلا فهو وجود واحد، وجود العرض في نفسه عين وجوده لموضوعه، فهناك وجود واحد حقيقة والفرق في اللحاظ والاعتبار.

المقدمة الثانية: هل بين الجوهر والعرض اختلاف في الوجود، يعني عندنا وجودين منفكين واحد يسمى جوهر وواحد يسمى عرض، أو إذا ان الماء كرا فهو وجود واحد؟

تارة نقول بأن الجوهر والعرض كما هو ملك آقا علي مدرس: ان العرض ليس وجودا زائدا على وجود الجوهر وانما هو من الوانه وشؤونه، لا يوجد عندنا وجودان، وجود للماء ووجود للكرية، الماء الكر وجود واحد فهذه الكرية لون من ألوان وجوده، بناء على هذا اتضح المطلب، قلتم بأن العرض لوحظ منتسب لا محالة هو عين وجود الجوهر فالتقسيم في العرض بأن العرض تارة نلحظه مطلقا وتارة نلحظه مقيّداً، وهذا لا يغلي السؤال في الجوهر، هذا الكلام غير صحيح، لأن وجود العرض للجوهر هو عين وجود الجوهر، لا وجود آخر، فبما أنهما وجود واحد وليس الفرق الا باللحاظ والاعتبار إذن متى ما لاحظ المولى الكرية منتسبة للماء فقد لاحظ الماء مقيّداً بالكرية. فيلغو التقيد في الجوهر بعد التقييد في العرض.

واما إذا اخترتم المسلك المشهور للفلاسفة، وهو أن هناك وجودان: وجود للجوهر وهو وجوده في نفسه مع غمض النظر عن إمارات تشخصه، يقول الفلاسفة لا تقول عن مشخصاته، لأن وجود العرض غير وجود الجوهر، وكل وجود لا يكون تشخصا الا لماهيته ولا يكون مشخصا لماهية اخرى، إذن الاعراض امارات التشخص لا انها مشخصات، فعندنا تشخصان: تشخص ما بإزاء ماهية الجوهر، تشخص بإزاء ماهية العرض، وبالتالي إذا قلنا بهذا المسلك المعروف عندهم، صحيح هناك وجودان: أما ذكرنا في بحث اجتماع الامر والنهي ان التركيب بين الجوهر وعرضه تركيب انضمامي، ومعنى ان التركيب انضمامي: يعني وان كانا وجودين لكن لا ينفكان حساً، ولا بحسب الاشارة، وجودان حقيقة لا ينفكان حساً، لأن بينهما تركيبا انضمامياً، فمقتضى هذا التركيب الانضمامي أن لحاظ العرض منتسبا للجوهر يعني لحاظ الجوهر مقيدا بالعرض.

فالنتيجة التي وصل اليها السيد الخوئي: وهو ان لاحظت التقسيم في الجوهر يلغو في العرض، اما إذا لاحظته في العرض فلا يلغوا في الجوهر بل نقول: متى ما لاحظته في الجوهر لغى في العرض، متى ما لاحظته في العرض لغى في الجوهر، لأن وجودهما اما واحد أو بينهما تركيب انضمام، وبالتالي فمتى ما لاحظت العرض منتسبا للجوهر فقد لاحظت الجوهر مقيداً بالعرض. فإذن هذا الوجه الذي افاده لا يفيدنا.

والحمد لله رب العالمين.